عنوان الفتوى : بطلان النسيء ورجوع الأشهر إلى مواضعها في عام حجة الوداع

مدة قراءة السؤال : دقيقة واحدة

سؤالي هو: متى توقف استخدام الشهر النسيء في حياة الرسول، لأنه كما يظهر من خطبة الوداع أنه توقف استخدام النسيء منذ ذلك اليوم أي في السنة الهجرية الجديدة التالية لعام الوداع؟

مدة قراءة الإجابة : 6 دقائق

الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله وصحبه، أما بعد:

فإن السنة التي حج فيها رسول الله صلى الله عليه وسلم حجة الوداع هي السنة التي وصل ذو الحجة إلى موضعه الأصلي بعد تغييره من أهل الجاهلية بالنسيء؛ وذلك لما جاء في الصحيحين وغيرهما أن النبي صلى الله عليه وسلم قال في حجة الوداع: إن الزمان قد استدار كهيئته يوم خلق الله السماوات والأرض، السنة اثنا عشر شهراً، منها أربعة حرم، ثلاث متواليات ذو القعدة وذو الحجة والمحرم، ورجب مضر الذي بين جمادى وشعبان.

قال الحافظ في الفتح: ووقع في حديث ابن عمر عند ابن مردويه أن الزمان قد استدار فهو اليوم كهيئته يوم خلق الله السماوات والأرض.. فمعنى الحديث أن الأشهر رجعت إلى ما كانت عليه وبطل النسيء.

وعلى هذا، فإن ذلك كان في السنة العاشرة التي حج فيها نبينا - صلى الله عليه وسلم - حجة الوداع.

وقال النووي في شرح مسلم: وأما قوله صلى الله عليه وسلم: إن الزمان قد استدار كهيئته يوم خلق الله السماوات والأرض؛ فقال العلماء: معناه أنهم في الجاهلية يتمسكون بملة إبراهيم صلى الله عليه وسلم في تحريم الأشهر الحرم وكان يشق عليهم تأخير القتال ثلاثة أشهر متواليات، فكانوا إذا احتاجوا إلى قتال أخروا تحريم المحرم إلى الشهر الذي بعده وهو صفر ثم يؤخرونه في السنة الأخرى إلى شهر آخر، وهكذا يفعلون في سنة بعد سنة حتى اختلط عليهم الأمر، وصادفت حجة النبي صلى الله عليه وسلم تحريمهم وقد تطابق الشرع، وكانوا في تلك السنة قد حرموا ذا الحجة لموافقة الحساب الذي ذكرناه، فأخبر النبي صلى الله عليه وسلم أن الاستدارة صادفت ما حكم الله تعالى به يوم خلق السماوات والأرض. وقال أبو عبيد كانوا ينسئون أي يؤخرون وهو الذي قال الله تعالى فيه: إنما النسيء زيادة في الكفر. فربما احتاجوا إلى الحرب في المحرم فيؤخرون تحريمه إلى صفر ثم يؤخرون صفر في سنة أخرى فصادف تلك السنة رجوع المحرم إلى موضعه.

وجاء في كتاب الديباج على مسلم: إن الزمان قد استدار. هذا في حجة الوداع وكانوا قبل يقدمون ويؤخرون في التحريم وهو النسئ فصادف تلك السنة تحريم ذي الحجة ورجوع المحرم إلى موضعه.
وعلى هذا فإن السنة العاشرة من الهجرة التي حج فيها رسول الله صلى الله عليه وسلم حجة الوداع هي السنة التي وصل فيها ذو الحجة إلى موضعه الحقيقي بعد تغيير أهل الجاهلية له بالنسيئة.

وقد حجّ - صلى الله عليه وسلم- قبل هذه الحجة أكثر من مرة.

قال صاحب قرة الأبصار:

وحج حجتين، ثم الفرضا    * واعتمر الأربع قالوا أيضا

وجاء في شرحه: أي بمكة قبل أن يفرض عليه الحج، ثم حج الفرض، أي حجة الفرض سنة عشر، وهي حجة الوداع، وعن ابن عباس: حج- صلى الله عليه وسلم- قبل أن يهاجر ثلاث حجج. وقال ابن الأثير: كان -عليه الصلاة والسلام- يحج كل سنة قبل أن يهاجر. وقال الحافظ: الذي لا أرتاب فيه أنه- صلى الله عليه وسلم- لم يترك الحج قط وهو بمكة؛ لأن قريشا في الجاهلية لم يكونوا يتركون الحج، فكيف يظن به أنه- صلى الله عليه وسلم- تركه.

ولعل ذلك – والله أعلم- كان قبل نزول الآية، أو كان عندما يستدير الزمان فيوافق وقت الحج؛ فقد يقع ذلك في بعض السنين كما نقل الحافظ في الفتح عن الخطابي حيث قال: وقال الخطابي كانوا يخالفون بين أشهر السنة بالتحليل والتحريم والتقديم والتأخير لأسباب تعرض لهم.. فتتحول في ذلك شهور السنة وتتبدل فإذا أتى على ذلك عدة من السنين استدار الزمان وعاد الأمر إلى أصله فاتفق وقوع حجة النبي صلى الله عليه وسلم عند ذلك.

والحاصل: أن السنة التي وصل فيها ذو الحجة إلى موضعه الأصلي وتوقف فيها العمل بالنسيئة نهائيا هي سنة عشر كما رأيت، وكما جاء في عون المعبود شرح سنن أبي داود: فالسنة التي حج فيها رسول الله صلى الله عليه وسلم حجة الوداع هي السنة التي وصل ذو الحجة إلى موضعه فقال النبي صلى الله عليه وسلم إن الزمان قد استدار، يعني: أمر الله تعالى أن يكون ذو الحجة في هذا الوقت، فاحفظوه واجعلوا الحج في هذا الوقت، ولا تبدلوا شهرا بشهر كعادة أهل الجاهلية.  

والله أعلم.