أرشيف المقالات

مخالفات في العقيدة

مدة قراءة المادة : 23 دقائق .
2مخالفات في العقيدة
الحمد لله ولي الصالحين، والصلاة والسلام على خاتم النبيين وعلى آله وصحبه والتابعين. إن دين الإسلام هو الدين القويم الذي نزل من عند رب العالمين، لا يعتريه نقصٌ، ولا يحتاج إلى تكميل بوجه من الوجوه؛ قال تعالى: ﴿ الْيَوْمَ أَكْمَلْتُ لَكُمْ دِينَكُمْ ﴾ [المائدة: 3]، وضَّح للناس ما ينفعهم، وحذَّرهم مما يضرهم، ولكن ثمة بعض المحاذير والمنهيات الشرعية التي يقع فيها بعض الناس؛ إما تساهلًا، وإما جهلًا أو تقليدًا، وربما فعل بعضهم محرمًا أو بدعة في الدين، فوقع في ناقض من نواقض الإسلام وهو لا يشعر، فاحرص وفَّقني الله وإياك لكل خير على قصد الحق وطلبه، والسؤال عنه والاهتمام به؛ لأنه هو النجاة.
وسأذكر بين يديك أخي الكريم طائفة من التوجيهات والمحاذير الشرعية؛ سواء كانت في العقيدة، أو في الأحكام، أو في السلوكيات ونحوها، منها ما يلي: 1- احرص أخي وفَّقك الله على القراءة عن أحكام هذا الدين العظيم مما ورد في كتاب الله تعالى وسنة رسوله عليه الصلاة والسلام، وما كتَبه أهل العلم المحققون مع سؤالهم والأخذ عنهم، فإنك بذلك يزيد علمك وثباتُك على هذا الدين، ويزول ما أشكَل عليك فهمُه.
2- إذا رأيت الناس يفعلون شيئًا سواءً في مناسكهم أو صلواتهم، أو في سائر عباداتهم، فلا تفعل كما يفعلون، حتى تتأكد من صحة فعلهم، أما تقليدهم من دون تثبُّتٍ فهو نوع من الجهل، والعبادة مبناها على العلم، فاسأل أهل العلم عن كل ما أشكل عليك من أمور دينك، فلا تعمل بلا علم؛ قال تعالى: ﴿ فَاسْأَلُوا أَهْلَ الذِّكْرِ إِنْ كُنْتُمْ لَا تَعْلَمُونَ ﴾ [النحل: 43].

3- الدعاء عبادة من أعظم العبادات، وبه يُستجلب الخير ويدفعُ الشرُّ، فهو لا يكون إلا لله، فأُحذرك أخي الكريم أن تدعو غير الله تعالى من الأنبياء أو الصالحين أو غيرهم، فهم مع علوِّ منزلتهم لا يملِكون لأنفسهم نفعًا ولا ضرًّا، فكيف يملكون هذا لغيرهم؟!
واعلَم أن من دعا غير الله تعالى، فقد وقع في الشرك؛ قال تعالى: ﴿ فَلَا تَدْعُوا مَعَ اللَّهِ أَحَدًا ﴾ [الجن: 18]، وقال تعالى: ﴿ وَيَوْمَ الْقِيَامَةِ يَكْفُرُونَ بِشِرْكِكُمْ ﴾ [فاطر: 14]، ومن الشرك جعلهم وسائط بينه وبين الله تعالى، وهذا فعل المشركين.
4- اعلم أخي وفَّقك الله أن الصلاة في المساجد التي بُنيت على القبور صلاة باطلة؛ لما في ذلك العمل من تعظيم لصاحب القبر، والتعظيم عبادة عظيمة لا تكون إلا لله وحده، وقال صلى الله عليه وسلم: «لَعْنَةُ اللهِ عَلَى الْيَهُودِ وَالنَّصَارَى؛ اتَّخَذُوا قُبُورَ أَنْبِيَائِهِمْ مَسَاجِدَ»[1]، ولأن ذلك قد يكون وسيلة من وسائل الشرك.
