هو أبو عبد الرحمن معاوية بن أبي سفيان الأموي القرشي، من أصحاب الرسول صلى الله عليه وسلم، وأحد كتاب الوحي، سادس الخلفاء في الإسلام، وأول ملوك المسلمين، ومؤسس الدولة الأموية في الشام، ولد بمكة وتعلم الكتابة والحساب، أسلم معاوية رضي الله عنه يوم الفتح، وقيل: في عمرة القضاء وكان يكتم إسلامه خوفا من أبيه، وقد استعمله رسول الله صلى الله عليه وسلم على كتابة الوحي، واستعمله على الشام الخلفاء: عمر، وعثمان، وبقي على الشام في خلافة علي بغير رضاه، فبقي كذلك قرابة العشرين سنة، ثم تم له الأمر بعد تنازل الحسن بن علي له، وبقي خليفة مدة تسعة عشر عاما وأشهر، فتح الله له فيها الكثير من البلاد، واشتهر بالحكمة في سياسته للناس، ومداراته لهم، وكان قد عهد لابنه يزيد قبل موته، وبعث في البلاد ليأخذوا له ذلك، وتوفي في دمشق وصلى عليه الضحاك بن قيس، ودفن فيها، جزاه الله خيرا عن الإسلام والمسلمين.


كان معاوية في عام 50 هـ قد عهد إليه بالخلافة من بعده، وأخذ ذلك على الناس؛ ولكن البعض لم يرض مثل ابن عمر، وابن الزبير، وعبد الرحمن بن أبي بكر، والحسين بن علي، ثم لما حضرت معاوية الوفاة كان يزيد غائبا فأوصى إليه، ثم لما توفي بايعت الأمصار ليزيد إلا من ذكر آنفا، وبذلك تمت له الخلافة، ثم بايع له ابن عمر، وابن عباس، أما ابن الزبير فخرج إلى مكة وحصل منه ما حصل، وأما الحسين فلحقه أيضا إلى مكة حتى خرج إلى الكوفة وكان فيها ما كان.


بمجرد وفاة معاوية بن أبي سفيان سارع زعماء الكوفة بالكتابة إلى الحسين بن علي رضي الله عنه، وطلبوا منه المسير إليهم على وجه السرعة, فلما تواترت الكتب إليه من جهة أهل العراق, وتكررت الرسل بينهم وبينه, وجاءه كتاب مسلم بن عقيل بالقدوم عليه بأهله, ثم وقع في غبون ذلك ما وقع من قتل مسلم بن عقيل والحسين لا يعلم بشيء من ذلك, فعزم على المسير إليهم, والقدوم عليهم, فاتفق خروجه من مكة أيام التروية قبل مقتل مسلم بيوم واحد, فإن مسلما قتل يوم عرفة, ولما استشعر الناس خروجه أشفقوا عليه من ذلك, وحذروه منه, وأشار عليه ذوو الرأي منهم والمحبة له بعدم الخروج إلى العراق, وأمروه بالمقام بمكة, وذكروه ما جرى لأبيه وأخيه معهم, وكان ممن نهاه عن الخروج عبد الله بن عباس، وعبد الله بن عمر، وعبد الله بن الزبير، وأبو سعيد الخدري, إلا أنه أصر على الخروج إلى الكوفة.


سار عقبة بن نافع بعد أن ولاه يزيد أفريقيا في عسكر عظيم حتى دخل مدينة باغاية وقد اجتمع بها خلق كثير من الروم، فقاتلوه قتالا شديدا وانهزموا عنه، وقتل فيهم قتلا ذريعا، وغنم منهم غنائم كثيرة، ودخل المنهزمون المدينة وحاصرهم عقبة.

ثم كره المقام عليهم فسار إلى بلاد الزاب، وهي بلاد واسعة فيها عدة مدن وقرى كثيرة، فقصد مدينتها العظمى واسمها أربة، فامتنع بها من هناك من الروم والنصارى، وهرب بعضهم إلى الجبال، فاقتتل المسلمون ومن بالمدينة من النصارى عدة دفعات، ثم انهزم النصارى وقتل كثير من فرسانهم، ورحل إلى تاهرت.

