الإحكام في أصول الأحكام للآمدي
مدة
قراءة الصفحة :
4 دقائق
.
[المقدمة]
بِسْمِ اللَّهِ الرَّحْمَنِ الرَّحِيمِ
الْحَمْدُ لِلَّهِ خَالِقِ الْأَفْلَاكِ وَمُدَبِّرِهَا، وَمُزَيِّنِهَا، بِالشُّهُبِ الثَّاقِبَةِ وَمُنِيرِهَا، وَجَاعِلِ حَرَكَاتِ السَّيَّارَاتِ دَالَّةً عَلَى اخْتِلَافِ أَحْوَالِ الْكَائِنَاتِ وَتَدْبِيرِهَا (¬1) ، وَمُظْهِرِ حِكَمَهُ فِي إِبْدَاعِهِ لِأَنْوَاعِ مَوْجُودَاتِ الْعَالَمِ وَتَصْوِيرِهَا، الْمُتَفَضِّلِ بِسَوَابِغِ الْإِنْعَامِ قَلِيلِهَا وَكَثِيرِهَا. الْعَادِلِ فِيمَا قَضَاهُ وَأَمْضَاهُ مِنَ الْأَحْكَامِ وَتَقْدِيرِهَا. الَّذِي شَرَّفَ نَوْعَ الْإِنْسَانِ بِالْعَقْلِ الْهَادِي إِلَى أَدِلَّةِ التَّوْحِيدِ وَتَحْرِيرِهَا. وَأَهَّلَ خَاصَّةَ الْعُلَمَاءِ لِاسْتِثْمَارِ أَحْكَامِ الشَّرِيعَةِ مِنْ مَدَارِكِهَا وَتَقْرِيرِهَا (¬2) ، حَتَّى اسْتَقَرَّتْ قَاعِدَةُ الدِّينِ، وَظَهَرَتْ حِكْمَتُهُ فِي جَمْعِهَا وَتَحْبِيرِهَا.
وَأَشْهَدُ أَنْ لَا إِلَهَ إِلَّا اللَّهُ وَحْدَهُ لَا شَرِيكَ لَهُ، شَهَادَةً مُنْجِيَةً مِنْ صَغِيرِ الْمُوبِقَاتِ وَكَبِيرِهَا. وَأَشْهَدُ أَنَّ مُحَمَّدًا عَبْدُهُ وَرَسُولُهُ الَّذِي أَزَالَ - بِوَاضِحِ بُرْهَانِهِ - وَأَزَاحَ - بِصَادِقِ بَيَانِهِ - مَا ظَهَرَ مِنْ شُبَهِ الْمُلْحِدَةِ وَتَزْوِيرِهَا. صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَعَلَى آلِهِ وَصَحَابَتِهِ الْمُؤَازِرِينَ لَهُ فِي إِظْهَارِ دَعَوْتِهِ بِحَدِّهَا وَتَشْمِيرِهَا، وَالسَّلَامُ.
وَبَعْدُ، فَإِنَّهُ لَمَّا كَانَتِ الْأَحْكَامُ الشَّرْعِيَّةُ، وَالْقَضَايَا الْفِقْهِيَّةُ وَسَائِلَ مَقَاصِدِ الْمُكَلَّفِينَ، وَمَنَاطَ مَصَالِحِ الدُّنْيَا وَالدِّينِ، وَأَجَلَّ الْعُلُومِ قَدْرًا وَأَعْلَاهَا شَرَفًا وَذِكْرًا ; لِمَا يَتَعَلَّقُ بِهَا مِنْ مَصَالِحِ الْعِبَادِ فِي الْمَعَاشِ وَالْمَعَادِ، كَانَتْ أَوْلَى بِالِالْتِفَاتِ إِلَيْهَا وَأَجْدَرَ بِالِاعْتِمَادِ عَلَيْهَا.
