عن عبادة بن الصامت رضي الله عنه أحد النقباء ليلة العقبة: أن رسول الله صلى الله عليه وعلى آله وصحبه وسلم قال وحوله عصابة من أصحابه: (بايعوني على أن لا تشركوا بالله شيئا، ولا تسرقوا، ولا تزنوا، ولا تقتلوا أولادكم، ولا تأتوا ببهتان تفترونه بين أيديكم وأرجلكم، ولا تعصوا في معروف، فمن وفى منكم فأجره على الله، ومن أصاب من ذلك شيئا فعوقب في الدنيا فهو كفارة له، ومن أصاب من ذلك شيئا ثم ستره الله فهو إلى الله، إن شاء عفا عنه، وإن شاء عاقبه).

قال: فبايعناه على ذلك.


في هذه الحادثة العظيمة رأى النبي صلى الله عليه وسلم الأنبياء، ورأى سدرة المنتهى وغير ذلك من الآيات العظيمة، وفيها فرضت الصلوات الخمس، وهو أمر تتفق عليه روايات الصحيحين، وقد كذبت قريش وقوع حادثة الإسراء والمعراج، وهذا أمر اتفقت عليه روايات الصحيحين أيضا، قال رسول الله صلى الله عليه وسلم:"لقد رأيتني في الحجر وقريش تسألني عن مسراي، فسألتني عن أشياء من بيت المقدس لم أثبتها، فكربت كربة ما كربت مثله قط».

قال: " فرفعه الله لي أنظر إليه، ما يسألوني عن شيء إلا أنبأتهم به، وقد رأيتني في جماعة من الأنبياء، فإذا موسى قائم يصلي، فإذا رجل ضرب، جعد كأنه من رجال شنوءة، وإذا عيسى ابن مريم عليه السلام قائم يصلي، أقرب الناس به شبها عروة بن مسعود الثقفي، وإذا إبراهيم عليه السلام قائم يصلي، أشبه الناس به صاحبكم - يعني نفسه - فحانت الصلاة فأممتهم، فلما فرغت من الصلاة قال قائل: يا محمد، هذا مالك صاحب النار، فسلم عليه، فالتفت إليه، فبدأني بالسلام ".


كان أبو سلمة عبد الله بن عبد الأسد أول من هاجر إلى المدينة من أصحاب رسول الله صلى الله عليه وسلم من المهاجرين من قريش من بني مخزوم، وكانت هجرته إليها بعد بيعة العقبة الأولى، وقبل بيعة العقبة الثانية، حين آذته قريش بعد مرجعه من الحبشة، فعزم على الرجوع إليها، ثم بلغه أن بالمدينة لهم إخوانا، فعزم في الهجرة إليها.

قالت أم سلمة: لما أجمع أبو سلمة الخروج إلى المدينة رحل لي بعيره ثم حملني عليه، وجعل معي ابني سلمة بن أبي سلمة في حجري، ثم خرج يقود بي بعيره، وانطلق به بنو عبد الأسد، وحبسني بنو المغيرة عندهم وانطلق زوجي أبو سلمة إلى المدينة.

قالت: ففرق بيني وبين ابني وبين زوجي.

قالت: فكنت أخرج كل غداة فأجلس في الأبطح، فما أزال أبكي حتى أمسي، سنة أو قريبا منها، حتى مر بي رجل من بني عمي أحد بني المغيرة، فرأى ما بي فرحمني، فقال لبني المغيرة: ألا تحرجون من هذه المسكينة؟ فرقتم بينها وبين زوجها وبين ولدها؟ قالت: فقالوا لي: الحقي بزوجك إن شئت.

قالت: فرد بنو عبد الأسد إلي عند ذلك ابني، قالت: فارتحلت بعيري، ثم أخذت ابني فوضعته في حجري، ثم خرجت أريد زوجي بالمدينة.

قالت: وما معي أحد من خلق الله، حتى إذا كنت بالتنعيم لقيت عثمان بن طلحة بن أبي طلحة أخا بني عبد الدار، فقال: إلى أين يا ابنة أبي أمية؟ قلت: أريد زوجي بالمدينة.

قال: أوما معك أحد؟ قلت: ما معي أحد إلا الله وابني هذا.

فقال: والله ما لك من مترك.

فأخذ بخطام البعير فانطلق معي يهوي بي، فوالله ما صحبت رجلا من العرب قط أرى أنه كان أكرم منه، كان إذا بلغ المنزل أناخ بي، ثم استأخر عني حتى إذا نزلت استأخر ببعيري فحط عنه ثم قيده في الشجر، ثم تنحى إلى شجرة فاضطجع تحتها.

فإذا دنا الرواح قام إلى بعيري فقدمه فرحله، ثم استأخر عني وقال: اركبي.

فإذا ركبت فاستويت على بعيري أتى فأخذ بخطامه فقادني حتى ينزل بي، فلم يزل يصنع ذلك بي حتى أقدمني المدينة، فلما نظر إلى قرية بني عمرو بن عوف بقباء قال: زوجك في هذه القرية.

وكان أبو سلمة بها نازلا، فادخليها على بركة الله.

ثم انصرف راجعا إلى مكة.

فكانت تقول أم سلمة: ما أعلم أهل بيت في الإسلام أصابهم ما أصاب آل أبي سلمة، وما رأيت صاحبا قط كان أكرم من عثمان بن طلحة.

أسلم عثمان بن طلحة بن أبي طلحة العبدري بعد الحديبية.


كتب الأنصار إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم بعد بيعة العقبة الأولى أن يبعث لهم من يصلي بهم ويقريهم القرآن، فبعث رسول الله صلى الله عليه وسلم لهم مصعب بن عمير, فكان في ضيافة أسعد بن زرارة, وأخذ يدعو إلى الإسلام، وانتشر الإسلام في أهل يثرب حتى لم يبق بيت في يثرب إلا وفيه مسلم أو مسلمة، وكان ممن أسلم على يده سيدا الأوس سعد بن معاذ، وأسيد بن الحضير.