فلما بلغ الروم خبره استعانوا بالبربر فأجابوهم ونصروهم، فاجتمعوا في جمع كثير والتقوا واقتتلوا قتالا شديدا، واشتد الأمر على المسلمين لكثرة العدو، ثم إن الله تعالى نصرهم فانهزمت الروم والبربر وأخذهم السيف، وكثر فيهم القتل، وغنم المسلمون أموالهم وسلاحهم.

ثم سار حتى نزل على طنجة فلقيه بطريق من الروم اسمه يليان، فأهدى له هدية حسنة ونزل على حكمه، ثم سأله عن الأندلس فعظم الأمر عليه، فسأله عن البربر، فقال: هم كثيرون لا يعلم عددهم إلا الله، وهم بالسوس الأدنى، وهم كفار لم يدخلوا في النصرانية، ولهم بأس شديد.

فسار عقبة إليهم نحو السوس الأدنى، وهي مغرب طنجة، فانتهى إلى أوائل البربر، فلقوه في جمع كثير، فقتل فيهم قتلا ذريعا، وبعث خيله في كل مكان هربوا إليه، وسار هو حتى وصل إلى السوس الأقصى، وقد اجتمع له البربر في عالم لا يحصى، فلقيهم وقاتلهم وهزمهم، وقتل المسلمون فيهم حتى ملوا وغنموا منهم وسبوا سبيا كثيرا، وسار حتى بلغ ماليان ورأى البحر المحيط، فقال: يا رب، لولا هذا البحر لمضيت في البلاد مجاهدا في سبيلك.

ثم عاد فنفر الروم والبربر عن طريقه خوفا منه، فلما وصل إلى مدينة طبنة أمر أصحابه أن يتقدموا فوجا فوجا ثقة منه بما نال من العدو، وأنه لم يبق أحدا يخشاه، وسار إلى تهوذة لينظر إليها في نفر يسير، فلما رآه الروم في قلة طمعوا فيه، فأغلقوا باب الحصن وشتموه وقاتلوه وهو يدعوهم إلى الإسلام فلم يقبلوا منه.


لم يبايع الحسين بن علي رضي الله عنه ليزيد، وبقي في مكة هو وابن الزبير؛ ولكن أهل الكوفة راسلوا الحسين ليقدم عليهم ليبايعوه وينصروه فتكون له الخلافة، وكان على الكوفة عبيد الله بن زياد، فبعث الحسين ابن عمه مسلم بن عقيل ليعلم له صدق أهل الكوفة، فقبض عليه ابن زياد وقتله، وتوالت الكتب من أهل الكوفة للحسين ليحضر إليهم حتى عزم على ذلك، فناصحه الكثير من الرجال والنساء منهم: ابن عمر، وأخوه محمد بن الحنفية، وابن عباس، وأبو سعيد الخدري وعبد الله بن الزبير.
.
.
.

ألا يفعل، وأنهم سيخذلونه كما خذلوا أباه وأخاه من قبل؛ لكن قدر الله سابق فأبى إلا الذهاب إليهم، فخرج من مكة في ذي الحجة، ولما علم ابن زياد بمخرجه جهز له من يقابله، فلما قدم الحسين وقد كان وصله خبر موت مسلم وأخيه من الرضاع فقال للناس من أحب أن ينصرف فلينصرف، ليس عليه منا ذمام.

فتفرقوا يمينا وشمالا حتى بقي في أصحابه الذين جاؤوا معه من مكة، وقابلهم الحر بن يزيد من قبل ابن زياد ليحضر الحسين ومن معه إلى ابن زياد؛ ولكن الحسين أبى عليه ذلك، فلم يقتله الحر وظل يسايره حتى لا يدخل الكوفة، حتى كانوا قريبا من نينوى جاء كتاب ابن زياد إلى الحر أن ينزل الحسين بالعراء بغير ماء، ثم جاء جيش عمر بن سعد بن أبي وقاص كذلك للحسين، إما أن يبايع، وإما أن يرى ابن زياد فيه رأيه، وعرض الحسين عليهم إما أن يتركوه فيرجع من حيث أتى، أو يذهب إلى الشام فيضع يده في يد يزيد بن معاوية، وإما أن يسير إلى أي ثغر من ثغور المسلمين فيكون واحدا منهم، له ما لهم وعليه ما عليهم.

