أرشيف المقالات

أشياء مجربة ومشاهدة

مدة قراءة المادة : 19 دقائق .
2أشياء مُجربة ومشاهدة
الحمد لله رب العالمين، والصلاة والسلام على أشرف الأنبياء والمرسلين، نبينا محمد وعلى آله وصحبه أجمعين، أما بعد: فالإنسان الذي يستفيد من التجارب إنسان حكيم؛ قال معاوية رضي الله عنه: "لا حكيم إلا ذو تجربة"، قال العلامة ابن عثيمين رحمه الله: معناه: من كان عنده تجارب فهو أقرب للحكمة ممن ليس عنده تجارب، والعامة يقولون: كل مُجرِّب خيرٌ من طبيب، فالإنسان مع التجارب يكون له ملكة في معرفة الأمور وفي نتائجها وثمراتها المرتقبة، بخلاف الإنسان الذي لم يجرب؛ ولهذا قال الرسول صلى الله عليه وسلم: ((لا يُلدغُ المؤمن من جُحرٍ مرتين))؛ لأنه جرب وعرف أن هذا الجُحر فيه حية تلدغ، فلن يعود إليه مرة أخرى، بخلاف الجاهل، فقد يدخل يده في الجحر فتلدغه الحية.

والإنسان الحكيم صاحب التجارب، ينبغي لكل إنسان أن يستفيد من تجاربه ومُشاهداته، والشيخ العلامة محمد بن صالح العثيمين رحمه الله، له تجارب ومشاهدات، سبق أن ذكرت شيئًا منها في مقال سابق بعنوان: "فوائد من مصنفات العلامة ابن عثيمين: من تجارب الشيخ".
وحيث وقفتُ على تجارب ومشاهدات جديدة للشيخ في عددٍ من مصنفاته، يسَّر الله لي فجمعتُ شيئًا منها، أسأل الله الكريم أن ينفع بها، ويبارك فيها.
حلق تحفيظ القرآن والحلقات العلمية لها أثر كبير في أخلاق الطالب وتحصيله: قال الشيخ رحمه الله: لا شك أن الالتحاق بجماعات تحفيظ القرآن، له أثر كبير بالنسبة لأخلاق الطالب، وأثر كبير بالنسبة لتحصيله؛ ولهذا لو سألنا أساتذة هؤلاء الطلبة، لقالوا: إنهم أحسن من الطلبة الآخرين الذين لم يلتحقوا بهذه الحِلَقِ، وهذا شيء مجرب مشاهد، خلافًا لما يظنه بعض الناس أنه إذا التحق بهذه الحلق أخذ من أوقاتهم الشيء الكثير الذي يمنعهم عن دروسهم النظامية، فإن هذا في الحقيقة وهْمٌ كبير لا حقيقة له.   واسألوا المدرسين عن هؤلاء الطلبة الذين التحقوا بجماعات تحفيظ القرآن الكريم، أو من فوقهم ممن التحقوا بالحلقاتِ العلمية، هل نقصهم ذلك؟ أبدًا، بل زادهم خيرًا وحفظًا لكتاب الله، وسوف يحمدون العاقبة في المستقبل. كلما تأمل الإنسان كتاب الله اتضح له من المعاني ما لم يكن يعرفها من قبل: قال الشيخ رحمه الله: إني أحثُّ الشباب خاصة، وغيرهم أيضًا على فهم كتاب الله، لا على أن يقرؤوه تعبُّدًا بتلاوته فقط، إن الله يقول في كتابه: ﴿ كِتَابٌ أَنْزَلْنَاهُ إِلَيْكَ مُبَارَكٌ لِيَدَّبَّرُوا آيَاتِهِ وَلِيَتَذَكَّرَ أُولُو الْأَلْبَابِ ﴾ [ص: 29]، فلا بد من التدبُّر، والتدبر هو تفهُّم المعنى، ﴿ وَلِيَتَذَكَّرَ أُولُو الْأَلْبَابِ ﴾ يتعظوا به.   