صاحب القبر المنفرد


الحلقة مفرغة

كثيرة هي الفتن التي تعترض طريق الإنسان وخاصة المسلم، ولهذا جاء التحذير في القرآن والسنة من هذه الفتن، وبيان المخرج منها، ففتنة الشيطان تدفع باللجوء الصادق إلى الله والاحتماء بحماه، والخروج من فتنة المال بأن ينفق في سبيل الله، والمخرج من فتنة الكفار بأن نراهم كما وصفهم الله شر البرية، وجماع ذلك كله هو الاستجابة لله والرسول.

الحمد لله، والصلاة والسلام على رسول الله، أشهد أن لا إله إلا الله، وأشهد أن محمداً رسول لله.

أيها الإخوة! السلام عليكم ورحمة الله.

وبعد:

ففي هذه الليلة نعيش لحظات طيبة إن شاء الله مع ثلة هم أعظم الناس في هذه الأمة، قصة من قصص الصحابة مع نبيهم صلى الله عليه وسلم.

نص الحديث وروايته

يرويها لنا أبو موسى الأشعري رضي الله عنه: (أنه توضأ في بيته، ثم خرج، فقلت: لألزمن رسول الله صلى الله عليه وسلم ولأكونن معه يومي هذا، قال: فجاء المسجد، فسأل عن النبي صلى الله عليه وسلم، فقالوا: خرج ووجهه هنا، فخرجت على إثره أسأل عنه حتى دخل بئر أريس ، فجلست عند الباب وبابها من جريد، حتى قضى رسول الله صلى الله عليه وسلم حاجته وتوضأ، فقمت إليه، فإذا هو جالس على بئر أريس ، وتوسط قفها، وكشف عن ساقيه ودلاهما في البئر، فسلمت عليه ثم انصرفت، فجلست عند الباب، فقلت: لأكونن بواب رسول الله صلى الله عليه وسلم اليوم، فجاء أبو بكر فدفع الباب، فقلت: من هذا؟ فقال: أبو بكر، فقلت: على رسلك، ثم ذهبت فقلت: يا رسول الله! هذا أبو بكر يستأذن، فقال: ائذن له وبشره بالجنة، فأقبلت حتى قلت لـأبي بكر : ادخل، ورسول الله صلى الله عليه وسلم يبشرك بالجنة، فدخل أبو بكر فجلس عن يمين رسول الله صلى الله عليه وسلم معه في القف ودلى رجليه في البئر كما صنع النبي صلى الله عليه وسلم وكشف عن ساقيه، ثم رجعت فجلست وقد تركت أخي يتوضأ ويلحقني، فقلت: إن يرد الله بفلان خيراً -يريد أخاه- يأت به، فإذا إنسان يحرك الباب، فقلت: من هذا؟ فقال: عمر بن الخطاب ، فقلت: على رسلك، ثم جئت إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم، فسلمت عليه فقلت: هذا عمر بن الخطاب يستأذن، فقال: ائذن له وبشره بالجنة، فجئت، فقلت: ادخل، وبشرك رسول الله صلى الله عليه وسلم بالجنة، فدخل فجلس مع رسول الله صلى الله عليه وسلم في القف عن يساره ودلى رجليه في البئر.

ثم رجعت فجلست، فقلت: إن يرد الله بفلان خيراً يأت به -يعني: أخاه- فجاء إنسان يحرك الباب، فقلت: من هذا فقال: عثمان بن عفان ، فقلت: على رسلك، فجئت رسول الله صلى الله عليه وسلم فأخبرته، فقال: ائذن له وبشره بالجنة على بلوى تصيبه، فجئته، فقلت له: ادخل، يبشرك رسول الله صلى الله عليه وسلم بالجنة على بلوى تصيبك، فدخل، فوجد القف قد ملئ فجلس وجاهه من الشق الآخر).

قال شريك بن عبد الله: قال سعيد بن المسيب ؛ راوي الحديث عن أبي موسى : [فأولتها قبورهم]رواه البخاري .

