أرشيف المقالات

التوجيه النبوي الشريف لما يلقاه المؤمن من حر الصيف

مدة قراءة المادة : 5 دقائق .
التوجيه النبوي الشريف لما يلقاه المؤمن من حر الصيف
 
الحمد لله رب العالمين، والصلاة والسلام على رسول الله سيدنا محمدٍ وعلى آله وصحبه أجمعين، ومن سار على نهجهم واهتدى بهديهم إلى يوم الدين.
 
وبعد:
فإن الحياة الدنيا دارُ ابتلاء وعناء، يشوبها الكدرُ والتعب والنَّصَبُ، خيرُها وشرها فتنة، الحلال فيها حساب، والحرام عذاب، والآخِرَةُ خَيرٌ لمَنِ اتَّقَى، وهي خَيْرٌ وأبقَى.
ومن ابتلاء الله فيها لعباده، واختبارِه لأهل دينه؛ حتى يعلم الصابر والشاكر من الجازع والكافر: ما خلق الله فيها من حرِّ الصيف، ولهيب الشمس، وما هو إلا آية من آيات الله، وسُنَّة كونية من سنن الله تتكرَّر كلَّ عام، وتعود كل سَنة على الأنام؛ كما الليل والنهار، والشمس والقمر، والأرض والسماء، والجبال والأنهار، والزروع والثمار آيات من آيات الله تعالى، ولا يمنع أن يكون للسنن الكونية والظواهر الطبيعية أسبابٌ ظاهرة، وأسباب خفيَّة وباطنة، وإنَّ حَرَّ الصيف سببُه الظاهر اقتراب الشمس من الأرض؛ قال تعالى: ﴿ وَالشَّمْسُ تَجْرِي لِمُسْتَقَرٍّ لَهَا ذَلِكَ تَقْدِيرُ الْعَزِيزِ الْعَلِيمِ ﴾ [يس: 38].
 
والسبب الباطن يقول عنه عليه الصلاة والسلام: ((فإن شدة الحر من فيح جهنم))، وقال عليه الصلاة والسلام: ((اشتكت النار إلى ربِّها، فقالت: يا رب، أكَلَ بعضي بعضًا! فأذن لها بنفَسين: نفَسٍ في الشتاء، ونفس في الصيف، فهو أشد ما تجدون من الحر، وأشد ما تجدون من الزمهرير)).
 
ومع ما نجد من شدة الحَرِّ وقوة لهيب الشمس وسموم هوائه، فإن السُّنَّة النبوية الشريفة لم تفتأ تضع لوائح التدابير اللازمة والمناسبة للمؤمنين تكون بمثابة المخفِّفات ورفع الحرج عن المكلَّفين، ومن هذه التوجيهات:
1- الإبراد في صلاة الظهر:
فإن الشارع الحكيم قد رخَّص للمكلَّفين بأداء الصلاة جماعة أن يؤخِّروا أداءَ صلاة الظهر حتى يخف الحرُّ، ولا يُعَدُّ ذلك التأخيرُ مخرجًا للصلاة من وقت الفضيلة؛ بل إن الإبراد هو وقت الفضيلة.
فعن أبي ذر قال: أذَّن مؤذن النبي صلى الله عليه وسلم الظهر فقال: ((أَبْرِدْ أَبْرِدْ))، أو قال: ((انتظر انتظر))، وقال: ((شدة الحر من فيح جهنم، فإذا اشتدَّ الحر، فأَبْرِدُوا عن الصلاة)) حتى رأينا فيء التلول.
 
2- اختيار الأطعمة الباردة، والابتعاد عن الأطعمة الحارَّة، وفي ذلك دعوة نبويَّة صريحة لمراعاة صحة البدن واستمرار العافية، قال تعالى: ﴿ إِنَّ السَّمْعَ وَالْبَصَرَ وَالْفُؤَادَ كُلُّ أُولَئِكَ كَانَ عَنْهُ مَسْؤُولًا ﴾ [الإسراء: 36]، وعن عائشة رضي الله عنها، قالت: كان رسول الله صلى الله عليه وسلم يأكل البطيخ بالرطب، فيقول: ((نكسر حرَّ هذا ببرد هذا، وبرد هذا بحَرِّ هذا)).
 
3- القيلولة، وهي النوم في الظهيرة؛ لطول نهار الصيف وقصر ليله؛ حتى يستعين بها على قيام الليل، فضلًا عن أداء صلاة الفجر؛ ولذا جاء في الحديث: ((قيلوا؛ فإن الشياطين لا تقيل)).
 
4- المنع من الجلوس في الظِّل وضوء الشمس؛ روي عن النبي صلى الله عليه وسلم أنه نهى أن يُجلس بين الضِّحِّ والظل، وقال: ((مجلس الشيطان)).
 
5- التبريد بصب الماء البارد على الرأس للصائم، ولم يعد ذلك مبطلًا للصيام باتفاق الفقهاء؛ لأنه ليس من منفذ مفتوح؛ روي "أن النبي صلى الله عليه وسلم رئي بالعَرْجِ وهو يصبُّ على رأسه الماء من الحر أو من العطش، وهو صائمٌ".
 
6- سقي الماء الناس؛ لِمَا فيه من تخفيف الحَرِّ وإطفاء العطش؛ قال النبي صلى الله عليه وسلم: ((أفضل الصدقة سقي الماء))، وقال أيضا: ((ليس صدقة أعظم أجرًا من ماء))، وقد سئل حبر الأمة وترجمان القرآن عبدُ الله بن عباس رضي الله عنهما: أي الصدقة أفضل؟ فقال: الماء؛ ألم تروا إلى أهل النار حين استغاثوا بأهل الجنة: ﴿ أَنْ أَفِيضُوا عَلَيْنَا مِنَ الْمَاءِ أَوْ مِمَّا رَزَقَكُمُ اللَّهُ ﴾ [الأعراف: 50].
وغير ذلك من التوجيهات النبوية الشريفة.
 
نسأل الله أن يقينا حرَّ الدنيا والآخرة، ونار جهنم أشدُّ حَرًّا؛ كان عمر رضي الله عنه يقول: (أكثروا ذكر النار؛ فإن حرَّها شديد، وإن قعرها بعيد، وإن مقامعها حديد)؛ أعاذنا الله منها، وأعاذ المسلمين والمسلمات؛ إنه رؤوف رحيم جواد كريم.
وصلى الله على نبينا محمد، وعلى آله وصحبه أجمعين.

شارك الخبر

ساهم - قرآن ٢