أرشيف المقالات

ورقات في أولى المطالب بالتعامل مع الأقارب

مدة قراءة المادة : 23 دقائق .
ورقات في أولى المطالب بالتعامل مع الأقارب


1|3 - الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله أما بعد:
فإن صلةَ الأقارب من أمتنِ الصلات التي حثَّنا الإسلام على وصْلها، مؤكدًا أواصرها، مقويًا أركانها، مقدمًا حقوقها على سائر الحقوق، وهذه الحلقات محاولةٌ للإجابة عن تساؤلات في باب صلة الأقارب؛ قال البخاري: قال ابن عباس: لما نزلتْ: ﴿ وَأَنْذِرْ عَشِيرَتَكَ الْأَقْرَبِينَ ﴾ [الشعراء: 214]، جعل البني صلى الله عليه وسلم ينادي: يا بني فهر، يا بني عدي، لبطون قريش.
 
دل الحديثُ على أن النبي صلى الله عليه وسلم فَهِم من التوجيه الإلهي: "وأنذر عشيرتك الأقربين" أن أقاربه يصلون الجدَّ العاشر، وهو فهر، فناداهم يا بني فهر، قال الشوكاني رحمه الله: "فذلك منه بيانٌ للعشيرة الأقربين، وهذه النصوص تدل على أن القرابة لم تكن محددةً بأبٍ معين تقف عنده، فمن يجتمعون في الأب السادس دعاهم الشارع ومن يجتمعون في الأب العاشر أو الثاني عشر دعاهم الشارب أقارب، وتأكيدًا لهذا المعنى، جاء الأمر بتعلُّم الأنساب من أجل صلة الرحم؛ إذ الرحم ليست محدودة بما ينشأ الشخص على معرفته، بل يقتضي الأمر التعلم لمعرفة هؤلاء الأقارب، عن أبي هريرة رضي الله أن النبي صلى الله عليه وسلم قال: تعلموا من أنسابكم ما تصلون به أرحامكم"؛ أخرجه الإمام أحمد في مسنده وصحَّحه الألباني في سنن الترمذي، وهذا كله يكشف سَعة معنى القريب، وأنه لا يحد بدرجة معينة؛ قال ابن عثيمين كل: رحم لها صلة ولو كانت بعيدة، ما دمت تعرف أن هؤلاء من قبيلتك، فلهم الصلة ولو كانوا بعداءَ، وقال: صلة القرابة من جهة الأم كصلة القرابة من جهة الأب.
 
أما الزوجية فلا ينتج عنها قرابة، فإن الزوج لا يعد من أقارب، وكذلك العكس وما بينهما من الصلة تسمى حقوقًا زوجية، قال ابن باز: "أقارب الزوجة ليسوا أرحامًا لزوجها، إذا لم يكونوا من قرابته، ولكنهم أرحام لأولاده".
 
وكذلك لا يترتَّب على الرضاع قرابة، فإن الشخص لا يُعد بسببها من الأقارب المقصودين في النصوص، وهذا لا ينفي حقوقهم التي بسبب المصاهرة أو الرضا.
 
درجات الأقارب:
في صحيح مسلم عن أبي هريرة رضي الله عنه: قال: الرسول صلى الله عليه وسلم بعد أن ذكر حق الأم ثم الأب، قال: ثم أدناك أدناك، وعن المقداد بن معد يكرب أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: "إن الله يوصيكم بأمهاتكم ثلاثا، إن الله يوصيكم بآبائكم، إن الله يوصيكم بالأقرب فالأقرب، هذان الحديثان يرشدان إلى معلومة شرعية مهمة، وهي أن حقوق الأقارب تتدرج الأدنى فالأدنى، ووفقًا لذلك نقول ما يجب وصله، وهو الرحم الوارث الذي يرث، سواء كان ذلك بالفرض أو بالتعصيب، فهذا الرحم تجب صلته قطعًا، فرضًا عينيًّا على كل إنسان.
 
وحقوق الأقارب تتدرج الأدنى فالأدنى، فيشمل ذلك الآباء والأمهات إلى منتهاهم وهم الأصول، والأبناء إلى منتهاهم وهم الفروع، والإخوة والأعمام والأخوال ذكورًا وإناثًا وهم الحواشي، فهذه إذًا هي الرحم المؤكد صلتها، وهي الرحم التي يرث صاحبها، وما سواهم يوصلون استحبابًا.
 
