أرشيف المقالات

من مسؤوليات الأم (سد حاجات الطفل الأساسية 1)

مدة قراءة المادة : 12 دقائق .
من مسؤوليات الأم (سد حاجات الطفل الأساسية 1)


الطفل كغيره من الكائنات الحية له جُملة من الحاجات والضرورات، ترتبط حياته ومعيشته بسدِّها وتَلبيتها، فلا بد له من كافل وراعٍ يقوم بذلك؛ بحُكم عجز الطفل وحاجته المستمرة إلى من يقوم عليه ويرعاه على حد قول الله تعالى: ﴿ وَقُلْ رَبِّ ارْحَمْهُمَا كَمَا رَبَّيَانِي صَغِيرًا ﴾ [الإسراء: 24].
 
وقوله عن مريم - عليها السلام - إبَّان صغرها: ﴿ وَكَفَّلَهَا زَكَرِيَّا ﴾ [آل عمران: 37].
 
وقد أوجب الإسلام رعاية الولد وسدَّ حاجاته، وتَلبية رغباته الفطرية حال طفولته وصباه على الوالدين بالأصالة، كلٌّ فيما يَخصُّه.
 
فكما حرَّم قتْل الولد لأن سبب كما كان يفعله أهل الجاهلية؛ حيث قال: ﴿ وَلَا تَقْتُلُوا أَوْلَادَكُمْ مِنْ إِمْلَاقٍ ﴾ [الأنعام: 151]، وقال: ﴿ قَدْ خَسِرَ الَّذِينَ قَتَلُوا أَوْلَادَهُمْ سَفَهًا بِغَيْرِ عِلْمٍ وَحَرَّمُوا مَا رَزَقَهُمُ اللَّهُ افْتِرَاءً عَلَى اللَّهِ قَدْ ضَلُّوا وَمَا كَانُوا مُهْتَدِينَ ﴾ [الأنعام: 140]، فكذلك أوجب رعاية حاجاته وتنشئته التنشئة السليمة السويَّة من كافة الجوانب - البدنية، والعاطفية، والنفسية - كي يَترعرَع مُكتمل المَلكات، سليمَ الحواس، مَوفور البُنيان، والأب والأم مشتركان متضامنان في تحمُّل هذه المسؤولية.
 
والأم تَضطلع - بعد ذلك - بالدور الأول والأساس في رعاية الطفل، وسدِّ حاجاته وتَلبية رغباته المتنوعة؛ لوفور عطفها، وتمام تأهُّلها، واتِّساق جملة تكوينها للقيام بهذا الواجب، وتحقيق هذه الغاية السنيَّة، وذاك الدور الأساس؛ لذا نوَّه القرآن العظيم بقيمة الأم الوالدة، وما تتضمَّنه الأمومة والوالدية من خصائصَ فريدة لا تتوفر لغير الأمِّ؛ قال تعالى: ﴿ وَالْوَالِدَاتُ يُرْضِعْنَ أَوْلَادَهُنَّ حَوْلَيْنِ كَامِلَيْنِ لِمَنْ أَرَادَ أَنْ يُتِمَّ الرَّضَاعَةَ ﴾ [البقرة: 233]، وقال عن موسى: ﴿ وَأَوْحَيْنَا إِلَى أُمِّ مُوسَى أَنْ أَرْضِعِيهِ ﴾ [القصص: 7].
 
وقال النبي - صلى الله عليه وسلم - موضِّحًا جانبًا من هذه الخصائص - وهو جانب العطف والشفقة والحنان -: ((خيرُ نساءٍ ركِبنَ الإبل، صالِحُ نساء قريش؛ أحْناه على ولدٍ في صغره، وأرعاه على زوجٍ في ذات يده))؛ رواه أبو هريرة - رضي الله عنه[1].
 
وأُلخِّص فيما يلي أبرز واجبات الأمِّ تُجاه طفلها الوليد الناشئ:
1- الرعاية الشاملة قبل الولادة:
أثناء كونه جنينًا في أحشائها، يجب عليها أن تُحسن تَغْذيته، وأن تَجتنبَ، كل ما يضره؛ كشرب الدُّخَان، وتعاطي الحقن الضارة، والإجهاد المؤثر، والانفعالات النفسية والاضطرابات، وغير ذلك مما يذكره الأطباء من واجبات الأمِّ نحو الولد، وبحُسن تعهُّد الأم وليدَها الدارج في الرحم، تَقيه - بإذن الله - من كثيرٍ من السلبيات؛ كالإعاقة والتشوُّه، ونقص الوزن، وضَعف البنية، وفترة الحمْل مشحونة بالمتاعب والمصاعب؛ كما قال تعالى: ﴿ وَوَصَّيْنَا الْإِنْسَانَ بِوَالِدَيْهِ إِحْسَانًا حَمَلَتْهُ أُمُّهُ كُرْهًا وَوَضَعَتْهُ كُرْهًا ﴾ [الأحقاف: 15]، وقال في موضعٍ آخرَ: ﴿ وَوَصَّيْنَا الْإِنْسَانَ بِوَالِدَيْهِ حَمَلَتْهُ أُمُّهُ وَهْنًا عَلَى وَهْنٍ ﴾ [لقمان: 14]؛ لذا يجب على الأبوين العمل على أن تمرَّ هذه الفترة بأمنٍ وأمانٍ، دون مشكلات أو مُنغِّصات، وقد أباح الشارع للحامل أن تُفطر في رمضان إذا خشِيت الضرر من الصوم؛ قال تعالى: ﴿ فَمَنْ كَانَ مِنْكُمْ مَرِيضًا أَوْ عَلَى سَفَرٍ فَعِدَّةٌ مِنْ أَيَّامٍ أُخَرَ ﴾ [البقرة: 184].
 
