عنوان الفتوى : خطورة الاطلاع على الشبهات لغير الراسخين في العلم

مدة قراءة السؤال : 5 دقائق

أنا طالبٌ أبلغ من العمر 15 عاما، حافظ سبعة أجزاء من القرآن الكريم، ومحب للعلوم والحاسوب. وقبل سنتين حدثتني نفسي ـ وكنت قوي الإيمان وهذا ما غرّني ـ بأن أزور مواقع الملحدين على الإنترنت لأرى مأخذهم على الإسلام وأرد عليها، لتقوية إيماني. فكانت النتيجة وكما ترون كارثية. سنتان في الضياع بين التدين والإلحاد، فتارةً أرى نفسي مقتنعا بوجود الله وتارةً لا. وتحسن حالي بزيارة مواقع للرد على شبهاتهم، ولكن لا تزال نفسي تحدّثني ببعض الأشياء الغريبة. أولًا: تحدثني نفسي وأنا أستحضر الخشوع في الصلاة: صلاتك إلى هباء. لمن تصلّي؟! ويذهب الخشوع فأجيب: للذي خلق الكون وخلقنا فما الدليل؟ بطلان نظرية التطور بظهور كم هائل من الأنواع على الأرض بشكل مفاجئ ـ الانفجار الكامبريـ + بحوث د. دوغلس إيكس التي تؤكد استحالة تكوين الDNA بالصدفة ـ احتمال تكون بروتين واحد يعمل ـ ليس معطوبًاـ يساوي 10 قوة 164 ... أما عدد جميع الأحداث منذ خلق الكون يبلغ 10 قوة 86 فلو سخّرت جميع الأحداث لخلق البروتين الأول لاستحال الخلق، + وهذا اجتهاد شخصي لا توجد في الخلية الأولى المزعومة صفات البشر مثل الذاكرة التي تذكر الماضي والقيم السامية والنبيلة كالتضحية والشهامة والإقدام ... فضلًا عن عجز كبير الملحدين ريتشارد دوكينز عن الإجابة عن سؤال: ما الذي يضيف معلومات جديدة إلى الDNA لصنع أعضاء جديدة؟ ونسبة فيبروناتشي وتعرف أيضًا بالنسبة الإلهية لطغيانها على تشكيل الكثير من الأشكال الحلزونية خصوصا في الكون مثل المجرات ودولار البحر والورود وترتيب الأوراق على الأغصان ونسبة حجم الأنف إلى حجم الفم + طول البطن إلى طول الساقين في الجسم المتناسق... حتى أنّها وجدت في قياسات على مستوى فيزياء الكوانتوم، وفي الأحجام في الDNA ... لكن تشير علي الملعونة بإمكانية أن يكون كل هذا بالصدفة... فتعود نفسي وتذكرني بما قرأته مرّةً هناك عن خلق الكون بواسطة ظهور مفاجئ كظهور حبّة الكوانتوم من اللاشيء... أذكّر نفسي بما قد قيل ردًّا على هذا بأن نظرية الكوانتوم في الفيزياء تنص على أن حبات الكوانتوم ـ أصغر من أجزاء الذرّة ولا يمكن رصدهاـ تظهر من لا شيء وتذهب إلى لا شيء بسرعة هائلة ـ مدة حياة الكوانتوم قليلة جدًاـ ولكن نفسي لا تقتنع، وأذكّر نفسي بأصناف الإعجاز العلمي في القرآن الكريم... ولكن تذكرني بمحاولات ـ لم أقرأها خوفًا من أن أرتد ـ للنصارى بدحر الإعجاز العلمي... وتنتهي صلاتي التي هي حركات وتأمل بلا خشوع أو إيمان، فما الحل؟ تقول لي نفسي بأنني لا أترك الإسلام خوفًا وأن على المرء أن يترك الباطل ولو كان دين آبائه، ولو أنني نصراني لفعلت ذات الشيء لإقناع نفسي بالنصرانية الباطلة، ولا أريد قياس هذا الموقف بالإسلام، فهل الإسلام دين حق ولِمَ؟ أحاول قراءة ردود إسلامية على شبهات الملحدين ولكن لا أجد إجابات شافية لأسئلتي أعلاه، إضافة ألى أنني أخاف على نفسي من الكفر جراء عدم الإقتناع بالرد على الشبهة... كما أن نفسي تشككني في ديني وتعيد لي الأسطوانة كلما سمعت أحدًا يتكلم عن خلق الكون، كما راودني نفس الشعور وأنا أستمع لمناظرة: هل الإسلام دين سلام ـ في جامعة أكسفورد... إضافة إلى ما سبق، تظل هذه العبارة تنغص عليّ تأملي، ما الفرق بين الإيمان بإله والإيمان بمثلث برمودا أو الخرافات؟ وما قصة الجن وعدم وجود تفسير علمي لهم؟ وأخيرًا، بعض الشبهات التي لا أجد لها علاجا: لم يقال إن القلب موضع الهداية، والقلب ليس إلا مضخّة للدم لا أكثر ولا أقل؟ وكيف يدعو الإسلام للتأمل في خلق الله، وبنفس الوقت يمنع التفكير في الغيبيات؟ أليس هذا ربطًا للعقل وليس بدعوة للتفكير كما يقولون هم؟ وأخيرًا، لم يقتل الشرع تارك الإسلام، وقد ضمن الإسلام الحرية؟ لا أجد إجابة شافية، ولا أريد ترك الإسلام وتحمل المسؤولية.

