أرشيف المقالات

فضل قيام الليل (قيام الليل يجعلك من الصالحين)

مدة قراءة المادة : 8 دقائق .
من فضل قيام الليل
2- قيام الليل يجعلك من عباد الرحمن

قال تعالى: ﴿وَعِبَادُ الرَّحْمَنِ الَّذِينَ يَمْشُونَ عَلَى الْأَرْضِ هَوْنًا وَإِذَا خَاطَبَهُمُ الْجَاهِلُونَ قَالُوا سَلَامًا * وَالَّذِينَ يَبِيتُونَ لِرَبِّهِمْ سُجَّدًا وَقِيَامًا * وَالَّذِينَ يَقُولُونَ رَبَّنَا اصْرِفْ عَنَّا عَذَابَ جَهَنَّمَ إِنَّ عَذَابَهَا كَانَ غَرَامًا * إِنَّهَا سَاءَتْ مُسْتَقَرًّا وَمُقَامًا * وَالَّذِينَ إِذَا أَنْفَقُوا لَمْ يُسْرِفُوا وَلَمْ يَقْتُرُوا وَكَانَ بَيْنَ ذَلِكَ قَوَامًا *وَالَّذِينَ لَا يَدْعُونَ مَعَ اللَّهِ إِلَهًا آخَرَ وَلَا يَقْتُلُونَ النَّفْسَ الَّتِي حَرَّمَ اللَّهُ إِلَّا بِالْحَقِّ وَلَا يَزْنُونَ وَمَنْ يَفْعَلْ ذَلِكَ يَلْقَ أَثَامًا * يُضَاعَفْ لَهُ الْعَذَابُ يَوْمَ الْقِيَامَةِ وَيَخْلُدْ فِيهِ مُهَانًا * إِلَّا مَنْ تَابَ وَآمَنَ وَعَمِلَ عَمَلًا صَالِحًا فَأُولَئِكَ يُبَدِّلُ اللَّهُ سَيِّئَاتِهِمْ حَسَنَاتٍ وَكَانَ اللَّهُ غَفُورًا رَحِيمًا * وَمَنْ تَابَ وَعَمِلَ صَالِحًا فَإِنَّهُ يَتُوبُ إِلَى اللَّهِ مَتَابًا * وَالَّذِينَ لَا يَشْهَدُونَ الزُّورَ وَإِذَا مَرُّوا بِاللَّغْوِ مَرُّوا كِرَامًا * وَالَّذِينَ إِذَا ذُكِّرُوا بِآيَاتِ رَبِّهِمْ لَمْ يَخِرُّوا عَلَيْهَا صُمًّا وَعُمْيَانًا * وَالَّذِينَ يَقُولُونَ رَبَّنَا هَبْ لَنَا مِنْ أَزْوَاجِنَا وَذُرِّيَّاتِنَا قُرَّةَ أَعْيُنٍ وَاجْعَلْنَا لِلْمُتَّقِينَ إِمَامًا * أُولَئِكَ يُجْزَوْنَ الْغُرْفَةَ بِمَا صَبَرُوا وَيُلَقَّوْنَ فِيهَا تَحِيَّةً وَسَلَامًا * خَالِدِينَ فِيهَا حَسُنَتْ مُسْتَقَرًّا وَمُقَامًا﴾ [الفرقان: 63 - 76].

تفسير الآيات:
ذكر الله عز وجل في هذه الآيات صفات عباد الله المؤمنين، فقال: ﴿ وَعِبَادُ الرَّحْمَنِ الَّذِينَ يَمْشُونَ عَلَى الْأَرْضِ هَوْنًا ﴾ أي: بسكينة ووقار من غير استكبار، كما قال: ﴿ وَلَا تَمْشِ فِي الْأَرْضِ مَرَحًا إِنَّكَ لَنْ تَخْرِقَ الْأَرْضَ وَلَنْ تَبْلُغَ الْجِبَالَ طُولًا ﴾ [الإسراء: 37]، فأما هؤلاء فإنهم يمشون من غير استكبار ولا مرح، ولا بَطَر، وليس المراد أنهم يمشون كالمرضى من التصانع تصنعا ورياء، فقد كان سيد ولد آدم صلى الله عليه وسلم إذا مشى كأنما ينحط من مكان مرتفع، وقد كره بعض السلف المشي بتضعف وتصنُّع، حتى روي عن عمر أنه رأى شابا يمشي رويدا، فقال: ما بالك؟ أأنت مريض؟ قال: لا يا أمير المؤمنين، فعلاه بالدُّرة، وأمره أن يمشي بقوة، وإنما المراد بالهون هاهنا السكينة والوقار.
 
