أرشيف المقالات

القبائل والقراءات

مدة قراءة المادة : 14 دقائق .
8 للأستاذ عبد الستار أحمد فراج - 2 - تكلمت في المقال السابق عن تميم مشيراً إلى أنها كانت تسكن جزءاً من نجد. وأذكر أنها مع القبائل التي تجاورها يشتركون في بعض اللهجات، وإذا ما وردت لهجة في كتب النحو والقراءات واللغة خاصة بنجد كانت شاملة ضمناً لها.
كما يغلب أن تشترك القبائل النجدية الأخرى فيما يذكر لهذه القبيلة، لتجاورهم في المسكن وقرب اتصالهم.
وتميم شاركت أحياناً قبيلة أسد لمجاورتها لها من ناحية وشاركت بكر بن وائل من ربيعة لمجاورتها لها من ناحية أخرى وشاركت لخماً لا متأثرين بالفرس لمجاورتها لهم من ناحية ثالثة، وما ذلك إلا لأن تميما منها بطون كثيرة كيربوع وطهية ودارم ومازن وحنظلة.
وقد تنفرد كل قبيلة مجاورة لتميم بما يؤثر عنا من لهجات وذلك ما نراه حادثاً حتى الآن في بلدين متجاورين من اختلاف في معاني الألفاظ أو طريقة أداء الكلمات. وسأعرض للهجة كل قبيلة مستقصياً ذلك ما أمكن مشيراً إلى ما كان للهجتها من أثر في القراءات أو اللغة ونحوها وصرفها وأولى اللهجات التي سأذكرها هي لهجة تميم. 1 - ما الحجازية وما التميمية تعمل (ما) عمل ليس في لهجة الحجازيين فترفع الأسم وتنصب الخبر بشروطها.
أما عند التميميين فلا تعمل ويكون الاسمان بعدها مرفوعين.
وجاء في القراءات على لغة الحجازيين: (وما منكم من أحد عنه حاجزين) (ما هذا بشراً) و (ما هن أمهاتهم) وقد قرأ عبد الله بن مسعود على لغة التميميين برفع بشر وقرأ المفضل عن عاصم برفع أمهاتهم على لغتهم.
وقد تظرف أحد الشعراء النحاة حيث يذكر لنا أنه طلب من محبوبه الانتساب إلى قبيلته فلم يجبه بصريح القول، وإنما ذكر له تعبيراً فهم منه القبيلة التي ينتسب إليها فقال: ومهفهف الأعطاف قلت له انتسب ...
فأجاب: ما قتل المحب حرام فإجابته (ما قتل المحب حرام) أفادت أنه تميمي لأنه لم يجعل (ما) تنصب الخبر، ولو قال: ما قتل المحب حراماً، لفهم منه أنه حجازي. 2 - لغة تميم وكثير غيرهم عدم الفك في المضارع المضعف المجزوم والأمر: مثل شد ولم يشد قال جرير: فغض الطرف إنك من نمير ...
فلا كعبا بلغت ولا كلابا وفي القرآن قوله تعالى: (من يرتد منكم عن دينه فسوف يأتي الله بقوم يحبهم ويحبونه) في قراءة القراء ما عدا نافعاً وان عامر وأبا جعفر الذين قرءوها بفك الإدغام وقوله تعالى (لا تضار والدة بولدها) في قراءة من جعل (لا) ناهية وتضار من الضرر وهم ما عدا ابن كثير وأبا عمرو ويعقوب وابن محيصين واليزيدي الذين جعلوا (لا) نافية فرفعوا وأبا جعفر في بعض طرقه الذي جعل تضار من ضار يضير وما عدا الحسن الذي فك الإدغام فقرأها لا تضارر.
وقوله تعالى: (وأن تصبروا وتتقوا لا يضركم كيدهم شيئاً) بالجزم وتشديد الراء رواية أبي زيد عن المفضل عن عاصم، أما الباقون فبالرفع أو جعلوا الفعل من ضار يضير وجزموا، وقرأها أبي بن كعب يضرركم مجزومة، بفك الإدغام. وقد ورد كثير في القرآن علة لهجة الحجازيين، منه قوله تعالى: (ومن يرتد منكم عن دينه فيمت وهو كافر فأولئك حبطت أعمالهم) (أن تمسسكم حسنة تسؤهم.
