أرشيف المقالات

الأدب والفن في أسبوع

مدة قراءة المادة : 8 دقائق .
8 للأستاذ عباس خضر ذكريات منسية جاءت ذكريات ثلاثة أعلام النهضة الأدبية والفكرية بمصر في الأسبوع الماضي، وهم الشيخ محمد عبده، والمنفلوطي، وحافظ إبراهيم، فماذا لقيت هذه الذكريات من اهتمام؟ أما الشيخ محمد عبده أستاذ الأساتذة والرائد الأول لإصلاح الأزهر، ونافض الغبار عن الفكر الإسلامي في العصر الحديث، فقد انحصر إحياء ذكراه في حديث عنه للدكتور عثمان أمين بالإذاعة يوم الذكرى الموافق 11 يوليه الحالي، وكذلك السيد مصطفى لطفي المنفلوطي الكاتب الإنساني الذي أحبه كلُّ قارئ وقرأه كلُّ شاد في الأدب، إذ كان كلُّ نصيبه من الذكرى حديث عنه للأستاذ محمد خلف الله أحمد يوم ذكراه الموافق 12 يوليه الحالي، أما حافظ إبراهيم شاعر النيل الذي ظل حياته يشجي بالتعبير عن أوجاع مصر، فقد نسيته مصر وتجاهلت ذكراه الموافقة 21 يوليه الحاضر، وأنكرته الإذاعة كأنها لا تعلم أنه كان في مصر شاعر أسمه حافظ إبراهيم! وقد اقتربت ذكرى أمير الشعراء أحمد شوقي بك، ولابد أن الإذاعة ستستعد لإحيائها كما تفعل كلُّ عام بذلك البرنامج الحافل الذي يتلخص في إذاعة فصل من مسرحية مجنون ليلى، وإدارة (اسطوانة) يا جارة الوادي، وجفنه علم الغزل! منذ شهور احتفلت سفارة الباكستان في القاهرة بذكرى شاعرها الكبير محمد إقبال، وكان ذلك فرعاً أو مشاركة للمهرجان الكبير الذي أقيم في الباكستان للشاعر العظيم، ومن نحو شهرين تألفت لجنة من مصر للاشتراك في إحياء ذكرى الموسيقى العالمي شوبان، واجتمعت هذه اللجنة في وزارة الخارجية، ووضعت برنامج الاحتفال الذي سيكون في سبتمبر القادم، ومنذ قليل تلقت وزارة المعارف من هيئة اليونسكو كتاباً يتضمن أنها ستحتفي بذكرى الشاعر الألماني جيته وتدعو مصر إلى الاشتراك في إحياء ذكراه، ونشرت الصحف أن الوزارة أخذت في العمل على تأليف لجنة من الأدباء والفنانين المصريين للاحتفال في مصر بذكرى جيته. ولو ذهبنا نسوق الأمثلة لاهتمام الأمم والدول بذكريات أعلامها من الأدباء والمفكرين لطال المقام، كما يطول بسياق الأمثلة لجحود مصر ونسيان الراحلين عنها بعد أن فنوا بأداء رسالاتهمفيها، والعجيب أن تهتم بمشاركة غيرها في الاحتفال للذكريات وهي لا تهتم بذكريات أبنائها! وجدير بالغير ألا يهتم بهم ما دامت هي غافلة عنهم! والتقصير في ذلك يرجع إلى الجهات الحكومية وإلى الهيئات الأهلية، أذكر من الأولى وزاراتي المعارف والشؤون الاجتماعية والإذاعة، ويختص الأزهر بالتقصير في جانب الشيخ محمد عبدة! وما أكثر الجمعيات الأدبية والثقافية في مصر، وما أقل الأدب والثقافة في مصر، وما أقل الأدب والثقافة فيها! وإن أليق شيء به أن تقوم بإحياء ذكريات الأدباء والمفكرين. ولا ينبغي أن يمهل ذكر الصحافة في هذا التقصير، فإنه لا تغنى كلمة هنا ونتفة هناك، ولا شئ هنا وهناك.
وكذلك الكتاب الذين عاصروا وعاشوا الشخصيات التي نسيت ذكرياتهم، وهم أولى الناس بأن يذكروها. وأعتقد أن أولئك الراحلين ليسوا في حاجة إلى تلك الجفاوات والاحتفالات، إنما تنفع الذكرى الأحياء بما يجلي عليهم في إحيائها من آثار أدبية ومثل عالية في حياة من تحيا ذكرياتهم، فهي للجيل الحاضر معرض رائع من صور الإنسانية الراقية في حياة الماضيين ومما يلابسها من آداب وعلوم وفنون.

فاذكروا الأحياء بذكرى الأموات! تعليم العربية في جنوب السودان: رددت الصحف أخيراً أنباء خلاف وقع في السودان بين وزير المعارف هناك السيد عبد الرحمن علي طه وبين السلطات البريطانية على دراسة اللغة العربية في مدارس السودان الجنوبي، وقالت الأنباء إن السيد عبد الرحمن قام برحلة إلى الجنوب تفقد فيها حالة التعليم هناك، ولما عاد إلى الخرطوم رأى ضرورة اعتبار اللغة العربية لغة أساسية في مدارس الجنوبوهذا النبأ يدل على حقيقة تدعو إلى الأسف، وهي أن أهل السودان الجنوبي يعلم من يعلم منهم بغير اللغة العربية، بالإنجليزية طبعاً.
.
ولكن الإنجليز لا يشاركوننا هذا الأسف بطبيعة الحال، بل هم يدهشون لاجتراء وزير المعارف السوداني على الاهتمام باللغة العربية واتخاذها مادة أساسية بتلك المدارس، ولا بد أن يعارضوا في ذلك ويلتمسوا لمعارضتهم أسباباً تحمل (ماركة) البرود الإنجليزي المشهورة.

