أرشيف المقالات

كتاب النوادر لأبي عبد الله محمد بن الأعرابي

مدة قراءة المادة : 11 دقائق .
8 إملاء أبي العباس أحمد بن يحيى النحوي (مخطوط عالمي نفيس) للأستاذ أحمد سامح الخالدي عثرت في خزانة الكتب الخالدية في بيت المقدس على الجزء الأول من كتاب (النوادر لابن الأعرابي) أما الجزء الثاني فمفقود وقد بحثنا طويلاً فلم نعثر على أثر.
وقد أسرعتفكتبت إلى البروفيسور برو كلمان العالم الشهير في مدينة هال، ووصفت له الكتاب، فكان سروره عظيماً بهذا الخبر، وقد أجابني قائلا إن الكتاب نادر الوجود على ما تعلم، وحثني على دراسته وإخراجه لأنه من أنفس كتب الأدب وأجلها قدراً.
ومعلوم أن ابن الأعرابي عاش في القرنين الثاني والثالث وكان من كبار أئمة اللغة والمشتغلين فيها، وعاصر كبار رجال عصره وأخذ عنهم، وهو ربيب المفضل الضبي صاحب المفضليات. ومما يزيد في قيمة هذا المخطوط النادر أن النسخة التي بين أيدينا هي من إملاء أبي العباس أحمد بن يحيى النحوي (ثعلب) وقد نسخت لخزانه صاحب الحبس أبي عبد الله الكناني من نسخة بخط أبي علي الآمدي كتبها للوزير أبي الفضل بن الفرات من خط أبي موسى الحامض، وعورضت بها، وعارض بها الوزير نسخة بخط ابن الكوفي وبخط ابن الحداد عن أبي العباس ثعلب.
عن ابن الأعرابي، وقد دونت هذه الزيادات في الحواشي ثم فرشت بعد ذلك على ابن خرزاز فصحت. وصف المخطوطة: تقع المخطوطة في 287 صفحة وهي مكتوبة على ورق صقيل جيد يميل إلى الصفرة، وقد كتبت بالخط النسخي الواضح بالحبر الأسود.
وقد شكلت حروفها وزيدت عليها زيادات في الحواشي بالحبر الأحمر، فما كان عليه فهو من نسخة ابن الكوفي وما كان عليه جاء فهو من نسخة ابن الحداد. وطول الصفحة 21 سنتمتراً وعرضها 16 سنتمتراً وقد بدأت السوسة تأكل صفحاتها. تاريخ النسخة: نسخت هذه النسخة لخزانة صاحب الحبس أبي عبد الله إبراهيم ابن محمد بن حسين بن عبد الله بن أحمد بن إبراهيم بن الحكم الكناني. وقد انتقلت النسخة بعد ذلك إلى (أحمد بن محمد بن عبد الكريم) ثم (سلمان بن إبراهيم بن سلمان) وانتهت إلى وقف السيد أحمد الموقت المقدسي المتوفى سنة 1171هـ، وكان للسيد المذكور خزانة كتب نفيسة، وآلت في النهاية إلى خزانة الكتب الخالدية منذ أوائل هذا القرن. ومما لاشك فيه أنها نسخة معتبرة لأنها نسخت عن نسخة بخط الآمدي كتبها للوزير ابن الفرات وهو قريب عهد بالمؤلف.
كما أنها عورضت بنسخ أخرى معتبرة. من هو ابن الأعرابي؟ يصفه لنا ابن النديم في فهرسته ص 102 وابن النديم من رجال القرن الرابع ألف كتابه العجيب سنة 377هـ وتوفى سنة 385هـ. فيقول (إن أبا العباس ثعلب وهو تلميذه شاهد في مجلس ابن الأعرابي وكان يحضره زهاء مئة إنسان، فكان يسئل ويقرأ عليه، فيجيب من غير كتاب، وقد لزمه بضع عشرة سنة، ولم ير في يده كتاباً!). ويقول إنه مات (بسر من رأى) وقد أعلى على الناس ما يحمل على جمال.
