أرشيف المقالات

ينام الرجل النومة فتقبض الأمانة في قلبه

مدة قراءة المادة : 6 دقائق .
2ينام الرجلُ النومةَ فتُقبض الأمانةُ في قلبه   عَنْ حُذَيْفَةَ رَضِيَ اللهُ عَنْهُ قَالَ: حَدَّثَنَا رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ حَدِيثَيْنِ، رَأَيْتُ أَحَدَهُمَا وَأَنَا أَنْتَظِرُ الآخَرَ: حَدَّثَنَا: ((أَنَّ الأَمَانَةَ نَزَلَتْ فِي جَذْرِ قُلُوبِ الرِّجَالِ، ثُمَّ عَلِمُوا مِنَ القُرْآنِ، ثُمَّ عَلِمُوا مِنَ السُّنَّةِ))، وَحَدَّثَنَا عَنْ رَفْعِهَا قَالَ: ((يَنَامُ الرَّجُلُ النَّوْمَةَ، فَتُقْبَضُ الأَمَانَةُ مِنْ قَلْبِهِ، فَيَظَلُّ أَثَرُهَا مِثْلَ أَثَرِ الوَكْتِ، ثُمَّ يَنَامُ النَّوْمَةَ فَتُقْبَضُ فَيَبْقَى أَثَرُهَا مِثْلَ المَجْلِ[1]، كَجَمْرٍ دَحْرَجْتَهُ عَلَى رِجْلِكَ فَنَفِطَ، فَتَرَاهُ مُنْتَبِرًاوَلَيْسَ فِيهِ شَيْءٌ، فَيُصْبِحُ النَّاسُ يَتَبَايَعُونَ، فَلاَ يَكَادُ أَحَدٌ يُؤَدِّي الأَمَانَةَ، فَيُقَالُ: إِنَّ فِي بَنِي فُلاَنٍ رَجُلًا أَمِينًا، وَيُقَالُ لِلرَّجُلِ: مَا أَعْقَلَهُ وَمَا أَظْرَفَهُ وَمَا أَجْلَدَهُ، وَمَا فِي قَلْبِهِ مِثْقَالُ حَبَّةِ خَرْدَلٍ مِنْ إِيمَانٍ))، وَلَقَدْ أَتَى عَلَيَّ زَمَانٌ وَمَا أُبَالِي أَيَّكُمْ بَايَعْتُ، لَئِنْ كَانَ مُسْلِمًا رَدَّهُ عَلَيَّ الإِسْلاَمُ، وَإِنْ كَانَ نَصْرَانِيًّا رَدَّهُ عَلَيَّ سَاعِيهِ، فَأَمَّا اليَوْمَ: فَمَا كُنْتُ أُبَايِعُ إِلَّا فُلاَنًا وَفُلاَنًا[2].   بيان غريب الحديث: ♦ ((جذر)): الجذر: أصل كل شيء، واختلف في ضبطه فتحًا وكسرًا، وقيل: أصْلُ حِسَاب ونَسب، والجِذْرُ بالكسر: أصلُ الشَّجرة[3].
  ♦ ((الوكت)): هُوَ أثر الشَّيْء اليَسِير منه.   ♦ ((فنفط)): نفط، بفتح النون وكسر الفاء، ويقال: تنفط، بمعناه، والتنفط: الذي يصير في اليد من العمل بفأس، أو نحوها، ويصير كالقبة فيه ماء قليل[4].   ♦ ((منتبرًا)): مرتفعًا؛ أي: ارتفع وعلا، ومنه المنبر، سُمِّي بذكر لارتفاعه، والمعنى: ارتفاع الجلد ولا شيء تحته.
  أهم ما يستفاد من الحديث: ♦ فيه صدق نبوة النَّبيِّ صلى الله عليه وسلم؛ قال الإمام ابن بطال (449هـ) رحمه الله: (هذا الحديث من أعلام النُّبوة؛ لأنَّ فيه الإخبار عن فساد أديان النَّاس، وقلَّة أمانتهم في آخر الزمان، ولا سبيل إلى معرفة ذلك قبل كونه إلا من طريق الوحي)، والأمانة في الحديث هي الإيمان وجميع شرائعه، وهو التَّكليفُ الذي كلَّف الله تَعَالى به عبادَه، والعَهْد الَّذي أخذَهُ عليهِم[5]، ولا بدَّ مِنَ النيَّة في كلِّ عملٍ على الصَّحيح[6]، ودلَّ الحديث أنَّ القلب هو المكلَّف بحملها.   ♦ ويدل الحديث على أنَّ النَّاس تتفاوت في حِفْظِ الأمانات، فالحافظون لها هُمْ مَنْ خَتَمَ الله لهم بالإيمان، ممَّن استقَاموا على كتاب الله وسنَّة رسوله صلَّى اللهُ عليْه وسلَّم، وهم الصَّحابة وَمَنْ تبعهم بإحسان[7].   ♦ وفيه تزكية للقرون الخيريَّة؛ بأنها تحرص على تعلم القرآن والسنة النبوية على صاحبها أفضل الصلاة وأزكى التحيَّة كما في الحديث؛ إذ المعنى أنَّ الأمانة لما نزلت في قلوبهم واستولت عليها، كانت هي الباعثة على الأخذ بالكتاب والسنة، وهذا هو المعنى.   ♦ قوله: ((ثمَّ علموا مِنَ القرآن))؛ أي: مما يتلقون عنه صلى الله تعالى عليه وسلم واجبًا كان أو نفلًا، حرامًا أو مباحًا، مأخوذًا من الكتاب أو الحديث[8].   ♦ ويدل مفهوم المخالفة أنَّ آخر الزمان تضيع الحدود والشرائع والأمانات، ولا تضيع حتى تضيع السنن، لذلك نرى أعداء الله يجتهدون في إبعاد المسلمين عن موروثهم النبوي، فتارة يشككون، وتارة يطالبون بوجوب تهذيب الكتب الصحاح، كصحيحي البخاري ومسلم، فتراهم ينفقون الأموال الطائلة في سبيل ذلك، والله المستعان عليهم، فسينفقونها ثم تكون عليهم حسرةً وندامةً.


[1] قَالَ أبو عبيد في الغريب: (المَجْل هو أثر العمل في الكف يعالج بها الإِنسان الشيء حتَّى يغلظ جلدهَا). [2] أخرجه: البخاري (6497)، واللفظ له، ومسلم (143). [3] الجذر: أصل كل شيء، واختلف في ضبطه فتحًا وكسرًا، وقيل: أصْلُ حِسَاب ونَسب، والجِذْرُ بالكسر: أصلُ الشجرة؛ ينظر: غريب الحديث؛ لأبي عبيد4/ 117، وتهذيب اللغة لأبي منصور11/ 9. [4]ينظر: شرح النووي على مسلم 6/ 129. [5] ينظر: شرح النووي على مسلم2 / 168. [6] ينظر: شرح ابن بطال10/ 334. [7] ينظر: التوضيح؛ لابن الملقن 32/ 346. [8] ينظر: مرقاة المفاتيح 8/ 3379.



شارك الخبر

مشكاة أسفل ١