أرشيف المقالات

نظرات في المذاهب الهدامة

مدة قراءة المادة : 10 دقائق .
8 (.
.
ولكن أصحاب النحل الخبيثة وذوي المطامع لم يرضهم في الزمن الغابر، ولا يرضيهم في الزمن الحاضر، أن يعيش الناس وادعين راضين في ظلال النظم المشروعة، فهبوا يعارضون أوامر الله ووصايا الرسل بتسليط الغرائز وتحكيم الشهوات، فتمردوا على الدين، وتحللوا من الخلق، وتحرروا من القيود.)
الزيات تقوم الحياة الاجتماعية للشعوب والأمم، على سنة ثابتة من الرقي والتطور التدريجي الذي يسير في طريق طبيعي منذ القدم.
ومن الوهم، استطاعة نقل حياة الناس من حال إلى آخر بنظام يبتكر أو مذهب يتخيل فيه واضعوه أية سيطفر بهذه الشعوب مرة واحدة.
وقد رسخ في وهمهم أن الجماعات الإنسانية لو قامت على هذه النظم وسارت على تعاليمها، لوصلت إلى حالة أرقى وعيش أسعد، مما عليه حياتها القائمة. وقد انتشر كثير من هذه النظم والمذاهب في هذه الأيام، فأطلق أصحاب هذه المذاهب العنان لخيالهم الذي أتى بكثير من الانتاجات التي تعتبر وصمة عار في جبين الإنسانية المتحضرة في القرن العشرين.
والعجيب أن تنبع هذه المذاهب الهدامة والنظريات المتوحشة، من أوربا المتمدينة التي يدعي شعوبها أنهم أكثر الناس إنسانية وحضارة؛ هذه المذاهب التي تقول بإبادة الضعفاء والمرضى وأصحاب العلل والعاهات حتى لا يبقى إلا الأقوياء القادرون على الكفاح في الحياة، فلا يكون أولئك المرضى الضعفاء عقبة في سبيل التقدم، بإعالة المجتمع لهم وصرف بعض الجهد في سبيلهم. واكثر هذه المذاهب تطرفا (الشيوعية) التي أخذت تغزو بعض الشعوب فتقلب أمرها رأسا على عقب، تزلزل بنيانها وتهدم أركانها. يقوم هذا المذهب على أركان رئيسية ثلاثة: (1) أن تكون أرض الوطن وما عليها ملكا للأفراد والأمة على السواء، وذلك بمحو الملكية الفردية وإبطال الحقوق المكتسبة بالجهد والسعي.
وفي هذا ما فيه من إضعاف روح الجد والطموح إلى العلا.
فهم يتوهمون أن العقر المنتشر بين الطبقات وفي الشعوب سببه سوء توزيع الثروة بين أفراد الشعب، وهم بهذا يريدون أن يرجعوا بالناس آلاف السنين إلى الوراء يوم أن كانوا في العصور الهمج الأولى لا يعرفون شيئا عن الملكية فكانوا يعيشون على ما يصطادونه من الحيوانات أو ما تصل إليه أيديهم من الأعشاب. فلما ارتقت حالهم وزادت معرفتهم بالزراعة والصناعة وغيرها، عرفوا الملكية فعرفوا ما لهم من حقوق وما عليهم من واجبات.
فحينما ينادون بمحو الملكية الفردية وإبطال حقوق الأفراد فيما يجمعون، يريدون على حد زعمهم أن يمنعوا بعض الأفراد من أن يتناولوا فوق ما يكفيهم من الثروة العامة فيكتنزوه في خزائنهم، ليفرقوه على الذين لا ثروة لهم، وفاتهم أن هذه الوسيلة عديمة الجدوى ضعيفة الأثر في تحسين الحالة الاقتصادية وإخراج الناس من الأزمة التي يرزحون تحت كلكها. وفاتهم أنهم بعملهم هذا يقضون على روح التنافس المشروع بين الأفراد ويقتلون في نفوسهم النشاط والرغبة في العمل، ما دام كل ما يجمعونه سيذهب إلى أيدي غيرهم ممن لم يبذلوا مجهوداً ولم تتصبب جباههم عرقاً، ولم يجهدوا عقولهم في التفكير فيما يجلب لهم المال والثروة.
