أرشيف المقالات

يوم التناد

مدة قراءة المادة : 16 دقائق .
يوم التناد

من القدرات الذهنية التي يمتلكُها الإنسان: القابلية على التخيل، والتي بها يتمكن من الاعتقاد بعالم الغيب، وموضوعنا اليوم يستند عليها.
 
يومُ القيامة له مسميات كثيرة وردت في القرآن الكريم، منها: الصاخة، التغابن، الورود، التناد، وغيرها الكثير.
 
والذي سنتحدث عنه يوم التناد، ما معنى التناد؟
﴿ يَا قَوْمِ إِنِّي أَخَافُ عَلَيْكُمْ يَوْمَ التَّنَادِ * يَوْمَ تُوَلُّونَ مُدْبِرِينَ مَا لَكُمْ مِنَ اللَّهِ مِنْ عَاصِمٍ ﴾ [غافر: 32، 33].
 
تصوّر نفسك في يوم القيامة، تخيل أنك في عرَصات يوم القيامة، ركِّز خيالك بشدة، حاول أن تكون صورة في خيالك لذلك اليوم، الخلائق مصفوفة صفًّا صفًّا للحساب، البعض ينادي على بعض، أناس تبحث وتنادي على ذرياتهم، أب ينادي على ولده، زوجة تنادي على زوجها، ملائكة هنا وهناك، تصرخ وتزمجر، آخرون ينادون على المذنبين، وشيطان يتبرأ من الكافرين، ورب ينادي على عباده، ركِّز وحاول أن تعيش هذه الأجواء، تمامًا وكأنك في يوم القيامة، وكأنك تسمع النار وهي تنادي على العصاة، والجنة وهي تنادي على المؤمنين، أهل النار يكلِّمون أهل الجنة، أهل النار يكلِّمون خَزَنة جهنم، يوم التناد، وأنبياء يسألهم اللهُ عن أقوامهم.
 
وأقوام يكلمون أنبياءهم، ونبي يكلِّم أمته يوم التناد، هل تشكلت صورة يوم التناد في مخيلتك أو بعدُ؟!
تخيل أن الصورة ابتدأت بأول نداء النفخة؛ ﴿ وَنُفِخَ فِي الصُّورِ فَصَعِقَ مَنْ فِي السَّمَاوَاتِ وَمَنْ فِي الْأَرْضِ إِلَّا مَنْ شَاءَ اللَّهُ ﴾ [الزمر:68].
 
هنا تذكر ما قاله رسول الله - صلى الله عليه وآله وسلم - عن النفخة: ((كيف أنعَم وصاحبُ القرن - الملك الموكل بالنفخة - قد التقم القَرن، وأصغى الأذن، وأحنى الجبهة، ينتظر متى يؤمر فينفخ)) يعني أن الساعة قد حانت، والمنظر أمامك، وقد نُفِخ في الصور.
 
ويجيء النداء من الله - سبحانه وتعالى -: يا مَلَك الموت، مَن بَقِي بعدُ؟ فيقول الملك: يا رب العزة، لم يبقَ إلا أنا وجبرائيل وميكائيل والمَلك الموكَّل بالنفخة الثانية، فيقول الله - تبارك وتعالى -: اقبض أرواحَهم، ثم يقول: من بَقِي؟ فيجيب ملك الموت: إلا أنا يا رب العزة، فيقول له: اقبض روحك، بعد ذلك ينادي - سبحانه وتعالى - حيث لا أحد غيره: لِمَن الملكُ اليوم؟ لله الواحد القهار؛ سبحانك يا رب.
 
ثم نفخ نفخة أخرى، فإذا الناس قيام للحساب أمام ربهم، القرين يبحث عن قرينه، والمؤمن الصالح يحتضن ذريته الصالحة، والكافر يفر من زوجه وبنيه خوف الفضيحة، الملائكة تظلل على المؤمنين: ﴿ لَا خَوْفٌ عَلَيْكُمْ وَلَا أَنْتُمْ تَحْزَنُونَ ﴾ [الأعراف: 49]، وملائكة تجر الكافر الفارَّ، وتسحبه سحبًا لوقفة الحساب.
 
