أرشيف المقالات

الصلاة في ثوب واحد

مدة قراءة المادة : 9 دقائق .
2الصلاةُ في ثوبٍ واحد
عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ رضي الله عنه، أَنَّ سَائِلًا سَأَلَ رَسُولَ اللهِ صلى الله عليه وسلم عَنِ الصَّلاةِ فِي الثَّوْبِ الْوَاحِدِ؟ فَقَالَ: ((أَوَلِكُلِّكُمْ ثَوْبَانِ؟)).   وعَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ رضي الله عنه، أَنَّ رَسُولَ اللهِ صلى الله عليه وسلم، قَالَ: ((لا يُصَلِّي أَحَدُكُمْ فِي الثَّوْبِ الْواحِدِ، لَيْسَ عَلَى عَاتِقَيْهِ مِنْهُ شَيْءٌ)).   وعن عُمَرَ بْنَ أَبِي سَلَمَةَ رضي الله عنه، قَالَ: رَأَيْتُ رَسُولَ اللهِ صلى الله عليه وسلم يُصَلِّي فِي ثَوْبٍ وَاحِدٍ مُشْتَمِلًا بِهِ، فِي بَيْتِ أُمِّ سَلَمَةَ، وَاضِعًا طَرَفَيْهِ عَلَى عَاتِقَيْهِ.   ومثله عن جابر بن عبدالله رضي الله عنه، ولمسلم أيضًا عن أبي سعيد رضي الله عنه بنحوه وزاد: فَرَأَيْتُهُ يُصَلِّي عَلَى حَصِيرٍ يَسْجُدُ عَلَيْهِ.   ترجمة رواة الأحاديث: تقدمت ترجمة رواة الأحاديث ما عدا عمر بن أبي سلمة رضي الله عنه: هو عمر بن أبي سلمة بن عبد الأسد القرشي المخزومي، واسم أبيه: عبدالله، وهو من السابقين إلى الإسلام، ولد عمر قبل الهجرة بسنتين على الصحيح، وأمُّه: أمُّ سلمة زوج النبي صلى الله عليه وسلم، فهو ربيب النبي صلى الله عليه وسلم، وتربَّى في حجره، وهو من صغار الصحابة رضي الله عنهم، وروى عن النبي صلى الله عليه وسلم أحاديث في الصحيحين وغيرهما عن أبيه، ولي البحرين زمن علي رضي الله عنه، ومات بالمدينة سنة ثلاث وثمانين رضي الله عنه وأرضاه؛ [انظر: الاستيعاب (8/274)، والإصابة (7/77)، وفتح الباري (9/521)].   تخريج الأحاديث: حديث أبي هريرة رضي الله عنه: ((أَوَلِكُلِّكُمْ ثَوْبَانِ)) أخرجه مسلم (515)، وأخرجه البخاري في "كتاب: الصلاة" "باب: الصلاة في الثوب الواحد ملتحفًا"، حديث (358)، وأخرجه أبو داود في "كتاب: الصلاة" "باب: جماع أبواب ما يصلي فيه" حديث (625)، وأخرجه النسائي في "كتاب: القبلة" "باب: الصلاة في الثوب الواحد"، حديث (762).   وأما حديث أبي هريرة رضي الله عنه: ((لا يُصَلِّي أَحَدُكُمْ فِي الثَّوْبِ الْواحِدِ))، فأخرجه مسلم (516)، وأخرجه البخاري في "كتاب: الصلاة" "باب: ما جاء في الثوب الواحد، فليجعل على عاتقيه" حديث (359)، وأخرجه أبو داود في "كتاب: الصلاة" "باب: جماع أبواب ما يصلي فيه"، حديث (626)، وأخرجه النسائي في "كتاب: القبلة" "باب: صلاة الرجل في الثوب الواحد ليس على عاتقه منه شيء"، حديث (768).   وأما حديث عمر بن أبي سلمة رضي الله عنه، فأخرجه مسلم (517)، وأخرجه البخاري في "كتاب: الصلاة" "باب: الصلاة في الثوب الواحد ملتحفًا به"، حديث (354)، وأخرجه الترمذي في " كتاب: الصلاة" "باب: ما جاء في الثوب الواحد"، حديث (339)، وأخرجه النسائي في "كتاب: القبلة" "باب: الصلاة في الثوب الواحد"، حديث (763)، وأخرجه ابن ماجه في "كتاب: إقامة الصلاة والسنة فيها" "باب: الصلاة في الثوب الواحد"، حديث (1049).   وبنحو حديث عمر بن أبي سلمة رضي الله عنه حديث جابر أخرجه مسلم (518)، وأخرجه البخاري في "كتاب: الصلاة" "باب: عقد الإزار على القفا في الصلاة"، حديث (353).   وأما حديث أبي سعيد رضي الله عنه فأخرجه مسلم (519)، وانفرد به عن البخاري، وأخرجه الترمذي في "كتاب: الصلاة" "باب: ما جاء في الصلاة على الحصير"، حديث (332)، وأخرجه ابن ماجه في "كتاب: إقامة الصلاة والسنة فيها" "باب: الصلاة على الخمرة"، حديث (1029).   