فإذا كنا نحرصُ على شرح الأحاديث الواردة عن النبي صلى الله عليه وسلم، فلماذا لا نحرصُ على تفسير كلام الله؟! فهذا أولى وأعظمُ، والإنسان - سُبحان الله اسأل مُجربًا - كلما تأمَّل كتاب الله اتضح له من المعاني ما لم يكن يعرفها من قبلُ ﴿ فَمَنِ اتَّبَعَ هُدَايَ فَلَا يَضِلُّ وَلَا يَشْقَى ﴾ [طه: 123]، وجرِّب تجد.
سورتا الفلق والناس لا يوجد أحسن منهما لرفع السحر لمن وفق للإيمان واليقين: قال الشيخ رحمه الله: السورتان: الفلق والناس، نزلتا لنُشرة النبي صلى الله عليه وسلم من السحر الذي سحره به أحد الناس، والنبي عليه الصلاة والسلام سُحِرَ، ورُقي بهاتين السورتين، وما تعوذ مُتعوذ بمثلهما، ولا أحسن منهما لرفع السحر؛ لكن بشرط أن يكون هناك صدق من قارئهما وقابلهما - أي: المقروء عليه - فإن كان في القارئ أو المقروء عليه شك، فإن ذلك لا ينفع؛ لكن إذا كان هناك قوة ويقين، فإنه بإذن الله ينفع، ولا أنفع منهما، وهذا شيء مجرب لمن وفق للإيمان واليقين، وصار المحل قابلًا، وهو المقروء عليه.   قراءة القرآن في إناء وشربه مجرب نافع: قال الشيخ رحمه الله: الأمراض قد تُشفى بقراءة القرآن، وهذا أمر واقع شهدت به السنة، وجرت عليه التجارب، وما ذكره السائل من كتابة بعض الآيات التي فيها الاستعاذة والاستجارة بالله عز وجل، بأن توضع في ماء وتشرب، فهذه قد جاء عن السلف الصالح، وهو مجرب نافع، يرقى بالفاتحة، بآية الكرسي، بالآيتين الأخيرتين في سورة البقرة، ﴿ قُلْ أَعُوذُ بِرَبِّ الْفَلَقِ ﴾ [الفلق: 1] ﴿ قُلْ أَعُوذُ بِرَبِّ النَّاسِ ﴾ [الناس: 1].   التداوي بالرقية يشمل كل الأمراض: قال الشيخ رحمه الله: فإن قيل: وهل التداوي بالرُّقى يشمل كل الأمراض؟ فالجواب: نعم، حتى الجروح، فإن التي تُسمى (القوبة) أو (النملة) وهي أمراض جلدية، كأنها النملة تمشي على الجلد، تحك الإنسان بشدة، وتنفر، وتكون فيها حُبيبات حمراء، وربما تكون جوانبها فيها صفرة، وهي تُؤذي الإنسان.   فهذه ينفع فيها أن تكتب عليها قوله تعالى: ﴿ فَأَصَابَهَا إِعْصَارٌ فِيهِ نَارٌ فَاحْتَرَقَتْ ﴾ [البقرة: 266]، ولا يمضي أسبوع أو أسبوعان إلا وقد جفت وذهبت، وهذا شيء مُجرب، وقد جربتها أنا.
