أرشيف المقالات

تفسير الربع الثاني من سورة الروم

مدة قراءة المادة : 10 دقائق .
2سلسلة كيف نفهم القرآن؟ [*] الربع الثاني من سورة الروم
• الآية 31، والآية 32: ﴿ مُنِيبِينَ إِلَيْهِ ﴾: أي كونوا راجعينَ إلى الله بالتوبة والطاعة ﴿ وَاتَّقُوهُ ﴾ بفعل الأوامر واجتناب النواهي ﴿ وَأَقِيمُوا الصَّلَاةَ ﴾ بأركانها وواجباتها وشروطها (في خشوعٍ واطمئنان)، ﴿ وَلَا تَكُونُوا مِنَ الْمُشْرِكِينَ ﴾ الذين يُشرِكون مع الله غيره في العبادة، ولا تكونوا ﴿ مِنَ الَّذِينَ فَرَّقُوا دِينَهُمْ ﴾ (وهُم أهل الأهواء والبِدَع الذين بدَّلوا دينهم وغيَّروه، فأخذوا بعضه وتركوا بعضه، تَبعًا لأهوائهم) ﴿ وَكَانُوا شِيَعًا ﴾: أي صاروا فِرَقًا وأحزابًا، وأصبح ﴿ كُلُّ حِزْبٍ ﴾ منهم: ﴿ بِمَا لَدَيْهِمْ فَرِحُونَ ﴾ أي مسرورونَ بما هم عليه (يَحكمون لأنفسهم بأنهم على الحق، وغيرهم على الباطل).   • الآية 33، والآية 34: ﴿ وَإِذَا مَسَّ النَّاسَ ضُرٌّ ﴾ أي شدة وبلاء: ﴿ دَعَوْا رَبَّهُمْ مُنِيبِينَ إِلَيْهِ ﴾ أي راجعينَ إليه وحده بالدعاء والتوبة، ليكشف عنهم ضُرَّهم، ﴿ ثُمَّ إِذَا أَذَاقَهُمْ مِنْهُ رَحْمَةً ﴾ وكَشَفَ عنهم الضر: ﴿ إِذَا فَرِيقٌ مِنْهُمْ بِرَبِّهِمْ يُشْرِكُونَ ﴾ يعني إذا جماعة منكم يُشركون بربهم المُنْعِم عليهم بالنجاة، فيَعبدونَ معه غيره،﴿ لِيَكْفُرُوا بِمَا آَتَيْنَاهُمْ ﴾: أي لتكون عاقبتهم أن يَجحدوا بما آتاهم اللهُ مِن نِعم (ومنها كَشْف البلاء عنهم) فيَستحقوا العذاب، ﴿ فَتَمَتَّعُوا ﴾: أي استمتِعوا أيها المُشركون بدُنياكم الزائلة ﴿ فَسَوْفَ تَعْلَمُونَ ﴾ عاقبة كُفركم وعِصيانكم.   • الآية 35:﴿ أَمْ أَنْزَلْنَا عَلَيْهِمْ سُلْطَانًا ﴾: يعني أم أنزلنا على هؤلاء المشركين كتابًا فيه حُجّة قاطعة ﴿ فَهُوَ يَتَكَلَّمُ بِمَا كَانُوا بِهِ يُشْرِكُونَ ﴾ أي يَنطق بصحة شِركهم؟! كلا إننا لم نفعل ذلك، إذاً فلماذا يَفترون على الله الكَذِب بزَعْمهم أنّ له شركاء؟!   • الآية 36: ﴿ وَإِذَا أَذَقْنَا النَّاسَ رَحْمَةً ﴾ أي نعمةً مُعَيَّنة - مِن صحةٍ أو رزقٍ أو أمْنٍ أو غير ذلك - ﴿ فَرِحُوا بِهَا ﴾ (فرح تكبُّر وليس فرح شُكر)، لأن الله تعالى قال في سورةٍ أخرى: (إِنَّهُ لَفَرِحٌ فَخُورٌ)، ﴿ وَإِنْ تُصِبْهُمْ سَيِّئَةٌ ﴾ يعني: وإن يُصِبهم مرضٌ وفقرٌ وخوفٌ وضِيق ﴿ بِمَا قَدَّمَتْ أَيْدِيهِمْ ﴾ من المعاصي: ﴿ إِذَا هُمْ يَقْنَطُونَ ﴾ أي يَيْئَسون من زوال تلك الشدة، ويَسخطون على قضاء الله تعالى، وهذه هي طبيعة أكثر الناس في الرخاء والشدة (إلا الصابرينَ الشاكرين، الذين استثناهم سبحانه في سورةٍ "هود" بقوله: (إِلَّا الَّذِينَ صَبَرُوا) أي على ما أصابهم من الضُرّ (احتسابًا للأجر عند اللهِ تعالى) (وَعَمِلُوا الصَّالِحَاتِ) شُكراً للهِ على نِعَمِه (أُولَئِكَ لَهُمْ مَغْفِرَةٌ) لذنوبهم (وَأَجْرٌ كَبِيرٌ) في الآخرة.   • الآية 37: ﴿ أَوَلَمْ يَرَوْا أَنَّ اللَّهَ يَبْسُطُ الرِّزْقَ لِمَنْ يَشَاءُ ﴾ أي يُوَسِّع الرزق على مَن يشاءُ امتحانًا: (هل يَشكر أو يَكفر؟)، ﴿ وَيَقْدِرُ ﴾ أي يضيِّقه على من يشاء اختبارًا: (هل يَصبر أو يَسخط؟)، ﴿ إِنَّ فِي ذَلِكَ ﴾ العطاء والمنع ﴿ لَآَيَاتٍ لِقَوْمٍ يُؤْمِنُونَ ﴾ أي يؤمنون بالله تعالى ويعرفون حكمته ورحمته.   • الآية 38: ﴿ فَآَتِ ذَا الْقُرْبَى حَقَّهُ وَالْمِسْكِينَ وَابْنَ السَّبِيلِ ﴾: يعني أعطِ الأقرباء حقوقهم من الصَدَقة والصِلة والبِرّ،وكذلك أعطِ الفقير المُحتاج مِن مالك، وكذلك المسافر الذي فَقَدَ ماله - أو نَفَذ ماله - واحتاجَ للنفقة، ﴿ ذَلِكَ ﴾ الإعطاء ﴿ خَيْرٌ لِلَّذِينَ يُرِيدُونَ وَجْهَ اللَّهِ ﴾ (وهُم الذين يريدون بعملهم رضا اللهِ تعالى وَجَنَّتِه والنظر إلى وجهه الكريم)﴿ وَأُولَئِكَ هُمُ الْمُفْلِحُونَ ﴾ أي الفائزونَ بثواب الله تعالى، الناجونَ مِن عقابه.   • الآية 39: ﴿ وَمَا آَتَيْتُمْ مِنْ رِبًا ﴾ يعني: وما أعطيتم أحداً قرضًا من المال بقصد الربا (وهو الحصول على زيادة من ذلك الشخص عندما يَرُدّ القرض إليكم)، فمَن فعل ذلك ﴿ لِيَرْبُوَ فِي أَمْوَالِ النَّاسِ ﴾: يعني ليزيد ماله الذي عند الناس: ﴿ فَلَا يَرْبُو عِنْدَ اللَّهِ ﴾: أي لا يُبارك الله ماله ولا يُضاعف أجره، بل يَمحق بركته ويُعاقِب عليه صاحبه، ﴿ وَمَا آَتَيْتُمْ مِنْ زَكَاةٍ ﴾ يعني: وما أعطيتم مِن زكاةٍ وصدقةٍ للمحتاجين ﴿ تُرِيدُونَ ﴾ بها ﴿ وَجْهَ اللَّهِ ﴾ ليَرضى عنكم ويغفر لكم ويرحمكم: ﴿ فَأُولَئِكَ هُمُ الْمُضْعِفُونَ ﴾ الذين يُضاعِف الله لهم ثواب أعمالهم.   • الآية 40: ﴿ اللَّهُ ﴾ سبحانه هو ﴿ الَّذِي خَلَقَكُمْ ﴾ أيها الناس ﴿ ثُمَّ رَزَقَكُمْ ﴾ (من السماء بإنزال المطر، ومن الأرض بإنبات الزرع وإخراج المعادن)، ﴿ ثُمَّ يُمِيتُكُمْ ﴾ بعد انتهاء آجالكم، ﴿ ثُمَّ يُحْيِيكُمْ ﴾ من قبوركم للحساب والجزاء، ﴿ هَلْ مِنْ شُرَكَائِكُمْ مَنْ يَفْعَلُ مِنْ ذَلِكُمْ مِنْ شَيْءٍ ﴾؟! بل الله سبحانه هو المتفرد بالخلق والرزق والإحياء والإماتة (فهو الذي أحياكم ابتداءً، وهو الذي يعيدكم بعد موتكم، لأنه الخبير الذي خَلَق أجسادكم وأرواحكم) ﴿ سُبْحَانَهُ وَتَعَالَى عَمَّا يُشْرِكُونَ ﴾.   • الآية 41: ﴿ ظَهَرَ الْفَسَادُ فِي الْبَرِّ وَالْبَحْرِ ﴾ (والفساد هو كل ما فيه مَفسَدة للناس، وليس لهم فيه منفعة، كقِلَّة الأمطار وكثرة الأمراض والقحط والغلاء)، فكل هذا قد حَدَث ﴿ بِمَا كَسَبَتْ أَيْدِي النَّاسِ ﴾ أي بسبب المعاصي التي يفعلها البشر، وقد أصابهم الله بهذه المصائب في الدنيا ﴿ لِيُذِيقَهُمْ بَعْضَ الَّذِي عَمِلُوا ﴾: أي ليصيبهم بعقوبة بعض أعمالهم التي عملوها ﴿ لَعَلَّهُمْ يَرْجِعُونَ ﴾ إلى الله تعالى، ويتوبوا من المعاصي، فتَصلُح أحوالهم، وتستقيم أمورهم. ♦ واعلم أنّ الله تعالى قال: (لِيُذِيقَهُمْ بَعْضَ الَّذِي عَمِلُوا) وليس (بكُلّ الذي عملوا)، لأنه لو أصابهم بكل ذنوبهم لأنهَى حياتهم، كما قال تعالى: ﴿وَلَوْ يُؤَاخِذُ اللَّهُ النَّاسَ بِمَا كَسَبُوا مَا تَرَكَ عَلَى ظَهْرِهَا مِنْ دَابَّةٍ﴾.   • من الآية 42 إلى الآية 45: ﴿ قُلْ ﴾ - أيها الرسول - لهؤلاء المُكَذِبين: ﴿ سِيرُوا فِي الْأَرْضِ ﴾ بأجسادكم وقلوبكم ﴿ فَانْظُرُوا كَيْفَ كَانَ عَاقِبَةُ الَّذِينَ مِنْ قَبْلُ ﴾ أي: كيف كانَ مصير المُكَذِبين مِن قبلكم (كعادٍ وثمود وقوم لوط)؟ وما نزل بهم من الهلاك، فقد ﴿ كَانَ أَكْثَرُهُمْ مُشْرِكِينَ ﴾ أي كان أكثر الأمم السابقة مشركين مِثلكم يا كفار قريش، فاحذروا أن يصيبكم ما أصابهم. ♦ فإذا علمتَ أيها الرسول - أنت وأمتك - سُوء عاقبة الشِرك﴿ فَأَقِمْ وَجْهَكَ لِلدِّينِ الْقَيِّمِ ﴾: أي وَجِّه وجهك نحو الدين المستقيم، وهو الإسلام (مُنَفِّذًا أوامره، مجتنبًا نَوَاهيه)، واثبُت عليه ﴿ مِنْ قَبْلِ أَنْ يَأْتِيَ يَوْمٌ ﴾ وهو يوم القيامة، الذي ﴿ لَا مَرَدَّ لَهُ مِنَ اللَّهِ ﴾ أي لا يقدر أحد على ردِّه، ﴿ يَوْمَئِذٍ يَصَّدَّعُونَ ﴾: أي يتفرقون فِرقتين (كما يَتَصَدّع الجدار فرقتين)، فـ﴿ مَنْ كَفَرَ فَعَلَيْهِ كُفْرُهُ ﴾ أي عليه عقوبة كُفره (وهي خلوده في النار)، ﴿ وَمَنْ عَمِلَ صَالِحًا ﴾ - بعد أن آمَنَ بالله ورُسُله -: ﴿ فَلِأَنْفُسِهِمْ يَمْهَدُونَ ﴾: أي يُهَيِّئون ويَفرشون لأنفسهم منازل في الجنة (بإيمانهم وكثرة طاعاتهم وإتقان أعمالهم). ♦ وقد فَرَّقَ اللهُ بين المؤمنين والكافرين يوم القيامة ﴿ لِيَجْزِيَ الَّذِينَ آَمَنُوا وَعَمِلُوا الصَّالِحَاتِ مِنْ فَضْلِهِ ﴾ بالنعيم المقيم، ويجزي الكافرين بعدله بالعذاب الأليم، ﴿ إِنَّهُ ﴾ سبحانه ﴿ لَا يُحِبُّ الْكَافِرِينَ ﴾.


[*] وهي سلسلة تفسير لآيات القرآن الكريم، وذلك بأسلوب بسيط جدًّا، وهي مُختصَرة من (كتاب: "التفسير المُيَسَّر" (بإشراف التركي)، وأيضًا من "تفسير السّعدي"، وكذلك من كتاب: " أيسر التفاسير" لأبي بكر الجزائري) (بتصرف)، عِلمًا بأنّ ما تحته خط هو نص الآية الكريمة، وأما الكلام الذي ليس تحته خط فهو تفسير الآية الكريمة. • واعلم أن القرآن قد نزلَ مُتحدياً لقومٍ يَعشقون الحَذفَ في كلامهم، ولا يُحبون كثرة الكلام، فجاءهم القرآن بهذا الأسلوب، فكانت الجُملة الواحدة في القرآن تتضمن أكثر مِن مَعنى: (مَعنى واضح، ومعنى يُفهَم من سِيَاق الآية)، وإننا أحياناً نوضح بعض الكلمات التي لم يذكرها الله في كتابه (بَلاغةً)، حتى نفهم لغة القرآن.



شارك الخبر

ساهم - قرآن ٣