أرشيف المقالات

اتباع الهوى بالنسبة إلى المقلد

مدة قراءة المادة : 5 دقائق .
2اتباع الهوى بالنسبة إلى المقلِّد
سبق أن بينا موقف الشَّاطبي من اتباع الهوى في الجملة، وخصوصًا بالنسبة للمجتهد، وفي هذا المطلب نعرض لرأي الشَّاطبي في اتباع الهوى بالنسبة للمقلد، سواء كان عاميًّا، أم كان محصلًا لشيء من العلم ولَمَّا يبلُغْ درجة الاجتهاد.   رأي الشَّاطبي: يرى الشَّاطبي أنه لا يجوز للعامي ولا لغيره اتباع الهوى، بل يجب أن يخرج الإنسان عن داعية هواه، ويضم نفسه تحت لواء الشرع، والشرع إنما جاء لأجل إخراج النفس عن التعبد للهوى[1]، ومن لم يتبع الشرع والهدى، فليس له إلا اتباع الشهوة والهوى، واتباع الهوى ضلال مبين، وخروج عن سنن المرسلين.   وليس المذموم من الهوى أن يكون الهوى تابعًا للأوامر والنواهي الشرعية، وإنما المذموم أن يكون هواه هو المقدم عليها، فتكون الأوامر والنواهي تابعة له، ولا ريب أنه لا اتباع في الأحكام الشرعية إلا لأحد أمرين: الشريعة: وهي الحق والهدى، أو الهوى: واتباعه هو المذموم، ولم يُذكَرْ في القرآن إلا في سياق الذم، ولا طريق غير ذلك[2].   وقد نهى الشَّاطبي عن تخيُّر المقلِّد بين أقوال المفتين؛ لأن ذلك عنده مفضٍ إلى اتباع الهوى؛ قال الشَّاطبي: "فائدة وضع الشريعة إخراج المكلف عن داعية هواه، وتخييره بين القولين نقض لذلك الأصل، وهو غير جائز"[3]، وقال: "مقصود الشريعة إخراج المكلف عن داعية هواه؛ حتى يكون عبدًا لله، وتخييره يفتح له باب اتباع الهوى، فلا سبيل إليه البتة"[4].   ولذا؛ فلا يجوز للمقلد أن يتخذ الرجال وأقوال العلماء ذريعة لهواه؛ إذ ذلك ضلال بين، والحجة إنما هي في الشرع دون غيره[5].   وقد سبق أن فصلنا رأي الشَّاطبي وأوضحناه بما فيه كفاية - إن شاء الله - وما قيل هناك مناسب للمبحث هنا، فلا حاجة للتكرار[6].   وقد وافق الشَّاطبي في رأيه هنا اتفاق العلماء؛ فالعلماء متفقون على تحريم اتباع الهوى.   قال ابن قدامة: "نعلم بإجماع الأمة..
على أن العالم ليس له الحكم بمجرد هواه وشهوته من غير نظر في الأدلة، والاستحسان من غير نظر حكمٌ بالهوى المجرد؛ فهو كاستحسان العامي"[7].   وقد تتابعت أقوال العلماء في ذم الهوى واتباعه، لا سيما للمقلد[8]، ولا يخالف في هذا من جوز التخير للمقلد؛ لأنه يجيز ذلك للضرورة، وإلا فاتباع الهوى مذموم عنده كغيره[9].


[1] انظر: الموافقات (1/ 515 - 516، 2/ 63، 289، 328، 5/ 77، 285) الاعتصام (2/ 499). [2] انظر: الاعتصام (1/ 39). [3] الموافقات (5/ 77). [4] الموافقات (5/ 285). [5] انظر: الاعتصام (2/ 510 - 511). [6] انظر: (ص 447 وما بعدها). [7] روضة الناظر (2/ 338) وانظر: شرح تنقيح الفصول (451) نهاية الوصول (8/ 4004) تقريب الوصول (401). [8] انظر: الإحكام لابن حزم (2/ 315) المستصفى (2/ 391) روضة الناظر (2/ 392). [9] انظر: العقد الفريد (5/ أ) ولاحظ المستصفى (2/ 391) وهو في المجتهد، إلا أنه موافق للأمر في العامي، وإن كان الغزالي قد اختلف رأيه في الموضعين.



شارك الخبر

فهرس موضوعات القرآن