ولم ير احد في الشعر أغزر منه، وقد قرأ على القاسم ابن معن وسمع من المفضل وذكر أنه ربيبه وكانت أمه زوجة المفضل وإنه ولد سنة 150هـ وهي الليلة التي مات بها أبو حنيفة ومات 231هـ، ثم ذكر كتبه على ما سيأتي في آخر المقال. أما عبد الرحمن بن محمد الأنباري المتوفى سنة 577هـ صاحب نزهة الألباء في طبقات الأدباء (ص207 - 213) فقد قال إنه كان مولى لبنى هاشم، وإنه من أكابر أئمة اللغة، وإنه أخذ عن الكسائي كتاب النوادر وعن أبي معاوية الضرير، وأخذ عن ابن ثعلب أحمد بن يحيى وهو الذي أملى هذا الكتاب.
وإذا أخذنا بقول الأنباري، جاز أن تكون هذه النوادر للكسائي أخذها عنه تلميذه ابن الأعرابي ولا بد من مقابلة هذه النوادر بنوادر الكسائي في كتبه الثلاث لتصح هذه النظرية. وفي رأي ابن الشعراني أن سفيان الثوري كان رأسا في الحديث وأبو حنيفة في القياس والكسائي في القرآن وابن الأعرابي في كلام العرب. أما ياقوت في معجم أدبائه.
فقد ذكره في صدد ترجمة أبي سعيد الضرير (ص118) فقال إنه أقام بنيسابور وأملى المعاني والنوادر ولقي ابن الأعرابي، وفي (ص119) يقول إنه صحب بالعراق أبا عبد الله محمد بن زياد ابن الأعرابي وأخذ عنه. وأما ابن خلكان المتوفى سنة 681هـ فقد ترجمه في (ص492) وقال إنه من موالي العباس بن محمد بن علي بن عبد الله بن العباس ابن عبد المطلب، وقيل من موالي بني شيبان وقيل غير ذلك والأول أصح. وابن خلطان يكشف لنا عن جنسيته فيقول إن أباه زيادا كان عبداً سندياً، وإن ابن الأعرابي كان أحول، وكان رواية لأشعار القبائل. ويقول إنه لم يكن في الكوفيين أشبه برواية البصريين منه.
ثم يذكر لنا علاقته بالفضل الضبي، وأسماه بعض أساتذته مما مر ذكره، ويقول إن من تلاميذه، أبا العباس ثعلب وابن السكيت.
وقد ناقش العلماء واستدرك عليهم وخطأ كثيراً من نقلة اللغة وكان رأساً في الكلام الغريب. وكان يزعم أن أبا عبيده والأصمعي لا يحسنان شيئاً. وكان يقول جائز في كلام العرب، أن يعاقبوا بين الضاد والظاء، فلا يخطئ من يجعل هذه في موضع هذه وأنشد: إلى الله أشكو من خليل أدوه ...
ثلاث خلال كلها لي غائض وقل في كشف الظنون ص (616) تحت باب النوادر، إن الأقدمين ألفوا كتباً في النوادر العربية والفقهية سوى ما ذكر منهم أبو عبد الله بن زياد المعروف بابن الأعرابي اللغوي وهو أي كتاب النوادر (رواية أبي العباس أحمد بن يحيى النحوي ويونس النحوي المذكور في الأمثال وعليه رد لأبي سعيد حسن بن محمد السيرافي النحوي). تصانيفه: وقد عدد ابن النديم تصانيفه في فهرسته ص 103: ومنها كتاب النوادر، وكتاب الأنواء، وكتاب صفة النخيل، وكتاب صفة الزرع، وكتاب النبات، وكتاب الخيل، وكتاب مدح القبائل، وتفسير القبائل، وكتاب معاني الشعر، وتفسير الأمثال، وكتاب الألفاظ، وكتاب نسب الخيل، وكتاب نوادر الزبيريين، وكتاب نوادر بني فقمس، وكتاب الذباب، بخط السكري، وكتاب النبت والبقل. ويضيف ابن النديم أنه روى عن جماعة من فصحاء العرب منهم الصمروتي والكلاني وأبو المجيب الربعي. نموذج من كتاب النوادر: نقتصر الآن على إيراد صفحتين من أول الكتاب، وصفحتين من آخره لندل بذلك على أسلوبه.