فإن قال قائل: كيف يكتبها وهو سوف يدخل الخلاء.   قلنا: هذا لا يضرُّ؛ لأنها آية على عضو، وليست قرآنًا، وهذا كما يكون مع الإنسان أحيانًا كتاب أو نقود.   على التلاميذ أن يكون أمام المعلم بمنزلة العطشان أمام الساقي حتى ينتفعوا: قال الشيخ رحمه الله: على التلاميذ أن يُحسنوا معاملة المعلم، فيكونون أمامه بمنزلة المتلقِّي الذي يقبل ما يُعطى له؛ كالعطشان أمام الساقي، أو الجائع أمام المُطعِمِ، بمعنى: أن يشعر التلميذُ أنه بحاجة إلى تعليم المدرس حتى يقبله وينتفع به، أما إذا كان أمامه وهو يرى أنه مثله، أو أحسن منه، أو أن المعلم ناقص، فإنه لن ينتفع منه، لا يمكن أن تنتفع من المعلم إلا حيثُ تجعل نفسك بمنزلة العطشان بين يدي الساقي، وإلا فلن تنتفع، وهذا شيء مُجرَّب.
العلم لا يأتي إلا بالتعلُّم الجاد: قال الشيخ رحمه الله: قال البخاري رحمه الله: "وإنما العلم بالتعلُّم"؛ أي: ما العلم إلا بالتعلُّم، فليس العلم يأتي هكذا هدية للإنسان كأنه طبق طعام؛ بل هو بالتعلُّم، وأيضًا بالتعلُّم الجاد لا بالتعلُّم المتقطع، ولا بالتعلُّم المتماوت، ويُقال: "اجعل كلك للعلم يأتك بعضه، وإن جعلت بعضك للعلم فاتك العلم كله"، فلا بد من التفرُّغ التام للعلم والاجتهاد التام والمذاكرة والمناقشة؛ لأن المذاكرة تحفظ العلم، والمناقشة تفتح فهم الإنسان حتى يستطيع أن يعرف الأدلة، ويستنتج الأحكام منها، ويعرف كيف يتخلَّص من الأشياء المتشابهة والمتعارضة، وهذا أمر مُجرب.
العالم الرباني من جمع بين العلم والتربية: قال الشيخ رحمه الله: الربانيُّون هم الذين جمعوا بين العلم والتربية، وأنه مأخوذ من التربية؛ قال الله تعالى: ﴿ وَلَكِنْ كُونُوا رَبَّانِيِّينَ بِمَا كُنْتُمْ تُعَلِّمُونَ الْكِتَابَ وَبِمَا كُنْتُمْ تَدْرُسُونَ ﴾ [آل عمران: 79]؛ لأن من العلماء من يُعلم ولا يُربي، وهذا وإن كان فيه خير؛ لكن العالم هو الذي يُعلِّم ويُربِّي بقوله وتوجيهه وإرشاده، ويُربِّي أيضًا بفعله وسلوكه، وكم من طالب تأثر بشيخه في سلوكه أكثر مما لو أملى عليه الكلام أيامًا! وهذا شيء مشاهد مُجرَّب.
النصيحة باللطف والإقناع أنفع بكثير من العنف: قال الشيخ رحمه الله: نحن قد جربنا وسمعنا من جرب أن النصيحة باللطف والإقناع أنفع بكثير من العنف، وهذا مصداق قول الرسول عليه الصلاة والسلام: ((إن الله رفيق يُحبُّ الرفق، ويعطي على الرفق ما لا يعطي على العنف، وما لا يعطي على ما سواه))، فعليكم بالرفق في الأمور؛ فإن الرفق كله خير.   