وينادي - سبحانه وتعالى - العصاة الذين كانوا في الحياة الدنيا لا يَزَعُهم شيء، وكانوا يعيشون حياتهم على هواهم ﴿ أَفَرَأَيْتَ مَنِ اتَّخَذَ إِلَهَهُ هَوَاهُ وَأَضَلَّهُ اللَّهُ ﴾ [الجاثية: 23]، رشوة، خمور، زنا، كذب، غناء، فلم يترك معصية إلا أتى بها، ويناديهم رب العزة مرة أخرى: ﴿ مَاذَا أَجَبْتُمُ الْمُرْسَلِينَ ﴾ [القصص: 65]، كيف أجبتم رسولكم؟
 
الآن تصور نفسك وأنت في الحياة الدنيا، وأنت تسأل هذا السؤال، هل أقمت الصلاة وحافظت على أوقاتها؟ هل صمت بجوارحِك وجوانحك؟ هل عبدتَ الله مخلصًا؟ هل أَمَرت بالمعروف ونهيت عن المنكر؟ هل نهيتَ نفسك عن الفواحش والغيبة والنميمة والكذِب والنفاق والغناء؟ هل بررت والديك؟ و...و...
إلى آخره.
 
نعم، هذا امتحان تمهيدي لذلك الحساب الذي لا رجعة فيه!
 
تخيل أن كل هذا يحصل أمامك وأنت تشاهده، فهل أنت مستعد؟
 
بعدها يبدأ الله - سبحانه وتعالى - بمساءلة الأنبياء.
 
يا نوح، هل بلغت قومك؟ فيرد نوح: نعم يا إلهي، لقد بلغتهم، فينادي رب العزة قوم نوح: هل بلغكم نوح رسالاتي؟ فيجيبون: كلا يا رب، ما جاءنا من نذير، فيقول نوح: قد بلغت يا رب، كلها نداءات، ولهذا هو يوم التناد، تخيل أن كل هذا يحصل وأنت تراه، من يشهد لك يا نوح؟ فينادي نبينا محمد - صلى الله عليه وآله وسلم -: أنا وأمتي يا ربي نشهد، تصور أنت والنبي محمد - صلى الله عليه وآله وسلم - تشهَدون لنوح.
 
عندها ينادي عليك قوم نوح: وكيف تشهد وأنت لم تحضُر زماننا؟
 
فتجيبهم: جاءني القرآن فصدقته، والقرآن يصدِّق نبيَّكم!
 
تخيل وأنت تسمع هذا النداء، ﴿ مَاذَا أَجَبْتُمُ الْمُرْسَلِينَ ﴾ [القصص: 65]، تخيل وأنت تسمع هذا النداء، وأنت من أمة محمد - صلى الله عليه وآله وسلم - بماذا ستجيب؟ هذا ما سيحصل، ماذا أعددت جوابًا لهذا السؤال؟ نعم، هذا ما سيحصل في يوم التناد، وأنت ترى وتسمع، يا لفرحة المؤمن! فهو قد عاش حياته كلها ليجيب على هذا السؤال، ويا لخيبة الكافر! فهو مَن خجلته وافتضاحه مطأطئ الرأس، ينظر من طرف خفي، يشعر أن كل الخلائق تنظر إليه، ثم وسط هذا المنظر الرهيب، والقلوب عند الحناجر، ينادَى عليك للحساب، والخلائق كلها تنظر إليك، الأنظار كلها تتجه إليك، ويتجه صوبك ملكان: ﴿ وَجَاءَتْ كُلُّ نَفْسٍ مَعَهَا سَائِقٌ وَشَهِيدٌ ﴾ [ق: 21]، ويقدمانك للحساب أمام رب العالمين، وينشر كتابك، ويبدأ قرينك - الملَك الموكَّل بتسجيل كل صغيرة وكبيرة - وهو يقول: ﴿ هَذَا مَا لَدَيَّ عَتِيدٌ ﴾ [ق: 23]، لقد سجلت كل شيء فعله وقاله، وجميع ما هوت نفسه، أشياء كثيرة فعلتها، ولكنك نسيتها، وأخرى قمت بها ولم يَرَك أحد حين قمت بها في الحياة الدنيا، واليوم تجدها مسجلة عليك، نعم، فقَرينك كان يسجل كل صغيرة وكبيرة، وأنت غافل عنها: ﴿ مَالِ هَذَا الْكِتَابِ لَا يُغَادِرُ صَغِيرَةً وَلَا كَبِيرَةً ﴾ [الكهف: 49].
 
نظرة حرام سرقتها وأنت ماشٍ، كذبة كذبتها وبرَّرت فعلتها مع نفسك بأنها كذبة بيضاء، كلمة جارحة قلتها لوالديك، لُقمة حرام أكلتها واستصغرتها، غيبة اغتبت بها أخاك المؤمن من أجل لهو الحديث، و....و....
إلى أن ينتهي كتابك، ﴿ مَالِ هَذَا الْكِتَابِ ﴾ [الكهف: 49].
 