5- إن الذبح لغير الله تعالى سواء كان للأولياء أو غيرهم شرك مخرج من ملة الإسلام، قال تعالى: ﴿ قُلْ إِنَّ صَلاتِي وَنُسُكِي وَمَحْيَايَ وَمَمَاتِي لِلَّهِ رَبِّ الْعَالَمِينَ * لا شَرِيكَ لَهُ وَبِذَلِكَ أُمِرْتُ وَأَنَا أَوَّلُ الْمُسْلِمِينَ ﴾ [الأنعام: 162-163] فإن الذبح لا يحل إلا ما كان لله تعالى وذكر عليه اسمه.
6- أُحذرك أخي الكريم من الذهاب إلى السحرة والمشعوذين والكهنة والعرافين طلبًا للعلاج أو غيره فهو فعل محرم قد يوصل إلى الشرك؛ قال عليه الصلاة والسلام: «مَنْ أَتَى كَاهِنًا[2]أَوْ عَرَّافًا[3]فَصَدَّقَهُ بِمَا يَقُولُ، فَقَدْ كَفَرَ بِمَا أُنْزِلَ عَلَى مُحَمَّدٍ»[4]، وإنما يكون العلاج بالقرآن والسنة والرُّقى المشروعة والأسباب المباحة، فإن هذا إذا صاحبه اليقين، نفع بإذن الله تعالى نفعًا عظيمًا، وأما الذهاب إلى السحرة والكهنة، فإن صدقهم فقد كفر بما أنزل على محمد صلى الله عليه وسلم وإن أتاهم ولم يُصدقهم، لم تقبل له صلاة أربعين يومًا؛ قال صلى الله عليه وسلم: «مَنْ أَتَى عَرَّافًا فَسَأَلَهُ عَنْ شَيْءٍ لَمْ تُقْبَلْ لَهُ صَلَاةٌ أَرْبَعِينَ لَيْلَةً»[5]، فما أشده من وعيد وخسارة كبيرة على من أتاهم.
7- أن الطواف حول الكعبة هو الطواف المشروع وهو عبادة لله تعالى، وإقامة لذكر الله تعالى، مع اعتقاد أنها أحجار لا تضر ولا تنفع ونفعله؛ لأن الله تعالى أمر به، ولأن الرسول عليه الصلاة والسلام فعله، أما الطواف على القبور ونحوها، فإن ذلك شرك أكبر مخرج من ملة الإسلام، ثم إن هذا الطائف على القبر، إنما يطوف عليه؛ ليتقرب إلى صاحبه ويسأله، أو يتخذه واسطة له عند الله، فهل علم هذا الطائف قبل أن يفعل ذلك أن صاحب هذا القبر لا يسمعه، ولو سمعه ما استجاب له، فهو لا يستطيع نفع نفسه بشيء، فضلًا عن ان ينتفع غيره، وأما ما يحصل مما يزعم أنه نفع، فهو من تسويل الشياطين؛ قال تعالى: ﴿ وَالَّذِينَ تَدْعُونَ مِنْ دُونِهِ مَا يَمْلِكُونَ مِنْ قِطْمِيرٍ * إِنْ تَدْعُوهُمْ لَا يَسْمَعُوا دُعَاءَكُمْ وَلَوْ سَمِعُوا مَا اسْتَجَابُوا لَكُمْ وَيَوْمَ الْقِيَامَةِ يَكْفُرُونَ بِشِرْكِكُمْ وَلَا يُنَبِّئُكَ مِثْلُ خَبِيرٍ ﴾ [فاطر: 13، 14].
فذكر الله تعالى في هذه الآية حقائق عظيمة، وهي: أ‌- أنهم لا يملكون شيئًا حتى القطمير، وهو اللفافة الموجودة على النواة مع صِغرها وحقارتها.
