أرشيف المقالات

البريد الأدبي

مدة قراءة المادة : 13 دقائق .
8 تاريخ الآداب العربية لبروكلمن قد سبق لي أن أخبرت قراء هذا الباب من الرسالة أن المجلد الثالث من (تكملة تاريخ الآداب العربية) للمستشرق الكبير بروكلمن قد أخذ في الظهور؛ فوصفت الجزء الأول منه وقلت إن المجلد كله موقوف على الأدب العربي الحديث.
وهذا الجزء الثاني يصلني وفيه مواصلة الحديث في الشعر المصري منذ هبوط الإنجليز هذا القطر (ويقول بروكلمن: منذ احتلال الإنجليز له)، ويجري الحديث على حافظ إبراهيم ومصطفى صادق الرافعي واحمد محرم والكاشف وأحمد نسيم وحسن القاياتي، وهم ممن نحوا نحو البارودي في النظم على الطريقة الاتباعية.
ويجري الحديث بعد هذا على البكري وعبد المطلب وهما من أصحاب تلك الطريقة مع بعض الإفراط.
وينتقل الحديث إلى خليل مطران على لأنه صاحب مذهب جديد في الأداء مع بقائه على المبنى القديم.
وممن حذا حذوه أحمد زكي أبو شادي؛ وممن يلتف حوله عبد الرحمن شكري.
وقد أفاض صاحب الكتاب في تحليل شعر مطران، ومما قاله إنه جاء بالملاحم وألف بين النظم الإفرنجي والأسلوب العربي، وأفاض أيضاً في وصف شعر أبي شادي ومن المراجع العربية التي عوّل عليها المؤلف أو ذكرها: (حياة حافظ) لمحمد كرد علي، (حافظ وشوقي) لطه حسين، (المختارات) للمنفلوطي، (على السفّود) للرافعي (ثورة الأدب) لمحمد حسين هيكل، (الفصول) للعقاد.
ومن المجلات العربية المذكورة في سياق البحث: المقتطف والهلال والرسالة ومجلة المجمع العلمي العربي ومجلة الأزهر ب.
ف عبث الوليد أشكر الأستاذ الجليل إبراهيم يسن القطان على مكارمه وفضله وأدبه وسعة اطلاعه.
أما عن قول المعري (عبث الوليد) فقد جاء في كتاب وفيات الأعيان لابن خلكان في ترجمة المعري ما نصه: (واختصر ديوان أبي تمام وشرحه وسماه (ذكرى حبيب).
وديوان البحتري وسماه (عبث الوليد)، وديوان المتنبي وسماه (معجز احمد) وتكلم على غريب أشعارهم ومعانيهم ومآخذهم من غيرهم وما أخذ عليهم وتولى الانتصار لهم والنقد في بعض المواضع عليهم والتوجيه في أماكن لخطئهم)
فهذا التفصيل وهذه الإطالة في شرح محتويات هذه الكتب تدل على الاطلاع أو تفهم القارئ أن الكاتب واثق من قوله.
فهو يقول اختصر كل ديوان من الدواوين الثلاثة ولم يقل إنه أخذ محاسن أبي تمام والمتنبي في كتابية عنهما واكتفى بعيوب البحتري في كتابه عنه، بل قال إنه ذكر للثلاثة محاسن ومساوئ، وذكر للثلاثة أخطاء وعيوباً ودل على ما امتاز كلّ به من المعاني الخ، ومع ذلك مَيَّزَ بينهم في عنوان كل كتاب، وهذا التميز هو الذي عنيته بنقدي.