فرائصك ترتعد، العرق يتصبب منك، اللحظات تمر عليك وكأنها دهور، متى ينتهي هذا الحساب؟!

إلى أن يفرغ منك، ويشرع بحساب التالي، والخلائق مشفقون مرهوبون، لا مفر اليوم؛ فالكل سيحاسب، كل هذا وأنت تشاهده، وترى كيف أن الشيطان قد تبرأ من كل ما سول للإنسان؛ ﴿ رَبَّنَا مَا أَطْغَيْتُهُ ﴾ [ق: 27]، حتى جهنم تتدخل في النداء: ﴿ هَلِ امْتَلَأْتِ وَتَقُولُ هَلْ مِنْ مَزِيدٍ ﴾ [ق: 30].
 
فلان ابن فلان، هلم للحساب أمام الجبار، وأنت وسط هذه الخلائق، والملائكة تتقدم إليك أنت بالذات، وكأنها تعرفك دون الخلائق، اقرأ كتابك.
 
تخيل الموقف وأنت تشهد على نفسك، فأين المفر؟ فإن كنت ممن كان يحسب للقاء يومه هذا، فأنت مطمئن، فلن تقرأ إلا حسناتك، وأما المسيء الكافر، فلن يجد في كتابه سوى سيئاته، فلحم وجهه اليوم يتناثر من شدة الخجل والندم والفضيحة أمام الخلائق، هل استوعبت المنظر الرهيب ليوم الحساب؟ تخيل هذا كله لأن هذا ما سيحصل فعلاً يوم التناد!
 
ثم تسمع مناديًا ينادي، لِيَقُم المراؤون، فتقوم زمرة من الخلائق، لِيَقُم تاركو الصلاة، لِيَقُم الخائنون لأزواجهم، لِتَقُم الكاسيات العاريات، لِيَقُم العاقون، و...و...، وتخيل النداء الآخر: لِيَقُم الصائمون، ليقم المتصدقون، ليقم الآمرون بالمعروف، والناهون عن المنكر، ليقم البارُّون بآبائهم، ليقم الباكون من خشية الله، تخيل نفسك وأنت تتمنى أن تكون من ضمن هؤلاء وهؤلاء، وفي آخر المطاف تنقسم الخلائق إلى زُمَر وجوهُهم بيضاء ضاحكون مستبشرون، وزُمَر وجوههم سوداءُ كالِحة مُشفِقون خائفون، انتهى الأمر وها هم يساقون إلى جهنم، هل تتخيل هذا المنظر؟!

ويَلفت نظرك وأنت تراقب ما يجري يوم التناد زمرة تساق إلى الجنة من دون حساب، ويأتيك الجواب وأنت تسائل نفسك: من هؤلاء؟ أين هم الصابرون؟
الصابرون على البلاء، الصابرون الذين أوذوا في سبيل الله، الذين صبروا عندما أصابتهم مصيبة، الصابرون الذين صبروا على أذى أزواجهم في سبيل الله، الصابرون الذين صبروا على أذى الجيران، الصابرون الذين صبروا على مِحنة السقم والبلاء في سبيل الله، الصابرون..
الصابرون؛ ﴿ إِنَّمَا يُوَفَّى الصَّابِرُونَ أَجْرَهُمْ بِغَيْرِ حِسَابٍ ﴾ [الزمر: 10].
 
أين أهل الفضل؟ فيسألهم الناس: وما فضلكم؟ كنا نصبر إذا أصابتنا المصائب، أنت تتصفح في وجوه أهل الفضل، فترى امرأة فتعرفها، نعم، فهذه التي مات عنها زوجُها وصبرت، وهي تربِّي أولادها، وهذا الرجل الذي ظُلم من قِبل أهله وعشيرته وصبر، وذلك الذي فَقَد ابنه الوحيد وبقِي صابرًا على مصيبته، وتلك التي ظلمها زوجها وبقيت معه صابرة في سبيل الله، والكثير من الوجوه التي تراها كانت صابرة في سبيل الله، واليوم تجازى بالجنة من غير حساب، ليتفضل الصابرون إلى الجنة، ولينتظر الباقون.
 