ب‌- أنهم لا يسمعون هؤلاء الداعين. ج- أنهم لو سمعوا ما استجابوا لعجزهم عن النفع والاستجابة. د- أنهم يوم القيامة يكفرون بهذا الشرك في الدنيا.
فمن منطلق إيمانك بالقرآن الكريم، وأنه كلام الله تعالى لا يأتيه الباطل من بين يديه ولا من خلفه، احذر ما يفعله هؤلاء الجهلة من الطواف على القبور أو الأشجار أو الأحجار، أو التبرك بها، ونحو ذلك؛ حتى تكون عقيدتك سليمة صحيحة، ولا تقع في الشرك المنافي للتوحيد.
8- إن المجالسة والمخالطة لها الأثر الكبير على عقيدة المسلم وسلوكه وعبادته، فاحذر أخي وفَّقك الله أن تجالس أهل الضلال والزيغ والشرك؛ حتى لا تكون واحدًا منهم، فإن الصاحب ساحب، واحرص على مجالسة أهل الخير والصلاح؛ لتستفيد منهم، واختر جلساءك كما تختار أطايب الطعام، فقد قال النبي صلى الله عليه وسلم: «الْمَرْءُ عَلَى دِينِ خَلِيلِهِ؛ فَلْيَنْظُرْ أَحَدُكُمْ مَنْ يُخَالِلُ»[6].
9- لا تتساهل أخي الكريم في فعل البدع، فإنها متضمنة لاتهام الرسول صلى الله عليه وسلم بعدم البلاغ، واتهام للدين بالنقص وعدم الكمال، والله تعالى يقول: ﴿ الْيَوْمَ أَكْمَلْتُ لَكُمْ دِينَكُمْ ﴾ [المائدة: 3]، وإن بعضها قد يوصل إلى الشرك، وعندما تستشكل شيئًا، فابحث عنه بسؤال أهل العلم، فالحلال بيِّن والحرام بيِّن، وبينهما أمور مشتبهات، فإن مَن عمل بهذه المشتبهات على جهل ومِن دون تفريق، وإنما رأى الناس يفعلون ففعل، فربما أوقع نفسَه المهالك في عقيدته وعبادته، وهو لا يشعر، فكن قريبًا من أهل العلم؛ لتفلح وتنجح.
10- قال الله تعالى حكايةً عن المشركين وأسباب ضلالهم: ﴿ إِنَّا وَجَدْنَا آبَاءَنَا عَلَى أُمَّةٍ وَإِنَّا عَلَى آثَارِهِمْ مُقْتَدُونَ ﴾ [الزخرف: 23]، فتقليد الآباء والأجداد إذا كانوا على الباطل، عمل مذموم، وقد قال الله تعالى عن هؤلاء الآباء: ﴿ أَوَلَوْ كَانَ آبَاؤُهُمْ لَا يَعْقِلُونَ شَيْئًا وَلَا يَهْتَدُونَ ﴾ [البقرة: 170]، فانظر أخي وفَّقك الله ما تتلقاه من آبائك وأجدادك وغيرهم، اعرضه على الكتاب والسنة، فإن توافق معهما فافعله؛ لأنه موافق لهما، وأما إن خالفهما فاتركه وابتعد عنه، ولو فعله الآباء والأجداد، فقد يكونون هم أخذوه تقليدًا أعمى، فلا تكن أنت إحدى حلقات هذا التقليد؛ لتنجو وتسعد في الدنيا والآخرة، ومما يماثل تقليد الآباء والأجداد على خطئِهم قول بعضهم: هذه عادة بلدي، فهذا حكمه كحكم تقليد الآباء والأجداد.