وقوله: ﴿ وَإِذَا خَاطَبَهُمُ الْجَاهِلُونَ قَالُوا سَلَامًا﴾ أي: إذا سفه عليهم الجهال بالسيئ، لم يقابلوهم عليه بمثله، بل يعفون ويصفحون، ولا يقولون إلا خيرا، كما كان رسول الله صلى الله عليه وسلم لا تزيده شدة الجهل عليه إلا حلما.
 
وقوله: ﴿ وَالَّذِينَ يَبِيتُونَ لِرَبِّهِمْ سُجَّدًا وَقِيَامًا ﴾ أي: في عبادته وطاعته.
 
وقوله: ﴿ وَالَّذِينَ يَقُولُونَ رَبَّنَا اصْرِفْ عَنَّا عَذَابَ جَهَنَّمَ إِنَّ عَذَابَهَا كَانَ غَرَامًا ﴾ أي: ملازما دائما، ﴿ إِنَّهَا سَاءَتْ مُسْتَقَرًّا وَمُقَامًا ﴾أي: بئس المنزل منظرا، وبئس المقيل مقاما.
 
وقوله: ﴿ وَالَّذِينَ إِذَا أَنْفَقُوا لَمْ يُسْرِفُوا وَلَمْ يَقْتُرُوا وَكَانَ بَيْنَ ذَلِكَ قَوَامًا ﴾ أي: ليسوا بمبذرين في إنفاقهم فيصرفون فوق الحاجة، ولا بخلاء على أهليهم فيقصرون في حقهم فلا يكفونهم، بل عدلا خيارا، وخير الأمور أوسطها، لا هذا، ولا هذا.
 
وقوله: ﴿ وَالَّذِينَ لَا يَدْعُونَ مَعَ اللَّهِ إِلَهًا آخَرَ وَلَا يَقْتُلُونَ النَّفْسَ الَّتِي حَرَّمَ اللَّهُ ﴾ أي: كل إنسان إلا الكافر المحارب ﴿ إِلَّا بِالْحَقِّ ﴾ أي: إلا إذا كان مرتدًا، أو زانيا محصنا، أو قاتلا متعمدا، ﴿ وَلَا يَزْنُونَ وَمَنْ يَفْعَلْ ذَلِكَ يَلْقَ أَثَامًا ﴾ أي: جزاء، وعقوبة، ﴿ يُضَاعَفْ لَهُ الْعَذَابُ يَوْمَ الْقِيَامَةِ ﴾ أي: يُكرر عليه ويغلظ، ﴿ وَيَخْلُدْ فِيهِ مُهَانًا ﴾ أي: حقيرا ذليلا، ﴿ إِلَّا مَنْ تَابَ وَآمَنَ وَعَمِلَ عَمَلًا صَالِحًا ﴾أي: جزاؤه على ما فعل من هذه الصفات القبيحة ما ذكر ﴿ إِلَّا مَنْ تَابَ ﴾ أي: في الدنيا إلى الله من جميع ذلك، فإن الله يتوب عليه.
 
وقوله: ﴿ فَأُولَئِكَ يُبَدِّلُ اللَّهُ سَيِّئَاتِهِمْ حَسَنَاتٍ وَكَانَ اللَّهُ غَفُورًا رَحِيمًا ﴾ أي: أنهم بدلوا مكان عمل السيئات بعمل الحسنات، وقيل: إن تلك السيئات الماضية تنقلب بنفس التوبة النصوح حسنات، وما ذاك إلا أنه كلما تذكر ما مضى ندم واسترجع واستغفر، فينقلب الذنب طاعة بهذا الاعتبار، وإن وجده يوم القيامة مكتوبا عليه في صحيفته لم يضره، وانقلب حسنة.
 
