تَحِيَّةً يَا حُمَاةَ الْبِلْجِ يَا أُسُدُ
مدة
قراءة القصيدة :
4 دقائق
.
تَحِيَّةً يَا حُمَاةَ الْبِلْجِ يَا أُسُدُ | هَذِي المَوَاقِفُ لَمْ يَسْبِقْ بِهَا أَحَدُ |
طَاغٍ أَلَمَّ بِكُمْ وَهْناً يُرَاوِدُكُمْ | عَنْ عِصْمَةِ الدَّارِ لاَ يَعْتَاقُهُ رَشَدُ |
لِيَسْتَبِيحَ كَمَا تَهْوَى مَطَامِعُهُ | مَحَارِمَ الْعَهْدِ لاَ يَلْوِي بِهِ فَنَدُ |
قَدْ غَرَّهُ الْعَدَدُ الْجَرَّارُ مُجْتَمِعاً | مِنْ جَيْشِهِ وَالسِّلاَحُ الْجَمُّ وَالْعُدَدُ |
وَمَا دَرَى أَنَّهُ لَوْ نَالَ مِدْفَعُهُ | أَرْسَى الْقِلاَعِ فَدُكَّتْ وَهْيَ تَتَّقِدُ |
وَأَنَّهُ لَوْ مَشَى فِي جَحْفَلٍ لَجِبٍ | كَالنَّارِ تَمْتَدُّ أَوْ كَالمَوْجِ يَطَّرِدُ |
لَمْ تُولِهِ الْمُفْنِيَاتُ السُّودُ أَجْمَعُهَا | رِقَابَ بِضْعَةِ شُجْعَانٍ بِهِمْ جَلَدُ |
عَدَا عَلَى الْحَقِّ وِلِهِلْمٌ يُجَرِّئُهُ | دَاءَانِ فِيهِ طُمُوحُ النَّفْسِ وَالْحَسَدُ |
أَيَغْلِبُ الْحَقَّ لَوْ أَمْسَتْ فَيَالِقُهُ | عَنْ حَيِّزَيْهَا يَضِيْقُ الأَيْنُ وَالأَمَدُ |
إَنَّ الشَّجَاعَةَ وَالنَّصْرَ الْخَلِيقَ بِهَا | مَا يَفْعَلُ الْبَأْسُ لاَ مَا يَفْعَلُ الْعَدَدُ |
فَكَيْفَ وَالْخَلْقُ إِجْمَاعاً قَدِ ائْتَمَرُوا | عَلَى مُقَاتَلَةِ الطَّاغُوتِ وَاتَّحَدُوا |
حَمَى الْبِرِيطَانُ غِشْيَانَ الْبِحَارِ عَلَى | سَفِينِهِ فَهْوَ لاَ رِزْقٌ وَلاَ بُرُدُ |
وأَيَّدُوا بِالسَّرايَا الْغُرِّ جَارَتَهُمْ | فَكَانَ خَيْرَ مُجِيرٍ ذَلِكَ المَدَدُ |
قَلُّوا سَوَاداً وَجَازَ الْحَصْرَ مَا فَعَلُوا | حَتَّى لَيَذْكُرَهُ النَّائِي فَيَرْتَعِدُ |
عَزَّتْ فَرَنْسَا بِهِمْ فِي جَنْبِ فِتْيَتِهَا | لِلّهِ فِتْيَتِهَا وَالمَجْدُ مَا مَجدُوا |
يُكَافِحُونَ بِلاَ رِفْقٍ وَلاَ مَلَلٍ | نُمْرودَ حَتَّى يَخِرَّ الْعَرْشُ وَالْعَمَدُ |
وَالرُّوسُ مِنْ جَانِبٍ ثَانٍ تُلِمُّ بِهِ | إِلمَامَ غَيْرِ محِبٍّ قُرْبهُ لَدَدُ |
جَيْشٌ خِضَمٌّ صَبورٌ طَيِّعٌ شَكِسٌ | نَاهِيكَ بِالْجَيْشِ إِذْ يَحْدُوهُ معْتَقَدُ |
يَقُصُّ مِنْ كَبِدِ النَّمْسَا لِيَتْرُكَهَا | وَرَاءَهُ مَا بِهَا جِسْمٌ وَلاَ كَبِدٌ |
حَتَّى إِذَا مَا دَهَى الألَمانَ صَبَّحَهُمْ | وَمَلْكُهُمْ بَعْدَ تَوْحِيدِ الْقُوَى بَدَدُ |
نَصْراً لأَعْوَانِهِ الصَّرْبِ الأُولى خَلَبوا | نُهَى الرِّجَالِ بِمَا أَبْلَوْا وَمَا جَهَدُوا |
وَالْعِصْبَةِ الْجَبَلِيِّينَ الَّذِينَ أَرَوْا | كَيْفَ انْتِقَامَ أَبِيٍّ وَهْوَ مضْطَهَدُ |
وِلْهِلمُ يَا مَنْ رَمَى طَيْشاً بِأُمَّتِهِ | مَرْمَى الْفَنَاءِ وَبِئْسَ الْحَوْضُ مَا تَرِدُ |
تمْضِي اللَّيَالِي وَيَدْنُو يَوْمُ صَرْعَتِكم | بِمَا فَسَدْتَ عَلَى الدُّنْيَا وَمَا فَسَدُوا |
هُدُّوا الكَنَائِسَ دُكُّوا الْجَامِعَاتِ قِلىً | أَفْنُوا النَّفَائِسَ لاَ تُبْقُوا وَتَقْتَصِدُوا |