11- احذر أخي المبارك تعليق التمائم والحروز، معتقدًا أن ذلك يحفظك من المكاره، فإن حفظك من المكاره يكون بالأذكار الشرعية من الكتاب والسنة صباحًا ومساءً، وقد قال النبي صلى الله عليه وسلم: «مَنْ عَلَّقَ تَمِيمَةً فَقَدْ أَشْرَكَ»[7]، ومن الحروز المشروعة: آية الكرسي وآخر آيتين من سورة البقرة، والسور الثلاث: الإخلاص والفلق والناس، وأيضًا قول: (لَا إِلَهَ إِلَّا اللهُ وَحْدَهُ لَا شَرِيكَ لَهُ، لَهُ الْمُلْكُ وَلَهُ الْحَمْدُ، وَهُوَ عَلَى كُلِّ شَيْءٍ قَدِيرٌ) في اليوم ( ١٠٠ مرة)[8]، وقول: (أَعُوذُ بِكَلِمَاتِ اللهِ التَّامَّاتِ مِنْ شَرِّ مَا خَلَقَ)[9]( ثلاثًا)، وقول: (بِسْمِ اللهِ الَّذِي لَا يَضُرُّ مَعَ اسْمِهِ شَيْءٌ فِي الْأَرْضِ وَلَا فِي السَّمَاءِ وَهُوَ السَّمِيعُ الْعَلِيمُ)[10] وغير ذلك مما ثبت في القرآن والسنة.
12- اعلم أخي رحمك الله أن العمل لا يُقبل إلا إذا توفر فيه شرطان، وهما: الأول: الإخلاص لله تعالى، فلا رياء ولا سمعة: ﴿ وَمَا أُمِرُوا إِلَّا لِيَعْبُدُوا اللَّهَ مُخْلِصِينَ لَهُ الدِّينَ ﴾ [البينة: 5].
الثاني: أن يكون العمل صوابًا على سنة النبي صلى الله عليه وسلم.
فإذا خلا العمل منهما أو من أحدهما، فهو باطل مردود، فعن عائشة رضي الله عنها فقالت: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: «مَنْ عَمِلَ عَمَلًا لَيْسَ عَلَيْهِ أَمْرُنَا فَهُوَ رَدٌّ»[11]؛ أي: مردود على صاحبه، فاحفظ هذين الشرطين وعلِّمهما غيرك.
13- أخي المبارك، يجب علينا أن نهتم فيمن نسأله عن أمور ديننا وعقيدتنا، بحيث يكون معروفًا بعلمه وتقواه، كما نهتم في السؤال عن أمور دنيانا أو أشد، فلا نسأل في أمور ديننا أي أحد، بل نسأل أهل العلم المعروفين الموثوقين، فكثير من الأخطاء كان سببها أن المفتي فيها ليس أهلًا للفتوى.
14- أخي الكريم، التوكل على الله وحده أمرٌ عظيم وجليل، فكن في أمور دينك ودنياك معتمدًا على الله وحده، فهذا هو طريقك إلى النجاة من النار والفوز بالجنة، فعلِّق قلبك بالله وحده، لا تخف إلا منه، ولا ترجو سواه، ولا تعتمد إلا عليه، فإذا كان هذا دأبك، هداك الله تعالى صراطه المستقيم، وثبتك عليه، ووقاك من كل سوء ومكروه.  