قال الحسن وإبراهيم في المُرضع أو الحامل: إذا خافَتا على أنفسهما أو ولدهما، تُفطران، ثم تَقضيان[2].
 
2- الإرضاع:
وهو من خصائص الوالدة الأصيلة أو البديلة، ومُدته عامان كاملان؛ كما ورد في الآية الكريمة الآنفة مع قوله تعالى: ﴿ وَحَمْلُهُ وَفِصَالُهُ ثَلَاثُونَ شَهْرًا ﴾ [الأحقاف: 15].
 
ومن التدابير الشرعية التي قرَّرها الإسلام لضمان الإرضاع، وألا يتضرَّر الولد بترْك إرضاعه لسببٍ من الأسباب:
• أوجب على الأم إرضاع الولد، فلا يَحِل لها أن تَمتنع من ذلك رفاهيةً أو أنَفةً، ولا يكون امتناعها إلا لعُذرٍ شرعي؛ قال تعالى: ﴿ وَالْوَالِدَاتُ يُرْضِعْنَ أَوْلَادَهُنَّ حَوْلَيْنِ كَامِلَيْنِ لِمَنْ أَرَادَ أَنْ يُتِمَّ الرَّضَاعَةَ ﴾ [البقرة: 233] إلى قوله: ﴿ لَا تُضَارَّ وَالِدَةٌ بِوَلَدِهَا ﴾ [البقرة: 233].
 
قال يونس عن الزُّهْري: نهى الله أن تُضارَّ والدة بولدها، وذلك أن تقول الوالدة: لست مرضعته، وهي أمثلُ له غذاءً وأشفقُ عليه، وأرفقُ به من غيرها، فليس لها أن تأبَى...، وليس للمولود له أن يُضارَّ بولدِه والدَتَه، فيَمنعها أن تُرضعه ضرارًا لها إلى غيرها[3].
 
• أوجب على الأب نفقة الإرضاع، ومنَعه من أن يَمنعَ الأمَّ من إرضاع الولد لسببٍ من الأسباب، ففي النفقة يقول الله تعالى: ﴿ وَعَلَى الْمَوْلُودِ لَهُ رِزْقُهُنَّ وَكِسْوَتُهُنَّ بِالْمَعْرُوفِ ﴾ [البقرة: 233].
 
وفي موضعٍ آخرَ: ﴿ وَإِنْ تَعَاسَرْتُمْ فَسَتُرْضِعُ لَهُ أُخْرَى ﴾ [الطلاق: 6]، وهي نفقة واجبة بحسب العُرف.
 
قال ابن تيميَّة: "والصواب المقطوع به عند جمهور العلماء أن نفقة الزوجة مرجعُها إلى العُرف وليست مقدَّرة بالشرع، بل تختلف باختلاف أحوال البلاد والأزمنة، وحال الزوجين وعاداتهما؛ فإن الله تعالى قال: ﴿ وَعَاشِرُوهُنَّ بِالْمَعْرُوفِ ﴾ [النساء: 19].
 
وقال النبي - صلى الله عليه وسلم - لهند بنت عُتبة - رضي الله عنها -: ((خُذي ما يَكفيك وولدك بالمعروف))[4]،"[5].
 
وفي تحريم منْعه الأمَّ من الرضاع في حالة الطلاق أو المشاحنة، أو غيرها من الأسباب - يقول تعالى: ﴿ لَا تُضَارَّ وَالِدَةٌ بِوَلَدِهَا وَلَا مَوْلُودٌ لَهُ بِوَلَدِهِ ﴾ [البقرة: 233].
 
• أوجَب على الأب في حالة تعذُّر الإرضاع من قِبَل الأمِّ، أن يُرضع ولدَه من أخرى مقابل أجرٍ أو بغيره، فمصلحة الولد لا يصِح أن تُهمَل في حال من الأحوال، وكيف والرضاعة هي قِوامه وبها حياته؟ قال تعالى: ﴿ وَإِنْ تَعَاسَرْتُمْ فَسَتُرْضِعُ لَهُ أُخْرَى ﴾ [الطلاق: 6].
 
