أرشيف المقالات

تعقيبات

مدة قراءة المادة : 13 دقائق .
8 للأستاذ أنور المعداوي ومضات فكر من وحي الربيع: قلت لنفسي وجحيم يلفح الوجوه في يوم من أيام الأسبوع الماضي: أنحن حقاً في الربيع؟.
.
أين هو الربيع الذي يفيض على الحياة من رقة أنسامه، ويضفي على الأحياء من روعة أحلامه، ويوحي إلى الأقلام من سحر معانيه؟!. الربيع في لغة الفن بسمة ترف على الشفة، وومضة تشع في العين، وفرحة تختلج في الشعور، وهمسة تحلق في فجاج الروح.
والربيع في لغة الطبيعة زهرة تفوح بالأرج، وطير يصدح على غصن، موجة تهدهد موجة، ونسمة تداعب نسمة، ونغم ينساب من خرير جدول.
.
فأين لغة الفن والطبيعة من لغة الواقع الذي نعيش فيه؟!. الربيع عندنا حلم من أحلام اليقظة يستغرق فيه الخاطر ولا تراه العيون، وصفة من كتاب الطبيعة نطالعها في وجوم وحيرة، ونطريها في سكون وصمت.
.
ثم لا تثير بعد ذلك في حنايا الضلوع عاطفة! وقلت لنفسي: إن أدبنا لو خلا من الروح فهو مظلوم.
.
أين الطبيعة الوادعة التي يستطيع في رحابها أن يتنفس، وأين الأفاق الحانية التي يتهيأ له في ظلها أن يعبر، وأين الأجواء الطليقة التي تمده بينابيع الجمال ليتدفق ويفيض؟!. لا شيء في أيدينا من هذه النعم التي اصطفى بها الله أرضاً دون ارض، وخص بها سماء دون سماء.

وبشراً يموجون في موكب الحياة دون بشر!! من صفاء الطبيعة يستمد الأدب إشراقه اللفظ، ومن إشعاع الطبيعة يقبس الأدب حرارة العبارة، ومن ألوان الطبيعة يرسم الأدب جوانب الصورة، ومن توثب الطبيعة يحلق الأدب على أجنحة الفكر والخيال.

ولكننا محرمون من الربيع في ريعانه، ومحرومون من عيد الطبيعة في أبانه؛ ومن هنا عاشت نفوسنا في حرمان من البهجة التي تفيض ولا تقطر، وعاش أدبنا في حرمان من الموهبة التي تبدع ولا تقلد، وانتهى بنا المطاف إلى لون من الفن الكئيب الذي ينقل عن الطبيعة الواجمة كال معنى حزين، وكل فكرة حيرى، وكل مشهد قاتم.

هناك حيث تلقى الحياة في خمارها الأسود الذي يحيل البسمات إلى أنات! أدبنا المصري صورة من بيئتنا المادية.

فيه ما فيها من طابع الكآبة والخمول، وفيه ما فها من صبغة التكرار والجمود، وفيه ما فيها من سمة المظهر البراق الذي يلوذ بالسطوح ولا يدرك الأعماق!. إنك تظلم الأديب في مصر حين تدفع إليه بالقلم وهو محروم من مصادر الوحي، وتظلم الفنان في مصر حين تفرض عليه الإبداع وهو بعيد عن عناصر الخلق، وظلم هذه البقعة من الأرض حين تطالبها بإخراج العباقرة وهي خواء من منابع الإلهام!! أدبنا في الخريف، ونفوسنا في الخريف.

وذنبنا أننا نتلقف أنسام الربيع من صفحات الكتب ومن أفواه الناس! ردود قصيرة علي رسائل القراء: حقيبة البريد في هذا الأسبوع عامرة بالرسائل.

بعضها شعر بعث به إلى أصحابه ليأخذ طريقه إلى صفحات (الرسالة)، وبعضها الآخر أسئلة من القراء وتعقيبات. أما الرسالة الأولى فمن الأديب الشاعر يوسف جبرا وبها قصيدة اسماها (صرخة)؛ إنه يسألني عن رأيي في قصيدته قائلاً: (وإن كان فيها خروج على أدب يحول دون نشرها فلماذا لا تحرق (الدبكامرون) و (ألف ليلة) و (اعترافات جاك جاك)؟.
. أود أن أجيب الشاعر الفاضل بأنني من الذين يدينون بالقول المأثور:: الفن للفن.
وقد كتبت في هذا الموضوع مقالاً في (الرسالة) تحت عنوان (دفاع عن الأدب) تعرضت فيه لرأى الفيلسوف الإيطالي نبدتوكر وتشه في أدب الاعترافات عامة وأدب جاك جاك على الأخص.
هذا من جهتي، أما من جهة الأستاذ صاحب (الرسالة) فأعرض القصيدة عليه ليرى فيها رأيه.

