استعمل الرشيد على إفريقية الفضل بن روح بن حاتم المهلبي بعد موت والده, فاستعمل الفضل على مدينة تونس ابن أخيه المغيرة بن بشر بن روح، فاستخف بالجند.

وكان الفضل أيضا قد أوحشهم، وأساء السيرة معهم؛ بسبب ميلهم إلى نصر بن حبيب الوالي قبله، فاجتمع من بتونس، وكتبوا إلى الفضل يستعفونه من ابن أخيه، فلم يجبهم عن كتابهم، فاجتمعوا على ترك طاعته، فبايعوا عبدالله بن الجارود، وأخرجوا المغيرة، ثم استشرى الأمر في أفريقيا ففسد الجند على الفضل، فسير إليهم الفضل عسكرا كثيرا فخرجوا إليه فقاتلوه، فانهزم عسكره وعاد إلى القيروان منهزما وتبعهم أصحاب ابن الجارود، فحاصروا القيروان ودخل ابن الجارود وعسكره في جمادي الآخرة، وأخرج الفضل من القيروان، ووكل به وبمن معه من أهله أن يوصلهم إلى قابس، ثم ردهم ابن الجارود، وقتل الفضل بن روح بن حاتم، ثم إن الرشيد بلغه ما صنع ابن الجارود، وإفساده إفريقية، فوجه هرثمة بن أعين ومعه يحيى بن موسى، فكاتب يحيى عبدالله بن الجارود، ثم دخل في الطاعة بعد أن طلب الأمان فأمنه.


هاجت فتنة تاكرنا بالأندلس، وخلع بربرها الطاعة، وأظهروا الفساد، وأغاروا على البلاد، وقطعوا الطريق، فسير هشام بن عبدالرحمن إليهم جندا كثيفا عليهم عبد القادر بن أبان بن عبد الله، مولى معاوية بن أبي سفيان، فقصدوها وتابعوا قتال من فيها إلى أن أبادوهم قتلا وسبيا، وفر من بقي منهم، فدخل في سائر القبائل، وبقيت كورة تاكرنا وجبالها خالية من الناس سبع سنين.


لما ولي إسحاق بن سليمان بن علي بن عبد الله بن العباس إمارة مصر لم يرض بما كان يأخذه قبله الأمراء، وزاد على المزارعين زيادة أفحشت بهم فسئمته الناس وكرهته وخرج عليه جماعة من أهل الحوف من قيس وقضاعة، فحاربهم إسحاق، وقتل من حواشيه وأصحابه جماعة كبيرة، فكتب إسحاق يعلم الرشيد بذلك، فعظم على الرشيد ما ناله من أمر مصر، وصرفه عن إمرتها وعقد الرشيد لهرثمة بن أعين على إمرة مصر، وأرسله في جيش كبير إلى مصر، فتلقاه أهل مصر بالطاعة وأذعنوا له، فقبل هرثمة منهم ذلك، وأمنهم وأقر كل واحد على حاله.


خرج الوليد بن طريف التغلبي بالجزيرة، ففتك بإبراهيم بن خازم بن خزيمة بنصيبين، ثم قويت شوكة الوليد، فدخل إلى أرمينية، وحصر خلاط عشرين يوما، فافتدوا منه أنفسهم بثلاثين ألفا.

ثم سار إلى أذربيجان، ثم إلى حلوان وأرض السواد، ثم عبر إلى غرب دجلة، وقصد مدينة بلد، فافتدوا منه بمائة ألف، وعاث في أرض الجزيرة، فسير إليه الرشيد يزيد بن مزيد بن زائدة الشيباني, فجعل يزيد يختاله ويماكره، وكانت البرامكة منحرفة عن يزيد، فقالوا للرشيد: إنما يتجافى يزيد عن الوليد للرحم؛ لأنهما كلاهما من وائل، فكتب إليه الرشيد كتاب مغضب، وقال له: لو وجهت أحد الخدم لقام بأكثر مما تقوم به، ولكنك مداهن متعصب، وأقسم بالله إن أخرت مناجزته لأوجهن إليك من يحمل رأسك.

فقال يزيد لأصحابه: فداكم أبي وأمي، إنما هي الخوارج ولهم حملة، فاثبتوا، فإذا انقضت حملتهم فاحملوا عليهم؛ فإنهم إذا انهزموا لم يرجعوا، فكان كما قال، حملوا عليهم حملة، فثبت يزيد ومن معه من عشيرته، ثم حمل عليهم فانكشفوا واتبع يزيد الوليد بن طريف، فلحقه واحتز رأسه.