وعلى هذا فدرجات الأقارب من حيث البر والصلة الأم ثم الأب ثم الأولاد ثم الجد والجدة، ثم الإخوة والأخوات، ثم الأعمام والعمات والأخوال والخالات، ثم يأتي بعد هؤلاء أبناؤهم على حسب قربهم الأقرب فالأقرب.
 
ولما كان الحديث عن مقام البر والصلة، فإنه يتجلَّى للأم مقامٌ خاص يكرِّره الرسول صلى الله عليه وسلم ثلاث مرات قبل أن ينتقل منه إلى حق الأب، حين سئل النبي صلى الله عليه وسلم من أحق الناس بحسن صحابتي؟ قال: أمك..
 
قال ابن بطال: مقتضاه أن يكون للأم ثلاثة أمثال ما للأب من البر، وقال الإمام أحمد: الطاعة للأب وللأم ثلاثة أرباع البر، ثم الأقرب فالأقرب، فالوالدان لهما البر، وهو أعلى حقوق الأقارب، والبر أعلى من الصلة؛ إذ البر كثرة الخير والإحسان، ويقال في تارك البر: عاق، أما الصلة فهي المحافظة على العلاقات الطيبة، ويقال فيمن لم يصل قاطع.
 
بر الوالدين سببُ دخول الجنة، وهو الذي أرشد الله إليه، وبيَّن في كتابه عظمه وأهميته؛ حيث عطفه على الإيمان به ﴿ وَقَضَى رَبُّكَ أَلَّا تَعْبُدُوا إِلَّا إِيَّاهُ وَبِالْوَالِدَيْنِ إِحْسَانًا ﴾ [الإسراء:23]، وفي الآية الأخرى: ﴿ وَاعْبُدُوا اللَّهَ وَلا تُشْرِكُوا بِهِ شَيْئًا وَبِالْوَالِدَيْنِ إِحْسَانًا ﴾ [النساء:36]، وغير ذلك من الآيات الصريحة في هذا الأمر.
 
فهذه كلها تقتضي أن يخفض الولد جناحَ الذل من الرحمة لوالديه، وألا يخاطبهما إلا بأبين عبارة، وألا يرفع عليهما الصوت، وأن يكون ذليلًا بين يديهما، يأمرانه بما يشاءان، فهذا الذي ينبغي للولد أن يكون عليه مع والديه.
 
وإذا كان الأمر كذلك تحسَّس الولد ما يرضي والده، وبحث عنه حتى ولو لم يأمره به، وتحسَّس كذلك ما يغضب والده، فيفر منه ويجتنبه حتى ولو لم يَنهه عنه، وإذا حصل ذلك حصل التآلف في الأسرة، واجتماع الكلمة، وحصل فيها من محبة بعض أفرادها لبعض الشيء الكثير.
 
وقد رأينا عجبًا من هذا، فقد رأيت رجلًا كان يسكن في هذه المدينة وكان من التجار، وكان أبوه شيخًا كبيرًا هو سيد قبيلته، وكان الولد من أصغر أولاده، لكنه كان أبرهم به، فكان الولد يسارع إلى كل ما فيه برٌّ لوالده، فيقول الوالد: إنه يسبقني إلى مرادي، فيأتي بالشيء الذي أريده قبل أن أفكِّر فيه، وهذا من شدة بره به، وكان الوالد بعد هذا إذا رأى أحدًا من أصدقاء ذلك الولد قام بخدمته من شدة محبته لذلك الولد، وكان الوالد كحال شيوخ أهل البادية، قد لا يفهمون أو لا يستوعبون كثيرًا من أمور الدعوة أو كثيرًا من تفاصيل الأمور، لكنه كان إذا قيل له: إن ابنك محمد محمود في هذا الأمر، قال: محمد محمود لن يكون إلا فيما هو خير في الدنيا والدين، وقد توفَّى الله هذا الرجل - نسأل الله أن يغفر له ويرحمه - فكان أبوه بعد ذلك إذا رأى أحدًا من الذين كانت بينه وبينهم علاقة يقول: هذا من أصحاب محمد محمود، ومحمد محمود لا يصحب إلا الصالحين، كان أبوه يشهد له بهذا فيما بعد.
 