شرح ألفاظ الأحاديث: ((أَوَلِكُلِّكُمْ ثَوْبَانِ؟)): همزة الاستفهام بعدها واو معطوفة على محذوف، والاستفهام إنكاري بمعنى النفي، والتقدير: أأنتم قادرون ولكلكم ثوبان؟ أي: لستم قادرين وليس لكل منكم ثوبان.   "لَيْسَ عَلَى عَاتِقَيْهِ مِنْهُ شَيْءٌ": مثنى عاتق، والعاتق: هو ما بين المنكبين إلى أصل العنق. "مُشْتَمِلًا بِهِ": وفي رواية أخرى: "متوشِّحًا به"، وفي رواية: "قد خالف بين طرفيه".   قال النووي رحمه الله: "المشتمل والمتوشِّح والمخالف بين طرفيه معناها واحد هنا؛ قال ابن السكِّيت: التوشُّح: أن يأخذ طرف الثوب الذي ألقاه على منكبه الأيمن من تحت يده اليسرى، ويأخذ طرفه الذي ألقاه على الأيسر من تحت اليُمنى، ثم يعقدها على صدره"؛ [انظر: شرح مسلم؛ للنووي (4/456)].   من فوائد الأحاديث: الفائدة الأولى: الأحاديث دليل على جواز الصلاة بثوب واحد، وكان سؤال الصحابة للنبي صلى الله عليه وسلم عن ذلك بسبب ما كانوا عليه من الحاجة، فكان كثيرٌ منهم يتحرَّج من الصلاة بثوب واحد؛ خوفًا أن يكشف العورة، سألوا وكانوا لا يملكون إلا ثوبًا واحدًا، فأجابهم النبي صلى الله عليه وسلم بأنكم لستم قادرين على ثوبين، وأنه يجوز الثوب الواحد؛ قال ابن رشد: "اتفقوا على أنه يجزئ الرجل من اللباس في الصلاة الثوب الواحد"؛ [بداية المجتهد (1/286)].   الفائدة الثانية: الأحاديث دليلٌ على النهي عن الصلاة مكشوف العاتقين، وأن على من وجد ثوبًا واسعًا أن يشتمل بأن يضع طرفيه على عاتقيه ليغطيهما كما فعل النبي صلى الله عليه وسلم، وإن كان ضيقًا يجعله إزارًا؛ ليغطي العورة فهي أولى، وجاء هذا المعنى في الصحيحين من حديث جابر رضي الله عنه، قال النبي صلى الله عليه وسلم: ((إن كان الثوب واسعًا، فالتحف به، وإن كان ضيِّقًا فاتزر به))، واختُلف في النهي عن كشف العاتقين على قولين: القول الأول: وجوب ستر العاتقين للقادر، وهو قول الإمام أحمد وابن المنذر واختاره ابن باز.   واستدلوا: بحديث أبي هريرة رضي الله عنه في الباب: "لا يصلي في الثوب الواحد ليس على عاتقيه منه شيء"، والنهي يقتضي التحريم.   والقول الثاني: لا يجب ستر العاتقين؛ وإنما هو للاستحباب، والنهي للكراهة، وهذا قول مالك والشافعي وأصحاب الرأي، وعزاه النووي للجمهور؛ [انظر: المجموع (3/175)]، واختاره شيخنا العثيمين رحمه الله؛ [انظر: تعليقه على مسلم (3/306)].   واستدلوا: بحديث جابر رضي الله عنه في الباب، وأن النبي صلى الله عليه وسلم صلَّى في ثوب واحد، وحديث أبي هريرة رضي الله عنه في الباب، وقول النبي صلى الله عليه وسلم: ((أَوَلِكُلِّكُمْ ثَوْبَانِ؟))، وقالوا: إن المنكبين ليسا عورة، فكيف نقول بوجوب سترهما، وهذا القول هو الأظهر، وينبغي ألا يتهاون المستطيع أن يسترهما؛ لقوة الخلاف وصراحة النهي، فينبغي التنبُّه، لا سيَّما ما اعتاده بعض الناس صيفًا من لبس (الفانلة) ذات الحبل اليسير على الكتف بلا رداء فوقها، وكذلك بعض المحرمين في الحج والعمرة.   الفائدة الثالثة: في الحديث إشارة إلى الحث على أخذ الزينة في الصلاة، ولبس أحسن الثياب وعدم الاكتفاء بالثوب الواحد؛ ولقوله تعالى: ﴿ يَا بَنِي آدَمَ خُذُوا زِينَتَكُمْ عِنْدَ كُلِّ مَسْجِدٍ ﴾ [الأعراف: 31]؛ أي: كل صلاة.   مستلة من إبهاج المسلم بشرح صحيح مسلم (كتاب الصلاة)



شارك الخبر

ساهم - قرآن ١