عنوان الفتوى : حكم قول القائل: يعلم الله. وهو كاذب

مدة قراءة السؤال : 3 دقائق

قد قرأت سابقا في المناهي اللفظية لابن عثيمين ما نصه: قول: يعلم الله ـ هذه مسألة خطيرة حتى رأيت في كتب الحنفية أن من قال عن شيء يعلم الله والأمر بخلافه صار كافرا خارجا عن الملة، فإن قلت: يعلم أني ما فعلت هذا ـ وأنت فاعله فمقتضى ذلك أن الله يجهل الأمر ـ يعلم الله أني ما زرت فلانا ـ وأنت زائره صار الله لا يعلم بما يقع، ومعلوم أن من نفى عن الله العلم فقد كفر، ولهذا قال الشافعي ـ رحمه الله ـ في القدرية: جادلوهم بالعلم فإن أنكروه كفروا، وإن أقروا خصموا. هـ. والحاصل أن قول القائل: يعلم الله ـ إذا قالها والأمر على خلاف مع قال، فإن ذلك خطير جدا، وهو حرام بلا شك، أما إذا كان مصيبا، والأمر على وفق مع قال، فلا بأس بذلك، لأنه صادق في قوله، ولأن الله بكل شيء عليم، كما قالت الرسل في سورة يس: قالوا ربنا يعلم إنا إليكم لمرسلون. إذا كذبت على مسؤولي في اليوم التالي بأنني لم أذهب إلى المكان الذي استأذنت للذهاب إليه بالأمس، وقد ذهبت بالفعل، وسبب كذبي أنني أريد الذهاب اليوم مرة أخرى ومنعا للإحراج وحتى لا ينزعج وربما يرفض كذبت عليه بأنني لم أذهب بالأمس، وأن المهمة التي كنت سأنجزها ـ وهي تخص العمل ـ قبل ذهابي لإنهاء العمل الذي يخصني أشغلتني وأخذت معظم الوقت فلم أذهب إلى مشواري، فرد علي: ربما تكون خيرا بأنك لم تذهب لمشوارك، فرددت عليه:( بس) أنت وضعتني في موقف محرج مع مدير الإدارة، وذلك لأنه سبب لي مشكلة حيث إن مدير الإدارة سأل عني فأخفى هو الآخر موضوع استئذاني للعمل الذي يخصني واكتفى بأنني في مهمة تخص العمل، وقد تأخرت فانزعج المدير. هل تعقيبي بكلمة:( بس )ـ بمعنى: لكن، أو ولكن ـ على جملة مسؤولي يعتبر إقرارا مني على جملته الأولى، وذلك يدخلني فيما قاله الشيخ العثيمين، فيصبح المعنى: أن الله اختار أن لا أذهب، وأنا ذهبت، والعياذ بالله من هذا المعنى ـ بالرغم من أنني لم أكن أريد إقرارها حين تعقيبي بجملتي؟. أرجو الإجابة سريعا وتوضيح الأمر إن كان فيه لبس، فأنا في جهاد مع الوسواس القهري ـ وخصوصا وساوس الكفر ـ وقد تغلبت عليها كثيرا ـ بفضل من الله ـ وأحس بأنني قريب من الشفاء ـ بإذن الله.

مدة قراءة الإجابة : 4 دقائق

الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله وصحبه، أما بعـد:

فنسأل الله تعالى أن يعافيك من الوسواس ومن الكذب جميعا، فأما الأول: فإنه مرض شديد وداء عضال والاسترسال معه يوقع المرء في الحيرة والشك المرضي، والضيق والحرج الشرعي، فعليك أن تطرح عن نفسك هذه الأفكار ولا تجعل للشيطان عليك سبيلا، فإنه كما يجب على العبد أن يخاف من الوقوع في الكفر وأن يبتعد عنه أشد البعد، فكذلك ينبغي أن لا يكون موسوسا، كلما حصل منه شيء اتهم نفسه بالكفر، وراجع في ذلك الفتاوى التالية أرقامها: 122556، 119321، 78602، 126529.

وأما الكذب: فهو حرام وقبيح، وهو الذي جرك إلى هذا البلاء، فتب إلى الله تعالى ولا تعد.

وأما بخصوص فتوى الشيخ ابن عثيمين: فهو ـ رحمه الله ـ نقل الخلاف في حكم قائل هذه العبارة وهو كاذب ولكنه لم يرجح الكفر، بل قال: فإن ذلك خطير جدا وهو حرام بلا شك.

وهذا هو الصواب، فالأمر خطير والخطب شديد، وهو أغلظ من عموم الكذب، ولكنه لا يصل إلى الكفر، وهذا هو الراجح عند الحنفية ـ أيضا ـ قال السمرقندي في تحفة الفقهاء: اختلف المشايخ فيه، والصحيح أنه لا يكفر. هـ.

وقال الشيخ عبد الله بن محمد آل الشيخ ـ كما في الأجوبة النجدية: إنما الإثم والحرج على من قال: يعلم الله كذا وكذا، وهو كاذب، فهو كذب وافتراء، ولا يبلغ إلى الكفر. هـ.

ثم ينبغي عند الحكم بالكفر على قائل ذلك كاذبا، أن يقيد بعلم القائل بلازم قوله من نسبة الجهل لله تعالى، أو أن يعلم أن هذا القول كفر ثم يتعمد قوله، كما في حاشية قليوبي: لو قال: يعلم الله أو يشهد الله، فإن كان صادقا فلا بأس, وإن كان كاذبا فحرام، بل إن قصد أن الله يعلم ذلك, وهو كاذب فيه كفر، كما قاله النووي وتبعه شيخنا. هـ.

وفي الفقه الإسلامي وأدلته: قيل: إنه يكفر إذا علم أن قوله هذا مكفر، لأنه بالإقدام عليه صار مختاراً للكفر واختيار الكفر كفر. هـ.

وفي الأجوبة النجدية: إن كان كاذباً في قوله: الله يعلم ما فعلت كذا، وهو قد فعله، والله يعلم ما صار كذا، وهو قد صار، فهذا حرام، ولو عرف القائل معنى قوله لكان كفراً، لأن مقتضى كلامه: أن الله لا يعلم أن الأمر على ما هو عليه، فيكون وصفاً لله بالجهل، تعالى الله عن ذلك علواً كبيراً. هـ.

وأما الموقف الذي ذكره السائل: فإنه لا يدخل في هذا أصلا، وإنما ذلك من أثر التعمق والتكلف الذي يصيب الموسوس، ولذلك نشدد على السائل الكريم أن يعرض عن هذه الوساوس، ويواصل مجاهدة نفسه للتخلص منها، ويمكن الاطلاع على الفتوى رقم: 136381، لمعرفة ما يعين على علاج الوسوسة والتخلص منها.

والله أعلم.