• رخص للمرضع أن تُفطر في رمضان كما سبق قريبًا، ووضَّحه حديث أنس - رضي الله عنه - عن النبي - صلى الله عليه وسلم - قال: ((إن الله تعالى وضَع عن المسافر الصوم وشِطر الصلاة، وعن الحامل والمُرضع الصومَ))[6].
 
وقد ذكَر الحُكماء الكثير من أحكام الرضاع ومتعلقاته وحِكَمه؛ مما يدل على أهمية الرضاع وعميق أثره في إنبات الوليد وتكامُل بُنيانه، من مثل ما ذكره ابن القيِّم؛ إذ قال: "ينبغي أن يكون رَضاع المولود من غير أمِّه بعد وضْعه يومين أو ثلاثة، وهو الأجود؛ لِما في لبنها ذلك الوقت من الغِلَظ والأخلاط، بخلاف لبن مَن قد استقلَّت على الرضاع، وكل العرب تعتني بذلك حتى تَسترضع أولادها عند نساء البوادي؛ كما استُرضِع النبي - صلى الله عليه وسلم - في بني سعد"[7].
 
3- الحضانة وعدم الإهمال:
للطفل - كما هو معلوم - حاجات أخرى كثيرة غير الرضاعة؛ إذ لا بدَّ له من رعاية شاملة لساعات نومه ويقَظته، ولأوقات جوعه ورِيِّه، ولنظافته ومُداعبته، والحُنو عليه، ودفْع الأذى عنه، ولقد كانت للنبي - صلى الله عليه وسلم - حاضنة مشفقة هي أمُّ أيمن، وكانت من الحبشة، وهي أُمُّ أسامة بن زيد - رضي الله عنهما - [8]، وكانت قد حضَنته أيضًا السعدية، وكان - صلى الله عليه وسلم - يقول: ((كانت حاضنتي من بني سعد بن بكر))[9].
 
والحضانة جزء من الكفالة والنُّصح؛ كما في قوله تعالى في شأن أخت موسى - عليه السلام -: ﴿ فَقَالَتْ هَلْ أَدُلُّكُمْ عَلَى أَهْلِ بَيْتٍ يَكْفُلُونَهُ لَكُمْ وَهُمْ لَهُ نَاصِحُونَ ﴾ [القصص: 12].
 
وفي تَغذية الطفل بعد الفطام يقول الإمام ابن القيِّم: "وينبغي تدريجهم في الغذاء، فأوَّل ما يطعمونهم الغذاء اللين، فيطعمونهم الخبز المنقوع في الماء الحار، واللبن والحليب، ثم بعد ذلك الطبيخ، والمَرقة الخالية من اللحم، ثم بعد ذلك ما لطُف جدًّا من اللحم بعد إحكام مَضغه، أو رَضِّه رضًّا ناعمًا"[10].
 
ومن مسؤوليات الأبوين - لا سيما الأم حين بلوغ الطفل عامًا ونحوه، وبَدئه بالحركة والمشي - وقايته من الأخطار التي قد يقع فيها؛ كاقترابه من لهب النار، واختناقه بالوسادة، ولَعِبه بسكين المطبخ، واقترابه من فُوَّهة خزَّان المياه، وخروجه إلى الشارع؛ حيث خطر السيارات، ونحو ذلك كثير معروف، والمسؤول الأول عن ذلك الأم بحُكم مُكثها مع الولد في البيت أكثر من الأب، ولُصوقه بها في سِني عُمره الأولى.
يتبعُ.

[1] متفق عليه، رواه البخاري في كتاب النكاح (5082)، ومسلم في كتاب فضائل الصحابة (2527).

[2] صحيح البخاري (8/ 179) كتاب التفسير: باب قول الله تعالى: ﴿ أَيَّامًا مَعْدُودَاتٍ ﴾ [البقرة: 184].

[3] صحيح البخاري (9/ 504)، كتاب النفقات: باب قول الله تعالى: ﴿ وَالْوَالِدَاتُ يُرْضِعْنَ أَوْلَادَهُنَّ ﴾ [البقرة: 233].

[4] متفق عليه؛ رواه البخاري في كتاب النفقات، حديث (3564)، ومسلم في الأقْضِيَة (1714).

[5] مجموع الفتاوى (34/ 83).

[6] رواه أصحاب السنن؛ أبو داود في كتاب الصوم (2408)، والترمذي في كتاب الصوم (715)، والنسائي في كتاب الصيام (2274)، وابن ماجه في كتاب الصيام (1667)، وأحمد في مسند الكوفيين (18270).

[7] تحفة المودود، ص (140).

[8] انظر مناقبها في الصحيحين: البخاري في كتاب المناقب، حديث رقم (3737)، ومسلم في كتاب الجهاد، حديث رقم (1771).

[9] رواه أحمد في مسند الشاميين (16990).

[10] تحفة المودود، ص (140).

شارك الخبر

مشكاة أسفل ٢