وليس للكتاب فصول ولا أبواب، وإنما هو إملاء لنوادر العرب، وقصصهم، ثم شرح هذه النوادر، وما جاء فيها من الكلام الغريب مع مجموعة زاخرة من المترادفات: قال في الصفحة الأولى: (بسم الله الرحمن الرحيم، حسبي الله معيناً - قال أبو العباس أخبرنا ابن الأعرابي قال بيننا رسول الله ﷺ ذات يوم جالس مع أصحابه إذ نشأت سحابة، فقيل (يا رسول الله هذه سحابة) فقال عليه السلام (كيف ترون قواعدها؟) قالوا (ما أحسنها وأشد تمكنها) قال (كيف ترون رحاها؟) قالوا (ما أحسنها وأشد استدارتها) قال (فكيف ترون بواسقها؟) قالوا: (ما أحسنها وأشد استقامتها) قال: (فكيف ترون برقها أوميضاً أم خفيا أم يشق شقاَ؟) قالوا (بل يشق شقاً) قال: فقال ﷺ (الحيا) قالوا (يا رسول الله ما أفصحك! ما رأينا الذي هو أفصح منك) فقال (ما يمنعني وإنما أنزل القرآن بلساني، بلسان عربي مبين). قال: قواعدها، أسافلها، ورحاها وسطها ومعظمها، وبواسقها أعاليها، وإذا استطال فيها البرق من طرفها إلى طرفها وهو في أعاليها فهو الذي لا يشك في مطره وجوده، وإذا كان البرق في أسافلها لم يكد يصدق. قال رجل من العرب وقد كبر وكان في داخل بيته وكان بيته تحت السماء (كيف تراها يا بني؟) قال (أراها وقد نكبت وتبهرت وأرى برقها أسافلها) قال (أخلفت يا بني). والومض أن يومض إيماضة ضعيفة، ثم يخفى، ثم يومض وليس في هذا بأس من مطر قد يكونولا يكون.
وأما المسلسل في أعاليها فلا يكاد يخلف.
والاقتداء نظر الطير ثم إغماضها تنظر نظرة ثم تغمض، ثم تنظر نظرة ثم تغمض، قال حميد بن ثور: خَفىْ كاقتذاء الطير والليل ملبس ...
بجثمانه والصبح قد كاد يسطع اهـ وإليك أيها القارئ الكريم نسوق مقالا آخر وهو ما جاء في آخر الكتاب: رمأ على الستين، وأرمأ ورمث وطلث وزاحمها وداهمها وحباها وحبا لها إذا بلغها وقدعها جازها. وقال قلت للكيلاني (كم أتى عليك) فقال (قد ولت لي الخمسون ذنبها.
وقلت لآخر (كم أتى عليك) فقال (أنا في قرح الثلاثين) وقال آخر (وقد أخذت بعنق الستين، وأردأت على الستين وجر دمتها إذا جازها وجردم ما بالحفنة أتى عليه. وقال الكلب الغزل الذي يصيد ظبياً فإذا صار إلى الثالث لاعبه ولم يعرض له، فيقال غزل إذ رآه.
ويقال فيه تخنيث.
وطرقة وحلة.
وقال الدفر النتن متحركة، والدفر بسكون الفاء الذل ويقال دفر في عنقه ودفع في عنقه ومنه قول عمر واد فراه! أي وأذلاء! ويقال هو معروف سوء، وثلة سوء، وبيئة وجبية سوء.
وقال نثطل ونآطل دهم الدواهي. قال وقلت امرأة ورأت رجلا عهدته شابا جلداً: أين شبابك وجلدك؟ فقال من طال أمره وكثر ولده ورق عدده، ذهب جلده.
وقوله رق عدده أي سنوه التي يعيدها، ذهب أكثرها وبقى أقلها وكان عنده رقيقا وأنشد: لم يختر البيت على التغرب ...
ولا اعتناف رجلة عن مركب فهو ممر كمسقاط القنب الاعتناف: الكراهة. يقول لم يخثر كراهة الرجلة فيركب ويدع الرجلة ولكنه اشتهى الرجلة وأنشد: إذا اعتنقتني بلدة لم أكن لها ...
نسباً ولم تسدد على المطالب وقال الورق ورق الشباب، نضرته وحداثته، والورق قطع الدم، والورق ورق الدنيا وأنشد: ترى ورق الفتيان فيها كأنهم ...
دارهُم منها مستجاز وزائف (نجز الجزء الأول من كتاب نوادر ابن الأعرابي والحمد لله حمد الشاكرين، يتلوه في الجزء الثاني: قال الفند اسمه سهل بن شيبان بن بيعة) أحمد سامح الخالدي

شارك الخبر

مشكاة أسفل ٣