على أنه لو صح أن ابن خلكان أخطأ في شرح هذه الكتب وكان كتاب المعري عن البحتري مقصوراً على العيوب والمساوئ ولم يقصر المعري على مساوئ أبي تمام والمتنبي الكتابين الأخريين لكان هذا ظلماً من المعري للبحتري، إذ أن لأبي تمام والمتنبي مثل هذه الأشياء التي ذكرها الأستاذ الجليل القطان فَلَمْ نُرَجَّحْ إذاً أنه قصر الكتاب على عيوب البحتري لهذا السبب وأخذنا بوصف ابن خلكان محتويات الكتاب والتمييز في العنوان بالرغم من ذكر المعري مساوئ شعر أبي تمام والمتنبي في كتابيه عنهما - وإذا لم يكن غير نسخة واحدة في مصر من كتاب عبث الوليد مأخوذة بالتصوير الشمسي فهذا قلة استيفاء بحثها.
ومما جعلنا نصدق قول ابن خلكان ومن قال مثل قوله علاوة على الأسباب المتقدمة أننا لم نستكثر على المعري ألا يقدر صنعة البحتري قدره حكمة المتنبي في شعره الذي سماه معجزة احمد.
ومما يدل على ذلك أيضاً أنه لم يمدح شيخ البيان أبا تمام كثيراً في عنوان كتابه إذ جعله ذكرى، والذكرى لا تقارن بالمعجزة.
وقد سُمِعَ عن المعري انتقاص للشعراء الذين يهتمون كل الاهتمام للصناعة والأسلوب الخطابي، فقد روى أنه قال عن شعر محمد بن هاني الأندلسي: (إن شعره كطاحونة تطحن قروناً لإحداث قعقعة) وابن هاني الأندلسي له شعر يقارب طريقة أبي تمام ومسلم بن الوليد التي احتذاها البحتري أيضاً ولم نستبعد أن يكون صاحب اللزوميات التي ملأها تفكيراً في معضلات الحياة قد صنع ما نسبه إليه ابن خلكان وغيره من مؤلفي السَّير وقدَّم التفكير على الصنعة في الشعر وجعل الصنعة عبثاً إذا قورنت بالحكمة وإن لم تكن عبثاً إذا لم تقارن بها.
ومما ينبغي أن نلاحظه أنه كان في نفس المعري كما كان في نفس تولستوي الأديب الروسي صراع عنيف بين نشدان جمال الصنعة في الآداب والفنون وبين البحث عن الحقيقة الروحانية، وهذا الصراع قد يفسر اختلاف قوله في البحتري.
وبعد كل ذلك نرجو الأستاذ القطان أن يرجع مرة ثانية إلى هذه النسخة المأخوذة بالتصوير الشمسي ليرى هل هي كاملة، وهل هي مقصورة على عيوب البحتري، فإذا كانت كاملة (لا ناقصة كما في بعض الكتب النادرة) وإذا كانت مع تمامها مقصورة على عيوب البحتري كان ابن خلكان مخطئاً في وصفه لمحتويات الكتاب، وكان المعري ظالماً إذا اختص البحتري في كتابه عنه بالعيوب ولم يختص أبا تمام والمتنبي، وهذا أمر مستبعد ولكنه لو صح لكان حجة لنا أيضاً عبد الرحمن شكري حول مقال المبتدأ الذي لا خبر له للأستاذ عبد المتعال الصعيدي جولات في ميادين العلم والأدب خرج في بعضها ظافراً أيما ظفر.
وفي العدد الماضي من الرسالة إحدى جولات الأستاذ في علم النحو أساجله فيها والله أعلم أينا يكون له الظفر؟ درس الأستاذ علم النحو في هذا العام ودرج فيه - كما يقول - على عادته من إيثار تمحيص المسائل على ترديدها كما دوَّنها المؤلفون.