وفي رواية له أيضاً عن أبي موسى قال: (كنت مع النبي صلى الله عليه وسلم في حائط من حيطان المدينة فجاء رجل فاستفتح، فقال النبي صلى الله عليه وسلم: افتح له وبشره بالجنة، ففتحت له، فإذا أبو بكر ، فبشرته بما قال النبي صلى الله عليه وسلم، فحمد الله، ثم جاء رجل فاستفتح، فقال النبي صلى الله عليه وسلم: افتح له وبشره بالجنة، ففتحت له، فإذا هو عمر ، فأخبرته بما قال النبي صلى الله عليه وسلم، فحمد الله، ثم استفتح رجل، فقال لي: افتح له وبشره بالجنة على بلوى تصيبه، فإذا عثمان ، فأخبرته بما قال رسول الله صلى الله عليه وسلم، فحمد الله، ثم قال: الله المستعان!) رواه البخاري أيضاً.

وفي رواية له أيضاً عن أبي موسى : (أن النبي صلى الله عليه وسلم دخل حائطاً وأمرني بحفظ باب الحائط، فجاء رجل يستأذن -وذكر القصة إلى أن بشر عمر - ثم جاء آخر يستأذن، فسكت هنيهة أي: النبي صلى الله عليه وسلم -هذه المرة سكت هنيهة لما جاء عثمان - ثم قال: ائذن له وبشره بالجنة على بلوى ستصيبه) وفي رواية: (أن النبي صلى الله عليه وسلم كان قاعداً في مكان فيه ماء قد كشف عن ركبتيه أو ركبته، فلما دخل عثمان غطاهما).

هذه الروايات كلها قد رواها الإمام البخاري رحمه الله تعالى.

وقد روى هذا الحديث الإمام مسلم عن أبي موسى قال: (خرجت أريد رسول الله صلى الله عليه وسلم فوجدته قد سلك في الأموال فتبعته، فوجدته قد دخل مالاً- أي: بستاناً- فجلس في القف وكشف عن ساقيه ودلاهما في البئر......) الحديث، وفي رواية لـمسلم أيضاً قال ابن المسيب : [فتأولت ذلك قبورهم اجتمعت هاهنا وانفرد عثمان].

وقد روى الحديث أيضاً الإمام أحمد رحمه الله عن أبي موسى الأشعري ، قال: (كنت مع النبي صلى الله عليه وسلم في حائط، فجاء رجل فسلم، فقال النبي صلى الله عليه وسلم: اذهب فائذن له وبشره بالجنة، فذهبت، فإذا هو أبو بكر رضي الله عنه، فقلت: ادخل وأبشر بالجنة، فما زال يحمد الله حتى جلس، ثم جاء آخر فسلم، فقال: ائذن له وبشره بالجنة، فانطلقت، فإذا هو عمر بن الخطاب رضي الله عنه، فقلت: ادخل وأبشر بالجنة، فما زال يحمد الله عز وجل حتى جلس، ثم جاء آخر فسلم، فقال: اذهب فائذن له وبشره بالجنة على بلوى شديدة، قال: فانطلقت فإذا هو عثمان ، فقلت: ادخل وأبشر بالجنة على بلوى شديدة، قال: فجعل يقول: اللهم صبراً.. حتى جلس).

يرويها لنا أبو موسى الأشعري رضي الله عنه: (أنه توضأ في بيته، ثم خرج، فقلت: لألزمن رسول الله صلى الله عليه وسلم ولأكونن معه يومي هذا، قال: فجاء المسجد، فسأل عن النبي صلى الله عليه وسلم، فقالوا: خرج ووجهه هنا، فخرجت على إثره أسأل عنه حتى دخل بئر أريس ، فجلست عند الباب وبابها من جريد، حتى قضى رسول الله صلى الله عليه وسلم حاجته وتوضأ، فقمت إليه، فإذا هو جالس على بئر أريس ، وتوسط قفها، وكشف عن ساقيه ودلاهما في البئر، فسلمت عليه ثم انصرفت، فجلست عند الباب، فقلت: لأكونن بواب رسول الله صلى الله عليه وسلم اليوم، فجاء أبو بكر فدفع الباب، فقلت: من هذا؟ فقال: أبو بكر، فقلت: على رسلك، ثم ذهبت فقلت: يا رسول الله! هذا أبو بكر يستأذن، فقال: ائذن له وبشره بالجنة، فأقبلت حتى قلت لـأبي بكر : ادخل، ورسول الله صلى الله عليه وسلم يبشرك بالجنة، فدخل أبو بكر فجلس عن يمين رسول الله صلى الله عليه وسلم معه في القف ودلى رجليه في البئر كما صنع النبي صلى الله عليه وسلم وكشف عن ساقيه، ثم رجعت فجلست وقد تركت أخي يتوضأ ويلحقني، فقلت: إن يرد الله بفلان خيراً -يريد أخاه- يأت به، فإذا إنسان يحرك الباب، فقلت: من هذا؟ فقال: عمر بن الخطاب ، فقلت: على رسلك، ثم جئت إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم، فسلمت عليه فقلت: هذا عمر بن الخطاب يستأذن، فقال: ائذن له وبشره بالجنة، فجئت، فقلت: ادخل، وبشرك رسول الله صلى الله عليه وسلم بالجنة، فدخل فجلس مع رسول الله صلى الله عليه وسلم في القف عن يساره ودلى رجليه في البئر.