وهذا يدلنا على أن الخلاف الذي يحصل بين الوالد وولده سببُه نقصان البر، فإن كان الولد برًّا بوالده، فسيحب له ما يحب، وسيبادر إلى مرضاته، والتأثير في عقلية الوالدين ميسورة سهلة، فقد جبَلهما الله على الرحمة، لكن على الولد ألا يتعجل، وألا يبادر إلى المخالفة، بل عليه أن يتقرب إلى الوالدين، وأن يجعل نفسه أشدَّ أولادهم برًّا، وإذا حصل على ثقتهما فلن يخالفاه في أي شيء يريده بعد ذلك.
 
2/3 - منزلة حقوق الأقارب من بين الحقوق:
مما يلفت الأنظار أن الحديث عن حقوق الأقارب في الإسلام ورد في وقت مبكر جدا، في بداية الدعوة والرسول صلى الله عليه وسلم يؤسس لهذا الدين قال صلى الله عليه وسلم: أرسلني بصلة الرحم، وكسر الأوثان، وأن يوحد الله لا يشرك به شيء".
 
ثانيًا: الرسول صلى الله عليه وسلم يبدأ بدعوة أقاربه في قوله تعالى: ﴿ وَأَنْذِرْ عَشِيرَتَكَ الْأَقْرَبِينَ ﴾ [الشعراء: 214].
 
ثالثًا: العديد من الآيات رفعت جدًّا من مكانة حقوق الأقارب، حتى جعلتها هي الحق التالي لحق الله جل شأنه: ﴿ وَإِذْ أَخَذْنَا مِيثَاقَ بَنِي إِسْرَائِيلَ لَا تَعْبُدُونَ إِلَّا اللَّهَ وَبِالْوَالِدَيْنِ إِحْسَانًا وَذِي الْقُرْبَى وَالْيَتَامَى وَالْمَسَاكِينِ ﴾ [البقرة: 83]، وقال تعالى: ﴿ وَاعْبُدُوا اللَّهَ وَلَا تُشْرِكُوا بِهِ شَيْئًا وَبِالْوَالِدَيْنِ إِحْسَانًا وَبِذِي الْقُرْبَى وَالْيَتَامَى وَالْمَسَاكِينِ ﴾ [النساء: 36].
 
صلة الأرحام مما تتوارثه بعض الأسر:
والبر من الأمور التي تتوارث في الأسر، فإذا كان الإنسان برًّا بوالديه فسيبره أولاده، ويستمر ذلك البر متوارثًا في السلالات، ونسأل الله السلامة والعافية، ففي المقابل إذا كان الإنسان عاقًا لوالديه، فسيعقه أولاده، وقد جرب ذلك وحصل؛ رُوي أن عمر بن الخطاب رضي الله عنه رأى شابًّا ملويَّ اليد، قد يبست على الالتواء، فسأله فقال: ما ليدك هذه؟ قال: دعوة أبي، فقال: ماذا قال؟ فأنشده أبياتًا لوالده يقول فيها:

وربيته حتى إذا ما تركته
أخا القوم واستغنى عن المسح شاربه

وبالمحض حتى آض نهدًا عنطنطًا
إذا قام ساوى غارب الفحل غاربُه

فأخرَجني منها لقًى ولوى يدي
لوى يده الله الذي هو غالبُه

فتحققت فيه دعوة أبيه
ويبست يده ملويةً.


 
وكذلك فإن بعض السلالات اشتهرت بالبر، ومن ذلك البيت النبوي الشريف، فإن آل بيت النبي صلى الله عليه وسلم اشتَهر فيهم برُّ الوالدين واستمر ذلك فيهم، وكان من صفاتهم التي يعرفون بها.
 
وقد ذكر ذلك عددٌ من الذين ذكروا صفات أهل البيت من المؤلفين، فقد اشتهر ذلك فيهم، حتى إن بعضهم كان يصرح به، فقد صح عن جعفر بن محمد بن علي بن الحسين بن علي بن أبي طالب رضي الله عنهم أجمعين وأرضاهم أن آل بيت رسول الله صلى الله عليه وسلم كانوا يعرفون بالبر وصلة الرحم، فهي من صفاتهم المشهورة المعروفة، ولا غرابة في ذلك، فهم أهل بيت ليس عهدهم في ذلك بقديم، فهذه صفة النبي صلى الله عليه وسلم التي وصفه بها كل من عرفه، ولذلك فإنها - أي: صلة الرحم - من أوائل ما كان النبي صلى الله عليه وسلم يدعو إليه ويأمر به.
 