أي كما يفعل كثير من الناس! ونحن نحمد للأستاذ طريقته هذه لأننا نعتقد أنها الطريقة المثلى التي يعم نفعها وتجنى ثمرتها، ونأمل أن ينتهجها كل من يتصدى لدراسة المسائل العلمية. وكان مما محَّصه الأستاذ من مسائل النحو وخرج منه بنتيجة مسألة (المبتدأ الذي لا خبر له) وهو الوصف الذي له مرفوع يغني عن الخبر في مثل قول ابن مالك: إسارٍ ذانِ. ومجمل بحث الأستاذ في هذه المسألة أمران خرج منها إلى نتيجة، ووضع قاعدة جديدة في علم النحو. الأمر الأول: مؤاخذة النحاة في إعرابهم الوصف في مثل هذا الموضوع مبتدأ (لأن المبتدأ - في الجملة الاسمية - هو المحكوم عليه، والوصف هنا في مقام الفعل فليس محكوماً عليه وإنما هو محكوم به.) هذا تعليل الشيخ؛ وإن كنت لم أفهم معنى لتقييد المبتدأ بكونه - في الجملة الاسمية - فهو يرى أن المبتدأ لا يكون إلا محكوماً عليه والذي نعرفه من كلام النجاة في تعريفهم للمبتدأ أنه يكون محكوماً عليه في مثل: العلم نافع، ويكون غير محكوم عليه في مثل ما نحن بصدده.
وهذا هو تعريفهم للمبتدأ: (المبتدأ هو الاسم العاري عن العوامل اللفظية: مخبراً عنه أو وصفاً رافعاً لمكتفى به) والمعنى الذي أدركه الشيخ في المثال (وهو أن الوصف قائم مقام الفعل فهو مسند لا مسند إليه ومحكوم به لا محكوم عليه) هذا المعنى الذي يبدو أن الشيخ قد انفرد به لم يهمله النحاة فقد قالوا في شرح التعريف المتقدم ما خلاصته: ليس معنى اكتفاء الوصف بالمرفوع عن الخبر أنه ذو خبر أغنى المرفوع عنه لأن الوصف هنا لا خبر له أصلاً لقيامه مقام الفعل والفعل لا خبر له الأمر الثاني: قاعدة وضعها الأستاذ وهي أنه كلما كان هناك مبتدأ كان هناك خبر.
ومن الواضح أن هذه القاعدة لم تنشأ إلا من حصر المبتدأ في المحكوم عليه كما فعل الشيخ.
وبالنظر في التعريف المتقدم يعرف أن الصواب أن تكون القاعدة هكذا: كلما كان هناك مبتدأ كان هناك خبر أو فاعل يغني عن الخبر.
ومعنى أنه مبتدأ في هذه الحالة أنه اسم مجرد من العوامل اللفظية.
الأمر الذي استبعده الأستاذ بحجة أنه لا نظير له لأن النحاة لم يسموا الشيء فاعلاً إلا إذا كان فاعلاً في المعنى، وهكذا ونحن نقول له إن هذا مسلم.
وهم كذلك لا يسمون الاسم مبتدأ إلا إذا كان مبتدأ في المعنى أي إلا إذا كان اسماً مجرداً من العوامل اللفظية وهو إما مخبر عنه أو وصف رافع لما يغني عن الخبر وإنما يكون معدوم النظير إذا أنحصر معنى المبتدأ فيما قال الشيخ والنتيجة التي وصل إليها الأستاذ من تمحيصه لهذه المسألة أن مثل هذا الوصف لا يسمى مبتدأ، بل يسميه الشيخ اسم فاعل أو اسم مفعول لتجرده من العوامل اللفظية.
كما استثنوا اسم الفعل مع تجرده من هذه العوامل فلم يسموه مبتدأ.
والمعروف أن اسم الفعل إنما استثنى مع تجرده من العوامل لأنه ليس واحداً من النوعين اللذين يكون منهما المبتدأ، لأنه قائم مقام لفظ الفعل على الصحيح؛ وأما على الرأي القائل بأنه قائم مقام معنى الفعل فهو مبتدأ مستغن بمرفوعه عن الخبر كاسم الفاعل في مسألتنا وبعد.