فينبري أحد الخلائق وهو ينادي ربه: يا رب، خُذ مظلمتي من هذا فقد ظلمني، فيقول الله - سبحانه وتعالى -: أعطِه مظلمته، فيرد: لا أستطيع، فقد فَنِيت حسناتي، فيقول المظلوم: يا رب، خُذ من سيئاتي وضَعْها في ميزانه، فيجيبه الله: ألا ترضى بأحسنَ من هذا؟ انظر إلى فوق، فينظر المظلوم إلى الأعلى فيرى قصرًا جميلاً، فيسأل العبد: لِمن هذا يا رب؟ فيجيبه الله: لمن يملك الثمن، وما هو الثمن يا رب؟ فيقول الله: لمن يعفو عن أخيه، فيجيب العبد: لقد عفوت، لقد عفوت، فيقول له الله - تبارك وتعالى -: خُذ بيد أخيك وادخُلا الجنة، فهل أنت ممن يعفو؟
 
انتهى الحساب، وكل قد علِم مصيره؛ فقسم إلى الجنة، وآخرون إلى النار، الملائكة تهمُّ بسَوْق الزُّمَر إلى مصايرهم، وإذا بمنادٍ ينادي: إلهي، أمتي أمتي، هذا نبيُّ الرَّحمة، هذا محمد رسول الله وهو ينادي ربَّه ليشفّعه في أمته، فيجيبه الرحمن: يا حبيبي يا محمد، اشفَعْ تُشفَّعْ، فيأخذ الرسولُ - صلى الله عليه وسلم - بالشفاعة لأمتِه، فيشفع للكثير منهم، حتى لا يبقى إلا مَن لا تُرجى شفاعتُه له.
 
وعندما تنتهي شفاعةُ الشافعين تسُوق الملائكةُ الزُّمَر، أصحاب الجنة إلى الجنة، وأصحاب النار إلى النار، وقُضِي الأمر.
 
عند باب الجنة ينادِي منادٍ: يا أهل الجنة، تمهَّلوا، ويُؤتى بكبشٍ كبير، ويُوضَع أمامهم، فيتعجَّب أصحاب الجنة، ويتساءلون فيما بينهم: ما هذا؟! يأتيهم الجواب: أتعرفون ما هذا؟ هذا هو الموتُ، ثم يُذبح أمامهم، ويُقال لهم: لا تخافوا، فلا موتَ بعد الآن، ادخلوا الجنَة خالدين فيها أبدًا، ويُنادَى على أصحاب النار: أن اخسؤوا فيها أبد الآبدين.
 
وحالما يدخل أهلُ الجنة إليها يأتيهم نداء آخر: يا أهل الجنةِ، هل أنتم راضون، فقد رضِي عنكم ربُّ العزَّة، فيُجيبون وهم فرحون: أي نعم، نحن راضون.
 
يومُ التناد لم ينتهِ بعد، ينادي أصحابُ الجنَّة أصحابَ النار بعد أن استقرَّ كل منهم، أصحابُ الجنَّة في الجنة، وأصحاب النَّار في النار: هل وجدتم ما وعَدكم ربُّكم، فقد وجَدْنا ما وعَدنا ربُّنا، أنتم الذين ظلمتمونا وظلمتم أنفسَكم في الحياةِ الدنيا، فذُوقوا عذابَ النارِ، جزاءً بما كنتم تعملون، فيردُّ عليهم أصحابُ النار بعد أن أيسوا من النجاة: ﴿ أَنْ أَفِيضُوا عَلَيْنَا مِنَ الْمَاءِ أَوْ مِمَّا رَزَقَكُمُ اللَّهُ ﴾ [الأعراف: 50]، فيُجيبهم أصحابُ الجنة: ﴿ إِنَّ اللَّهَ حَرَّمَهُمَا عَلَى الْكَافِرِينَ ﴾ [الأعراف: 50]، عندها ينادي أصحابُ النار على مالكٍ خازنِ النَّارِ: ﴿ لِيَقْضِ عَلَيْنَا رَبُّكَ ﴾ [الزخرف: 77]، ﴿ قَالَ إِنَّكُمْ مَاكِثُونَ * لَقَدْ جِئْنَاكُمْ بِالْحَقِّ وَلَكِنَّ أَكْثَرَكُمْ لِلْحَقِّ كَارِهُونَ ﴾ [الزخرف: 77، 78]، وعندما لم يجِدْ أصحابُ النار شفاعةً عند خازنِ النار مالكٍ، نادوا خزَنةَ النار: ﴿ ادْعُوا رَبَّكُمْ يُخَفِّفْ عَنَّا يَوْمًا مِنَ الْعَذَابِ ﴾ [غافر: 49]، يومًا واحدًا، تخيَّل هذا المنظر، أصحاب النار وهم يتوسَّلون ليُخفَّف عنهم العذابُ يومًا واحدًا فلا يُجاب لهم.
 