حكم صلة الأقارب:
حقُّ القريب يأتي في النصوص القرآنية تاليًا حقَّ الله جل شأنه، ولهذا يقول القرطبي: والصواب أن كل ما يشمله ويعمُّه الرحم تجب صلته، ويقول أيضًا: اتفقت الملة على أن صلة الرحم واجبة وأن قطيعتها محرمة، عن أبي هريرة عن النبي صلى الله عليه وسلم قال: إن الله خلق الخلق، حتى إذا فرغ خلقه قالت الرحم: هذا مقام العائذ بك من القطيعة، قال: نعم أما ترضين أن أصل من وصلك وأقطع من قطعك؟ قالت بلى يا رب، قال: فهو لك، قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: "فاقرؤوا إن شئتم: فهل عسيتم إن توليتم أن تفسدوا في الأرض وتقطعوا أرحامكم"، فهذا وعيدٌ على قطع الرحم، يقول ابن عثيمين: الأصل وجوب صلة الأقارب، ثم بعد ذلك يقال: كلما ابتعدت درجة القرابة كلما انحط الوجوب، ليصبح يكفي في البعيد منهم السلام ونحوه، ثم تتدرج لتتحول إلى استحباب الصلة في القرابة البعيدة، وكل رحمٍ لها صلة ولو كانت بعيدة ما دامت تعرف أن هؤلاء من قبيلتك، فلهم الصلة ولو كانوا بعداءَ".
 
ما يجب وصله - وهو الرحم الوارث الذي يرث، سواء كان ذلك بالفرض أو بالتعصيب - فهذا الرحم تجب صلته قطعًا، فرضًا عينيًّا على كل إنسان، وحقوق الأقارب تتدرج الأدنى فالأدنى، فيشمل ذلك الآباء والأمهات إلى منتهاهم وهم الأصول، والأبناء إلى منتهاهم وهم الفروع، والإخوة والأعمام والأخوال ذكورًا وإناثًا وهم الحواشي، فهذه إذًا هي الرحم المؤكد صلتها، وهي الرحم التي يرث صاحبها، وما سواهم يوصلون استحبابًا.
 
وعلى هذا فدرجات الأقارب من حيث البر والصلة، الأم ثم الأب ثم الأولاد ثم الجد والجدة ثم الإخوة والأخوات، ثم الأعمام والعمات والأخوال والخالات، ثم يأتي بهد هؤلاء أبناؤهم على حسب قربهم الأقرب فالأقرب.
 
ومما يؤثر في حكم صلة الأقارب حالة القريب ذاته، فبعض الأقارب يرى أن لنفسه حقًّا لا بد من القيام به، ويريد أن تصله دائمًا، وقسم آخر يُعذر ويقدَّر، فحكم صلة الأول ليست كحكم صلة الثاني؛ لأن من لا يعذر يبقى في نفسه عتب إذا لم تصله، فحقُّه أن يوصل وتراعى نفسه، ويحرص أن يصفو خاطره، أما الآخر فحقُّه أقل، لكونه يعذَر ولا يجول بخاطره عَتَبٌ، وقلبه صاف تُجاهك حتى لو قللت من زيارته.
 
كيفية صلة الرحم:
من القواعد الفقهية المقررة أن العرف يرجع إليه في كل حُكمٍ حكَم الشارع به ولم يحده؛ أي: لم يبين كيفيته مثل بر الوالدين ومعاملة الزوجة والجيران وصلة الأقارب؛ يقول ابن عثيمين رحمه الله: وكلما كان القريب أقربَ إليك كان حقُّه أوجبَ، فعلى المرء أن يصل رحمه، ولم يبين النبي صلى الله وسلم بماذا يصله؟ فيرجع إلى العرف فمن الأقارب من تصله بالزيارة والإكرام البدني، ومن الأقارب من تصله بإعطاء المال لحاجته لذلك، ومن الأقارب من تُكرمه بالطعام والكسوة، كل بحسب حاله، المهم أكرم أقاربك بما يعد إكرامًا"، "وعليه فإن الصلة تختلف باختلاف الأحوال والأزمان والأمكنة والأمم"، والموجه لذلك كله هو العرف.
 