في نطاق فكرتها الفنية لا في نطاق روحها الشعرية، لأنها ترضيني في حدود هذا النطاق الأخير. أما الرسالة الثانية فيها قصيدة أخرى للأديب الشاعر كيلاني حسن سند تحت عنوان (في طريق الحياة).

في شعر الأديب الفاضل نفحات طيبة تنبئ عن موهبة، وسأعرض قصيدته على الأستاذ الزيات مع قصيدتين أخريين إحداهما تحت عنوان (ذكرى وربيع: للشاعر الإسكندري احمد محمود عرفه، والأخرى تحت عنوان (إلى السودان يا أماه) للشاعر الدمنهوري عبد المطلب منجى. وهذه رسالة خامسة من (كوستى - سودان) أشكر لمرسلها الفاضل (ع.
م) ولعله الأديب الشاعر عبد الله موسى كريم تقديره، وأجيبه بأنني في انتظار رسالته الثانية لأرد عليه في رسالة خاصة.
ورسالة سادسة من (أم رواية - سودان) يعرض علي فيها الأديب الفاضل محمد الحسن شاع الدين بالنيابة عن زملائه أعضاء نادي (أم رواية) الأدبي، أن يوجه إلى الأعضاء بعض الأسئلة الأدبية في كل أسبوع لأجيب عنها على صفحات (الرسالة) نظراً لخلو بلدهم من أديب (حجة) يرجعون إليه.

إنني مع شكري الخالص لهذه التحية الكريمة يؤسفني جد الأسف إلا أستطيع تلبية هذه الرغبة الغالية نظراً لضيق وقتي من جهة، ولكثرة الموضوعات المحلية التي تحتاج إلى تعقيب من جهة أخرى.
وفي الرسالة الساعة يسألني الأديب الفاضل محمود احمد سعيد بالمعهد العالي للخدمة الاجتماعية بالإسكندرية عن بعض كتاب (الرسالة) القدماء، ولماذا اثروا هجر رسالتهم في خدمة الأدب والفن باختفائهم عن العيون والأسماع.

الحق يا أخي أنني اعجب معك لهذا الاختفاء الذي لا اعرف سبباُ يبرره أو يدعو إليه! وانتقل إلى الرسالة الثامنة.
.
أن مرسلها الأديب الفاضل ع.
ص العرابي من (ساحل سليم) يعقب على ما كتبه حول الصبي الأمريكي المقعد الذي أذاع نداء الحاجة إلى ذوى القلوب الرحيمة من إحدى دور الإذاعة الأمريكية بقوله: (إن هذا الصبي المقعد لو كان في مصر لما سمح له بالوقوف أمام باب الإذاعة، فما بالك بالوقوف أمام الميكروفون الذي اصبح وقفاً على المحا سيب والأذناب.
.
ومع ذلك يقولون أن الشرق شروق ونور وأن الغرب غروب وظلام)! أما الرسالة التاسعة فمن (العدلية)، يعبر فيها الأديب الفاضل مصطفى احمد عثمان عن رغبته في أن أفسح له طريقاً إلى صفحات (الرسالة) بعد استئذان عميدها في عرض نتاج قلمه.
.
إن ردي بعد شكره على كلماته الأولى التي خصني فيها بفيض من ثنائه، هو أن (الرسالة) ترحب بكل إنتاج أدبي يتسم بالنضج والأصالة بصرف النظر عن الأسماء والألقاب!. وهذه هي الرسالة العاشرة والأخيرة يقول فيها مرسلها الأديب القاهري الفاضل عمر إسماعيل منصور بعد كلام طويل عن الأستاذ سلامة موسى: (أناشدك الله يا سيدي إلا تكتفي بما كتبت عن هذا الرجل.

أننا نلح في الرجاء بأن تنزع عنه هذا الثوب الشفاف الذي يضلل به المخدوعين والجهلة وضعاف)! وأنا أقول للسيد عمر أن الأستاذ سلامة موسى أهون من أن اشغل نفسي به وأشغل معي القراء، بعد أن كتبت عنه ما كتبت على صفحات (الرسالة)! ولهؤلاء الأصدقاء جميعاً خالص الشكر وعاطر التحية. حقوق الأدباء بين الرعاية والإهمال: كتب الأستاذ توفيق الحكيم منذ أيام كلمة في (أخبار اليوم) أشاد فيها بتلك الروح المثالية التي تجلت في موقف معالي وزير المعارف من الأستاذ الشاعر على محمود طه والدكتور طه حسين بك فقد اصدر الوزير آمرا بتعيين الشاعر وكيلاً لدار الكتب المصرية ثم أفاض في الثناء على الدكتور بمناسبة فوزه بجائزة من جوائز المغفور له الملك فؤاد، وهي جائزة الأدب.
أشاد الحكيم بتلك الروح النادرة أن صاحبها قد تجرد من رداء الحزينة حين كرم الأدب في شخص الكاتب والشاعر، وكلاهما لا يمت بصلة من الصلات إلى حزب الوزير وميوله السياسية.

