أرشيف المقالات

ليلة الماشوش وليلة الكفشة

مدة قراءة المادة : 10 دقائق .
8 للأستاذ شكري محمود أحمد اختلف المؤرخون في أصل لفظة الماشوش وضبطها كما اختلفوا في نسبتها إلى طائفة معينة ونحلة مخصوصة.
وقد نسبت هذه الليلة إلى النصارى كما نسبت إلى بعض أصحاب البدع من المسلمين، فمن هذه الملل والنحل: النصارى والفرس والساسانية والقرامطة والبابكية والصفاة والمازرية والقلم حاجية والصابئة واليزيدية والشبك والنصيرية والكاكائية، وربما نسبت إلى غير هؤلاء.
وسميت عند النصارى وبعض فرق المسلمين بليلة الماشوش، وعرفت عند غيرهم بليلة الكفشة.
وربما كانت هذه الليلة في الأصل فارسية ثم انتقلت إلى غيرهم من الأقوام والمذاهب. جاء ذكر هذه الليلة في شعر أبي نواس وشعر ابن مقرب وشعر الفقيه عمر الأندلسي صاحب الموشحات، وذكرها عدد كبير من المؤرخين كالبيروني في الآثار الباقية والشابشتي في الديارات وياقوت في معجم البلدان والعمري في مسالك الأبصار وصفي الدين بن عبد المؤمن في مراصد الإطلاع والمقري في نفح الطيب والكتبي في عيون التواريخ والبغدادي في مختصر الفرق بين الفرق وغير هؤلاء الأعلام. وأقدم من استعمل هذه اللفظة فيما وصل إلينا من النصوص التاريخية والأدبية هو أبو نواس في القصيدة البهروزية، وهذه القصيدة مثقلة بالغريب والألفاظ الفارسية والسريانية.
قال في بهروز المجوسي: حماني وصل أبناء القسوس ...
نجيب الفرس بهروز المجوسي نقي في الولادة عن مشوش ...
ترخصه النصارى للقسوس قال أبو عبد الله حمزة بن الحسن الأصفهاني جامع شعر أبي نواس وشارحه في تفسير كلمة مشوش: الماشوس لفظة سريانية، ومعناها الاجتماع، ويزعمون أن للنصارى ليلة يجتمع فيها العزاب من القسان والرهبان لافتضاض الأبكار، والفرس يسمونها شب كلعذاران (أي ليلة العذارى) ثم قال (والنصارى لا تعترف بذلك).
فقد نص الأصفهاني على أن هذه الليلة للنصارى والفرس دون غيرهم من الطوائف، وسماها أبو نواس والأصفهاني (مشوش) لكن الأب أنستاس الكرملي زعم أنها ليلة (الحاشوش) بالحاء المهملة، وهذا خطأ منه، وزعم أنها من وضع نصارى العرب، ومعناها المتألم والمفعول والمنفعل، ويشير بها إلى الجمعة التي تألم فيها المسيح أو جمعة الصلبوت، وهذا خطأ أيضاً. وعندي أن هذه اللفظة مشتقة من الكلمة الأرمية (مشوشا) وهي اسم فاعل من الفعل (مَشْ) بمعنى مس ولمس وجس، وهذا قريب من المعنى الذي ذكره حمزة الأصفهاني من اجتماع الرجال والنساء على الفجور. وقد أخطأ الكرملي أيضاً في قوله: أن البيروني أقدم من ذكر هذه الليلة وذلك لأن وفاة البيروني كانت في شهر رجب من سنة 440 للهجرة، بينما كانت وفاة أبي نواس على الترجيح في سنة 200 للهجرة، ووفاة حمزة بن الحسن الأصفهاني شارح الديوان كانت على الترجيح في سنة 360 للهجرة لأنه ذكر في آخر ما كتبه من تأليفه وهو كتاب (سنى ملوك الأرض والأنبياء) تاريخ جمادي الآخرة من سنة 350هـ وقال (وهو وقت الفراغ من إتمام هذا الكتاب بحمد اله وحسن توفيقه). ولكن النصارى ينكرون وجود هذه الليلة ويدعون أن كتاب المسلمين افتروها عليهم، ونسبوها إليهم، وألصقوها بهم وهم براء منها.