الشاب لين طري رجوعه سهل: قال الشيخ رحمه الله: هؤلاء الذين يذهبون إلى قبور الذين يزعمون أنهم أولياء يدعُونهم ويستغيثون بهم، يجب على أهل العلم إذا رأوا مثل هؤلاء العوام، أن ينصحوهم برفقٍ ولينٍ وبيانٍ، وسوف يتبعونكم إلا من شاب على ذلك، فالكبار صعب رجوعهم إلا بإذن الله عز وجل، لكن الشباب رُجُوعهم سهل، والشباب لين طري، يرجع بسرعة، فبمجرد ما تقول له: هذا غير صحيح، ويدخل عقله، يرجع، وهذا شيء مُجرَّب.
الشفقة على الصبي الصغير لها أثرها في لين القلب: قال الشيخ رحمه الله: كانت أُمامةُ بنتُ زينب، ابنةُ أبي العاص طفلة، كانت معه وهو يُصلي بالناس، إمامُ الأئمة محمد رسول صلى الله عليه وعلى آله وسلم، يصلي بالناس وهو يحمل أُمامة إذا قام، وإذا سجد وضعها على الأرض، وإذا قام أخذها، فهل أحد منكم يفعل هذا؟! فعل الرسول ذلك ليكون أُسوة لأُمته برحمة هؤلاء الأطفال.   إذن: ارحموا من في الأرض يرحمكم من في السماء، وجرب تجد، فإذا أشفقت على الصبي الصغير، ورحمته وقبلته وحملته وجعلته يضحك، تجد في قلبك لينًا ومحبةً للضعفاء.   التبسُّم سبب لانشراح الصدر، وانطلاق النفس، وعدم الكآبة والحزن: قال الشيخ رحمه الله: كان صلى الله عليه وسلم مما وُصِف به أنه كثير التبسُّم، دائم البشر، عليه الصلاة والسلام، فالتبسُّم يدلُّ على الرضا وانشراح الصدر، وهو أيضًا سبب لانشراح الصدر، وانطلاق النفس، وعدم الكآبة والحزن، وجرِّب تجد.
مشاهدة العين للإنسان وهو يتكلم تُعطي قوَّةً في الاستماع والفهم والوعي: قال الشيخ رحمه الله: استماع الإنسان للمتكلم مع رؤيته إياه أبلغ مما إذا سمعه من دون رؤيته؛ ولهذا قال العلماء رحمهم الله: لا ينبغي أن يكون بين الإمام والمأمومين فاصل يحجبهم عن رؤيته، وهذا شيء مُجرب، حيث تسمع الخطيب في الخطبة وأنت تشاهده، فيهُزُّ مشاعرك، وتتأثر به، وإذا سمعته في شريط تسجيل لم يكن عندك ذاك التأثر؛ لأن مشاهدة العين للإنسان وهو يتكلم تعطي الإنسان قوَّةً في الاستماع والفهم والوعي.   من أزال ما في قلبه من حقد عاش في راحة وطمأنينة وانشراح صدر وسرور قلب: قال الشيخ رحمه الله: الشيطان هو الذي يوقد نار العداوة والشحناء بين المؤمنين؛ لأنه يحزن أن يرى المسلمين متآلفين متحابِّين، ويفرح إذا رآهم متفرقين والعداوة والشحناء بينهم.
فعليك أن تجاهد نفسك ولو أهنتها في الظاهر، فإنك تعزها في الحقيقة؛ لأن من تواضع لله رفعه، وما زاد الله عبدًا بعفو إلا عزًّا.