أن يمسسكم قرح فقد مس القوم قرح مثله.
أشدد به أزري.
واغضض من صوتك.
واحلل عقدة من لساني.
)
. وهناك من بني تميم من يحرك آخر الأمر في المضعف بحركة فاء الكلمة فيقول مُدُّ بضم الدال تبعاً للميم وعضًّ بفتح الضاد تبعاً للعين وعزَّ بكسر الزاي تبعاً لعين.
إلا أن القبائل العربية جميعها اتفقت على الإدغام في هلم وحركت آخرها بالفتح ما عدا قبيلتي كعب وغني فإنهما حركتاه بالكسرة غاية ما في الأمر أن الحجازيين استعملوا هلم للمفرد والمثنى والجمع تذكيراّ وتأنيثاً بدون إلحاق ضمائر وبنو تميم ألحقوا بها ضمير المؤنثة والمثنى والجمع بنوعيه.
كما اتفقت قبائل العرب على فك الإدغام في صيغة التعجب التي على وزن أفعل به فيقولون أحبب بمحمد. 3 - يجوز الإبدال عند التميميين في الاستثناء المنقطع التام المنفي، والمنقطع هو ألا يكون الاسم الذي بعد إلا من جنس ما قبلها ومنه قول الشاعر: وبنت كرام قد نكخنا ولم يكن ...
لنا خاطب إلا السنان وعامله وقوله: وبلدة ليس بها أنيس ...
إلا اليعافير وإلا العيس فالسنان مرفوع وهو بدل من خاطب، واليعافير مرفوع وهو بدل من أنيس. قال الزمخشري في قوله تعالى: (قل لا يعلم من في السماوات والأرض الغيب إلا الله) إنه استثناء منقطع جاء على لغة بني تميم أما غير التميميين فيوجبون النصب في مثل هذا الاستثناء. 4 - بعض بني تميم ومثلهم بنو عامر يجعلون إعراب الملحق بجمع المذكر السالم في آخره ويلزمونه الياء وينونونه إذا كان نكرة ولا يحذفون النون في الإضافة وذلك فيما عدا عشرين وأخواتها فإنها تعرب كجمع المذكر السالم وقد جاء عليه قول الشاعر: دعاني من نجد فان سنينه ...
لعين بنا شيبا وشيبننا مردا لكن القراءات جاءت على الأكثر: وما أدراك ما عليون الذين جعلوا القرآن عضين.
عن اليمين وعن الشمال عزين.
فلبث في السجن بضع سنين. 5 - يربوع وطهية بطنان من تميم يبنون حيث على الفتح دائماً يقولون: حيث التقينا ومن حيث التقينا بفتح الثاء فيهما وقد قرأ عبيد بن عمير الليثي (ومن حيث خرجت فول وجهك شطر المسجد الحرام) بفتح الثاء والمشهور في حيث البناء على الضم وبعض القبائل تعربها. 6 - لغة تميم ومثلهم في ذلك قيس وأيد وربيعة كسر حرف المضارعة إذا كان الهمزة أو التاء أو النون.
وقد قرأ زيد بن علي ويحيى بن وثاب وعبيد بن عمير إياك نعبد بكسر النون، وقرأ يحيى بن وثاب وأبو رزين العقيلي وأبو نهيك (يوم تبيض وجوه وتسود وجوه) بكسر التاء فيهما، أما بعض قبيلة كلب فإنهم يكسرون جميع أحرف المضارعة. 7 - الإمالة لهجة تميم وعامة نجد من قيس وأسد، وهي الإنحاء بالفتحة نحو الكسرة وبالألف نحو الياء لأسباب تكفلت بها كتب النحو والقراءات وأشد القبائل حرصاً على الإمالة تميم وفي الحجازيين إمالة قليلة إلا أنها في الإنحاء بالفتحة نحو الكسرة وجميع القراء الأربعة عشر أمالوا ماعدا ابن كثير وابن محيصين المكيين.
