أرشيف المقالات

الأسباب والمسببات

مدة قراءة المادة : 5 دقائق .
2 الأسباب والمسببات
من امتيازات الشريعة الإسلامية فكرة المسببات: من حكمة الله أنه خلق الأسباب وسبَّبها وأوجد مسبَّباتها بها، فجعل النكاح سبباً للولد، والبذر سبباً للزرع، وجعل شرب الماء سبباً للري، وجعل الأكل سبباً للشِّبَع، وجعل الجد والاجتهاد سبباً للنجاح، وجعل الكسل والتواني سبباً للفشل، وجعل النار سبباً للإحراق، وجعل قطع الرأس سبباً للموت وهكذا.   وهذه الأسباب يستوي فيها المسلم والكافر والبر والفاجر، فمن شرب روي، ومن أكل شبع، ومن اجتهد حصَّل، ومن زرع حصد،...
إلى آخره.   فهذه الأسباب ومسبَّباتها كلها خلق الله، هو الذي خلقها وجعلها أسبابا بسعة علمه وعظيم حكمته ليجري الكون على هذه الأسباب؛ ولهذا يجب على المتوكل على الله أن يأخذ بما يستطيع من الأسباب، ولو خلق الله الكون بغير نظام وسنن لا تتخلف لفسدت السماوات والأرض ومن فيهن قال الله تعالى: ﴿ وَلَوِ اتَّبَعَ الْحَقُّ أَهْوَاءَهُمْ لَفَسَدَتِ السَّمَاوَاتُ وَالْأَرْضُ وَمَنْ فِيهِنَّ ﴾ [المؤمنون:71]، وقال سبحانه: ﴿ خَلَقَ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضَ بِالْحَقِّ يُكَوِّرُ اللَّيْلَ عَلَى النَّهَارِ وَيُكَوِّرُ النَّهَارَ عَلَى اللَّيْلِ وَسَخَّرَ الشَّمْسَ وَالْقَمَرَ كُلٌّ يَجْرِي لِأَجَلٍ مُسَمًّى أَلَا هُوَ الْعَزِيزُ الْغَفَّارُ ﴾ [الزمر:5] وقال تعالى: ﴿ هُوَ الَّذِي جَعَلَ الشَّمْسَ ضِيَاءً وَالْقَمَرَ نُورًا وَقَدَّرَهُ مَنَازِلَ لِتَعْلَمُوا عَدَدَ السِّنِينَ وَالْحِسَابَ مَا خَلَقَ اللَّهُ ذَلِكَ إِلَّا بِالْحَقِّ يُفَصِّلُ الْآيَاتِ لِقَوْمٍ يَعْلَمُونَ ﴾ [يونس:5].   • يجب الإيمان بالقدر وإن لم يفهم المؤمن حقيقته وحكمته، فعقولنا قاصرة عن فهم حقيقة كثير من الأشياء كالروح، فمهما أردنا أن نعرف حقيقتها لن نزداد إلا حيرة فإنها من أمر الله، قال تعالى: ﴿ وَيَسْأَلُونَكَ عَنِ الرُّوحِ قُلِ الرُّوحُ مِنْ أَمْرِ رَبِّي وَمَا أُوتِيتُمْ مِنَ الْعِلْمِ إِلَّا قَلِيلًا ﴾ [الإسراء:85]، وكذلك القدر هو سر الله في خلقه، فعلينا الإيمان بالقدر خيره وشره من الله وحده، والتسليم بأن الله أحكم الحاكمين وأنه ﴿ لَا يُسْأَلُ عَمَّا يَفْعَلُ وَهُمْ يُسْأَلُونَ ﴾ [الأنبياء:23]، وأنه أرحم الراحمين ﴿ وَأَنَّ اللَّهَ لَيْسَ بِظَلَّامٍ لِلْعَبِيدِ ﴾ [آل عمران:182].   • لا يجوز الاحتجاج بالقدر على المعاصي، ولكن يُحتج بالقدر على المصائب، فعلى المؤمن أن يؤمن بقضاء الله وقدره، وأن يحرص على ما ينفعه في دينه ودنياه، ولا يفرِّط فيما ينفعه أو يتجرأ على ما يضره ثم يحتج بالقدر وهو الذي فرط بنفسه في ترك الخير أو في فعل الشر!!   فإن أصاب المسلم شيء لا يعجبه فليقل: هذا قدَرُ اللهِ وما شاء فعل كما علمنا ذلك نبينا صلى الله عليه وسلم ففي صحيح مسلم عن أبي هريرة رضي الله عنه قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: "المؤمن القوي، خير وأحب إلى الله من المؤمن الضعيف، وفي كل خير، احرص على ما ينفعك، واستعن بالله ولا تعجز، وإن أصابك شيء، فلا تقل: لو أني فعلت كان كذا وكذا، ولكن قل: قدَرُ اللهِ وما شاء فعل، فإن لو تفتح عمل الشيطان".   ولا فرق بين الأعمال التي يعملها الإنسان وبين الأرزاق التي يسعى لها وبين الآجال التي يدافعها، الكل بابه سواء والكل مكتوب والكل مقدر، وكل إنسان ميسر لما خُلق له.   ولا يجوز الاحتجاج بالقدر على المعصية إلا لمن تاب من المعصية، فلا بأس أن يحتج التائب بالقدر جوابا لمن عاتبه على معصيته، كما في الصحيحين من حديث أبي هريرة رضي الله عنه أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: "احتج آدم وموسى، فقال موسى: يا آدم أنت أبونا خيبتنا وأخرجتنا من الجنة، فقال له آدم: أنت موسى، اصطفاك الله بكلامه، وخط لك بيده، أتلومني على أمر قدره الله علي قبل أن يخلقني بأربعين سنة؟! فقال النبي صلى الله عليه وسلم: "فحج آدم موسى، فحج آدم موسى".



شارك الخبر

المرئيات-١