قال الأصفهاني (والنصارى لا تعترف بذلك) لكن حبيب زيات شاء أن ينقل هذا النص بتحريف مقصود (قال والنصارى لا تعرف بذلك). لكن الحوادث التاريخية والروايات الكثيرة تثبت على أن للنصارى ليلة عيد يجتمع الرجال فيها بالنساء ثم يطفئون الأضوية ويستبيح الرجال النساء، وهذه هي المظان التي ورد فيها ذكر هذه الليلة. 1 - قال أبو نواس في القصيدة البهروزية: نقي في الولادة عن مشوش ...
ترخصه النصارى للقسوس وقد مضى شرح كلمة مشوش في أول هذا الموضوع. 2 - قال الشابشتي في الكلام على دير الخوات (دير الخوات بعكبرا وهو دير كبير عامر تسكنه نساء مترهبات.
.
وعيده الأحد الأول يجتمع إليه كل من يقرب إليه من النصارى والمسلمين.
وفي هذا العيد ليلة الماشوش، هي ليلة تختلط فيها النساء بالرجال فلا يرد أحد يده عن شيء، ولا يرد أحد أحداً عن شيء)
3 - مثل هذا القول ما ذكره ياقوت في معجم البلدان 4 - جاء في مراصد الاطلاع في الكلام على دير الخوات (وفي هذا الدير ليلة الماسوس - وهو تصحيف - ثم يذكر هذه الليلة). 5 - جاء ذكر ليلة الماشوش في كتاب مسالك الأبصار في ممالك الأمصار في الكلام على دير الخوات 6 - جاء في دستور المنجمين (أنها ليلة يجتمع فيها رجالهم ونساؤهم لطلب عيسى عليه السلام، ثم يتهارجون كيف اتفق في الظلام). 7 - ذكر البيروني هذه الليلة في كتابه الآثار الباقية قال (وأما ليلة الماشوش وهي ليلة جمعة زعم الذاكرون لها أنهم يطلبون فيها المسيح، وقد اختلفوا فيها، فبعضهم قال إنها ليلة الجمعة التاسعة عشرة من صوم إيليلا، وبعضهم قال إنها الجمعة التي صلب فيها المسيح وهي جمعة الصلبوت، وبعضهم قال إنها جمعة الشهداء، وهي بعد الصلبوت بأسبوع، والترجيح للقول من بين الثلاثة الأقوال). فلا مجال إذن لنكران هذه الليلة وقد مر ذكرها في هذه المصادر الكثيرة، وربما جاء خبرها في مصادر أخرى لم نقف عليها ومن المؤسف أن هذه الليلة الأثيمة انتقلت إلى بعض أصحاب البدع من الفرق الإسلامية تحمل هذا الاسم نفسه فقد جاء في المقريزي (لما استقام الأمر لقرمط أمر الدعاة أن يجمعوا النساء ليلة معروفة، ويختلطن بالرجال ويتقاربن ولا يتنافرن فإن في ذلك صحة الود والألفة بينهم) وجاء في ديوان ابن مقرب العيوني هذا البيت: منا الذي أبطل الماشوش فانقطعت ...
آثاره وانمحى في الناس وانطمسا وقال في تفسير هذا البيت: الذي أبطل أبو شكر المبارك ابن الحسن بن أبي مقرب العيوني. والماشوش بدعة ابتدعتها القرامطة في البحرين وجعلوها ديناً لهم، وهو أن يجتمع الرجال والنساء في ليلة عندهم معلومة في السنة، ويشعلون الشمع ويقومون ويرقصون ويختلطون وفيهم أخوات الرجل وأمه وبناته وعماته وخالاته، فإذا استكفوا من الرقص أطفئوا الشمع واختلطوا، وقبض كل رجل منهم يد امرأة وواقعها إن كانت من محارمه أو أجنبية، فحين ملك عبد الله بن علي العيوني البحرين وصارت تلك الليلة ركب أبو شكر المبارك وركب معه غلمانه وهجموا على النساء فضربوهم وسلبوهم ومضوا هاربين.