  15- اجتهد رعاك الله في إحسان صلاتك، وذلك بحضور قلبك وسكون جوارحك، وافعل كما كان النبي صلى الله عليه وسلم يفعل، وقد قال عليه الصلاة والسلام: «صَلُّوا كَمَا رَأَيْتُمُونِي أُصَلِّي»[12]، فاحرص على ذلك كي تنهاك صلاتك عن الفحشاء والمنكر؛ قال تعالى: ﴿ إِنَّ الصَّلَاةَ تَنْهَى عَنِ الْفَحْشَاءِ وَالْمُنْكَرِ ﴾ [العنكبوت: 45]، أما إذا غفل القلب كثيرًا، ولم تسكن الجوارح، فقد يصاحب هذا تأخير أو تباطؤ في فعلها، فقد تكون هذه الصلاة تختلف كثيرًا عن إقامتها وحقيقتها، فاحرص على ضبطها والاهتمام بها، فتعلم أحكامها ومسائلها، فهي رأس الأمر وعموده، وهي أول ما يحاسب عنه العبد يوم القيامة، فإن صلحت صلح سائر عملك، وإن فسدت فسد سائر عملك، ومن فساد الصلاة إخراجها عن وقتها، أو جمعها إلى غيرها بدون عذر شرعي، أو التساهل بأركانها وواجباتها وشروطها، واعلم أن من تركها لا يقبل منه حج ولا صوم ولا صدقة، وتبطل جميع أعماله، وهو من أهل النار؛ عياذًا بالله من ذلك، قال النبي صلى الله عليه وسلم: «بَيْنَ الرَّجُلِ وَبَيْنَ الْكُفْرِ تَرْكُ الصَّلَاةِ»[13].  
  16- من البدع التي قد تكون من وسائل الشرك: تعظيم البقاع وقصد الأماكن التي لم يرد في تعظيمها وقصدها دليلٌ، إذا كان على سبيل التعبد؛ وذلك كقصد الذهاب إلى جبل حراء، أو المساجد السبعة في المدينة، ومثل ذلك التبرك بمسح ستارة الكعبة أو المقام، أو التبرك بالأماكن أو الأزمان التي لم يرد عليها دليل، ومثله أيضًا إنشاء السفر أصلًا لزيارة قبر النبي صلى الله عليه وسلم، أو قصد القبر للدعاء عنده رجاء الإجابة، واستقباله، أو الجلوس عند القبور للتلاوة والذكر، أو ربط الخرق وقطع القماش ونحوها بشباك مقبرة البقيع، أو شهداء أحد، أو غيرها من القبور، أو رفع القبور والبناء عليها، فكل هذا وما يماثله مما قد يصعب حصرُه وجمعه - من البدع المحرمة التي سوَّل الشيطان لأصحابها فعلها تقليدًا أو جهلًا أو تساهلًا؛ فاحذر ذلك كله وأمثاله، واسأل أهل العلم عن كل ما أشكل عليك؛ لتتضح لك الحقيقة التي أنزلها الله تعالى على رسوله صلى الله عليه وسلم، وأوحاها إليه، فقد بعث الله تعالى نبيه عليه الصلاة والسلام لأجل توحيد الله تعالى وطمس معالم الشرك.  
  17- احذر أخي المبارك -وفَّقك الله- من الحلف بغير الله تعالى؛ كالحلف بالنبي صلى الله عليه وسلم، أو بالأمانة أو بالشرف، أو بالذمة أو بغيرها؛ فإن الحلف لا يجوز أن يكون إلا بالله تعالى وأسمائه وصفاته؛ قال عليه الصلاة والسلام: «مَنْ كَانَ مِنْكُمْ حَالِفًا، فَلْيَحْلِفْ بِاَللَّهِ»[14]، وقال عليه الصلاة والسلام: «مَنْ حَلَفَ بِغَيْرِ اللَّهِ فَقَدْ كَفَرَ أَوْ أَشْرَكَ»[15].  
  18- احرص أخي الكريم على خصال الخير والأعمال الصالحة الصحيحة والإكثار منها، خصوصًا زمن الفتن؛ فإن ذلك من المثبتات على الدين، واحذر التعرض للفتن أو الانسياق وراء الدعوات المضللة التي ربما يتساهل بها البعض، فيلحقه ضرر في دينه وهو لا يشعر؛ فالثبات على دين الله تعالى مطلب عظيم وعزيز، فإن الفتن تفسد القلوب وتُمرضها، فاحرس قلبك بالدعاء والثبات والعلم والعمل بدليلهما من الكتاب والسنة.