وجرب تجد أنت إذا عفوت، وأصلحت ما بينك وبين إخوانك، تجد أنت تعيش في راحة وطمأنينة وانشراح صدر وسرور قلب، لكن إذا كان في قلبك حقد عليهم أو عداوة فإنك تجد نفسك في غاية ما يكون من الغم والهم.

أول النهار خيره وبركته: قال الشيخ رحمه الله: أول النهار لا شكَّ أنه خيرهُ وبركته، وهذا شيء مشاهد.
من طبق الهدي النبوي في الأكل والشرب سلم من داء البطنة: قال الشيخ رحمه الله: قوله صلى الله عليه وسلم: ((حسب ابن آدم لُقيمات يُقمن صُلبه))؛ يعني: حسبه من الأكل والشرب لُقيمات يُقمن صُلبه ((فإن كان لا محالة))؛ يعني: لا بد أن يأكل ((فثُلُث لطعامه، وثُلُث لشرابه، وثُلُث لنفسه))، ولو أنا طبقنا هذا ما أصابنا مرض من داء البطنة.
إن الرسول صلى الله عليه وسلم جاء بطب الأبدان والقلوب، وإذا أردت العافية فهذا من أسبابها، وجرب تَجِد، فجرِّب في يوم من الأيام عند الغداء ألَّا تملأ بطنك، وانظر كيف يأتي العشاء، وأنت مُشتهيه حقيقةً، وستجد أن البدن والأمعاء ما تعبت في تصريف هذا الطعام.
آكل الربا ومُوكله خاسران في دينهما ودنياهما: قال رحمه الله: آكل الربا ومُوكِّله خاسران في دينهما ودنياهما، أما آكل الربا، فإنك إذا تأملت وجدت الذين يأكلون الربا يُصابون بالفقر: إما الفقر الحسي أو الفقر المعنوي؛ فأما الفقر الحسي فإن الله عز وجل يمحق ماله فتأتيه آفات، أو يبيعون على أناس يُفلسون وتضيع أموالهم، وأما الفقر المعنوي فحيث لا تشبع قلوبهم من الدنيا فعندهم الأموال المكدسة؛ ولكن قلوبهم قفر من الغنى، وهذا فقر أشدُّ من الفقر الحسي فإن الفقير فقرًا حسيًّا مستريحُ القلب؛ لكن هذا غير مستريح القلب، أما مُوكل الربا، فإنه خسران أيضًا في الدنيا؛ لأن الغالب أن الذي يستمرئ الربا، ويستهين به، الغالب أنه إذا حل عليه الدين وليس عنده شيء ذهب يأخذ دينًا آخر بالربا، ثم تتراكم عليه الديون حتى تمحق ماله، وهذا شيء مُجرب ومشاهد.
المتيم بالدنيا من أقل الناس حظًّا فيها: قال العلامة ابن القيم رحمه الله في الميمية: وأَعجبُ من ذا أن أحبابها الأُلى *** تُـهينُ وللأعدا تُراعي وتُكرمُ   قال الشيخ رحمه الله: وهذا هو المشكل، أحيانًا يكون المتيم بها المحب من أقل الناس حظًّا فيها، تجده لا ينام الليل من طلب الحياة الدنيا، دائمًا شاغل في فكره وعقله وقوله وفعله، ولا يستريح ومع ذلك هو أقل الناس حظًّا منها، وهذا شيء مجرب، وهذا هو العجب كيف تجعل أكبر همك، ومبلغ علمك هذه الحياة الدنيا التي أنت فيها من أشقى عباد الله؟   من حاسب على كل دقيق وجليل تعب، ومن أخذ بالعفو استراح: قال الشيخ رحمه الله: قوله: الله تعالى: ﴿ وَالْعَافِينَ عَنِ النَّاسِ ﴾ [آل عمران: 134]؛ أي: العافين عن الناس تقصيرهم نحوهم؛ لأن الناس قد لا يعاملونك بالحسنى، فقد يعاملونك بالسوء، فالعفو عنهم لا شكَّ أنه خير، والإنسان إذا فعل ذلك صار ممتثلًا لقوله تعالى: ﴿ خُذِ الْعَفْوَ وَأْمُرْ بِالْعُرْفِ وَأَعْرِضْ عَنِ الْجَاهِلِينَ ﴾ [الأعراف: 199]، فإذا أخذ من الناس ما عفا وسهَّل، وتغاضى عن الأمور، ولم يحاسب الناس على كل دقيق وجليل، فكل هذا كما هو محمود شرعًا، فهر مريح طبعًا، أما الإنسان الذي يؤاخذ الناس بكل شيءٍ، وإذا تكلم أحد أخذه بأسوأ الاحتمالين، فهذا يتعب ويُتعب غيره، وجرب تجد، لا سيما في الأهل أو الزوجات مثلًا، فإن أردت أن تحاسب على كل دقيق وجليل تعبت، وإن أخذت بالعفو استرحت.   