أرسل سعد بن أبي وقاص العساكر إلى الجزيرة، فخرج عياض بن غنم إليها وفي صحبته أبو موسى الأشعري, وعمر بن سعد بن أبي وقاص -وهو غلام صغير السن ليس إليه من الأمر شيء- وعثمان بن أبي العاص، فنزل الرها, فصالحه أهلها على الجزية, وصالحت حران على ذلك, ثم بعث أبا موسى الأشعري إلى نصيبين, وعمر بن سعد إلى رأس العين, وسار بنفسه إلى دارا, فافتتحت هذه البلدان، وبعث عثمان بن أبي العاص إلى أرمينية, فكان عندها شيء من قتال قتل فيه صفوان بن المعطل السلمي, ثم صالحهم عثمان بن أبي العاص على الجزية، على كل أهل بيت دينار.


أصاب الشام في ذلك العام طاعون عام شديد حصد الكثير من الناس، وسمي ذلك العام بعام عمواس من شدة ما حصل من الموت, وقد مات فيه خمسة وعشرون ألفا, وكان ممن توفي فيه أبو عبيدة بن الجراح، ومعاذ بن جبل، ويزيد بن أبي سفيان، وشرحبيل بن حسنة، وغيرهم كثير، وعمواس هو اسم المكان الذي انتشر فيه الطاعون، وهو مكان قريب من الرملة في فلسطين.


هو أمين الأمة عامر بن عبد الله بن الجراح رضي الله عنه، اشتهر بكنيته, أبي عبيدة، أحد العشرة المبشرين بالجنة، شهد بدرا وأحدا والمشاهد كلها مع رسول الله صلى الله عليه وسلم، وهو من السابقين إلى الإسلام، وهاجر إلى الحبشة وإلى المدينة أيضا، وكان يدعى: القوي الأمين، آخى النبي صلى الله عليه وسلم بينه وبين أبي طلحة الأنصاري، كان من القواد الفاتحين زمن عمر، حيث عينه قائدا لجيوش الشام بعد عزل خالد بن الوليد، وكان عمر يجله كثيرا حتى قيل: إن عمر قال: لو كان أبو عبيدة حيا لاستخلفته, وقال عمر لأصحابه يوما: تمنوا.

فقال رجل أتمنى لو أن لي هذه الدار مملوءة ذهبا انفقته في سبيل الله عز وجل.

ثم قال: تمنوا.

فقال رجل: أتمنى لو أنها مملوءة لؤلؤا وزبرجدا أو جوهرا أنفقه في سبيل الله عز وجل وأتصدق به.

ثم قال: تمنوا.

فقالوا: ما ندري يا أمير المؤمنين.

فقال عمر: أتمنى لو أن هذا الدار مملوءة رجالا مثل أبي عبيدة بن الجراح.

توفي في طاعون عمواس على المشهور.


خرج نعيم بن مقرن من واج روذ في الناس إلى دستبى، فلقيه الزينبي أحد قادة الفرس بمكان يقال له: قها مسالما ومخالفا لملك الري، وقد رأى من المسلمين ما رأى، فأقبل مع نعيم والملك يومئذ بالري وهو سياوخش بن مهران، فاستمد أهل دنباوند وطبرستان وقومس وجرجان وقال الملك: قد علمتم أن هؤلاء قد حلوا بالري، وإنه لا مقام لكم، فاحتشدوا له.

فالتقوا مع المسلمين في سفح جبل الري، فاقتتلوا به، وقد دبر الزينبي حيلة مع نعيم حيث أدخل المدينة خيلا ليلا، ولم يشعر القوم بهم، وبيتهم نعيم بياتا فشغلهم عن مدينتهم، فاقتتلوا وصبروا له حتى سمعوا التكبير من ورائهم، ثم إنهم انهزموا فقتلوا منهم مقتلة عظيمة، وأفاء الله على المسلمين بالري نحوا من فيء المدائن، وصالح نعيم بن مقرن الزينبي على أهل الري ومرزبه عليهم نعيم، فلم يزل شرف الري في أهل الزينبي الأكبر، ومنهم شهرام وفرخان، وسقط آل بهرام، وأخرب نعيم مدينتهم، وهي التي يقال لها: العتيقة -يعني مدينة الري- وأمر الزينبي فبنى مدينة الري الحديثة, وكتب نعيم إلى عمر بالفتح، وأرسل له الأخماس.