ثم قال تعالى مخبرا عن عموم رحمته بعباده، وأنه من تاب إليه منهم تاب عليه من أي ذنب كان، جليل أو حقير، كبير أو صغير، فقال: ﴿ وَمَنْ تَابَ وَعَمِلَ صَالِحًا فَإِنَّهُ يَتُوبُ إِلَى اللَّهِ مَتَابًا ﴾ أي: فإن الله يقبل توبته.
 
ثم ذكر جملة أخرى من صفات عباد الرحمن، فقال: ﴿ وَالَّذِينَ لَا يَشْهَدُونَ الزُّورَ﴾ أي: لا يحضرونه، وهو الشرك وعبادة الأصنام، وقيل: الكذب، والفسق، واللغو، والباطل، ﴿ وَإِذَا مَرُّوا بِاللَّغْوِ ﴾ أي: إذا اتفق مرورهم بالزور مروا، ولم يتدنسوا منه بشيء؛ ولهذا قال: ﴿ مَرُّوا كِرَامًا ﴾.
 
وقوله: ﴿ وَالَّذِينَ إِذَا ذُكِّرُوا بِآيَاتِ رَبِّهِمْ لَمْ يَخِرُّوا عَلَيْهَا صُمًّا وَعُمْيَانًا ﴾أي: بخلاف الكافر الذي ذكر بآيات ربه، فاستمر على حاله، كأن لم يسمعها أصم أعمى، بل يبقى مستمرا على كفره وطغيانه وجهله وضلاله.
 
وقوله: ﴿ وَالَّذِينَ يَقُولُونَ رَبَّنَا هَبْ لَنَا مِنْ أَزْوَاجِنَا وَذُرِّيَّاتِنَا قُرَّةَ أَعْيُنٍ وَاجْعَلْنَا لِلْمُتَّقِينَ إِمَامًا ﴾ أي: الذين يسألون الله أن يخرج من أصلابهم وذرياتهم من يطيعه ويعبده وحده لا شريك له.

وقوله: ﴿ وَاجْعَلْنَا لِلْمُتَّقِينَ إِمَامًا ﴾ أي: أئمة يقتدى بنا في الخير.
 
لما ذكر تعالى من أوصاف عباده المؤمنين ما ذكر من هذه الصفات الجميلة، والأفعال والأقوال الجليلة قال بعد ذلك كله: ﴿ أُولَئِكَ ﴾ أي: المتصفون بهذه ﴿ يُجْزَوْنَ ﴾ أي: يوم القيامة ﴿ الْغُرْفَةَ ﴾ وهي الجنة، سميت بذلك؛ لارتفاعها ﴿ بِمَا صَبَرُوا ﴾ أي: على القيام بذلك ﴿ وَيُلَقَّوْنَ فِيهَا ﴾ أي: في الجنة ﴿ تَحِيَّةً وَسَلَامًا ﴾ أي: يبتدرون فيها بالتحية والإكرام، ويلقون فيها التوقير والاحترام، فلهم السلام وعليهم السلام، فإن الملائكة ﴿ ﴿ يَدْخُلُونَ عَلَيْهِمْ مِنْ كُلِّ بَابٍ * سَلَامٌ عَلَيْكُمْ بِمَا صَبَرْتُمْ فَنِعْمَ عُقْبَى الدَّارِ ﴾ [الرعد: 23، 24].
 
وقوله: ﴿ خَالِدِينَ فِيهَا ﴾ أي: مقيمين، لا يظعنون، ولا يموتون، ولا يزولون عنها، ولا يبغون عنها حولا، ﴿ حَسُنَتْ مُسْتَقَرًّا وَمُقَامًا﴾ أي: حسنت منظرا، وطابت مقيلا ومنزلا[1].
 
ما يستفاد من الآيات:
1- بيان صفات عباد الرحمن.
 
2- فضيلة مقابلة السيئة بالحسنة.
 
3- فضيلة قيام الليل.
 
4- فضيلة التوسط في الإنفاق بين الإسراف، والإمساك.
 
5- التحذير من قتل النفس، والزنا.
 
6- من تاب تاب الله عز وجل عليه وإن فعل كبائر الذنوب.
 
7- فضيلة تدبر آيات الله عز وجل.

[1] انظر: تفسير ابن كثير (6/ 122-133).

شارك الخبر

ساهم - قرآن ٢