أرشيف المقالات

رحلة إلى ديار الشام في القرن الثامن عشر (الثاني

مدة قراءة المادة : 12 دقائق .
8 عشر الهجري) (الحلة الذهبية في الرحلة الحلبية) لمصطفى البكري الصديقي للأستاذ أحمد سامح الخالدي (تتمة ما نشر في العدد الماضي) وفي أواخر شوال سنة 1129 شرع الشيخ في عمارة الخلوة التحتانية البيرمية، وساعد في عمارتها جناب عثمان باشا المهتدي، وصار الإخوان يجتمعون فيها للأوراد.
وزار مقام النبي موسى بصحبة صديقه الشيخ محمد الخليلي، وجعل مقره في خلوة الشيخ يونس شيخ الحرم.
وقبل العيد الكبير سار الوزير [رجب باشا] لملاقاة الحج.
وبعد قدومه من ملاقاة الحج جاء البشير بإسناد منصب ولاية حلب لرجب باشا، فسر الشيخ، وقد توجه الوزير، وكان صديقاً للشيخ إلى حلب في شهر ربيع الأول.
وفي ربيع الثاني عزم الشيخ على زيارة الخليل ومنها إلى غزة وعسقلان ووادي النمل ويختم بزيارة علي بن عليم العمري.
وتوجه ومعه الشيخ محمد الموقت، والشيخ نور الدين الهواري والشيخ رضوان الزادي، ونزل دارا قريبة من الحرم وورد عليه الشيخ عبد الرحمن الخطيب والشيخ محمد الطرعاني والأخ محمد القميري صاحب الميقات وغيرهم.
وكان الشيخ إبراهيم الدكاني ينشد لهم من قصيدة للشيخ عبد الغني النابلسي مطلعها: أنت قيد الوجود إن غبت غابا ...
وإذا ما ظهرت كنت حجابا وقصد زيارة عسقلان، فتوجه إلى بيت (جبرين) ونزل لدى علقتها، ومنها إلى (الفالوجة) وزار الشيخ أحمد الفالوجي، وسار نحو المجدل، وبات عند رجل معبَّد، يقال له ابن معبد، وأم عسقلان وزار شهداء المعركتين ووادي النمل، وأتى قرية (الحورة) وتوجه إلى قرية (حمامة) وزار الشيخ أبي عرقوب، وبايع عنده الشيخ يحيى المجدلاوي وابن أخيه، وسار في الليل وبات عند العرب والموالح، وسار إلى الرملة مدينة فلسطين، وصلى العص جامعها الأبيض، ونوى أن يتعداها إلى (لد) وزار مقام سيدنا علي رضي الله عنه، كما زار الجبانة، وبات عند الصديق المسعود الأعلمي الشيخ أبي السعود الممدود العلمي، ثم توجه إلى قرية (عابود) ومنها إلى قرية (سلفيت) وبات بها، وتوجه في الضحوة إلى نابلس ونزل في التكية الدرويشية، وبلغه وهو فيها أن الشيخ محمد الخليلي ومعه النقيب السيد محب الدين يقصدان الشام للاجتماع بمتوليها قريباً جناب رجب باشا، للسلام.
وكان قريبه الشيخ إبراهيم بن سعد الدين الجباوي قد وصل إلى نابلس بعد أن زار الخليل، فسلم عليه، ومن بني سعد الدين جدة جد الشيخ فهم أخواله، وبقي الشيخ في نابلس في التكية.
وكان معمر الدرويشية سيفي أغا البكداشي الطريقة ذهب للديار الرومية، وأبقى مكانه شاباً اسمه أحمد.
وممن زاره حسين بيك بن شرة، ودعاه لداره مع الأخوين السلفيتي والموقت فقبل دعوته.
ودار بينه وبين الدرويش أحمد البكداشي حديث وقد أخبره الشيخ عن الشيخ عبد الغني النابلسي أنه قال بمناسبة حمل البكداشية للبوق وضربهم به في المساء والشروق، أنهم إنما يفعلون ذلك لتنفير الوحوش في المهمة الموحش المفروش، لأنهم يسيحون في المهاد فيحتاجونه لدفع أنكاد، فقال الشيخ نعم أنهم يضربونه لطرد وحوش الخواطر في مهمة القلب الموحش المفروش بغير العواطر.
ثم إلى قرية (حجة) وأقام بها في خلوة الجامع المرتفعة مع إخوانه.
ورأى عند الشيخ محمد شرح الجزائرية للشيخ قاسم الخاني ورأى بخطه قصيدة أبي مدين الغوث التي مطلعها: ادرها لنا صرفاً ودع مزجها عنا ...