  19- اعلم أن الاستهزاء بالدين وشعائره أو العلماء أو الصالحين ونحو ذلك - هو سبيل المنافقين والكافرين، كما حكى الله ذلك عنهم في سورة التوبة، فاحذر أن تكون مشاركًا في شيء من ذلك؛ فإن الكلمة عظيمة في مقامها من الخير والشر، فدخول الإسلام بكلمة والخروج منه قد يكون بكلمة، فاحفظ لسانك عن كل ما يوقعك في هذا المزلق الخطير، خصوصًا عندما يزيد الكلام ويكثُر، ويدخله المُزاح أو الهوى.  
  20- أخي المبارك لا صحة لما يعتقده بعض الناس بوجود ارتباط بين الحج وزيارة المسجد النبوي، وكذلك اعتقاد أن يصلي عددًا معينًا من الصلوات كعدد ٤٠ فرضًا، ونحو ذلك، بل إن زيارة المسجد النبوي عبادة مستقلة لا علاقة لها بالحج أو العمرة، وأيضًا عندما ينتهي من أعمال مناسك الحج والعمرة، كذلك لا صحة لفعل من يرجع القهقرى عند مغادرته المسجد الحرام عقب انتهائه من أعمال مناسك الحج أو العمرة، بحيث يستقبل القبلة ويمشي راجعًا إلى الوراء، فكل هذا من البدع ولا أصل له في الشرع.  
  21- بعض الزوار والمعتمرين عندما يصلي ركعتي الطواف، فإنه يصليهما خلف المقام مباشرة قريبًا منه، مع وجود الزحام الشديد، فيؤذي نفسه ويؤذي غيره، ولا يطمئن في صلاته، وأيضًا يؤذي غيره من الطائفين، وهاتان الركعتان يمكنه أن يصليهما في أي مكان من المسجد، ولو أنه جعل المقام بينه وبين الكعبة، ولو كان بعيدًا عنها، لأصاب السنة.  
  22- عورة الرجل من السرة إلى الركبة، وستر العورة شرط من شروط الصلاة، ومما يلاحظ على بعض المعتمرين عند لباس الإحرام ومثله من يلبس البنطال، فإنه قد يتساهل في ستر عورته؛ سواء من السرة، أو من جهة ظهره، فيصلي ويطوف وهو على تلك الحال، فقد تبطل صلاته وهو لا يشعر، فعليه أن يتعاهد نفسه، ولباسه كما قد يصلي بعضهم وقد كشف عن عاتقيه، وهذا مخالف للهدي النبوي، فقد قال النبي صلى الله عليه وسلم: «لَا يُصَلِّي أَحَدُكُمْ فِي الثَّوْبِ الْوَاحِدِ لَيْسَ عَلَى عَاتِقِهِ مِنْهُ شَيْءٌ»[16]، فإن كان مضطبعًا فإن الاضطباع هو سنة طواف القدوم خاصة، فينتهي بانتهائه فيصلي بعده وقد ستر عاتقيه.  
  23- بعض الطائفين حول الكعبة يؤذي الناس برفع صوته بالدعاء؛ لأن الدعاء مناجاة لرب العالمين، فهو يحتاج إلى سكينة وطمأنينة، وإذا كان معه أناس لا يحسنون الدعاء، فليقم بتعليمهم شيئًا من جوامع الدعاء، فيلزمونه ويكررونه سرًّا بأنفسهم، ولا يؤذي الطائفين بأصواتهم، وإذا كان الأمر لزامًا أن يدعو ويدعون خلفه مثل دعائه، فليدع وليؤمِّن مَن خلفه، ولا يكرروا الدعاء نفسه، فإن التأمين في حقيقته دعاء.  
  24- مما يلاحظ على بعض النساء حال الإحرام أنها تنتقب؛ فقد نهى النبي صلى الله عليه وسلم المرأة عنه فقال: «لَا تَنْتَقِبْ الْمَرْأَةُ الْمُحْرِمَةُ وَلَا تَلْبَسْ الْقُفَّازَيْنِ»[17]، بل الواجب عليها أن تسدل خمارها على وجهها عند الرجال الأجانب عنها.  