سار سويد بن مقرن إلى جرجان فعسكر بها ببسطام، وكتب إلى ملك جرجان، وهو زرنان صول، وكاتبه زرنان صول وصالحه على جرجان على الجزية، وكفاية حرب جرجان، وأن يعينه سويد إن غلب، فأجابه سويد إلى ذلك، وتلقاه زرنان صول قبل دخوله جرجان فدخل معه وعسكر بها حتى جبى الخراج وسمى فروجها، فسدها بترك دهستان، ورفع الجزية عمن قام بمنعها، وأخذ الخراج من سائر أهلها، وكتب بينهم وبينه كتابا.


بعد أن توفي أبو عبيدة بن الجراح بطاعون عمواس، وكان أبو عبيدة القائد العام على جيوش الشام بعد عزل خالد، فلما توفي عين عمر بن الخطاب بدلا عنه معاوية بن أبي سفيان الذي أصبح أميرا على بلاد الشام بقية خلافة عمر، ومدة خلافة عثمان.


حاصر المسلمون عين شمس وارتقى الزبير بن العوام السور، فلما أحس أهلها بذلك انطلقوا باتجاه الباب الآخر الذي عليه عمرو بن العاص؛ ولكن الزبير كان قد اخترق الباب عنوة ووصل إلى الباب الذي عليه عمرو؛ ولكن أهل عين شمس كانوا قد سبقوه وصالحوا عمرا, وكتب لهم عمرو كتاب أمان: بسم الله الرحمن الرحيم، هذا ما أعطى عمرو بن العاص أهل مصر من الأمان على أنفسهم، وملتهم، وأموالهم، وكنائسهم، وصلبهم، وبرهم، وبحرهم، لا يدخل عليهم شيء من ذلك، ولا ينتقص، ولا يساكنهم النوبة، وعلى أهل مصر أن يعطوا الجزية إذا اجتمعوا على هذا الصلح، وانتهت زيادة نهرهم فعليهم خمسين ألف ألف، فإن أبى أحد منهم أن يجيب رفع عنهم من الجزاء بقدرهم، وذمتنا ممن أبى بريئة، وإن نقص نهرهم من غايته رفع عنهم بقدر ذلك، ومن دخل في صلحهم من الروم والنوبة فله مثل ما لهم، وعليه مثل ما عليهم، ومن أبى واختار الذهاب فهو آمن حتى يبلغ مأمنه، أو يخرج من سلطاننا، على ما في هذا الكتاب عهد الله، وذمة رسوله، وذمة الخليفة أمير المؤمنين، وذمم المؤمنين، وعلى النوبة الذين استجابوا أن يعينوا بكذا وكذا رأسا، وكذا وكذا فرسا، على أن لا يغزوا ولا يمنعوا من تجارة صادرة ولا واردة.


بعد أن فتحت نهاوند أمر عمر بن الخطاب بالانسياح في فارس كلها، وأعطيت الأوامر لسبعة أمراء بالتوغل في أعماق فارس، فسار النعمان بن مقرن إلى همدان ففتحها، ثم إلى الري "طهران اليوم" ففتحها ثم قوس فأخذها سلما أخوه سويد، ثم جاء هو إلى جرجان وطبرستان وصالحوه، ثم بعض بلاد أذربيجان، وأما سراقة بن عمرو فذهب إلى باب الأبواب على سواحل بحر الخزر، وسار الأحنف بن قيس إلى خراسان ففتح هراة عنوة، ثم إلى مرو، ثم بلخ حتى أصبح الأحنف سيد خراسان، واتجه عثمان بن أبي العاص إلى إصطخر وفتح جزيرة بركاوان وإصطخر وشيراز، واتجه سارية بن زنيم وقاتل بعض حشود الفرس، وفيها الحادثة المشهورة التي قال فيها عمر من المدينة: يا سارية، الجبل.

أما عاصم بن عمرو سار إلى سجستان ففتحها ودخل زرنج فصالحوه بعد حصار طويل، وأما سهيل بن عدي ففتح كرمان، وانطلق الحكيم بن عمير إلى مكران وفتحها، واتجه عتبة بن فرقد إلى شمال غرب فارس فافتتحها.