إن الصلة في اللغة تشمل كل اقتراب، فتشمل الزيارة والحديث والكلام والإهداء والتلطف وغير ذلك، فكل هذا يدخل في الصلة في اللغة.
 
وقد عرَّف البخاري صلة الرحم، فقال: هي تشريك الإنسان قرابته فيما أوتي من أنواع الخيرات.
 
وهذا يقتضي تشريك الإنسان ذوي قرابته في كل ما أوتي من أنواع الخيرات، فإن كان الإنسان قد أوتي مالًا فتشريكه لذوي رحمه في ماله من صلة الرحم، وإن كان أوتي علمًا فتشريكه لذوي قرابته فيما أوتي من العلم من صلة الرحم، وإن كان أوتي جاهًا فتشريكه ذوي قرابته في جاهه من صلة الرحم، وإن كان أُوتي عقلًا فتشريكه لذوي قرابته في الرأي والتسديد والنصيحة هو من صلة الرحم، وهكذا فكلُّ خيرٍ أُوتيه الإنسان فإن تشريكه لذوي قرابته فيه هو من صلة الرحم التي أمر الله بها ورسوله صلى الله عليه وسلم.
 
وبعد تقرير هذه القاعدة العامة في صلة الأقارب، أذكُر بعض الأعمال التي تعد بصفة عامة من صلة الأقارب:
أولًا: الإعانة على ما فيه صلاح القريب في الدنيا والآخرة؛ قال تعالى: ﴿ وَأَنْذِرْ عَشِيرَتَكَ الْأَقْرَبِينَ ﴾ [الشعراء: 214]، فهذا حق لكل قريب، وهل هناك أفضل من أن يأخذ الشخص بيد والدته أو والده أو أخيه أو أخته أو ابنه، ويكون سبب نجاته من النار، ودخول الجنة، أو رفعة درجته فيها.
 
إذا كان قريبك يجهل بعض الأمور الشرعية، فمن حقِّه عليك أن تعلمه، وأن تختار الوسيلة المناسبة لتعليمه.
 
ثانيًا: الإنفاق تجب النفقة على الولد الموسر لوالديه المحتاجين، كما تجب نفقة الولد المحتاج على أبيه قال ابن المنذر: "أجمع أهل العلم على أن نفقة الوالدين الفقيرين اللذين لا كسب لهما ولا مال واجبة من مال الولد، وأجمع كل من نحفَظ عنه من أهل العلم على أن على المرء نفقة أولاده الذين لا مال لهم"، ويجب على المرء نفقة الذين يرثهم بفرضٍ أو تعصيبٍ أو رحم إذا كان غنيًّا وهم فقراء لعموم قوله تعالى: ﴿ وَعَلَى الْوَارِثِ مِثْلُ ذَلِكَ ﴾ [البقرة: 233].
 
ثالثًا: زيارة القريب والسلام عليه، وفي الحديث عن سويد بن عامر رضي الله عنه أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: بلُّوا أرحامكم ولو بالسلام؛ أخرجه البيهقي وصححه الألباني وفي الزيارة نوعٌ مهم من التقدير تذهب ما في النفس، وتقوي التواصل، لكنها لا تكفي القريبين جدًّا كالمحارم.
 
رابعًا: إكرام الأقارب إذا قدموا من سفر، والتهنئة إذا نالوا خيرًا، وإظهار الفرح والسرور بذلك، والسعي في مشاركتهم أفراحهم، كما أن من حقوق الأقارب مشاركتهم الهموم والمشكلات وزيارة مريضهم والاهتمام به، ومؤازرتهم في الضراء ومواساتهم والتخفيف عنهم.
 
خامسًا: الدعاء الهم: من الامتثال للصلة الشرعية أن يتذكر المسلم أقاربه في دعائه، وكلما قرب القريب زاد حقُّه في الدعاء؛ قال الله عز وجل: ﴿ وَقُلْ رَبِّ ارْحَمْهُمَا كَمَا رَبَّيَانِي صَغِيرًا ﴾ [الإسراء: 24]، ومن دعاء موسى عليه السلام: ﴿ الَ رَبِّ اغْفِرْ لِي وَلِأَخِي وَأَدْخِلْنَا فِي رَحْمَتِكَ وَأَنْتَ أَرْحَمُ الرَّاحِمِينَ ﴾ [الأعراف: 151].
 