فأنا أناس لا نرى المزج مذ كنا وسار نحو قرية (عزون) وبعد الأكل وشرب القهوة عاد إلى (حجة) وكتب منها مكتوبين للاخوان، وودع رفاقه، وتوجه إلى (المجدل) قرية من قرى بني صعب، وإذا بخيول تتجارى في سهول الغابة وانقشع الغبار عن سحابة، فقيل له أن تلك الخيمة الزاهرة اللامعة نصبت للوزير جناب رجب باشا أمير الحاج صديقه، فأراد الاجتماع به، وما تغبرت الأقدام حتى ارتفع ذلك الخام، فجد بالسير نحو (عيتل) وبات فيها عند الشيخ عبد الله المغربي، ثم توجه نحو قرية (الهويج) وكان قد عمرها الشيخ صالح بن الشيخ سهل، فرحب به، وأقام بها يومين، وكرر شر القهوتين، السوداء والبيضاء، ودعاه الشيخ قاسم أخو الشيخ صالح قرية (المغار) وزار جدهم رفيع المنار وبات فيها أربع ليال، ولم يزل يسير إلى أن وصل قرية من قرايا مدينة صفد التي صفاها بالاندثار مصفد، فأنزله الأخ محمد عند صديق يقول له أسعد، فبات عنده ليلتين.
ثم بات في قرية ملئت بالفرقة الدرزية عند رجل من أهل السنة وبكر منها إلى جنان (حاصبية) ومنها إلى كفر كوك الدبس، ومنها إلى كفر قوق الفستق، ومنها إلى حارة القبيبات، ونزل في دار المكارى للراحة، لا للبيات، ووصل دار صهره الشيخ إسماعيل التي جددها. وكان قد نزل الخلوة بتوصية منه إلى صهره، جناب الصديق السيد محمد التافلاتي، مفتي القدس، والذي رافقه في طرابلس الشام.
وجاءه للسلام وودعه في اليوم الرابع فانتقل الشيخ إلى الخلوة وأخذ بزيارة جدوده، لدى الشيخ أرسلان، والصالحية في دمشق، وزار شيخه الشيخ عبد الغني النابلسي وبات في خلوة داخل الجامع المحيوي، ومفتاحها بيد خادمه الشيخ إبراهيم الحتمي، وبايع فيها شاب يدعى عثمان حرشي، وعاد في الصباح من طريق عين الكرش إلى مرج الدحداح وزار جده الأعلى سيدي محمد عبد الرحمن بن أبي بكر الصديق ثم شيخه المرحوم الشيخ عبد اللطيف، ثم توجه إلى جنينة تحت القلعة وزار سيدي عدي بن مسافر، وقبره ملاصق لشجرة عظيمة مكتوب عليه عدي بن مسافر كتابة قديمة، وللمذكور ديوان، وعاد مع رفاقه للخلوة. واجتمع الشيخ بوالي الديار صديقه [رجب باشا] وكان معه خبر قضية العم محمد أغا البكري الصديقي، وقد فاتحه في أمر زواج ابنته من الشيخ، فوعده خيراً، وأضاف أنه سيهبه مسكناً وسكناً، ويدخله على ابنته فرضى منه الوزير، بهذا الوعد العرقوبي، وصار عينه به، وسار الشيخ مع صهره إلى حرستي لحضور ختان ولديه السيد محمد أبي الفضل والسيد أحمد أبي الهدى.
وأراد بعض الإخوان الرجوع إلى القدس وذلك سنة (1130هـ) فحملهم كتباً للإخوان في القدس، ومنهم الشيخ محمد الخليلي، وكتاباً للإخوان في مدينة الخليل ومنهم الشيخ عبد الرحمن الخطيب التميمي، وقصائد نصف شوق الشيخ إلى تلك الربوع. ولما دخل شهر رمضان حرك الله همة عم الشيخ، لزيارة البيت، فقال الشيخ في نفسه أن ذهابهم في صحبة الوزير، رجب باشا، وكان أميراً للحج فيه فائدة، أضف إلى هذا أنه يتقرب إلى قلب عمه، ثم يقضي فرضه، فرضي عمه بذلك، وقد ذكر الشيخ ما وقع له في هذه الرحلة في رسالة سماها [الحلة الحقيقية لا المجازية في الرحلة الحجازية] والتي انتهت بوصول الشيخ إلى الشام في السابع والعشرين من شهر محرم سنة (1131هـ).