فيتقاعد العاملون ويتكاسل أصحاب الهمم العالية ويصبح الناس سواسية في الفاقة والاحتياج، وتعود الخسارة على العالم عامة والوطن خاصة لتوقف المشروعات العظيمة والعمال النافعة التي يقوم بها ذوو الهمم الجبارة ويتولاها أصحاب الكفايات الممتازة سعياً وراء الكسب المشروع وزيادة ثروة البلاد. (1) أن تكون الحكومة قيمة على الأعمال قائمة بجميع المشروعات التي تكون كلها ملكاً للدولة، أي حذف رءوس الأموال الفردية.
وهم بذلك يستهوون الفقراء ويجتذبونهم إلى صفوفهم لما يوهمونهم به من معسول الكلام، بأن العمل بهذا سيجعلهم في رغد من العيش ويحسن حالتهم، ويقضى على هذا العدو الناشب أظفاره فيهم كما يقول عالم من علماء الاقتصاد الروس (إن الفقر لا يعالج عن تقسيم الثروة بين الناس لسببين واضحين أحدهما أن الثروة التي يراد تقسيمها لا تكفي حاجات للناس جميعاً.
وقد عرف ذلك عن طريق الإحصاءات.
فلو صودرت الأرباح الفردية التي تزيد عن 10000 فرنك ووزعت بين الذين يقل دخلهم عن هذا المقدار، فإن كل فرد لا يحصل على أكثر من 12 % من دخله تقريباً، وبما أن الناس لا يصلون إلى رغد العيش المرجو إلى إذا ارتفع دخل كل منهم إلى عشرة أضعاف ما يحصل عليه حالياً، عرفنا أن مشكلة الفقر لا تعالج بتقسيم ثروة الأغنياء على الفقراء.
فالعامل الذي دخله خمسة فرنكات ويشكو الفقر والعوز، فإن حاله لن تتغير عما هي عليه إذا حصل على الـ 12 التي تخصه من الاستيلاء على أموال الأغنياء وذلك لأندخله لا يرتفع في الحالة الثانية أكثر من ربع فرانك يومياً وهذا فرق ضئيل لا يأتي بالتحسين المطلوب الذي يقصد من تقسيم الثروة بين أفراد الشعب جميعاً. والسبب الآخر أنه إذا كان دخل أحد الناس في السنة 50 مليوناً من الفرنكات وصودر هذا المبلغ لتوزيعه على الفقراء المحيطين به فإن كلاً منهم لا يحصل على أكثر من فرنك، وهذا مقياس لجميع الأغنياء، كما أنه لو أفاد هذا العمل مرة فلن تتكرر هذه الفائدة فمن سيدفع عن الفقراء حاجاتهم التي تتجدد يوماً بعد يوم؟ ذلك لأن الشخص الذي كافح وجاهد وأكتسبالـ50 مليوناً لن يعمل على كسب مثلها في السنة التالية لأنه حرم لذة هذا الجهاد وحرمت عليه ثمرة ما بذله، فيكتفي بما يسد به حاجاته الشخصية ويكفل له العيش)
ثم يقول: (إن حالة البشر المعيشية سيئة جداً، وإننا فقراء مدقعون وذلك لأن منتجات الأرض السنوية تعجز عن سد حاجة البشر من الغذاء والملبس.
فهل هذا لأن الأرض لا تنتج ما يفي بما هو ضروري لنا، إن كان الجواب على هذا بالإيجاب فعلينا أن نرضى بحظنا من الحياة وما قسمه الله لنا، وأن نعتبر أن الفقر كالموت أمر لا مفر منه ولا محيض عنه، ولكن لحسن الحظ أن هذا الافتراض لا مصيب له من الصحة لأن الأرض في مقدورها أن تدر علينا من المحصول أضعاف دخله، لأن ينابيع الثروة لا حد لها على الإطلاق.