سادسًا: التغاضي عن أخطائهم، وإلزام النفس أن تتحمل منهم ما لا يتحمل من غيرهم، ولو حاسبت سائر الناس، فغُضَّ الطرف عن هفوات أقاربك، وتحمَّل تقصيرهم، وإذا أخطأ قريب فتذكر مكانة القرابة وحقَّها في التنازل عن الهفوة والزلة، واطلب الأجر في غض الطرف عنه، وإذا اختلفت مع أخيك، فتذكر حقَّ والديك عليكما وإكرامه لأجلهما.
 
سابعًا: صلتهم بالمال، وهو غير النفقة الشرعية الواجبة للقريب، ولقد تضافرت النصوص الشرعية من القرآن والسنة على تقديم حقِّ القريب المالي على الحقوق المالية الأخرى، ولذلك نلحظ في مقدمة أصحاب الحقوق الأقارب، وهذا الحق يتقدم ولو كان الآخرون مستحقين للصدقة؛ قال تعالى: ﴿ يَسْأَلُونَكَ مَاذَا يُنْفِقُونَ قُلْ مَا أَنْفَقْتُمْ مِنْ خَيْرٍ فَلِلْوَالِدَيْنِ وَالْأَقْرَبِينَ وَالْيَتَامَى وَالْمَسَاكِينِ وَابْنِ السَّبِيلِ وَمَا تَفْعَلُوا مِنْ خَيْرٍ فَإِنَّ اللَّهَ بِهِ عَلِيمٌ ﴾ [البقرة: 215]، وماذا إلا للمصلحة الظاهرة من البدء بالقريب، وعودها على تنمية وترسيخ الألفة والتراحم والتواصل بين الأقارب، وهي مصلحة شرعية كبرى؛ قال صلى الله عليه وسلم: "الصدقة على المسكين صدقة، وهي على ذي الرحم صدقة وصلة"؛ رواه الترمذي وصححه الألباني، وعن أم كلثوم بنت عقبة رضي الله عنها أن النبي صلى الله عليه وسلم قال: "أفضل الصدقة، الصدقة على ذي الرحم الكاشح"، والكاشح هو المبغض.
 
وورد عن بعض السلف: "إذا لم تمشِ إلى ذي رحمك برجلك، ولم تُعطه من مالك فقد قطعته"، ومع ذلك فقد تكون صلة القريب ماليًّا غير ملائمة لبعض الأشخاص لكونه غنيًّا، فإن صلته تكون بالحقوق الأخرى التي سبق ذكرها، ولذلك فهذا الحقُّ يتأثر بحال القريب بالعرف الموجود في المجتمع.
 
ثامنًا: إكرام أصدقائهم وأهل وُدِّهم، وفي الحديث عن ابن عمر رضي الله عنه أن النبي صلى الله عليه وسلم قال: "إن أبرَّ البر أن يصل الرجل أهلَ وُدِّ أبيه"؛ أخرجه مسلم في صحيحه، وهذا يعني إذا مات أبو الرجل أو أمه أو أحد أقاربه، أن تبرَّ أهل وده يعني ليس صديقه فقط، بل أقاربه صديقه، كما كان يفعل صلى الله عليه وسلم مع أصدقاء خديجة؛ قال ابن عثيمين: "ويستفاد من هذا أن إكرام صديق الإنسان بعد موته يعتبر إكرامًا له، سواء أكان من الوالدين، أو من الأزواج، أو من الأصدقاء، أو من الأقارب، فإن إكرام صديق الميت يعتبر إكرامًا له".
 
3\3 - آثار صلة الأقارب:
أولًا: استرضاء الرحمن جل شأنه للرحم، ووعده للواصل بأن يصلَه الله جل شأنه، خصوصية فريدة ترشد إلى مكانة العمل والعامل، وتميز الأجر والثواب؛ عن أبي هريرة رضي الله عنه أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: قال الله جل شأنه عن الرحم: "أما ترضين أن أصل من وصلك"؛ متفق عليه.
 
