أما آنَ للسَّلوانِ أنْ يردَعَ الصَّبّا
مدة
قراءة القصيدة :
4 دقائق
.
أما آنَ للسَّلوانِ أنْ يردَعَ الصَّبّا | ولا لدنوّ الهجر أن يُبعد الحبّا |
لقد أنكر الدهر العَثور صبابتي | وقد كان ألقى مهجتي للهوى خرْبا |
ولمّا وَقَفْنا للوداع انْتَضتْ لنا | يدُ البَيْنِ بَدرًا مزَّقَتْ دونَهُ السُّحْبا |
فأبصرتُ عرساً بين بُرديه مأتمٌ | وأوليتُ بِرًّا عادَ عندَ النَّوى ذَنْبا |
وقد كنت أخشى وثبة الدّهر بيننا | ونحن من الإشفاق نستوعر العَتْبا |
فكيف وقد خاض الوشاة حديثنا | وأضحَوا لنا من دون "أترابنا" صَحبا |
سقى اللهُ أكنافَ اللوى مُرْجَحِنَّة ً | سحاباً يظلّ "الهضبُ من جوده خَضبا" |
وأطلقَ أنفاسَ النَّسيم بجوِّهِ | فكم كَبِدٍ حرّى تَهَشُّ إذا هبّا |
فعهدي بهِ لا يَهتدي البينُ طُرْقَه | ولا تَطْرقُ الأحزانُ مِن أهلهِ قَلبا |
حَمَتْهُ اللّيالي عن مطالبة الرّدى | ولم أدرِ أنّ الدّهر يجعله نَهْبا |
ومن ذا الذي لا يفتق الدّهر رَتْقَه | ولا تُنزل الدنيا بساحته خَطْبا؟! |
بربِّك يامزجي المطّية هل رعتْ | رِكابُك في سَفحِ الحِمَى ذلك الرَّطْبا؟ |
وهل كَرِعتْ من ذلك الحيِّ كَرْعَة ً | فقد طالما شرّدتَ عني به كَرْبا |
وهل لعبت أيدي السيول بحَزْنه | وهل "سَفَت الأرواح" من سهله التُّربا؟ |
غرامي بأهلِ الْجَزْعِ منكَ بِنَجْوة ٍ | ولو جُزته أعيا الرّكائب والرّكْبا |
شربتُ خليطَ الودِّ منهم ومَحْضهِ | فلستُ أُبالي إنْ سَقَوا غيريَ الضَّرْبا |
وفيهنَّ بيضاءُ العوارض لم تلُثْ | خِمارًا ولم تعرفْ مناكبُها العَصْبا |
أبحتُ هواها من سَرارة ِ مهجتي | حمى ً لو حَمَتْه همتّي لم أكن صبّا |
فإن تكن الأيام "أمْحَلْنَ" وصْلَنا | فإنَّ بقلبي مِن تذكُّرها خِصْبا |
عذيريَ مِن مُسْتَعْذِب صابَ بِغْضَتي | وقد وردتْ خَيلُ الصَّرى منهلاً عذْبا |
"تحكّمَ" منه الضِّغنُ لمّا رعيته | رياضَ حلومٍ لم يكن نبتها عُشبا |
كأنّ اللّيالي كافلاتٌ بعمرهِ | فإن قلت قد شابت ذوائبهُ شبّا |
إلى كم أغضُّ الطَّرفَ منه على القَذَى | وأهلنا من حلمي قلائصَه الجَرْبي |
وهَبْتُ له صَبري على هَفَوَاتِهِ | ولولا عطائي ما تملَّكَها كَسْبا |
وأقسم أنِّي لو مددتُ له يدي | لطالَ على حَوْباءة ٍ تسكُنُ الجَنبا |
أيا حاسدي كسب العُلا اكتسب العُلا | فإنّ المعالي ليس تأخذها عصبا |
ركبتُ له والخيلُ "منك" بريئة ٌ | وأَخْصَبَ في رَبْعي وكنتَ له جَدْبا |
وقلّبتُ أطراف القنا في طِرادِه | وقلبُك في شُغلٍ بتقليبهِ القُلْبا |
إذا المرء لم تستصحب الحزمَ نفسُهُ | أقامت سَجاياهُ على نفسهِ إلْبا |
وليسَ ينالُ المجدَ إلاّ ابنُ همَّة ٍ | أبَتْ أنْ يكون الصّعبُ في نفسه صعبا |
وكم لائمٍ في المجد لا نصحَ عنده | جعلتُ جوابي عن ملامتهِ تبَّا |
يلوم علي أنّي أحِنّ إلى النّدى | وليس عابَ النّدى عندي العُتبى |
وما مال إلاّ ما سبقت به ردى ً | فأعطيتُه أو ما شفيتُ به صَبّا |
وعندي لمن رام ابتلائيَ همة ٌ | تَرى بُعْدَ طُرْقِ المَكْرُماتِ هوَ القُربا |
"مُهذِّمَة ٌ" لا يخطب الهزلَ جِدُّها | ولا تملأ الرَّوعاتُ ساحتَها رُعبا |
لها شفرة لا يَكْهَمُ الدّهرُ غربَها | ولن تتركَ الأيامُ في شفرة ٍ غَرْبا |
وليلٍ كأنّ البدرَ في جَنَباتِهِ | أخو خَفَرٍ يُدْني إلى وجهه سِبّا |
خرقتُ حواشيه بخرقاءَ جَسْرة ٍ | ترى الصِّدقَ في عينيكَ ما وجدتْ كِذْبا |
مسهَّدَة ٌ لا يطعمُ النومَ جَفنُها | ولا تبلغُ الغايات من صبرها العُقبى |
إذا ما استمرَّتْ في الشّكيم تلوكُه | كسا مشفراها عاريات الرُّبا عُطبا |
أقولُ إذا أَقنى الدُّؤوبُ تَجَلُّدي: | ألا ربَّ تَصديع ملكتُ به الشِّعبا |
ولا بدَّ لي من نهضة ٍ في لُبانهٍ | أُميتُ القَنا فيها وأُحْيِي بهِ النَّحْبا |
فإنْ أبلغِ القُصوى فشيمة ُ ماجدٍ | وإن تنبُ أسيافي فلن أدع الضّربا |