ثم رجعت فجلست، فقلت: إن يرد الله بفلان خيراً يأت به -يعني: أخاه- فجاء إنسان يحرك الباب، فقلت: من هذا فقال: عثمان بن عفان ، فقلت: على رسلك، فجئت رسول الله صلى الله عليه وسلم فأخبرته، فقال: ائذن له وبشره بالجنة على بلوى تصيبه، فجئته، فقلت له: ادخل، يبشرك رسول الله صلى الله عليه وسلم بالجنة على بلوى تصيبك، فدخل، فوجد القف قد ملئ فجلس وجاهه من الشق الآخر).

قال شريك بن عبد الله: قال سعيد بن المسيب ؛ راوي الحديث عن أبي موسى : [فأولتها قبورهم]رواه البخاري .

وفي رواية له أيضاً عن أبي موسى قال: (كنت مع النبي صلى الله عليه وسلم في حائط من حيطان المدينة فجاء رجل فاستفتح، فقال النبي صلى الله عليه وسلم: افتح له وبشره بالجنة، ففتحت له، فإذا أبو بكر ، فبشرته بما قال النبي صلى الله عليه وسلم، فحمد الله، ثم جاء رجل فاستفتح، فقال النبي صلى الله عليه وسلم: افتح له وبشره بالجنة، ففتحت له، فإذا هو عمر ، فأخبرته بما قال النبي صلى الله عليه وسلم، فحمد الله، ثم استفتح رجل، فقال لي: افتح له وبشره بالجنة على بلوى تصيبه، فإذا عثمان ، فأخبرته بما قال رسول الله صلى الله عليه وسلم، فحمد الله، ثم قال: الله المستعان!) رواه البخاري أيضاً.

وفي رواية له أيضاً عن أبي موسى : (أن النبي صلى الله عليه وسلم دخل حائطاً وأمرني بحفظ باب الحائط، فجاء رجل يستأذن -وذكر القصة إلى أن بشر عمر - ثم جاء آخر يستأذن، فسكت هنيهة أي: النبي صلى الله عليه وسلم -هذه المرة سكت هنيهة لما جاء عثمان - ثم قال: ائذن له وبشره بالجنة على بلوى ستصيبه) وفي رواية: (أن النبي صلى الله عليه وسلم كان قاعداً في مكان فيه ماء قد كشف عن ركبتيه أو ركبته، فلما دخل عثمان غطاهما).

هذه الروايات كلها قد رواها الإمام البخاري رحمه الله تعالى.

وقد روى هذا الحديث الإمام مسلم عن أبي موسى قال: (خرجت أريد رسول الله صلى الله عليه وسلم فوجدته قد سلك في الأموال فتبعته، فوجدته قد دخل مالاً- أي: بستاناً- فجلس في القف وكشف عن ساقيه ودلاهما في البئر......) الحديث، وفي رواية لـمسلم أيضاً قال ابن المسيب : [فتأولت ذلك قبورهم اجتمعت هاهنا وانفرد عثمان].

وقد روى الحديث أيضاً الإمام أحمد رحمه الله عن أبي موسى الأشعري ، قال: (كنت مع النبي صلى الله عليه وسلم في حائط، فجاء رجل فسلم، فقال النبي صلى الله عليه وسلم: اذهب فائذن له وبشره بالجنة، فذهبت، فإذا هو أبو بكر رضي الله عنه، فقلت: ادخل وأبشر بالجنة، فما زال يحمد الله حتى جلس، ثم جاء آخر فسلم، فقال: ائذن له وبشره بالجنة، فانطلقت، فإذا هو عمر بن الخطاب رضي الله عنه، فقلت: ادخل وأبشر بالجنة، فما زال يحمد الله عز وجل حتى جلس، ثم جاء آخر فسلم، فقال: اذهب فائذن له وبشره بالجنة على بلوى شديدة، قال: فانطلقت فإذا هو عثمان ، فقلت: ادخل وأبشر بالجنة على بلوى شديدة، قال: فجعل يقول: اللهم صبراً.. حتى جلس).

