عنوان الفتوى : لا يؤمن بالله ولديه شبهة حول بدء الخلق ومعاقبة الكفار بالنار

مدة قراءة السؤال : دقيقتان

لدي صديق قال ما يلي : "أنا حقا فخور أني لست بمتدين ، فقد كنت فيما مضى شابا روحانيا ، يؤمن بالخرافات والخيالات كالملائكة والأشباح (الجن) ، ثم قمت بتطبيق منطق النشوء والعلم مما فضح زيف الأديان عموما ليس فقط الإسلام . فعلى سبيل المثال يقول الإسلام إن الله خلق البشر أولا ، ثم خلق الأرض لنا لكي نعيش عليها ، وهذا الأمر خطأ وفقا للتاريخ الدقيق الذي حدده مقياس الطاقة الإشعاعية والذي قال بأن ملايين من الحيوانات المختلفة بخلاف الأرض نفسها قد وجدوا قبل أن يكون للبشر وجود بزمن طويل . وأيضا لماذا قام الله بجعل 80% من الناس يحرقون في جهنم؟ ألا تعتقد أنها عقلية مريضة للغاية تلك التي تستيقظ كل صباح معتقدة أن زملاءها ومدرسيها وغير المسلمين جميعا سيحرقون في جهنم؟ كما أراهنك أن أصدقاءك من المسيحيين والهندوس يعتقدون نفس هذه المعتقدات السيئة عنك ، بأنك ستحرق في جهنم أليس كذلك ؟ إن هذا إيمان بغير دليل موجود في جميع المعتقدات ، وأنا احترم حق الناس في الخيال" . أنا لم أكذب في كلمة واحدة مما قالها هذا الرجل ، ولهذا آمل ألا يزعج هذا ايا من رجال الدين ، وأن تساعدوني بالتوجيه : كيف أقوم بدعوته ، والرد على كلامه .