.)
3 - الركن الثالث أن الدين ألد أعداء الشيوعية وما يتبعها من المذاهب الهدامة، المتسلطة على عقول العامة، لأنه يدعو إلى مبادئ تخالف الشيوعية وتحارب مبادئها التي تعمل على جعل الأرض فردوساً موهوماً على أشلاء ضحايا البشرية؛ لذلك يعمل الشيوعيون على استئصال أثر الدين من نفوس المجتمع، لأن الذي يؤمن بالدين يستحيل على المبادئ الهدامة أن تجد لها مكانا من نفسه ومن تفكيره.
وفي هذا بقولي أبو الشيوعية كارل ماركس في تعاليمه: (إن الدين هو تنهدات الجماعة المظلومة) أي أنه لولا ما يقع على هذه الجماعات الفقيرة من ظلم واضطهاد لما التجئوا إلى حظيرة الدين يطلبون حمايتها، وعلى هذا الزعم الباطل، لو محي الظلم من بين هذه الطبقات بالوسائل التي يدعو أليها، لما وجد للدين أثر بين الناس. ويقول غيره من الداعين إلى هذه المذاهب: (لا يتولد الدين إلا تحت تأثير النير الاقتصادي، ولا يكون ذلك إلا في المجتمعات التي تقوم على أساس الطبقات) ثم يقول: (إن الشروط الاجتماعية التي كانت تنشأ عنها العقائد الدينية قد بادت، وأن الدين قد أضحى كائنا ميتا لا حياة فيه ولا أثر له في اقتصادنا ونظامنا الاجتماعي الذي تتطلبه حياة التقدم والرقي.) هذه هي المفتريات التي يوجهها هؤلاء الواهمون إلى القوانين السماوية، ليجتثوها من النفوس فيصبح العالم فوضى لا ضابط له ولا نظام فيه، وهي مفتريات باطلة، كما يراها المتأمل في التعاليم الدينية بعين البصيرة، البعيدة عن الأهواء والزيغ، فإن الذين يرزحون تحت كلا كل الظلم، والذين ما نرى ذوي السلطان وأصحاب الموال ومن يتمتعون بمكانة اجتماعية ممتازة، أكثر تمسكا بالدين من أولئك الفقراء المظلومين، بل هناك من الملوك والأمراء من نزلوا عن عروشهم وتنازلوا عن إماراتهم تورعا في الدين وزهداً في متاع الحياة الدنيا، فهل هؤلاء يرضون تحت وطأة الفقر والحاجة؟ وقد توهم الشيوعيون أن في مقدورهم تقويض سلطان الدين لأنهم ظنوا أنه يستمد سلطانه من فقر الجماعات وجوعها ووقوعها تحت سلطان القادة المتجبرين يسومونهم سوء العذاب، وفاتهم أن الدين يستمد سلطانه من أكرم ما يوحيه العقل وأشرف ما يبعث من عواطف في النفس. والإنسان الذي يكون كل همه السعي في طلب القوت وكل تفكيره منصرفاً لاستنباط الحيل للحصول عليه، لا يجد وقتاً يساعده على التأمل في الدين وتعاليمه أو التفكير في مصيره.
بل إن الإنسان إذا أشتد به الظلم والفقر، كثيراً ما يؤدي به هذا إلى الكفر والخروج على طاعة الدين ومخالفة أوامره. هذه نظرة عجلى في أركان المذهب الشيوعي نستطيع أن نستخلص منها أن الشيوعيين قد خيل لهم وهمهم أن الإنسان كائن لا يهمه إلا امتلاء بطنه، وأن همه الأكبر لا يخرج عن هذا العمل فهو لا يسعى للبحث عن المثل العليا ولا عن الغذاء الروحي الذي يغذي النفوس والتي هي دائماً في تعطش إليه، ما دام قد وجد ما يشبع كرشه (أسيوط) عبد الموجود عبد الحافظ

شارك الخبر

مشكاة أسفل ٢