ثانيًا: ثلاث فوائد اجتمعت في واصل الرحم: المحبة في الأهل، والزيادة في المال، والتأخير الحقيقي في الأجل، فما رأيك في هذه المكاسب؟ محبوب بين أهله، مبارك له في ماله، مؤخر له في أجله! أي: إنه سعيد في حياته، عنده مالٌ وفير، وعمره مديد، أليست هذه هي أسباب كل المطالب والآمال الدنيوية؟ إنها أمور كلنا نطلبها، ولكن هل منا من سلك هذا السبيل لطلبها؟
 
عن أبي هريرة رضي الله عنه أن النبي صلى الله عليه وسلم قال: "تعلموا من أنسابكم ما تصلون به أرحامكم، فإن صلة الرحم محبة في الأهل، مثراة في المال، منسأة في الأثر"؛ أخرجه أحمد في مسنده وصححه الألباني، وإني لأعجبُ لمسلم يعرف هذا الحديث، ثم لا يجعل منه بابًا لتفريج كرباته النفسية والمالية، ومصدر سعادة في داريه العاجلة والآجلة.
 
وفي الحديث الآخر عن أنس رضي الله عنه أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: "من أحب أن يُبسط له في رزقه، وأن يُنسأ له في أثره - فليصلْ رحمه"؛ متفق عليه.
 
ثالثًا: تعجيل الثواب، والتغاضي عن الفجور والأخطاء الأخرى، عن أبي بكرة أن النبي صلى الله عليه وسلم قال: "إن أعجل الطاعة ثوابًا، صلة الرحم، وإن أهل البيت ليكونون فجرة؛ فتنمو أموالهم ويكثُر عددهم، إذا تواصلوا، وما من أهل بيت يتواصلون فيحتاجون"؛ صححه ابن حبان وصححه الألباني في صحيح الجامع، هذا التعجيل للثواب والتغاضي عن الفجور والأخطاء، ببركة هذا العمل العظيم الذي بمنزلته ومكانته يستر عيوبَ صاحبه الأخرى.
 
رابعًا: صلة الرحم من أهم الأعمال التي توصل إلى الجنة، عن أبي أيوب رضي الله عنه أن رجلًا قال: أخبرني عن عمل يدخلني الجنة؟ فقال النبي صلى الله عليه وسلم: "تعبُد الله لا تشرك به شيئًا، وتقيم الصلاة وتؤتي الزكاة وتصل الأرحام"؛ متفق عليه.
 
هل يعذر أحد بالتقصير في حقوق الأقارب؟
من شدة عناية الإسلام بحقوق الأقارب، لم يأذن للقريب بأن يترك المصاحبة بالمعروف، حتى ولو كان كافرًا، فقد أوصى الله بالوالدين؛ قال تعالى: ﴿ وَإِنْ جَاهَدَاكَ عَلَى أَنْ تُشْرِكَ بِي مَا لَيْسَ لَكَ بِهِ عِلْمٌ ﴾ [لقمان: 15]، لقد أغلق هذا النص كل الأعذار التي ربما يلجأ إليها بعض الناس في قطيعة رحمه، يقول: هم لا يحبونني، هم يقاطعونني، هم يريدون بي الشر، فأنت مأمور بصلة الأقارب والاهتمام بحق القريب، وإن قاطعوك وإن عادوك، وإن آذوك، فكل ذلك أهون من الشرك، قال الرسول صلى الله عليه وسلم عندما دعا أقاربه بعد نزول قول الله تعالى: "وأنذر عشيرتك الأقربين"، وكان ممن دعا بسبب الآية غير مسلمين، وقال: "فإني لا أملك من الله شيئًا، غير أن لكم رحمًا سأَبُلُّها ببلالها".
 
هل أنت تكافئ أم تطلب الأجر؟
إن صلة الرحم الواجبة أو المستحبة ليس من شروطها ألا يكونوا قاطعين لك، ولذلك حتى لو لم يزوروك فزُرْهم، حتى وإن قاطعوك فلا يسوغ شرعًا مقاطعتهم، فأنت تعمل لله وليس لهم، إليك حديثين في عظيمين عن ابن عمرو رضي الله عنه مرفوعًا: "ليس الواصل بالمكافئ، ولكن الواصل إذا قطعت رحمه وصلها"، رواه البخاري ومسلم، وعن أبي هريرة رضي الله عنه أن رجلًا قال للرسول صلى الله عليه وسلم: إن لي قرابة أصلهم ويقطعونني، وأُحسن إليهم ويسيؤون إليَّ، وأحلم عنهم ويجهلون عليَّ، فقال: لئن كنت كما قلت، فكأنما تسفهم الملَّ، ولا يزال معك من الله ظهيرٌ عليهم"؛ رواه مسلم.

شارك الخبر

مشكاة أسفل ٢