ولما عاد الشيخ من الحج، ألح الوزير على عمه إنجاز ما وعد به بشأن زواج ابنته، ولكن عمه لما بلغه خبر عزل رجب باشا عن الولاية عدل عما كان قد وعد به من أمور فيئس الشيخ وقطع أمله من ابنة عمه، فعول على بيع بعض أملاكه وحصة في بستان الدولابي والحاجب، وبستان النصراني، وسود في هذه المدة الفية في التصوف. وكان الشيخ قد فاتح السيد السلفيتي ووعد الشيخ نور الدين الهواري أنه إذا لم يحصل مع عمه اتفاق بشأن الزواج، فإنه يرجع لأخذ ابنة بنت أخيه الروحي، أي حفيدة السلفيتي فحسن له ذلك، وعلى هذا عزم الشيخ على السفر إلى القدس للزواج وذلك في أواسط ذي القعدة سنة 1131هـ مع جمع من الرفاق، فودعه صهره في المرجة في دمشق، وسار إلى (المزة) وزار قبر دحية الكلبي، ومنها توجه مع جمالة (جينين) في الليل واجتمع بالشيخ محمد بن يسن الملقب طبيعة وبات في خان سعسع ومنها إلى قرية الجيب، وهي مشهورة بالسمن لجودته وهو مشهور في قطرها بطيبته، ومنها إلى الجسر ثم المنية، ثم عيون التجار ثم جينين ذات المياه والأشجار، وكان تعارف بالشيخ في الطريق السيد مصطفى التميمي فدعاه إلى بيته فأجاب الدعوة.
وسمع بعد المغرب صوت خيل وطارق، وإذا هو السيد محمد السلفيتي وسار في الصباح إلى قرية (الزاوية) وأقام تحت شجرة البطمة، وكان قد دخل هذه القرية أحد أجداد الشيخ رضوان واسمه قاسم فقال الشيخ موالياً. قاسم حبيبك على ما تملكوا قاسم ...
فرد علا في المحاسن اسمه قاسم بل سلمو الكل إذ حبو الحبيب قاسم ...
لا زال في حرز من يدعى أبا القاسم ثم توجه للقدس وبات في قرية (بيتونيا) ويقول الشيخ في أمر زواجه (ويوم الخميس آخر ذي القعدة النفيس أقمنا في الحرم نستقبل أهل الكرم، وبعد مضي أيام الضيافة تعرضنا للنكاح بغير آفة، وفي يوم الأحد جرى القلم به بحول الأحد، أوائل ذي الحجة الحرام من العام، العام الأنعام، وليلة الخميس حصل الدخول الواجب التأنيس) وقد أرخ الزواج صديقه الشامي إذ قال (زفت الزهراء للقمر) سنة 1131هـ. ولما حلت سنة 1132هـ، ومضى منها حصة، تحركت همة الشيخ لزيارة القاهرة وذهبت بهذه النية إلى الخليل، ولكن لم يتيسر له السفر إلى مصر فعاد إلى القدس.
ولما عاد خطر له أن يخلف الأخ السيد محمد السلفيتي فباشر ذلك في المولوية وألبسه الكسوة الخلوتية، وأذن له الإذن العام. (وقريباً من ختام هذا العام ورد الوزير ذو الاحترام رجب باشا متوجهاً إلى الكنانة بإقدام، وطلب بإلحاح وإبرام أن نصحبه وجناب الشيخ محمد الخليلي الهمام فقسم النصيب قهراً وسرنا معه إليها جبراً وقسراً، وقد ذكرنا ما جرى فيها إلى سنة 1133هـ.
في الرحلة المأساة (النحلة البصرية في الرحلة المصرية). وبعد العودة من مصر شرع في رسالة المنهل العذب السايغ الواردة في ذكر صلوات الطريق وأوراده، وكان في مصر بيض الصلات البرية والألفية ومنهج الصوفية، وأخذ عنه في مصر الطريق الشيخ محد الحفناوي.
وفي سنة 1133 شرح الشيخ صلوات سيدي عبد السلام بشيش المسمى بالروضات العريشة على الصلوات البشيشة)، وبيض (السيوف) الحداد في أعناق أهل الزندقة والإلحاد) وتمرض الشيخ سبعة أشهر وأكثر، وفي أواخر مرضه جاءت والدته لما سمعت بمرضه البدني، وجاء الوزير المقدم أمير جودة ومعه الصهر الشيخ إسماعيل المدرس تحت القبة، وودع الوزير في الخليل وفي صحبته صهره الذي عاد للديار الشامية بعد أن اطمأن على صحة الشيخ. وما زال كذلك إلى أن جاءه الخبر بأن عمه أصدر عليه حجة نفقة ووكل السيد محب الدين النقيب في تحصيل ما حرر، فاستخار الله في السفر إلى جهة حلب لينال الظفر لأن الوزير (رجب باشا) صديقه منجم فيها بحال موفور فاستبشر وتوجه في رحلة سماها (تفريق الهموم وتغريق الغموم في الرحلة إلى بلاد الروم).
وقد أدرج الشيخ في آخر هذه الرحلة ما ذكره في الرحلة الرابعة والخامسة القدسية، ثم المصرية، ثم أوصلها بالرومية - انتهى. أحمد سامح الخالدي

شارك الخبر

فهرس موضوعات القرآن