قالوا: إن هذه خطوة سابقة لأوانها! واعتلوا بعدم وجود مدرسين للغة العربية ملمين باللغة المحلية الجنوبية: أنه يجب ألا الإنجليزية ولا تفتح أبوابه إلا للإرساليات المسيحية التبشيرية، أي يجنب كلُّ ما يربطه بالشمال من تلك الروابط التي تقلق البال البريطاني ولعلك تعلم أن في (ملكان) من جنوب السودان مدرسة ابتدائية مصرية أنشأتها وزارة المعارف المصرية منذ سنوات هناك حيث توجد إدارة للري المصري، وأن هذه المدرسة يعلم فيها معلمون مصريون أبناء الجنوب باللغة العربية، ويمتحن تلاميذها في امتحان الشهادة الابتدائية المصرية، وقد نجحت جهود هذه المدرسة نجاحاً ملحوظاً.
فهل المعلمون المصريون يفهمون اللغة المحلية في جنوب السودان أكثر مما يفهمها معلمو شمال السودان؟ ثم كيف توافر معلمو اللغة الإنجليزية الذين يعرفون لغة أهل الجنوب دون أن يتوفر مثلهم معلمون للغة العربية؟ إذا كان معلمو الإنجليزية من السودانيين الشماليين فحكمهم حكم من يعلمون اللغة العربية من مواطنيهم، وإن كانوا من الإنجليز فما أحسبهم يدعون أن هؤلاء هم الذين أوتوا القدرة على فهم لغة الجنوب. إن ما يبديه البريطانيون في السودان بهذا الصدد إنما هو تعلات يقصد بها الوقوف في وجه الثقافة المصرية ووجه انتشار التعليم على العموم، فهم لا يريدون تعليماً يستنير به المتعلمون وإنما يريدون تعليماً (يجلنز) وحسب.
وزمام الإنجليزية في يدهم يطبعون من يعلمونه بها كما يشاءون، بخلاف الأمر في تعليم العربية غير المأمون. وتلك (التعلات) ليست جديدة علينا، فقد سمعناهم من عهد قريب يقولون - لمعارضته التوسيع في إنشاء المدارس المصرية بمدن السودان - إنه ليس من مصلحة البلاد تعدد الثقافات فيها وقد فندت هذا القول في حينه.
ثم خطب بعد ذلك معالي الأستاذ على أيوب وزير المعارف في حفاة نهاية العام الدراسي الماضي بكلية فيكتوريا الإنجليزية فقال إنه يرى نجاح هذه الكلية في مصر دليلا على فائدة تعدد الثقافات! وكانت هذه رمية مسددة من معاليه كان أحرى بالإنجليز في أن يبعثوا بها إلى زملائهم في السودان، ولكنهم لم يفعلوا لأنهم يوقنون أن ما يقوله الزملاء هناك إنما هو (تعلات). وبعد، فإني أبعث إلى السيد عبد الرحمن علي طه بتحية من شمال الوادي، لتشدده في أن تدرس اللغة العربية دراسة أساسية في جنوب السودان، تشدداً بلغ حد التهديد بالاستقالة، ويبدو من آخر الأخبار أنه مصر على رأيه وأنه أدنى إلى النجاح فيه، وهو موقف مشرف ينظر إليه التاريخ نظرة ملؤها الاحترام والاعتبار. مركب إذاعة إذا رأيت في الصحف أو سمعت في البرلمان نقداً للإذاعة ينصب على تقصيرها في مسألة من المسائل التي يجب أن تهتم بها، فلابد أن ترى على أثر ذلك في مجلة الإذاعة المصرية - إن كنت تراها - أن إذاعتنا مهتمة بهذه المسألة أكبر الاهتمام ولم تتوان عن أن تتخذ فيها كيت وكيت، وذلك بأسلوب يجتهد فيه كاتبه أن يغطي موضع المؤاخذة بالتعميم والتهويش دون أن يحرج نفسه بالتفصيل والتبيين؛ وبذلك تحاول الإذاعة أن تعوض النقص، ولكنها تركبه.
. وآخر مثل لذلك ما أخذه الكتاب على الإذاعة من تقصيرها في تسجيل روايات نجيب الريحاني المسرحية، وكانت الإذاعة تذيعها من مسرحه، فكان أن توفي ولم يسجل له عمل مسرحي. ثم طلعت مجلة الإذاعة في الأسبوع الماضي (عدد745) تقول إننا سنقدم قريباً رواية للريحاني، وأعقبت ذلك بأن الإذاعة المصرية تحتفظ بتسجيلات وافية لأصوات العظماء والأدباء والفنانين، وأنها لم تقصر في هذا المضمار. وتوهم المجلة بذلك أنها سجلت شيئاً للريحاني، دون أن تحرج نفسها بذكر أسم الرواية، على طريقتها التعويضية المتقدمة. وأخيراً، يوم الخميس الماضي تمخض المذياع فنقل من سينما استديو مصر فلم (سي عمر) لنجيب الريحاني! وكفى الفلم الإذاعة عناء التسجيلات!! عباس خضر

شارك الخبر

ساهم - قرآن ١