ألا يخطُر ببالك أن تستغفر ربَّك ما دام بابُ الاستغفار والتوبة مفتوحًا وأنت ما زلتَ في الحياة الدنيا، والفرصة مواتية للإنابةِ إلى ربِّك!
 
إن اللهَ يبسُط يديه في النهار ليتوبَ مسيء النهارِ، ويبسُط يديه في الليل ليتوبَ مسيء الليلِ، استغفِر ربَّك ما دام بابُ التوبة مفتوحًا.
 
﴿ أَوَلَمْ تَكُ تَأْتِيكُمْ رُسُلُكُمْ بِالْبَيِّنَاتِ قَالُوا بَلَى قَالُوا فَادْعُوا وَمَا دُعَاءُ الْكَافِرِينَ إِلَّا فِي ضَلَالٍ ﴾ [غافر: 50]، فينادون على ربِّهم: ﴿ رَبَّنَا غَلَبَتْ عَلَيْنَا شِقْوَتُنَا وَكُنَّا قَوْمًا ضَالِّينَ * رَبَّنَا أَخْرِجْنَا مِنْهَا فَإِنْ عُدْنَا فَإِنَّا ظَالِمُونَ * قَالَ اخْسَؤُوا فِيهَا وَلَا تُكَلِّمُونِ ﴾ [المؤمنون: 106 - 108].
 
وأنت تتخيل هذا الحوار، ألا تجدُها فرصةً للتوبة وتستغفِر ربَّك؛ فباب التوبةِ ما زال مفتوحًا؛ فاغتنم الفرصةَ ولا تفوِّتْها، يا مَن شرِبت المنكر، يا من كذَبت، يا تارك الصلاة، يا من ارتشيتَ، يا مَن أكلت المال الحرام، يا مَن آذيتَ زوجَك، يا من اغتبتَ، استغفِر ربَّك، وتُبْ إليه، والآن وجِّه وجهَك صَوْب أصحابِ الجنة، وتخيل نداء ربِّ العالمين لهم: ﴿ يَا عِبَادِ لَا خَوْفٌ عَلَيْكُمُ الْيَوْمَ وَلَا أَنْتُمْ تَحْزَنُونَ ﴾ [الزخرف: 68].
 
تخيَّل ماذا يقول إبليس وهو في النار، الذي كفَر وتسبَّب في كُفر الملايين من البشَر، تخيَّله وهو يخطُب في أصحابه الذين دخلوا النار بسببه: ﴿ وَقَالَ الشَّيْطَانُ لَمَّا قُضِيَ الْأَمْرُ إِنَّ اللَّهَ وَعَدَكُمْ وَعْدَ الْحَقِّ وَوَعَدْتُكُمْ فَأَخْلَفْتُكُمْ وَمَا كَانَ لِيَ عَلَيْكُمْ مِنْ سُلْطَانٍ إِلَّا أَنْ دَعَوْتُكُمْ فَاسْتَجَبْتُمْ لِي فَلَا تَلُومُونِي وَلُومُوا أَنْفُسَكُمْ مَا أَنَا بِمُصْرِخِكُمْ وَمَا أَنْتُمْ بِمُصْرِخِيَّ إِنِّي كَفَرْتُ بِمَا أَشْرَكْتُمُونِ مِنْ قَبْلُ إِنَّ الظَّالِمِينَ لَهُمْ عَذَابٌ أَلِيمٌ ﴾ [إبراهيم: 22].
 
تخيل أَلَمَهم وهو يتبرَّأُ منهم، كان السببَ في كُفْرِهم ودخولهم النارَ، والآن يتبرأ منهم، كم هو مريع! كم هو مخيف! ونحن عنه غافلون، نركض وراء حُطام الدنيا، ونحن عن يوم التناد ساهون، قرينُ السوء يزيِّن لنا الرذائل، همنا بطوننا وفروجنا، نقدم الصلاة ونحن متكاسلون، نقطَع صلة الرحم لزلَّة بسيطة ولا نعفو، لهوُ حديثِنا الغِيبة ولا نبالي، لا نوقر كبيرًا، ولا نرحم صغيرًا، نجرَح آباءنا وأمهاتنا إرضاءً لأزواجِنا وأولادنا، نغش في الامتحان ونحن نتفاخر بذلك، غابت الكلمة الطيبة عن ألسننا!
 
ها قد هلَّ علينا شهر رجب، وهو مقدِّمة لما سيحل بعده شهر رمضان، وما أدراك ما شهر رمضان؟! فلنعقِدِ النيةَ من الآن، والله الموفق.

شارك الخبر

ساهم - قرآن ١