ذُودُوا المَرَاحِمَ وَاقْسُوا جُهْدَ فِطْرَتِكمْ | وَإِنْ تَفُتْكُمْ فُنُونٌ مِنْ أَذىً فَجِدُوا |
وَلْيَهْنِكُمْ كُلُّ بَيْتٍ فِيهِ بَثُّ أَسَى | وَنَدْبُ مَيْتٍ وَقَلْبٌ شَفَّهُ الكَمَدُ |
وَكُلُّ رَوْضٍ ذَوَتْ فِيه نَضَارَتُهُ | وَنَاحَ بَعْدَ غِنَاءٍ طَيْرُهُ الْغَرِدُ |
غَداً يُؤَدِّي حِسَاب لا رِوَاغ بِهِ | مِنْ شَرِّ مَا يَقْتَنِي للظَّالِمِينَ غَدُ |
قِصَاصُ حَقٍّ لِجَانٍ مِنْ مَطَامِعِهِ | طَغَى عَلَى الْعَالَمِينَ الْبُؤْسُ وَالنَّكَدُ |
مشَى لِيَفْتَتِحَ الدُّنْيَا بِهِ حَرَدٌ | بِلاَ اكْتِرَاثٍ لِمَغْضُوبٍ بِهِ حَرَدُ |
يَعْلُوهُ مِنْ كِسَرِ التَّيْجَانِ تَاجُ مُنىً | ضَخْمُ الصِّيَاغَةِ مِمَّا لاَ تُجِيدُ يَدُ |
فَمَا خَطَا خُطْوَةً حَتَّى كَبَا فَإِذَا | بَيْنَ الرُّكَامِ الدَّوَامِي تَاجُهُ قِدَدُ |
بَنِي الشَّآمِ أَعَزَّ اللهُ مَعْشَرَكُمْ | فَكَمْ لَكُمْ هِمَّةٌ مَحْمودَةٌ وَيَدُ |
رَعَيْتُمُ لِبَنِي مِصْرَ قَرَابَتَهُمْ | كَمَا عَطَفْتُمْ عَلَى الجَرْحَى وَإِنْ بَعدُوا |
حَيَّاكُمُ اللهُ مِنْ قَوْمٍ أُولِي كَرَمٍ | لَمْ يَبْرَحُوا فِي المَعَالِي عِنْدَ مَا عَهِدوا |
لمْ يَغْلُ مَنْ قالَ فِيكُمْ إِنَّكُمْ أُسُدٌ | تِلْكَ الْفَعَائِلُ لِمْ يَسْبِقْ بِهَا أَحَدُ |
أَلْبِرْتُ يَا مَالِكاً أَبْدَتْ فَضَائِلُهُ | أَنَّى تُصَانُ الْعُلَى وَالعِرْضُ وَالْبَلَدُ |
كَذَا الْوَدَاعَةُ فِي أَبْهَى مَظَاهِرِهَا | كَذَا الشَّجَاعَةُ وَالإِقْدَامُ وَالصَّيَدُ |
نَصَرْتَ شَعْيَكَ فِي الْحَرْبِ الضَّروسِ وَلَ | مْ تًخْطِئْهُ حِينَ اسْتَتَبَّ السَّلْم مِنْكَ يَدُ |
فِي كُلِّ شَأْنٍ ترَقِّيهِ وَتَعْضُدُهُ | رَأْياً وَسَعْياً فَأَنْتَ الرَّأْسُ وَالْعَضُدُ |
وَلِلْمقِيمِينَ حَظُّ النَّازحِينَ فَهُمْ | بَنُوكَ إِنْ قَرُبُوا دَاراً وَإِنْ بَعدوا |
عَيْنُ الْعِنَايَةِ يَقْظَى فِي كِلاَءَتِهِمْ | بِعَيْنِ ذَاكَ الَّذِي فِي ظِلِّهِ سعِدوا |
وَزَادَ غِبْطَتَهُمْ بِالْعَيْشِ أَنَّ لَهُمْ | مَلِيكَةً أَوْرَدَتْهُمْ صَفْوَ مَا تَرِدُ |
لَيْسَتْ بأَكْبَرِهِمْ سِنّاً وَمَا بِرِحَتْ | أُمّاً رَؤوماً تُوَاسِيهِمْ وَتَفْتَقِدُ |
وَهذَّبَتْ بِقَوْيِمِ السَّيْرِ نِسْوَتَهُمْ | فَمَا بِهِنَّ وَقَدْ جَارَيْنَهَا أَوَدُ |
شَفَّتْ زَوَاهِي حَلاَهَا عَنْ خَلاَئِقِهَا | يَزِينُهُنَّ سُمُوُّ الرَّأْيِ وَالسَّدَدُ |
يَا أَيُّهَا المَلِكَانِ المُحْتَفِي بِهِمَا | عَزِيزُ مِصْرٍ وَقَوْمٌ حَوْلَهُ مُجُدُ |
مِن بُكْرَةِ الدَّهْرِ بِالمَعْروفِ قَدْ عُرِفُوَا | وَعَهْدُهُمْ فِي وَفَاءِ الْفَضْلِ مَا عُهِدُوا |
رَأَيْتُمَا مِنْ سرورٍ ظَاهِرٍ بِكُمَا | مِثَالَ مَا أَضْمَرُوا وُدّاً وَمَا اعْتَقَدوا |
هَذَا الرَّبِيعُ أَتَتْ وَفْقاً بَشَائِرُهُ | بِمَا تَقَرُّ بِهِ الأبْصَارُ إِذْ يَفِدُ |
أَهْدَى شَذَاه وَأَبْدَى لُطْفَ زِينَتِهِ | وَأَحْسَنَ الْحَمْدُ فِيهِ الطَّائِرُ الْغَرِدُ |