فهذا ما أردت أن أعقب به على كلام الشيخ وأرجو أن أكون قد وفقت فيه كما أرجو أن يتقبله الأستاذ بما يجب أن يكون عليه من يتصدى لتمحيص المسائل العلمية بغية الوصول إلى حقائقها. والسلام على الأستاذ ورحمة الله أبو حجاج مدرس نحو مشروع جديد لتنظيم مجمع فؤاد الأول للغة العربية يعتزم صاحب المعالي الدكتور محمد حسين هيكل باشا وزير المعارف في هذه الأيام تنفيذ مشروع جديد لتنظيم أعمال مجمع فؤاد الأول للغة العربية، وكان معاليه قد سبق أن أدلى بكثير من آرائه في تنظيم مهمة المجمع في مقالات نشرها في جريدة السياسية قبل أن يصبح وزيراً للمعارف.
وقد رأى معاليه أن الوقت حان لتحقيق آماله في هذا الإصلاح والتنظيم، فأعاد مراجعة مقالاته السابقة كما ضم إليها كثيراً مما كتبه كبار الكتاب في الصحف والمجلات في هذا المعنى، ووضع بعد دراسته لمختلف هذه الآراء النواة التي يرى أن يبني عليها المشروع الجديد ولكي نعرف ماهية الإصلاح المراد تهيئة أسبابه لهذه المؤسسة نقول إن عمل المجمع اتجه من إنشائه حتى اليوم إلى وضع معجم عام للغة، ومعجم تاريخي لها، ومصطلحات للعلوم والفنون، ودراسة اللهجات القديمة والحديثة.
والمشروع الجديد يتجه بالمجمع إلى ما يأتي: أولاً: أن يواصل المجمع عمله في وضع معجم اللغة ومعجمها التاريخي. ثانياً: أن يترك وضع المصطلحات العلمية والفنية وغيرها إلى الهيئات والجماعات المختصة بها، على أن يسجل منها في معاجمه ما يستقر في التداول منها، وما تقره اللغة ثالثاً: أن تترك دراسة اللهجات الحديثة للجامعة، ويكتفي المجمع بدراسة اللهجات القديمة رابعاً: أن يقوم المجمع بعمل إيجابي في إحياء اللغة وذلك بتشجيع الإنتاج الفكري الحديث، وإقامة مسابقات أدبية، وتقرير مكافآت للمنتجين، مقتفياً في ذلك أثر (المجمع الفرنسي) هذا وينتظر أن تصدر وزارة المعارف قريباً قراراً بتأليف لجنة برياسة الوزير لوضع مشروع القانون بإعادة تنظيم المجتمع ذكرى السير إقبال حفلت (قبة الغوري) مساء الخميس الماضي بجمهرة من أبناء الأمم الإسلامية اللذين تربط بينهم جماعة (الأخوة الإسلامية) ليحتفلوا بالذكرى السنوية لوفاة الشاعر الهندي الفيلسوف الإسلامي المرحوم السير محمد إقبال وقد استهل الاحتفال بتلاوة آي من الذكر الحكيم ثم استمع المحتفلون إلى طائفة من الشباب ينشدون (نشيد إقبال) ثم ألقى الأستاذ الكبير الدكتور عبد الوهاب عزام كلمة ممتعة تناول فيها بالتحليل مذهب الشاعر الهندي في الفلسفة والتصوف ونظرته إلى الإسلام.
ثم أعقبه السيد محمد حسن الأعظمي سكرتير الجماعة فألقى كلمة مستفيضة عن منزلة الشاعر إقبال بين شعراء الهند.
وأعقبه الأستاذ أبو الحسنات البقالي فتحدث عن الشعر الغزلي الذي أنتجه السير إقبال، ثم ألقى الأستاذ محمود جبر مرثية تناول بعدها الأديب الصيني الأستاذ بدر الدين إيوان الشاعر إقبال فأمتع وأبدع وقد انصرف المحتفلون وهم يعرفون - من هذه الكلمات الشائقة - كثيراً من روائع الشاعر الهندي وآثاره الخالدات. أبو تمام - الأستاذ عبد الرحمن شكري جاءتنا كلمة بهذا العنوان من الأستاذ الجليل (القارئ) بعد طبع هذا العدد فاضطررنا إلى إرجائها إلى العدد القادم

شارك الخبر

مشكاة أسفل ٢