كافور

  • شـوهــد: 160
مدة قراءة الترجمة : 6 دقائق .
كَافُورٌ

صَاحِبُ مِصْرَ الْخَادِمُ الْأُسْتَاذُ أَبُو الْمِسْكِ كَافُورٌ الْإِخْشِيذِيُّ الْأَسْوَدُ .

تَقَدَّمَ عِنْدَ مَوْلَاهُ الْإِخْشِيذِ ، وَسَادَ لِرَأْيهِ وَحَزْمِهِ وَشَجَاعَتِهِ ، فَصَيَّرَهُ مِنْ كِبَارِ قُوَّادِهِ ، ثُمَّ حَارَبَ سَيْفَ الدَّوْلَةِ ، ثُمَّ صَارَ أَتَابُكَ أَنُوجُورَ ابْنَ أُسْتَاذِهِ وَتَمَكَّنَ .

قَالَ وَكِيلُهُ : خَدَمْتُ كَافُورًا ، وَرَاتِبُهُ فِي الْيَوْمِ ثَلَاثَ عَشْرَةَ جِرَايَةً ، وَقَدْ بَلَغَتْ عَلَى يَدَيْ ثَلَاثَةَ عَشَرَ أَلْفَ جِرَايَةٍ .

[ ص: 191 ] مَاتَ الْمَلِكُ أَنُوجُورُ شَابًّا فِي سَنَةِ تِسْعٍ وَأَرْبَعِينَ وَثَلَاثِمِائَةٍ ، فَأَقَامَ كَافُورٌ أَخَاهُ عَلِيًّا فِي السَّلْطَنَةِ ، فَبَقِيَ سِتَّ سِنِينَ ، وَأَزِمَّةُ الْأُمُورِ إِلَى كَافُورٍ ، وَبَعْدَهُ تَسَلْطَنَ وَرَكِبَ الْأَسْوَدُ بِالْخِلْعَةِ السَّوْدَاءِ الْخَلِيفَتِيَّةِ ، فَأَشَارَ عَلَيْهِ الْكِبَارُ بِنَصْبِ ابْنٍ لِعَلِيٍّ صُورَةً فِي اسْمِ الْمَلِكِ ، فَاعْتَلَّ بِصِغَرِهِ ، وَمَا الْتَفَتَ عَلَى أَحَدٍ ، وَأَظْهَرَ أَنَّ التَّقْلِيدَ وَالْأُهْبَةَ جَاءَتْهُ مِنَ الْمُطِيعِ ، وَذَلِكَ فِي صَفَرٍ سَنَةَ خَمْسٍ وَخَمْسِينَ ، وَلَمْ يَنْتَطِحْ فِيهَا عَنْزَانِ .

وَكَانَ مَهِيبًا ، سَائِسًا ، حَلِيمًا ، جَوَّادًا ، وَقُورًا ، لَا يُشْبِهُ عَقْلُهُ عُقُولَ الْخُدَّامِ ، وَفِيهِ يَقُولُ الْمُتَنَبِّي

قَوَاصِدُ كَافُورٍ تَوَارِكُ غَيْرِهِ وَمَنْ قَصَدَ الْبَحْرَ اسْتَقَلَّ السَّوَاقِيَا     فَجَاءَتْ بِنَا إِنْسَانَ عَيْنِ زَمَانِهِ
وَخَلَّتْ بَيَاضًا خَلْفَهَا وَمَآقِيَا

فَأَقَامَ عِنْدَهُ أَرْبَعَ سِنِينَ ، وَنَالَهُ مَالٌ جَزِيلٌ ، ثُمَّ هَجَاهُ لَآمَةً وَكُفْرًا لِنِعْمَتِهِ ، وَهَرَبَ عَلَى الْبَرِّيَّةِ ، يَقُولُ

مَنْ عَلَّمَ الْأَسْوَدَ الْمَخْصِيَّ مَكْرُمَةً     أَقْوَامُهُ الْبِيضُ أَمْ آبَاؤُهُ الصِّيدُ
وَذَاكَ أَنَّ الْفُحُولَ الْبِيضَ عَاجِزَةٌ     عَنِ الْجَمِيلِ فَكَيْفَ الْخِصْيَةُ السُّودُ

وَدُعِيَ لِكَافُورٍ عَلَى مَنَابِرِ الشَّامِ وَمِصْرَ وَالْحَرَمَيْنِ وَالثُّغُورِ .

