أرشيف المقالات

الأدبوالفن في أسبوع

مدة قراءة المادة : 11 دقائق .
8 للأستاذ عباس خضر لسنا أوربيين ولا حالمين: كتب الأستاذ إبراهيم المصري في العدد الأخير من (أخبار اليوم) حديثا جرى في مجلس حضره، بين رجل أجنبي يستوطن مصر وبين شاب مصري جامعي.
حمل الرجل الأجنبي على الثقافة الشرقية، واتهم العقل الشرقي بالهوس الديني والتواكل القدري والتجرد المطلق من الروح العملية، وزعم ان العلم المادي التجريبي كما تفهمه الحضارة الحديثة دخيل على العقل الشرقي المولع منذ القدم بالأخيلة الدينية. وقد رد عليه الشاب الجامعي بالتفرقة بين الشرق الإسلامي وبين الشرق الأقصى والعقائد الأسيوية التي تنفر من الحياة وتحتقر العمل وتنادي بخنق الرغبات البشرية، وقال الشاب ان الحضارة الإسلامية استمدت قواها من الغرب اكثر مما استمدتها من الشرق، فالعلم العربي مدين للإغريق اكثر مما هو مدين للهند أو للصين أو للشرق الأقصى.
إلى ان قال: (فالشرق الإسلامي إذن ليس هو الشرق الذي تزعم.
ونحن في الحقيقة لسنا الشرقيين الأسيويين الحالمين.
نحن من الغرب.
نحن أوربيون)
. أعجبني تفريق الشاب بين الشرق الإسلامي وبين الشرق الحالم المغرق في العقائد البعيدة عن الحياة العملية، كما أعجبني إرجاعه التأخر الملحوظ علينا اليوم إلى سياسة الأجنبي المستعمر وسياسة بعض الإقطاعيين من رجالنا.
ولكن الشاب لم يعرف الشرق الإسلامي تعريفا صحيحا، فليس استمدادنا من أوربا بالذي يجعلنا أوربيين، كما ان أوربا لم تصبح من الشرق الإسلامي لأنها أخذت منه في بعض العصور.
ونحن لسنا بحاجة إلى ثبات اتصالنا بأوربا أو نسبتنا إليها لننفي عن أنفسنا ما نتهم به من الإغراق في الخيال والبعد عن الحياة المادية وما يسمونه الهوس الديني.
والواقع ان بعض الذي يرموننا به هو الذي ينفي عنا هذه التهم، وهو النزعة الدينية فالدين الإسلامي لم يفصل في شؤون الحياة بين مادي وروحي يدعوا إلى هذا وينهى عن ذاك، بل هو ينظر إلى الحياة باعتبارها وحدة كاملة، وليس هو دين عزلة، بل هو نظام حياة إنسانية وتشريع مجتمع كامل. والعقلية العربية هي كذلك عقلية عملية، إلى جانب تمسكها بالقيم الإنسانية والمثل العليا، فق كان العربي يصنع الصنم فإذا جاع أكله، وهذا يدل على العقلية العملية البعيدة عن العقائد الحالمة. فنحن لسنا من الحلمين ولسنا أوربيين، إنما نحن.