وَحَيْثُ كَانَ لَا سَبِيلَ إِلَى اسْتِثْمَارِهَا دُونَ النَّظَرِ فِي مَسَالِكِهَا وَلَا مَطْمَعَ فِي اقْتِنَاصِهَا مِنْ غَيْرِ الْتِفَاتٍ إِلَى مَدَارِكِهَا، كَانَ مِنَ الْلَازِمَاتِ وَالْقَضَايَا الْوَاجِبَاتِ الْبَحْثُ فِي أَغْوَارِهَا، وَالْكَشْفُ عَنْ أَسْرَارِهَا، وَالْإِحَاطَةُ بِمَعَانِيهَا، وَالْمَعْرِفَةُ بِمَبَانِيهَا حَتَّى تُذَلَّلَ (¬3) طُرُقُ الِاسْتِثْمَارِ، وَيَنْقَادَ جُمُوحُ غَامِضِ الْأَفْكَارِ؛ وَلِذَلِكَ كَثُرَ تَدْآبِي (¬4) ، وَطَالَ اغْتِرَابِي فِي جَمْعِ فَوَائِدِهَا، وَتَحْقِيقِ فَرَائِدِهَا مِنْ
¬_________
(¬1) مَعْطُوفٌ عَلَى اخْتِلَافٍ
(¬2) مَعْطُوفٌ عَلَى اسْتِثْمَارِهَا
(¬3) أَيِ التَّفْصِيلِيَّةِ
(¬4) مُضَارِعٌ حُذِفَ مِنْهُ إِحْدَى التَّاءَيْنِ
[المقدمة]
بسم الله الرحمن الرحيم
الحمد لله خالق الأفلاك ومدبرها، ومزينها، بالشهب الثاقبة ومنيرها، وجاعل حركات السيارات دالة على اختلاف أحوال الكائنات وتدبيرها (¬1) ، ومظهر حكمه في إبداعه لأنواع موجودات العالم وتصويرها، المتفضل بسوابغ الإنعام قليلها وكثيرها. العادل فيما قضاه وأمضاه من الأحكام وتقديرها. الذي شرف نوع الإنسان بالعقل الهادي إلى أدلة التوحيد وتحريرها. وأهل خاصة العلماء لاستثمار أحكام الشريعة من مداركها وتقريرها (¬2) ، حتى استقرت قاعدة الدين، وظهرت حكمته في جمعها وتحبيرها.
وأشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له، شهادة منجية من صغير الموبقات وكبيرها. وأشهد أن محمدا عبده ورسوله الذي أزال - بواضح برهانه - وأزاح - بصادق بيانه - ما ظهر من شبه الملحدة وتزويرها. صلى الله عليه وعلى آله وصحابته المؤازرين له في إظهار دعوته بحدها وتشميرها، والسلام.
وبعد، فإنه لما كانت الأحكام الشرعية، والقضايا الفقهية وسائل مقاصد المكلفين، ومناط مصالح الدنيا والدين، وأجل العلوم قدرا وأعلاها شرفا وذكرا ; لما يتعلق بها من مصالح العباد في المعاش والمعاد، كانت أولى بالالتفات إليها وأجدر بالاعتماد عليها.
وحيث كان لا سبيل إلى استثمارها دون النظر في مسالكها ولا مطمع في اقتناصها من غير التفات إلى مداركها، كان من اللازمات والقضايا الواجبات البحث في أغوارها، والكشف عن أسرارها، والإحاطة بمعانيها، والمعرفة بمبانيها حتى تذلل (¬3) طرق الاستثمار، وينقاد جموح غامض الأفكار؛ ولذلك كثر تدآبي (¬4) ، وطال اغترابي في جمع فوائدها، وتحقيق فرائدها من
¬_________
(¬1) معطوف على اختلاف
(¬2) معطوف على استثمارها
(¬3) أي التفصيلية
(¬4) مضارع حذف منه إحدى التاءين