واللذين أمالوا لهم شروط خاصة وقد يتفقون وقد يختلفون.
والفتح يقابل الإمالة في اصطلاح القراء.
وفي القراء من تقل إمالته كابن عامر وفيهم من تكثر وألم كثرون منهم من يميل إمالة صغرى كطريق الأزرق عن ورش ومنهم من يميل إمالة كبرى كحمزة والكسائي وخلف ومنهم من يكون بين الصغرى والكبرى كأبى عمرو، فمثلا حمزة والكسائي وخلف أمالوا كل ألف منقلبة عن ياء حيث وقعت في القرآن في اسم أو فعل وكل ألف تأنيث على فعلى بضم الفاء وكسرها وفتحها كطوبى والسلوى وذكرى، وألحقوا بذلك موسى وعيسى ويحيى وكل ما كان على وزن فعالي بالضم أو الفتح كسكارى ونصارى وكل ما رسم في المصاحف بالياء نحو بلى ومتى واستثنوا من ذلك حتى وإلى وعلى وما زكى فلم تمل بحال وأمالوا من الواوى ما كسر أوله أو ضم كالربا والضحا وأمالوا وأمال غيرهم من القراء غير ذلك مما لا يحصره بحثنا الآن. 8 - النبر والتخفيف في الهمز: أحرص العرب على تحقيق الهمزة تميم.
وأهل الحجاز أكثرهم تخفيفا قال ابن منظور في لسان العرب (أهل الحجاز وهذيل وأهل مكة والمدينة لا ينبرون وقف عليها عيسى بن عمر فقال ما آخذ من قول تميم إلا النبر وأهل الحجاز إذا اضطروا نبروا).
وفي الرضى على الشافية (فخفف الهمزة قوم وهم أهل الحجاز ولا سيما قريش) هذا وبعض تميم في الهمزة التي تكون آخر الكلمة وقبلها ساكن عند الوقوف عليها يبقون الهمزة ويتبعون العين الفاء في الرفع والنصب والجر فالبطء بضم فسكون والردء بكسر فسكون والخبء بفتح فسكون يقولون فيها هذا البطؤ بضم الباء والطاء والردىء بكسر الراء والدال والخبأ بفتح الخاء والباء، ومن تميم من يبقي الهمزة ويلقي حركتها إلى ما قبلها إذا كان ساكناً وذلك في حالة الوقف فيقولون هذا البطؤ بضم الباء والطاء ورأيت البطأ بضم ففتح ومررت بالبطيء فكسر، أما الحجازيون فإنهم يحذفون الهمزة وينقلون حركتها إلى ما قبلها إذا كان ساكنا إذا كانت آخر الكلمة حذفوا الهمزة ووقفوا على ما قبلها إذا كان ساكنا وفي حالة التنوين في المنصوب وقبل الهمزة ساكن يقلبون التنوين ألفا لا غير ويحركون السكون قبلها يقولون رأيت بطا وردا وخبا.
والتي قبلها متحرك تدبر بحركة ما قبلها فالخطأ تقلب ألفا دائما رفعا ونصبا وجرا وأكمؤ تقلب واوا دائما وأهنئ تقلب ياء دائما وقد روى أن قوما من جهينة جاءوا إلى النبي صلى عليه وسلم بأسير وهو يرعد من البرد فقال لهم (ادفوه) أراد عليه السلام أدفئوه من البرد فحسبوا أنه يريد الإجهاز عليه من قولهم دفوت الجريح أدفوه دفوا إذا أجهزت عليه فذهبوا به وقتلوه فدفع الرسول ﷺ ديته. وإن اختلاف القراء في التخفيف والنقل واسع جدا وأكثر ما يرد التخفيف من طريق القراء الحجازيين كابن كثير وابن محيصين المكيين ونافع وأبي جعفر المدنيين وأبي عمرو التميمي البصري لأن مادة قراءته عن أهل الحجاز.