فلم يقبلوا منه شيئا من ذلك، وأرسل ابن زياد طائفة أخرى معها كتاب إلى عمر بن سعد أن ائت بهم أو قاتلهم، ثم لما كان اليوم العاشر من محرم التقى الصفان، وذكرهم الحسين مرة أخرى بكتبهم له بالقدوم فأنكروا ذلك، ووعظهم فأبوا فاقتتلوا قتالا شديدا، ومال الحر إلى الحسين وقاتل معه، وكان آخر من بقي من أصحاب الحسين سويد بن أبي المطاع الخثعمي، وكان أول من قتل من آل بني أبي طالب يومئذ علي الأكبر ابن الحسين، ومكث الحسين طويلا من النهار كلما انتهى إليه رجل من الناس رجع عنه وكره أن يتولى قتله وعظم إثمه عليه.

وكان أصحاب الحسين يدافعون عنه، ولما قتل أصحابه لم يجرؤ أحد على قتله، وكان جيش عمر بن سعد يتدافعون، ويخشى كل فرد أن يبوء بقتله، وتمنوا أن يستسلم؛ لكن شمر بن ذي الجوشن صاح في الجند: ويحكم، ماذا تنتظرون بالرجل! اقتلوه، ثكلتكم أمهاتكم.

وأمرهم بقتله, فحملوا عليه من كل جانب، وضربه زرعة بن شريك التميمي, ثم طعنه سنان بن أنس النخعي واحتز رأسه.

ويقال: إن الذي قتله عروة بن بطار التغلبي وزيد بن رقاد الجنبي.

ويقال: إن المتولي الإجهاز عليه شمر بن ذي الجوشن الضبي، وحمل رأسه إلى ابن زياد خولي بن يزيد الأصبحي.

ودفن الحسين رضي الله عنه وأصحابه أهل الغاضرية من بني أسد بعد قتلهم بيوم.

قال شيخ الإسلام في قتله رضي الله عنه: قتل الحسين بن علي رضي الله عنهما يوم عاشوراء، قتلته الطائفة الظالمة الباغية، وأكرم الله الحسين بالشهادة، كما أكرم بها من أكرم من أهل بيته، أكرم بها حمزة وجعفرا، وأباه عليا، وغيرهم، وكانت شهادته مما رفع الله بها منزلته، وأعلى درجته، والمنازل العالية لا تنال إلا بالبلاء، قتلوه مظلوما شهيدا شهادة أكرمه الله بها، وألحقه بأهل بيته الطيبين الطاهرين، وأهان بها من ظلمه واعتدى عليه، وأوجب ذلك شرا بين الناس، فصارت طائفة جاهلة ظالمة: إما ملحدة منافقة، وإما ضالة غاوية، تظهر موالاته وموالاة أهل بيته، تتخذ يوم عاشوراء يوم مأتم وحزن ونياحة، وتظهر فيه شعار الجاهلية من لطم الخدود، وشق الجيوب، والتعزي بعزاء الجاهلية.

ومن كرامة الله للمؤمنين أن مصيبة الحسين وغيره إذا ذكرت بعد طول العهد يسترجع فيها، كما أمر الله ورسوله؛ ليعطى من الأجر مثل أجر المصاب يوم أصيب بها.

وإذا كان الله تعالى قد أمر بالصبر والاحتساب عند حدثان العهد بالمصيبة فكيف مع طول الزمان, فكان ما زينه الشيطان لأهل الضلال والغي من اتخاذ يوم عاشوراء مأتما، وما يصنعون فيه من الندب والنياحة، وإنشاد قصائد الحزن، ورواية الأخبار التي فيها كذب كثير -والصدق فيها ليس فيه إلا تجديد الحزن- والتعصب، وإثارة الشحناء والحرب، وإلقاء الفتن بين أهل الإسلام؛ والتوسل بذلك إلى سب السابقين الأولين، وكثرة الكذب والفتن في الدنيا، ولم يعرف طوائف الإسلام أكثر كذبا وفتنا ومعاونة للكفار على أهل الإسلام من هذه الطائفة الضالة الغاوية، فإنهم شر من الخوارج المارقين.