  25- على الإخوة الحجاج والمعتمرين؛ حيث جاؤوا من بلاد بعيدة إلى هذه البلاد المقدسة، وتركوا أهلهم وأموالهم وظروفهم - أن يستثمروا أوقاتهم بالعبادة بأنواعها من الصلاة والطواف، وسائر أنواع الذكر والإحسان، وألا ينشغلوا بالقيل والقال، وضياع هذه الفرص من أوقاتهم، فإنها ثمينة، وكم من الناس مَن يتمنى أن يكون مكانهم حبسهم العذر، أو لم يوفَّقوا للمجيء إلى تلك البلاد الطيبة.
 
  خاتمة: أخي وفَّقك الله، وسلك بنا جميعًا سُبل مرضاته، هذه تنبيهات على بعض المحاذير، وربما غيرها كثير، فلعلك تتأملها، وتصحِّح من خلالها مسار الآخرين، فإن بعض الناس ربما غلب عليه الجهل، فهو بحاجة إلى دعوتك له إلى طريق الصواب، واحتسِب الأجر في ذلك عند الله تعالى.  
  وصلى الله وسلم على نبينا محمد وآله وصحبه  


[1] أخرجه البخاري في صحيحه برقم (435)، ومسلم في صحيحه برقم (529). [2] الكاهن: الذي يخبر بما يكون في المستقبل. [3] قال ابن الأثير: العراف المنجم أو الحازي الذي يدعي علم الغيب وقد استأثر الله تعالى به، وقال الخطابي وغيره: العراف هو الذي يتعاطى معرفة مكان المسروق ومكان الضالة ونحوهما. [4] أخرجه أحمد في المسند برقم (9536)، وصححه الألباني في السلسلة الصحيحة برقم (3387). [5] أخرجه مسلم في صحيحه برقم (2230)، وأخرجه غيره. [6] أخرجه أحمد في المسند برقم (8028)، والترمذي في جامعه برقم (2378)، وأبو داود في سننه برقم (4833)، والحاكم في المستدرك وصحَّحه برقم (7320)، والبيهقي في الشعب برقم (8990) وحسَّنه شعيب الأرنؤوط في تحقيق المسند. [7] التمائم: جمع تميمة، شيء يعلق على الأولاد من خرز أو غيره؛ يتقون به العين، وسميت تميمة; لأنهم يرون أنه يتم بها دفع العين، والحديث أخرجه أحمد في المسند برقم (17422)، وصححه الألباني في السلسلة الصحيحة برقم (492). [8] أخرجه البخاري في صحيحه برقم (3293)، ومسلم في صحيحه برقم (2691). [9] أخرجه مسلم في صحيحه برقم (2708). [10] أخرجه أحمد في المسند برقم (474)، والترمذي في جامعه برقم (3388)، والنسائي في السنن الكبرى برقم (10106)، [11] أخرجه البخاري في صحيحه برقم (3293)، ومسلم في صحيحه برقم (2691). [12] أخرجه مسلم في صحيحه برقم (1718). [13] أخرجه مسلم في صحيحه برقم (82). [14] أخرجه البخاري في صحيحه برقم (2679)، ومسلم في صحيحه برقم (1646). [15] أخرجه الترمذي في جامعه برقم (1535)، وقال: "هذا حديث حسن"، والحاكم في المستدرك وصححه برقم (7814)، والبيهقي في السنن الكبرى برقم (19829) 10/ 51، وصححه ابن الملقن في البدر المنير (9/ 460)، والألباني في الإرواء (8/ 189). [16] أخرجه البخاري في صحيحه برقم (1838). [17] أخرجه البخاري في صحيحه برقم (1838).



شارك الخبر

مشكاة أسفل ١