أكثر الناس شُحًّا وإمساكًا هم الذين يتلقون ما يسمونه بالأرباح على وجه المُحرم: وقال رحمه الله: ليعلم أن ما حصل من زيادة من الرِّبا فإنه في الحقيقة نقص: نقص في دين العبد ونقص في بركة مال العبد، وإثم وعقوبة على العبد، أما كونه نقصًا في دينه؛ فلأن المعاصي تنقص الإيمان وتخرقه، وربما تمزِّقه أشلاء، فإن المعاصي ولا سيما الكبائر؛ كأكل الربا بريد الكفر، كما قال ذلك أهل العلم؛ لأن المعصية تؤثر في القلب، فإذا جاءت الأخرى زاد التأثير، وهكذا حتى يُطبع على القلب، فلا يصل إليه الخير، ولا سيما كبائر الذنوب كالربا، وأما كونه نقصًا في مال العبد؛ فلأن الكسب الحرام، وإن زاد المال كمِّية به، فإنه ينقص كيفية، تنزع منه البركة، ويلقى في قلب صاحبه الشُّح، حتى لا ينتفع بماله والعياذ بالله؛ فيخلفه إلى من بعده، ويكون عليه غُرمه، ولغيره غُنمه، وهذا مُشاهد؛ ولهذا تجد أكثر الناس شُحًّا وإمساكًا هم الذين يتلقون ما يسمونه بالأرباح على وجه المُحرم، واستمع إلى قول الله تعالى: ﴿ وَمَا آتَيْتُمْ مِنْ رِبًا لِيَرْبُوَ فِي أَمْوَالِ النَّاسِ فَلَا يَرْبُو عِنْدَ اللَّهِ ﴾ [الروم: 39].   البليد أدلُّ في الأمور المحسوسة من الذكي، والذكي أدلُّ في الأمور المعقولة من البليد: قال الشيخ رحمه الله: الحمار من أبلد ما يكون من الحيوانات؛ ولهذا يقولون: من أَدَلِّ الحيوانات؛ لأنه أبلد الحيوانات، فهو يحفظ طريقه ولا يختلف عليه؛ لأنه بليد فليس عنده تفكير يشغل فكره حتى يضلَّ الطريق، والذكي تجد فكره وذهنه دائمًا مشغولين؛ ولذلك ربما يمُرُّ بالطريق عدة مرات، ولا يثبت بباله، وهذه حكمة غريبة أن يكون البليد أدلَّ في الأمور المحسوسة من الذكي، والذكي أدلَّ في الأمور المعقولة من البليد وهذا شيء مشاهد.
من عمل عملًا صالحًا مُخلصًا لله به حَبَّب الله إليه العمل حتى يزيد في العمل: قال الشيخ رحمه الله: قوله تعالى: ﴿ وَيَزِيدُهُمْ مِنْ فَضْلِهِ ﴾ [النساء: 173] يشمل الفضل في الدنيا والآخرة، أما في الدنيا فإن الإنسان إذا عمل العمل الصالح مُخلصًا لله به حبب الله إليه العمل حتى يزيد في العمل، وهذا شيء مشاهد، كذلك إذا أعطى وأنفق زاده الله من فضله؛ قال الله تعالى: ﴿ وَمَا أَنْفَقْتُمْ مِنْ شَيْءٍ فَهُوَ يُخْلِفُهُ ﴾ [سبأ: 39]؛ أي: يأتي بخلفه.
من كثُر كلامُه كثُر سقطُه: عن حفص بن عاصم رضي الله عنه قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: ((كفى بالمرء كذبًا أن يُحدث بكُلِّ ما سمع))، قال الشيخ رحمه الله: مراد الرسول عليه الصلاة والسلام أن يحدِّث بكل ما سمع بغير تثبُّت؛ ولهذا قال: ((بكُلِّ ما سمِع))، وصدق الرسول عليه الصلاة والسلام، فكون الإنسان مهذارًا، وكل ما سمع شيئًا تحدَّث به، فإنه تكثرُ عثراته؛ ولهذا قيل: من كثر كلامه كثُر سقطُه، وهذا شيء مجرب ومشاهد.   كتاب الشيخ التي تم الرجوع إليها: ♦ تفسير سورة فاطر.

♦ التعليق على صحيح البخاري.
♦ التعليق على صحيح مسلم.

♦ التعليق على المنتقى من أخبار المصطفى صلى الله عليه وسلم.

♦ الشرح الممتع على زاد المستقنع.

♦ لقاءات الباب المفتوح.

♦ اللقاءات الشهرية.

♦ فتاوى نور على الدرب.

♦ دروس وفتاوى من الحرمين الشريفين.

♦ التعليق على ميمية ابن القيم.




شارك الخبر

مشكاة أسفل ٢