مدة قراءة الإجابة : 5 دقائق

الحمد لله، والصلاة والسلام على رسول الله، وعلى آله وصحبه، أما بعد:

فنسأل الله تعالى أن يغفر لك ذنبك، وأن يلهمك رشدك، وأن يقيك شر نفسك، فهذا الذي ذكرته سببه الأول هو تعريض نفسك للفتن، وإقحامها في ما لا تحسنه، رغم صغر السن، وضعف العلم، وقلة الخبرة!! فمناظرة الملحدين الذين يتكلمون بلسان العلم الحديث تحتاج إلى قدم راسخة في علوم الوحي، وعقل متثبت في العلوم المدنية المعاصرة، ولا نظنك في سن الثالثة عشر قد حصلت ذلك ولا قريبا منه، ولذلك فأول ما نوصيك به هو الامتناع التام عن مطالعة كلام الملحدين، والاجتهاد في التخلص من رواسبه العالقة في نفسك، وذلك بالإعراض عن التفكر فيه وعدم الاسترسال معه؛ لأن فحوى شكواك عند التأمل فيها تدور على ما يشبه الوسوسة، وما يتبعها من حيرة واضطراب، ولإيضاح ذلك نقول: قد عرض السائل أدلة وبراهين تدحض بالكلية احتمال المصادفة في وجود الكون، بحيث لا يمكن الشك أبدا في سقوط هذا الاحتمال الباطل، ويبقى الإصرار على فرضه ضربا من الجنون أو الخرافة أو المصادرة على العقل والفكر!! ويكفي في هذا ما ذكره السائل باجتهاده الشخصي ـ كما ذكر ـ أن تسخير جميع الأحداث من بداية الخلق لا يمكن أن يؤدي لتكوين بروتين أولي، فضلا عن تكوين الحمض النووي ـ DNA ـ إلى غير ذلك مما ذكره السائل، ثم يأتي بعد ذلك ويقول: تشير عليّ الملعونة ـ يعني نفسه ـ بإمكانية أن يكون كل هذا بالصدفة!!! فهذا مما لا ينقضي منه العجب، وهو يدل دلالة واضحة على أن الأمر لا يعدو المكابرة أو الوسوسة، وعلى أية حال فاحتمال المصادفة في خلق الكون من الوهاء بحيث صار أضحوكة ومدعاة للسخرية عند كل المنصفين، ولمزيد الفائدة عن ذلك يمكنك الاطلاع على الفتويين رقم: 33504، ورقم: 192989، وتجد فيهما بعض الكتب التي يُوصى بقراءتها.

وأما قول السائل: لم يقال إن القلب موضع الهداية، والقلب ليس إلا مضخّة للدم لا أكثر ولا أقل! فموضوعه محل بحث علمي جاد في العصر الحديث، انتهى إلى إثبات حقائق علمية تؤكد عقلانية القلب ووعيه، فهو يفكر ويدرك ويشعر وينقل المعلومات إلى المخ لتتحرك أعضاء البدن، ويمكن الاطلاع على تفصيل ذلك من خلال هذا الرابط:

http://bayanelislam.net/Suspicion.aspx?id=04-03-0017

هذا مع الإشارة إلى الخلاف القديم بين العلماء في مكان العقل، وهل هو في الدماغ أم في القلب؟ وراجع في ذلك الفتوى رقم: 184759، وما أحيل عليه فيها.

وأما قول السائل: كيف يدعو الإسلام للتأمل في خلق الله، وبنفس الوقت يمنع التفكير في الغيبيات؟ فجوابه ظاهر: فالمخلوقات المدركة بالحس لا يمكن أن تستوي عند العقلاء مع الغيب الذي لا يمكن أن يستقل العقل بمعرفته، ولا سبيل إلى إدراكه بالحواس، فكان مقتضى الحكمة أن يكون التفكر والتأمل في المخلوقات المدركة التي يتعامل معها الإنسان بعقله وحواسه، ليصل بذلك إلى معرفة شيء من صفات خالقها العلي العظيم، البر الرحيم، العزيز العليم، القدير الحكيم وراجع للفائدة الفتوى رقم: 39560.
وأما قول السائل: لم يقتل الشرع تارك الإسلام، وقد ضمن الإسلام الحرية؟ فراجع في جوابه الفتوى رقم: 170755.

وأخيرا نلفت نظر ابننا السائل إلى أنه لا يحتاج إلى ردود علمية وتفصيل في بيان الشبهات وردها، فقد زار ـ كما أخبرنا ـ مواقع للرد عليها، وإنما يحتاج إلى معونة الله تعالى وهدايته، وفضله ورحمته، وحفظه وتوفيقه، ولذلك فإننا نوصيه بتدبر القرآن ومواصلة تلاوته، وكثرة ذكر الله تعالى، والإلحاح عليه في الدعاء، فإن هذه الثلاثة مفاتيح للتوفيق والهداية، وأسباب للرحمة والإعانة.

والله أعلم.