نحن عرب مسلمون، لم تؤخرنا نزعة دينية ولا فلسفة روحية، وأنا لم يأخذني أبدا رنين الكلمة السائرة التي قالها أمين الريحاني وهي: (أنا الشرق عند فلسفات، فمن يبيعني بها دبابات؟) فالشرق العربي الإسلامي لم تعقه فلسفات عن دبابات، وإنما العائق، كما جاء في مقالة الأستاذ المصري سياسة الاستعمار والاقطاع، وبالتخلص من هذين يشتري الشرق العربي الإسلامي الدبابات، لا بما لديه من فلسفات. في مسابقة المجمع اللغوي: أعلن المجمع العربي عن مسابقة في نقد الشعر العربي من منتصف القرن التاسع عشر إلى اليوم. فهل يريد المجمع الشعر العربي في جميع البلاد الناطقة بلغة الضاد الممتدة من المحيط الأطلسي غربا إلى الخليج الفارسي شرقا، ومن جبال طوروس شمالا إلى خط الاستواء جنوبا، بالإضافة إلى إنتاج الشعراء الذين يقيمون في أمريكا وأوربا؟ ارجوا التكرم بالإفادة ولكم جزيل الشكر. محمد سيد كيلاني رجعت لنص المسابقة وهي مسابقة سنة 1949 - 1950 فوجدته يتضمن ان يجاز بمائتي جنيه (احسن بحث في نقد الشعر العربي في الفترة التي تبدأ في النصف الثاني للقرن التاسع عشر إلى اليوم - ولا ينقد شعر الأحياء) والواقع انه موضوع مترامي الأطراف، وهذه الفترة بالذات زاخرة بالإنتاج الشعري المتنوع المذاهب والمختلف الألوان، بل هي تشمل الشعر العربي الحديث كله وهذا الشعر ليس من السهل الحصول عليه أو على نماذج لمذاهبه ومواطنه، ومراجعه نادرة، وطرقه متشعبة.
وهو الموضوع الذي قررت الجامع إنشاء كرسي له يسمى (شوقي) ولا تزال حائرة في اختيار أستاذه. فكيف يوفى ذلك الموضوع في بحث يقدم في مثل هذه المسابقة؟ ان المجمع ينظم هذه المسابقات لتشجيع الإنتاج الأدب ي، ولكن الأمر يكاد يخرج من هذا الموضوع إلى التعجيز الأدبي.
. لقد حاولت ان افهم ان المقصود من الموضوع بحث جزئي لا يخرج عن نطاق الفترة المحددة حتى يكون معقولا، ولكني رأيت النص لا يساعد على هذا الفهم، ولو كان هذا هو المراد لما اعيا بيانه لجنة الأدببالمجمع. المرأة: تعيش فاطمة مع أبيها المقعد في الإسكندرية.
يتهدم المنزل الذي يقطناه وهي في المدرسة، فيذهب بأبيها ولا عائل لها سواه، فتتوجه إلى القاهرة حيث أمها متزوجة من رجل آخر.
يرحب بها زوج أمها ويتودد إليها توددا مريبا، ولما تقف على حقيقة نواياه تغادر منزله ليلا، وتنقذها الحاجة محروسة من يد الشرطي الذي اشتبه فيها، وتأخذها إلى منزلها وتكرمها.
والحاجة محروسة هي (ملكة البسبوسة) التي تبيع هذا الصنف من الطعام وامثال إلى عمال مصانع الزجاج الأهلية.
تعيش فاطمة في منزل الحاجة محروسة الملاصق لمنزل يسكنه أخوان من عمال المصنع هما محمود وفريد، ويشاهد كل منهما فاطمة وهي تغني في نافذة مقابلة لنافذتهما، فيحاول كل منهما ان يظفر بها، بخطبها فريد من الحاجة محروسة، ولكنها تحب محمودا.
ولما يعم محمود بالخطبة يحزن ويذهب إلى مرقص ليتسلى هناك.
وتأتي إليه نجمة الراقصة ويشربان معا، وتوصله إلى منزله وهو ثمل، ويراها عنده أخوه فريد، ويدور حديث بين الأخوين يقول فيه فريد لمحمود انه تنازل له عن فاطمة لما عرف انها لا تحبه ولم يكن فريد صادقا في ذلك وإنما كان يريد أمرا، اتفق فريد مع نجمة الراقصة على ان تذهب إلى أخيه محمود بحيث تراها عنده فاطمة.
ويظل الأخوان يتنازعان إلى ان ينتهز فريد فرصة صعود أخيه على آلة عالية في المصنع فيعبث بأسفلها حتى يسقطه، وينقل محمود إلى المستشفى، وتذهب إليه نجمة الراقصة، فتدرك من حديثه إليها ان أخاه هو الذي دبر اسقاطه، فتصر على إبلاغ (البوليس) ويسمعها فريد، فيلقها في ممر بالمستشفى ويطعنها بسكين، ويفر ثم يقبض عليه.
ويشفى محمد فتاتي فاطمة إليه ويخرج بصحبتها من المستشفى مسرورين.
ذلك هو مخلص قصة فلم (المرآة) الذي عرض لأول مرة في سينما أوبرا بالقاهرة، والقصة من وضع عبد الفتاح حسن ومحمود السباعي، والأول هو مخرج الفلم، واشترك الثاني في التمثيل وهو في الفلم (فريد) ومثل كمال الشناوي (محمود) وأحلام (فاطمة) وسميحة توفيق (نجمة) وماري منيب (الحاجة محروسة). والقصة كما ترى تدور عن نزاع أخوين على امرأة، وهي قصة عريقة في القدم، قصة ابني آدم قابيل وهابيل.
ولننظر كيف عولجت في هذا الفلم، ولكن أرى أني أمام أمر آخر هو ولا شك أهم من موضوع القصة في نظر العاملين في إعداد الأفلام المصري، وذلك هو استخدام مميزات في الممثلين وتطويع الحوادث لإبراز هذه المميزات، معنا الآن: صوت أحلام، ووسامة كمال الشناوي، وظرف ماري منيب، ورشاقة سميحة توفيق.
إماأحلام (فاطمة) فتراها في أول الفلم تلميذة في المدرسة، فلا بد ان تكون مدرسة موسيقى لتغني في (الفصل) أغنية تتضمن التنديد بظلم الرجل للمرأة، وهي أغنية لا مناسبة لها، وهي أيضا تافهة فهي تلخص ظلم الرجل للمرأة في انه يريدها عالة عليه! ثم تقول انها لا بد ان تطالب بحق الانتخاب، وهناك تضع أحلام اسفل قبضة يدها على كفها اليسرى وتحركها لغيظ الرجال واشعارهم بحرقة الفلفل! وهي حركة غير لائقة، وهي كذلك بائخة. وفي أحد المناظر يقال ان فاطمة ذهبت إلى أمها بحلوان، ثم تظهر فاطمة في حلوان لا مع أمها ولا في منزلها بل في حديقة كبيرة، وذلك لتغني أحلام بين الأشجار والأزهار في حديقة حلوان التي خلت لها.

