عنوان الفتوى : هل يختار العامي الأقرب إلى مراد الشرع أم الأيسر؟

مدة قراءة السؤال : 4 دقائق

يا إخواني أنا رجل و لله الحمد والمنّة عندي فهم، فأنا بحمد لله حامل لشهادة عليا في علوم التقنية، وقد نقلتم أنتم قولا للخطيب البغدادي بخصوص العامّي كيف يتعامل مع الاختلاف، نصّه كالآتي "فإن قال قائل: فكيف في المستفتي من العامة إذا أفتاه رجلان واختلفا، فهل له التقليد؟ قيل: إن كان العامي يتسع عقله، ويكمل فهمه إذا عقِّل أن يعقل، وإذا فُهِّم أن يفهم، فعليه أن يسأل المختلفين عن مذاهبهم، وعن حججهم، فيأخذ بأرجحها عنده، فإن كان له عقل يقصر عن هذا، وفهمه لا يكمل له، وسعه التقليد لأفضلهما عنده، وقيل: يأخذ بقول من شاء من المفتين, وهو القول الصحيح؛ لأنه ليس من أهل الاجتهاد، وإنما عليه أن يرجع إلى قول عالم ثقة, وقد فعل ذلك, فوجب أن يكفيه" وأنا أشهد الله العظيم أنّي بحمد لله لا أتّبع الهوى، وأشهد الله العظيم أنّي أشعر من نفسي أنّي من الصّنف الأوّل يعني إذا قرأت مذاهب العلماء وسألت عنها في مسألة ما فإنّي في الغالب أفهم أدلّتهم ولا أخفيكم أني أحبّ الاطّلاع على أقوال العلماء لسبب واحد ألا وهو 1ـ كم من مسألة فيها خلاف قوي بين العلماء، تجد العامي الجاهل بآداب الخلاف إلا و يحمل النّاس وينكر عليهم بشدّة عملهم بالقول الآخر الّذي فيه أدلّة قويّة، وأضرب لك بمثالين: المثال الأوّل: ينكر بعض إخواننا الطّيّبين على كثير من شيوخنا (كبار السنّ أقصد) في بلادنا أخذهم بقول من يقول بمنع تحيّة المسجد في وقت الكراهة، وهو قولّ قوي كما قال العلاّمة ابن باز ـ رحمه الله ـ فيحدث بذلك شقاق لا ينبغي أن يحدث أصلا. المثال الثّاني: كثير من إخواننا ينكرون على النّاس إسبالهم لسراويلهم ويشدّدون في ذلك، وكنت أنا منهم بل وينسبونهم إلى الحزبية عياذا بالله، ولما اطّلعت في هذه المسألة وجدت أنّ القائل بجواز الإسبال لغير الخيلاء هم علماء لا يستهان بفهمهم للنّصوص والله المستعان. المهمّ أنا أطّلع على أقوال العلماء من خلال موقعكم وفي بعض الأحيان أعود إلى الكتب الموجودة على موقعكم وأتأكدّ من وجود الخلاف، وأنظر بوسعي وأختار القول الأقرب للصّواب عندي. أو على الأقلّ عندما أعرف أنّ في المسألة خلافا لا بأس به وقال به علماء أفذاذ وفقهاء حتّى وإن أخذت بقول أحدهم إلاّ أنّي لا أريد أن أنكر على النّاس ومن حولي ممّن أخذ بالقول المخالف رحمة بهم وجمعا للكلمة. المهمّ أنّي لا أعتقد ولا أقول بقول لم يقل به عالم قطّ، وفي المسائل النّازلة والّتي تتعلّق بواقع ما كالمسائل الّتي تتصادم فيها مفسدة مع مصلحة فهنا لا أجتهد معاذ الله إلاّ أنّي آخذ بالقول الّذي تطمئنّ له نفسي وقال به عالم معاصر معتبر، وأضرب مثالا كقول العلاّمة العثيمين في الانتخابات وفي هذا المثال أخذت بقول العثيمين لأنّي أرى فيه قوّة وجهادا وحربا على الفاسدين، وتخفيفا للشرّ كما أفتى شيخ الإسلام في من تولّى وظيفة محرّمة (تضرب فيها المكوس على الناس) لتخفيف الشرّ ورفع الظلم فأفتى بالجواز بل بالأفضلية، فمثلا في المسألة الّتي ذكرت لكم (الانتخابات) لو يؤخذ بعين الاعتبار هذا الخلاف ألا ترون أنّ الهوّة تضيق والخلاف يقلّ بين السّلفيين والإخوان والجماعات الإسلامية وهذا يحقّق مقصدا عظيما من مقاصد الشّريعة ألا وهو جمع الكلمة والأخوّة بين المسلمين. مع العلم كم من مسألة سألت عنها من هم ثقات عندي وعلماء وأجابوني بأجوبة وكأنّي شبه متيّقن بأنّها باطلة كتحليل محرّم ـ من غير قصد منهم طبعا إنّما باجتهاد ـ من دون دليل وغيرها فهل فعلي هذا حرام؟ وهل ما أقوم به صحيح؟ مع العلم أنّي عازم على طلب العلم إن شاء الله لأنّي لا أريد تسليم عقلي في دين الله والله المستعان.

مدة قراءة الإجابة : 3 دقائق

الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله وصحبه، أما بعد:

فما يقوم به الأخ السائل لا يخرج عن أقوال أهل العلم في ما يعمله العامي إذا اختلف عليه المفتون، ففي ذلك خلاف واسع ومشهور بينهم، والذي يظهر لنا رجحانه أن العامي إذا كان له شيء من النظر في الأدلة ويستطيع أن يفهم توجيه أهل العلم لها، ويتبين مأخذها عندهم، فعليه أن يبذل وسعه في اختيار الأقرب إلى مراد الشرع بحسب فهمه وغلبة ظنه، فإن تكافأت عنده الأقوال بحيث لا يستطيع الترجيح بين الأقوال ولا قائليها بأي مرجح معتبر، فله أن يأخذ بالأيسر، والأفضل أن يحتاط لنفسه بالخروج من خلافهم، ما لم يؤد ذلك إلى مفسدة أو مشقة توقعه في الحرج، وقد سبق لنا بيان ذلك في الفتاوى ذوات الأرقام التالية: 319819، 169801، 170671، 229444.

ولا يخفى أن معرفة أقوال أهل العلم وأدلتهم، لها فوائد جمة، ومنها ما أشار إليه السائل من: اعتبار القول المخالف للراجح عند الشخص، وعدم الإنكار على قائله والعامل به؛ فإن الخلاف السائغ الذي لا يخالَف فيه نصٌ أو قياسٌ جليٌّ، لا ينكر فيه على المخالف، وراجع في ذلك الفتوى رقم: 222994

وأخيرا نلفت نظر السائل إلى أن يقينه ببطلان قول من يثق فيهم من أهل العلم في بعض مسائل الاجتهاد، يحتاج منه إلى إعادة نظر؛ فقد يكون عندهم أدلة تخفى عليه، ويحتاج إلى سؤالهم عنها، وليعتبر السائل بما ذكره هو نفسه من هذين المثالين: مسألة منع تحيّة المسجد في وقت الكراهة، ومسألة عدم حرمة الإسبال لغير الخيلاء.

والله أعلم.