غزا مسلم بن سعيد الترك فعبر النهر وعاث في بلادهم ولم يفتح شيئا وقفل، فأتبعه الترك ولحقوه على النهر فعبر بالناس ولم ينالوا منه، ثم غزا بقية السنة وحاصر افشين حتى صالحوه على ستة آلاف رأس، ثم دفعوا إليه القلعة، ثم غزا سنة ست ومائة وتباطأ عنه الناس, ولما قطع مسلم النهر وصار ببخارى أتاه كتاب من خالد بن عبد الله القسري بولايته على العراق، ويأمره بإتمام غزاته, فسار إلى فرغانة، فلما وصلها بلغه أن خاقان قد أقبل إليه وأنه في موضع ذكروه، فارتحل، فسار ثلاث مراحل في يوم، وأقبل إليهم خاقان فلقي طائفة من المسلمين وأصاب دواب لمسلم بن سعيد، وقتل أخو غوزك وثار الناس في وجوههم فأخرجوهم من العسكر، ورحل مسلم بالناس فسار ثمانية أيام وهم مطيفون بهم، فلما كانت التاسعة أرادوا النزول فشاور الناس، فأشاروا عليه بالنزول وقالوا: إذا أصبحنا وردنا الماء، والماء منا غير بعيد.

فنزلوا ولم يرفعوا بناء في العسكر، وأحرق الناس ما ثقل من الآنية والأمتعة، فحرقوا ما قيمته ألف ألف، وأصبح الناس فساروا فوردوا النهر وأهل فرغانة والشاش دونه، فقال مسلم بن سعيد: أعزم على كل رجل إلا اخترط سيفه، ففعلوا وصارت الدنيا كلها سيوفا، فتركوا الماء وعبروا.

فأقام يوما ثم قطع من غد واتبعهم ابن لخاقان، فأرسل إليه حميد بن عبد الله، وهو على الساقة: فقال له: قف لي فإن خلفي مائتي رجل من الترك حتى أقاتلهم.

وهو مثقل جراحة، فوقف الناس وعطف على الترك فقاتلهم، وأسر أهل الصغد وقائدهم وقائد الترك في سبعة ومضى البقية، ورجع حميد فرمي بنشابة في ركبته فمات.

وعطش الناس، وكان عبد الرحمن العامري حمل عشرين قربة على إبله فسقاها الناس جرعا جرعا، استسقى مسلم بن سعيد، فأتوه بإناء، فأخذه جابر أو حارثة بن كثير أخو سليمان بن كثير من فيه، فقال مسلم: دعوه فما نازعني شربتي إلا من حر دخله.

وأتوا خجندة، وقد أصابهم مجاعة وجهد، فانتشر الناس.


غزا عنبسة بن سحيم الكلبي أمير الأندلس بلد الفرنج في جمع كثير، ونازل مدينة قرقسونة وحصر أهلها، فصالحوه على نصف أعمالها، وعلى جميع ما في المدينة من أسرى المسلمين وأسلابهم، وأن يعطوا الجزية، ويلتزموا بأحكام الذمة من محاربة من حاربه المسلمون، ومسالمة من سالموه، فعاد عنهم عنبسة، ثم توغل داخل فرنسا وغزا إقليم الرون وبرفانس وليون وبورغونيا حتى وصل أعالي الرون.

وتوفي في شعبان سنة سبع ومائة عند انصرافه من غزو الإفرنج.


هو يزيد بن عبد الملك بن مروان بن الحكم بن أبي العاص بن أمية بن عبد شمس بن عبد مناف أبو خالد القرشي الأموي، أمير المؤمنين، وأمه عاتكة بنت يزيد بن معاوية.

بويع له بالخلافة بعد عمر بن عبد العزيز في رجب من سنة إحدى ومائة، بعهد من أخيه سليمان أن يكون الخليفة بعد عمر بن عبد العزيز رحمه الله، توفي يوم الجمعة لخمس بقين من رجب.


تولى هشام الخلافة بعد وفاة أخيه يزيد بن عبد الملك وبعهد منه إليه بذلك.