أرشيف المقالات

كيف يجاهد الإنسان نفسه على الصمت؟

مدة قراءة المادة : 5 دقائق .
كيف يجاهد الإنسان نفسه على الصمت؟

لأن الكلمة قد تكون قاتلة! قد تكون مدمرة مهلكة:
ففي الحديث قال عليه الصلاة والسلام: (إن الرجل ليتكلم بالكلمة لا يرى بها بأسًا، يهوي بها سبعين خريفًا في النار)؛ رواه أبو داود والترمذي، وصححه الألباني.
وفي حديث بلال بن الحارث، قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: (إن أحدكم ليتكلم بالكلمة من سخط الله، ما يظن أن تبلغ ما بلغت، فيكتب الله عز وجل عليه بها من سخطه إلى يوم يلقاه)، قال علقمة: "كم من حديث مَنَعْنِيه حديث بلال هذا"؛ (صحيح ابن ماجه).
وقال معاذ: فقلت يا رسول الله، أكلُّ ما نتكلم به يكتب علينا؟ قال: ثكلتك أُمُّك! وهل يَكب الناس على مناخرهم في النار إلا حصائد ألسنتهم؟ إنك لم تزل سالِمًا ما سكت، فإذا تكلمت كُتِب لك أو عليك"؛ رواه الطبراني وصححه الألباني.
 
لأن اللسان سلاح ذو حدين، فباللسان نذكر الله ونقرأ كتابه، وبه نصير مفاتيح خير مغاليق شر، وفي الوقت ذاته كم بهذه الألسنة عُبِد غير الله وأُشرِك به! كم بها أرحام قُطعت وأوصال تحطَّمت! كم بهذه الألسنة تفرَّقت قلوب وسُفِكت دماء، وقُتِل أبرياء، وطُلِّقت نساء، ونُهبت أموال وقُذفت محصنات؟ ومن هنا قال الله: ﴿ مَا يَلْفِظُ مِنْ قَوْلٍ إِلَّا لَدَيْهِ رَقِيبٌ عَتِيدٌ ﴾ [ق: 18]، ﴿ يَوْمَ تَشْهَدُ عَلَيْهِمْ أَلْسِنَتُهُمْ وَأَيْدِيهِمْ وَأَرْجُلُهُمْ بِمَا كَانُوا يَعْمَلُونَ ﴾ [النور: 24].
وفي الصحيحين قال صلى الله عليه وسلم: (من كان يؤمن بالله واليوم الآخر، فليقل خيرًا أو ليصمت)، وكان صلى الله عليه وسلم طويل الصمت قليل الضحك، (حسنه الألباني في المشكاة)، وكان صلى الله عليه وسلم لا يتكلم إلا فيما رجا ثوابه؛ (مختصر الشمائل للألباني).
 
الترغيب في الصمت إلا من خير والتحذير من كثرة الكلام:
• في الصحيحين قال عليه الصلاة والسلام: (المسلم من سلِم المسلمون من لسانه ويده).

• وعن عقبة بن عامر قلت: يا رسول الله: ما النجاة؟ قال: (أمسِك عليك لسانك، وليَسعك بيتك، وابْكِ على خطيئتك)؛ رواه أحمد والترمذي وصححه الألباني.
• وقال صلى الله عليه وسلم لمعاذ بن جبل: إنك لن تزال سالمًا ما سكت، فإذا تكلمت كُتِب لك أو عليك)؛ (صحيح الجامع).
• وقال صلى الله عليه وسلم: (مَن صمَت نجَا)؛ (رواه أحمد والترمذي، وصححه الألباني).
• وقال علي بن أبي طالب: أفضل العبادة الصمت وانتظار الفرج [1].
• وقال عمرو بن العاص: الكلام كالدواء إن أقللت منه نفع، وإن أكثرت منه قتل [2].
• وقال لقمان لولده: يا بُني، إذا افتخر الناس بحُسن كلامهم، فافتخر أنت بحُسن صمتك.
• وكان بعضهم يقول: تعلَّمِ الصمت كما تتعلم الكلام، فإن يكن الكلام يهديك، فإن الصمت يقيك، ولك في الصمت خصلتان:
1- أن تأخذ به علم مَن هو أعلم منك.
2- تدفع به عنك جهل من هو أجهل منك [3].
• وعن بكر بن أبي عياش، قال: أدنى نفعِ السكوت السلامةُ، وكفى بها عافيةً، وأدنى ضررِ المنطق الشهرةُ، وكفى بها بليَّة[4].
• كان أعرابي يجالس الشعبي يطيل الصمت، فسُئِل عن طول صمته، فقال: أسمع فأعلم، وأسكت فأسْلَم.
 
• وقالوا: لو كان الكلام من فضة، فإن السكوت من ذهب:

الصمتُ زينٌ والسكوتُ سلامةٌ
فإذا نطَقتَ فلا تَكُنْ مِكثارَا

فلئنْ ندِمتَ على سكوتِك مَرَّةً
فَلَتَنْدَمَنَّ عَلى الكلامِ مِرارَا

 
كيف يجاهد الإنسان نفسه على الصمت؟
1- استشعار العبد دائمًا أنه مؤاخذ بكلامه محاسب عليه، وأن لسانه شاهد عليه.
2- استشعار العبد أن الكلمة قد تُغير مساره في الدنيا والآخرة.
3- الاقتداء بالرسول صلى الله عليه وسلم الذي كان لا يتحدث إلا للضرورة والفائدة، وكان لا يؤذى أحدًا بكلامه.
4- اجتناب الثرثارين.
5- اعلم أن المرء يظل كبيرًا حتى إذا تكلم ظهرت حقيقته، وكان يقال: تكلَّموا تُعرَفوا؛ فإن المرء مخبوء تحت لسانه.
6- قِفْ بقلبك قبل أن تتكلم: "حدِّد لرجيلك قبل الخطو موضعَها".
وزِنِ الكلام إذا نطقت فإنما ♦♦♦ يُبدي عيوب ذوي العيوب المنطقُ

[1] البيان والتبيين للجاحظ، ص196.

[2] السابق ص141.

[3] جامع بيان العلم وفضله؛ ابن عبدالبر، ص138.

[4] سير أعلام النبلاء ج8، ص502.

شارك الخبر

روائع الشيخ عبدالكريم خضير