فصار رجل فيهم ضرير يقول (يا مولانا! والله ما نحن في شيء مما يضر بدولتكم إنما هذا مذهب نراه في ديننا) فقال له الأمير: لئن اجتمع منكم اثنان على هذا الأمر لأعملن فيكم السيف لا العصا، فأمات هذه العادة في البحرين فما بقيت فيها تعرف. وانتقلت هذه الليلة إلى المغرب وانتشرت بين جماعة الساسانية وذكرها الفقية عمر الأندلسي صاحب الأزجال في قصيدة مهد لها بنثر وجعل من الجميع مقامة ساسانية قال: أتذكر في سفح العقاب مبيتكم ...
ثمانين شخصاً من أناث وذكران وأطفأت قنديل المكان تعمداً ...
وأومأت، فانقضوا كأمثال عقبان وناديت في القوم: الوثوب فأسرعوا ...
فريق لذكران وقوم لنسوان وفي أول هذه القصيدة يقول: تعال نجددها طريقة ساسان ...
نقص عليها ما توالي الجديدان وأخذ بهذه الليلة الباكية وذكرهم الكتبي في الجزء الثاني من عيون التواريخ قال (بقى من البابكية جماعة يقال أنهم يجتمعون كل سنة هم ونساؤهم، ثم يطفئون المصابيح وينتهبون النساء، فمن وقعت في يده امرأة فهي له حلال، ويقولون هذا الاصطياد مباح لهم لعنهم الله). وفي مختصر الفرق بين الفرق لعبد القادر البغدادي عن المازرية (لهم ليلة يجتمعون فيها على الخمر والزمر هم ونساؤهم، فإذا أطفئت السرج استباح الرجال النساء). وظهرت هذه البدعة في بلاد الشام عند قوم من أهل جبل السمان سموا أنفسهم بالصفاة قال ابن العديم في أخبار سنة اثنين وسبعين وخمسمائة (أظهر أهل جبل السمان الفسق والفجور وتسموا بالصفاة واختلط النساء بالرجال في مجالس الشراب لا يمتنع أحدهم عن أخته أو ابنته، ولبس النساء ثياب الرجال). وتسمى هذه الليلة بين عامة أهل العراق اليوم ليلة الكفشة، وهي ان يأخذ الرجل بناصية المرأة ليواقعها، وهذه الليلة معروفة بين الكاكائية واليزيدية والنصيرية والشبك والقلم حاجيه، ومن المؤرخين من ينسبها إلى الصائبة - صابئة البطائح - المعروفين في العراق بالصبة، ولا أعرف نصيب كل هذا من الصحة لأننا نسمع ذلك شفاها من أفواه المعاصرين. وفي بعض قرى العراق الشمالية في هذا العصر مذاهب كثيرة لهم أسماء مختلفة، وتفتن في الفسق والفجور فتتخذ من الليالي التي تصادف مقتل الخلفاء والأئمة أو وفاتهم فيجتمعون خارج القرى رجالهم ونساؤهم على الشرب والزمر والرقص ثم يطفئون الأنوار ويكون بينهم ما يكون.

وهؤلاء يتخذون القرى النائية على سفوح الجبال مقراً لهم، ولا تزال حياتهم الاجتماعية غامضة لا يعرف من أمرهم إلا النزر اليسير. وقد أخبرني بعضهم أن النصارى في عيد رأس السنة في هذا العصر يطفئون الأضواء في منتصف تلك الليلة مدة من الزمن، فلا يرد أحد يده عن شيء من قبلة أو غمزة أو غير ذلك مما يسمح به الوقت، فإذا كان هذا صحيحاً فهل يعتبر بقية من آثار ليلة الماشوش أو صورة منها. شكري محمود أحمد مدرس العربية بدار المعلمين الابتدائية

شارك الخبر

ساهم - قرآن ٣