ارأيت حديقة عامة تخلو لمطربة كي تغني فيها وحدها.
.؟. وأحلام مغنية ذات صوت جميل، ولكنها في الفلم تغني بطريقة واحدة في المواقف المختلفة، ولا ينسجم غناؤها مع الحوادث، فتشعر كأنها تغني ريثما يتيسر تتابع المناظر.
وقد أجادت تمثيل البنت المسكينة، وهي تصلح للأدوار التي تستحق فيها العطف لا الحب. إماكمال الشناوي فله نصيب الأسد في هذا الفلم، فقد طغى على من معه، وهو الممثل الأول فيه، وتسير به القصة على انه البطل الجميل المحبوب الخير، واخوه مكروه لا تستخف البطلة ظله فلا بد ان يكون مرذولا يدبر الأذى حتى يقع في شر أعماله.
قد يقع هذا في الحياة أو قد لا يقع، لكنه لزام في اكثر أفلامنا المصرية. وإماماري منيب فقد اختيرت (ملكة للبسبوسة) وملجأ لفاطمة، ولكثرة قيامها بمثل هذا الدور في الأفلام المختلفة أصبحت ذات شخصية تتميز بالظرف الشعبي الأصيل، وهي كذلك في هذا الفلم، إماعلاقة فاطمة بها عجيبة.

أمراه ترتزق من صنع البسبوسة والكنافة والمهلبية، تؤوي في بيتها فتاة لا عمل لها الا الغناء في الشرفة، كأنها تعدها خاصة لمغازلة محمود إياها وليتنازع عليها الأخوان!. وإماسميحة توفيق فقد قامت بدور الفتاة اللعوب فأجادت في هذا الدور اكثر من تأديتها لدور الفتاة المحبة المضحية، فلقد كانت متكلفة في هذا، كما كانت متكلفة في الأغنية التي غنتها، والأغنية نفسها كانت سخيفة، فهي تغني لحبيبها فتقول: (يا خرابي عليك!) وفي هذه الفتاة الحيوية والقدرة على التعبير، ويلمح المشاهد فيها مواهب لم تظهر، لأنها لم تغتسل، في هذا الفلم. واظهر شئ في الفلم مجافاته للواقعية، فحياة العمال ومساكنهم وملابسهم وسائر مظاهرهم لا تقل عن أمثالها في حياة العمال بأمريكا! وتصور ان منزل الحاجة محروسة بائعة البسبوسة فيه أشجار وأزهار تغرد بينها أحلام!. وعهدنا بالمرقص الكبير ان تكون مرادا للأغنياء والوارثين ولكنا نرى رواد المرقص الفخم في هذا الفلم، ومحط انظار حسانه الفاتنات، من عمال مصانع الزجاج الأهلية.
ومن مآخذ القصة ان والد فاطمة بدا في أول القصة شيخا ضعيفا مقعداً، فهو لا يكسب شيئا من عمل يزاوله، ويدل منظره وحالته في المنزل وأثاثه على معيشة لا باس بها، فلا بد ان يكون له أيراد ما، وتهدم المنزل لا يذهب الا بالرجل وأثاثه، ولكنا نرى ابنته شريدة لا تجد قوتها، فأين مصادر الإيراد التي كان يستمد منها أبوها؟ عباس خضر

شارك الخبر

فهرس موضوعات القرآن