ومما يلحق بهذا أن التميميين يقولون في الأمر من سأل اسال وقد وردت كثيرا في رواية حفص عن عاصم: (فاسأل الذين يقرءون الكتاب.
واسأل القرية.
فاسأل بني إسرائيل.
فاسأل به خبيرا.
واسألوا الله من فضله)
.
أما الحجازيون فيقولون في الأمر سل، وقد جاءت في رواية حفص أيضا (سل بني إسرائيل.
سلهم أيهم بذلك زعيم)
وبعض القراء كابن كثير، يقرأ ما جاء في رواية حفص بلغة الحجازيين فيحذف الهمزة وينقل حركتها إلى ما قبلها فمثلا: (واسأل القرية يقرؤها سل القرية). 9 - لغة تميم تسكين الوسط المتحرك تخفيفا قال السيوطي في كتابه الإتقان: قال أبو عبيدة: أهل الحجاز يفخمون الكلام كله إلا حرفا واحدا وهو عشرة إذا ركبت مع إحدى واثنتين إلى التسع فانهم يجزمونه، وأهل نجد يتركون التفخيم في الكلام إلا هذا الحرف فانهم يقولون عشرة بالكسر: وقد قرأ جمهور القراء بسكون الشين وقرأ مجاهد وطلحة وعيسى بن عمر ويحيى بن وثاب وابن أبى ليلى والمطوعي عن الأعمش بكسر الشين وذلك في قوله تعالى (اثنتا عشرة عينا).
هذا وقد ورد في القرآن كثير من الألفاظ قرئت بإسكان وسطها وتحريكه كرسلنا وخطوات ونهر ولا يمكن حصرها وحصر قرائها في مقال، وقال جرير على طريقة التميميين: سبروا بني العم والأهواز منزلكم ...
ونهر تيرى فما تعرفكم العرب بإسكان الفاء من تعرفكم مع أنه لم يسبقه جازم. ومما يلحق بهذا الإسكان ضمير الغائب والغائبة هو وهي، فالتميميون إذا سبقوا الواو أو الفاء أو اللام أو ثم، يسكنون الهاء.
وهي تجري بهم.
وهو بكل شيء عليم.
فهو خير لكم.
فهي خاوية.
لهى الحيوان.
ثم هو وقد قرأ أبو عمرو والكسائي ونافع من رواية قالون والحسن واليزيدي بالإسكان وأبو جعفر في أغلبها بالإسكان، أما الحجازيون فإنهم يتركون الهاء على حركته بدون تسكين وهو ما جرى عليه باقي القراء. هذا ولا يفوتني أن أذكر أن إسكان الوسط يكون عند اجتماع ثلاث حركات وأن قبيلة أسد وبعض سكان نجد يشاركون تميما في ذلك كما أن بعض القراء لا يسكن الحرف ولا يحركه وإنما يجري على ما يسمونه اختلاسا وهو الإتيان بأكثر الحركة فمثلا (بارئكم) قرئت بكسر الهمزة وبإسكانها وباختلاس الكسرة. 10 - لغة تميم في (أنا) ضمير المتكلم إثبات ألفه وصلا ووقفا أما غيرهم فإثبات الألف وقفا وقد قرأ نافع وأبو جعفر مع أنهما مدينان بإثبات الألف في الوصل في مثل قوله تعالى: (أنا أحيي وأميت).
أما باقي القراء فبالحذف وصلا. 11 - (هيهات) لغة تميم فيها بناؤها على الكسرة، وكذلك قبيلة أسد وبها قرأ أبو جعفر (هيهات)، أما لغة الحجازيين فبناؤها على الفتح، وبها قرأ الباقون. 12 - اللذان واللتان وهذان وهاتان لغة تميم فيها تشديد النون وكسرها وبها قرأ ابن كثير مع أنه مكي أما باقي القراء فبكسر النون بدون تشديد. عبد الستار أحمد فراج محرر بالمجمع اللغوي

شارك الخبر

روائع الشيخ عبدالكريم خضير