ثم انتهى الأستاذ الحكيم إلى أن هذه الظاهرة الكريمة أن دلت على شيء فإنما تدل على أن الأدب بخير ما دامت الدولة ترعى حقوق الأدباء. كتب الأستاذ الحكيم هذا الكلمة في (أخبار اليوم) فانبرى الدكتور إبراهيم ناجي للرد عليه في جريدة (صوت الأمة) بكلمة أخرى ذهب فيها إلى أن الأدب في مصر ليس بخير كما يخيل للأستاذ توفيق الحكيم؛ لان الدولة إذا كانت قد رعت حق الكاتب الكبير والشاعر الكبير فما أكثر المهملين من الكتاب والشعراء.

أولئك لم يحظوا من رعاية الدولة بنصيب؟ إنني أعقب على الرأيين فأقول: إن بعض الأدباء في مصر قد ظفروا برعاية الدولة وهم آهل لهذه الرعاية، فليس لمعترض أن يعترض على ما رد إليهم من حقوق.

ومن هذا البعض الدكتور طه حسين والشاعر على محمود طه! ولا أستطيع أن أختلف مع الدكتور ناجي في أن هناك أدباء قد أغفلت جهودهم في خدمة الأدب إغفالا لا يليق بدولة ناهضة أن تقدم عليه.
.
كما لا يستطيع الدكتور ناجي أن ينكر أن هناك أدباء قد نالوا من عطف الدولة أكثر مما يستحقون لأنهم أبواق، ولا حاجة بي إلى الإفصاح فهم أغنياء عن التعريف!! نخرج من هذا كله بأن الأدب في مصر بخير بالنسبة إلى الفئة الأولى من الأدباء، وليس بخير إلى الفئتين الأخريين وهذا هو التحديد الذي يجب أن يذكر عند التعرض لموقف الدولة من الأدب وأهله بوجه عام! الفن والحياة بين أمس واليوم: هذا عنوان كلمة في (الأهرام) تناولت فيها السيدة بنت الشاطئ بالعرض الطلي والتحليل النابض موقف الفن من الحياة بين الماضي الغابر والحاضر المشهود.
ولقد كانت الكلمة من وحي مشاهدتها للحفل الرائع الذي أقيم لتكريم الأدب والعلم في جامعة فؤاد الأول، حين أقبل مندوب صاحب الجلالة الملك ليقدم الجوائز للمتفوقين الأعلام. لقد كان رائعاً حقاً أن تجول الأدبية الفاضلة بفكرها بين ألامس واليوم، لتقوم بموازنة طريفة بين موقف الفن من القصر وموقف القصر من الفن في عهد القدامى والمحدثين.

يوم أن كان الشعراء يقفون بأبواب الملوك وقفة الذل والخضوع في انتظار صلة قد يظفرون بها وقد لا يظفرون، ولا بأس من صيغة الكرامة الشخصية والعقلية في غمرة القول الملفق والشعور المصنوع.
.
كما فعل ابن نباته السعدي حين ورد على ابن العميد، وكما فعل ابن هانئ الأندلس حين طرق أبواب المعز، وكما فعل أبو الطيب المتنبي حين احسن الظن بتقدير كافوراً! من عهد أولئك القدامى تنتقل السيدة بنت الشاطئ إلى عهد المحدثين بهذه الكلمات: (فأين هذا مما ترى اليوم؟ اليوم تقدم جائزة الملك تقديراً للأدب وتكريماً للعلم!.

ولمن تقدم؟ للأديب والعالم، لم يقفا بباب، ولا امتهنا بسؤال، وإنما عكفا على الدرس وشغلا به!.

وعلى أي شيء تمنح؟ على درس أدبي لم يرد فيه ذكر الملك صاحب الجائزة، وعلى بحث علمي لا صلة له بالقصر!.

وأين؟ في دار العلم، يسعى بها من القصر العامر رسل كرام مختارون، تقديراً للجامعة واعتزازاً بها!.

وهكذا أصبحت أموال الملوك ترعى الفن والعلم وتبذل لرفع شأنهما، وقد كانا - كلاهما - من قبل مسخرين في خدمة كل ذي مال أو سلطان! فهل انعكست الأوضاع ودارت الدنيا وتغير نظام الكون؟ كلا، لا شيء من ذاك.
.
فأن مشهد اليوم ومشهد ألامس ليسا سوى مظهرين اثنين، لصلة الفن بالحياة). هذا كلام جميل، وأجمل منه قول الأديبة الفاضلة: (ونحن (الأمناء) الذين اتخذنا الكرامة شعاراً وحاربنا الأدب الرخيص المرتزق، نبارك هذا المظهر الكريم، ونرى فيه طلائع النهضة التي طالما تمثلناها، وبشرنا بها)!. أنور المعداوي

شارك الخبر

المرئيات-١