مدة قراءة الإجابة : 7 دقائق


الحمد لله
أولا :
لقد أثبت كثير من العلماء المسلمين وغيرهم بطلان نظرية داروين حول النشوء والارتقاء ، وينظر في ذلك سؤال رقم (126913) .
وقد دخلت هذه النظرية " متحف النسيان بعد كشف النقاب عن قانون مندل الوراثي واكتشاف وحدات الوراثة (الجينات) باعتباره الشفرة السرية للخلق ، واعتبار أن الكروموسومات تحمل صفات الإنسان الكاملة وتحفظ الشبه الكامل للنوع . ولذا يرى المنصفون من العلماء أن وجود تشابه بين الكائنات الحية دليل واضح ضد النظرية ، لأنه يوحي بأن الخالق واحد ولا يوحى بوحدة الأصل ، والقرآن الكريم يقرر بأن مادة الخلق الأولى للكائنات هي الماء : ( وَاللَّهُ خَلَقَ كُلَّ دَابَّةٍ مِن مَّاء ) [سورة النور، آية: 45] ، ( وَجَعَلْنَا مِنَ الْمَاء كُلَّ شَيْءٍ حَيٍّ ) [سورة الأنبياء، الآية: 30].
وقد أثبت العلم القائم على التجربة بطلان النظرية بأدلة قاطعة ، وأثبت أنها ليست نظرية علمية على الإطلاق.
والإسلام والأديان السماوية كافة ، تؤمن بوجود الله الخالق البارئ المدبر المصور الذي أحسن صنع كل شيء خلقه ، وبدأ خلق الإنسان من سلالة من طين ، ثم خلقه م نطفة في قرار مكين، والإنسان يبقى إنساناً بشكله وصفاته وعقله ، لا يتطور ولا يتحول وَفِي أَنفُسِكُمْ أَفَلَا تُبْصِرُونَ ." [الموسوعة للميسرة للمذاهب والأديان المعاصرة].
والأدلة على إثبات الخالق ظاهرة كالشمس ، وحسب الإنسان أن يتأمل دليلا عقليا سهلا أرشد إليه القرآن الكريم : وهو أن هذه المخلوقات المتقنة الصنع : إما أن تكون خلقت نفسها ، أو وجدت من غير خالق ، أو خلقها خالق عليم قدير .
أما احتمال الأول والثاني فباطلان ، فإنها لم تخلق نفسها ، ولو كانت قادرة على الخلق ، فلتخلق ما هو أصغر منها وأضعف .
وكذلك لا يمكن أن توجد من غير خالق ، فإنه لو قال قائل عن أبسط المخترعات المشاهدة ، كالمصباح مثلا ، إن ذرات الزجاج اجتمعت وكونت هذا الشكل المتقن المتساوي ، وجاء معها الأسلاك وبقية المكونات صدفة حتى صارت مصباحا ، لقال سائر العقلاء عنه إنه مجنون ! فكيف بهذه الكواكب العظيم ، والأجرام والمجرات الهائلة ، ذات الصنع المتقن ، والانتظام المعجز ؟!
قال الله تعالى : ( أَمْ خُلِقُوا مِنْ غَيْرِ شَيْءٍ أَمْ هُمُ الْخَالِقُونَ . أَمْ خَلَقُوا السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضَ بَلْ لَا يُوقِنُونَ ) الطور/35، 36
ولنضرب المثل بصاحبك نفسه ، فهذا بدنه المشتمل على الجوارح المتقنة الصنع من القلب والعينين والأذنين والفم والأنف وبقية الأعضاء ، هل خلق نفسه ؟!
أو وجد واجتمع وتركب وصار ناطقا سميعا بصيرا تعمل فيه آلاف الخلايا صدفة ؟!
أو خلقه خالق عليم هو الله سبحانه وتعالى ؟ وهذا هو الحق الذي لا محيد عنه .
فإن قيل إن الطبيعة هي التي خلقته ، قيل : الطبيعة عندهم غير عاقلة ولا واعية، بل إنها تخبط خبط عشواء ، فكيف تخلق هذا الكائن العاقل المنتظم المعجز في خلقه وتكوينه ، فضلا عن خلق بقية العالم .
والإيمان بالملائكة والجن ، هو فرع عن الإيمان بالله وبكتبه ورسله الذين أخبروا بذلك ، فما لم يصحح إيمانه بالله ، فلا غرابة في إنكاره للملائكة والجن .
ثانيا :
ليس في الإسلام أن الله خلق البشر أولا ، ثم خلق الأرض ليعيش عليها ، فهذا باطل لا أصل له ، بل الأرض والسموات خلقتا قبل الإنسان بأزمنة لا يعلمها إلا الله .
وآدم عليه السلام هو أبو البشر ، وقد أخبر الله ملائكته أنه سيخلقه ليجعله في الأرض ، وهذا واضح في أن الأرض كانت موجودة قبل خلق آدم ، ولا خلاف في هذا بين المسلمين ، بل ولا بين أتباع الديانات ، قال تعالى : ( وَإِذْ قَالَ رَبُّكَ لِلْمَلَائِكَةِ إِنِّي جَاعِلٌ فِي الْأَرْضِ خَلِيفَةً قَالُوا أَتَجْعَلُ فِيهَا مَنْ يُفْسِدُ فِيهَا وَيَسْفِكُ الدِّمَاءَ وَنَحْنُ نُسَبِّحُ بِحَمْدِكَ وَنُقَدِّسُ لَكَ قَالَ إِنِّي أَعْلَمُ مَا لَا تَعْلَمُونَ ) البقرة/ 30
وهذه الآية فهم منها بعض أهل العلم أن الأرض سُكنت وعمرت قبل آدم ، ووجد فيها مخلوقات أفسدت وسفكت الدماء .
والمقصود أن ما ذكره عن الإسلام غير صحيح ، فالأرض مخلوقة كائنة قبل خلق البشر .
ثالثا :
الاعتراض على خلق النار ، وإدخال كثير من الناس فيها ، اعتراض من لا يؤمن بالعدل .
وبيان ذلك أن الله تعالى خلق الناس ، وأرسل لهم من يدلهم على الخير والشر ، فصار منهم المهتدون ، ومنهم الأشقياء .
فهل يقول عاقل : إنه يستوي المصلح والمفسد ، والبر والفاجر ، والمظلوم والظالم ؟
إننا نشاهد في حياتنا الضعفاء البؤساء المظلومين ، ونشاهد الظلمة القساة المعتدين ، فإذا كان الجميع سيفنون ، ولا يؤخذ للمظلوم حقه من الظالم ، فأي عدل في هذا ؟!
وأي خسارة أعظم للمظلوم من هذه الخسارة ؟! فقد عاش بائسا مظلوما ، وسيموت كظالمه ، لا ينال منه شيئا !
وهل هذا إلا دعوة للبغي والظلم والنهب بحسب الوسع والطاقة ؟
ولا شك أن من علم أنه لن يحاسب ولن يجازى ، وأن مصيره سيكون كغيره ، لا شك أنه سيعيث في الأرض فسادا وظلما وعدوانا ، وقد قيل : من أمن العقاب أساء الأدب .
ولهذا قال الله : ( أَفَنَجْعَلُ الْمُسْلِمِينَ كَالْمُجْرِمِينَ . مَا لَكُمْ كَيْفَ تَحْكُمُونَ ) القلم/ 35 ، 36
وقال : ( وَمَا خَلَقْنَا السَّمَاءَ وَالْأَرْضَ وَمَا بَيْنَهُمَا بَاطِلًا ذَلِكَ ظَنُّ الَّذِينَ كَفَرُوا فَوَيْلٌ لِلَّذِينَ كَفَرُوا مِنَ النَّارِ . أَمْ نَجْعَلُ الَّذِينَ آمَنُوا وَعَمِلُوا الصَّالِحَاتِ كَالْمُفْسِدِينَ فِي الْأَرْضِ أَمْ نَجْعَلُ الْمُتَّقِينَ كَالْفُجَّارِ ) ص/ 27 ، 28
والإيمان بالثواب والعقاب ، هو فرع كذلك عن الإيمان بالله تعالى وبكتبه ورسله ، فعلى صاحبك أن يتفكر في نفسه ، ويعطي قضية الخلق حظها من البحث والتـأمل ، لعل الله أن يهديه ، وحينها سيصدق الله ، ويصدق رسله ، ويعلم أن الجنة والنار ، والجن والملائكة ، حقائق ثابتة ، لا خيالا كما يظن الآن .
نسأل الله تعالى أن يوفقك لدعوته ، وأن تكون علاقتك به لأجل الدعوة والهداية ، لا لمجرد الصحبة .
والله أعلم .