وَقِيلَ : كَانَ شَدِيدَ الْيَدِ ، وَلَا يَكَادُ أَحَدٌ يَمُدُّ قَوْسَهُ فَيُعْطِي الْفَارِسَ قَوْسَهُ ، فَإِنَّ عَجَزَ ضَحِكَ وَاسْتَخْدَمَهُ ، وَإِنَّ مَدَّهُ قَطَّبَ .

[ ص: 192 ] وَكَانَ مُلَازِمًا لِمَصَالِحِ الرَّعِيَّةِ .

وَكَانَ يَتَعَبَّدُ وَيَتَهَجَّدُ ، وَيُمَرِّغُ وَجْهَهُ ، وَيَقُولُ : اللَّهُمَّ لَا تُسَلِّطْ عَلَيَّ مَخْلُوقًا .

وَكَانَ يُقْرَأُ عِنْدَهُ السِّيَرُ وَالدُّوَلُ .

وَلَهُ نُدَمَاءُ وَجَوَارٍ مُغَنِّيَاتٌ ، وَمِنَ الْمَمَالِيكِ أُلُوفٌ مُؤَلَّفَةٌ ، وَكَانَ فَطِنًا يَقِظًا ذَكِيًّا ، يُهَادِي الْمُعِزَّ إِلَى الْغَرْبِ ، وَيُدَارِي وَيَخْضَعُ لِلْمُطِيعِ ، وَيَخْدَعُ هَؤُلَاءِ وَهَؤُلَاءِ .

وَلَهُ نَظَرٌ فِي الْفِقْهِ وَالنَّحْوِ .

تُوُفِّيَ فِي جُمَادَى الْآخِرَةِ سَنَةَ سَبْعٍ وَخَمْسِينَ وَثَلَاثِمِائَةٍ وَمَاتَ فِي عَشْرِ السَّبْعِينَ .

وَقِيلَ : مُشْتَرَاهُ عَلَى الْإِخْشِيذِ ثَمَانِيَةَ عَشَرَ دِينَارًا .

وَقَدْ سُقْتُ مِنْ أَخْبَارِهِ فِي " التَّارِيخِ " نُكَتًا .

وَلِلْمُتَنَبِّي يَهْجُوهُ وَيَهْجُو ابْنَ حِنْزَابَةَ الْوَزِيرَ :

وَمَاذَا بِمِصْرَ مِنَ الْمُضْحِكَاتِ     وَلِكَّنَهُ ضَحِكٌ كَالْبُكَا
بِهَا نَبَطِيٌّ مِنَ أَهْلِ السَّوَادِ     يُدَرِّسُ أَنْسَابَ أَهْلِ الْفَلَا
وَأَسْوَدُ مِشْفَرُهُ نِصْفُهُ     يُقَالُ لَهُ أَنْتَ بَدْرُ الدُّجَا
وَشِعْرٌ مَدَحْتُ بِهِ الْكَرْكَدَنَّ     بَيْنَ الْقَرِيضِ وَبَيْنَ الرُّقَا
فَمَا كَانَ ذَلِكَ مَدْحًا لَهُ     وَلَكِنَّهُ كَانَ هَجْوَ الْوَرَى

وَقَدْ كَانَ فِي كَافُورٍ حُلْمٌ زَائِدٌ ، وَكَفٌّ عَنِ الدِّمَاءِ ، وَجَوْدَةُ تَدْبِيرٍ .

[ ص: 193 ] وَفِي آخِرِ أَيَّامِهِ سَنَةَ سِتٍّ وَخَمْسِينَ كَانَ الْقَحْطُ ، فَنَقَصَ النِّيلُ ، فَوَقَفَ عَلَى أَقَلَّ مِنْ ثَلَاثَةَ عَشَرَ ذِرَاعًا بِأَصَابِعَ ، وَذَلِكَ نَقْصٌ مُفْرِطٌ ، وَبِيعَ الْخُبْزُ كُلُّ رِطْلَيْنِ بِدِرْهَمٍ .

وَقِيلَ : كَانَ فِي كَافُورٍ ظُلْمٌ وَمُصَادَرَةٌ ، فَصَبَرَ زَمَنَ الْقَحْطِ ، كَفَّنَ خَلَائِقَ مِنَ الْمَوْتَى ، كَانَ يُصْبِحُ فِي السِّقَايَةِ نَحْوُ خَمْسِمِائَةِ مَيِّتٍ .

وَلِكَافُورٍ أَخْبَارٌ فِي الدُّوَلِ الْمُنْقَطِعَةِ وَغَيْرِ مَوْضِعٍ .