قوله في الحديث: (إنه- أي: أبو موسى الأشعري رضي الله عنه- توضأ في بيته ثم خرج) يتوضأ الإنسان في بيته، ثم يخرج، فلعله يصادف وقت صلاة، ولعله يذهب إلى مجلس علم، فوضوؤه قبل خروجه من بيته خير، وقد نوى عند خروجه من البيت أن يلزم النبي صلى الله عليه وسلم، فسأل عنه، فقالوا: خرج ووجهه هاهنا، يعني: توجه إلى هذه الجهة، وقوله في الرواية: (حتى دخل بئر أريس) هذا بستان معروف بـالمدينة بالقرب من قباء ، وفي بئر أريس في هذا البستان سقط خاتم النبي صلى الله عليه وسلم من إصبع عثمان ؛ لأن خاتم النبي صلى الله عليه وسلم كان عند الخلفاء، فلما صار الخاتم إلى عثمان ذهب عثمان إلى هذا البئر مرة فوقع منه الخاتم في البئر، ثم لم يعثر عليه.

قوله في الحديث: إن النبي صلى الله عليه وسلم لما جاء إلى البئر توسط قفها، القف: هو المكان المرتفع الذي يجعل حول البئر، وفي رواية مسلم : (بينا رسول الله صلى الله عليه وسلم في حائط من حوائط المدينة ، وهو متكئ ينكت بعود معه بين الطين والماء) فجلس على هذا القف ومعه عود ينكت به بين الطين والماء، قال أبو موسى الأشعري : ( لأكونن بواباً للنبي صلى الله عليه وسلم ) وجاء في رواية: )( ولم يأمرني ) وجاء في رواية: (أن النبي صلى الله عليه وسلم أمره بحفظ باب الحائط) وفي رواية قال: (يا أبا موسى أملك عليَّ الباب) فكيف نجمع بين هذه الروايات؟

رواية يقول فيها: (لأكونن بواباً للنبي صلى الله عليه وسلم ولم يأمرني) وفي رواية أنه عليه الصلاة والسلام قال له: (يا أبا موسى ! أملك عليَّ الباب فلا يدخلن عليَّ أحد) كيف نجمع بين هذه الروايات؟

أنه لما جاء بنية أن يحرس النبي صلى الله عليه وسلم من دون أمر -تطوع من عنده- فلما رآه النبي صلى الله عليه وسلم أمره بالشيء الذي قد جاء من أجله، هو جاء ليحرس من دون أمر، فلما جاء النبي صلى الله عليه وسلم أمره، فصادف الأمر النبوي رغبة مسبقة عند أبي موسى الأشعري .

هل يعارض هذا حديث أنس رضي الله عنه: (أن النبي صلى الله عليه وسلم لم يكن له بواب)؟ الجواب: لا يعارض؛ لأن عدم البواب هو الأصل وهذا شيء طارئ، لما مر النبي بقبر ووجد عنده امرأة تبكي، فقال: (اتقي الله واصبري، فقالت: إليك عني، فإنك لم تصب بمصيبتي، فتركها عليه الصلاة والسلام ومشى، فقيل لها: إنه رسول الله صلى الله عليه وسلم، فأخذها مثل الموت- يعني: من الرعب، كيف ردت عليه، وهي لم تنتبه أنه النبي صلى الله عليه وسلم- فجاءت إلى بابه فلم تجد عنده بوابين- وهذا موضع الشاهد- فاعتذرت، فقال النبي صلى الله عليه وسلم: إنما الصبر عند الصدمة الأولى) حديث صحيح.

فالنبي صلى الله عليه وسلم لم يكن عنده بوابون، وفي هذا الحديث أنه أمر أبا موسى أن يكون بواباً على هذا البستان في هذه المرة، وقد أمره النبي صلى الله عليه وسلم أن يكون بواباً قدر ما يقضي حاجته ويتوضأ، حتى لا يدخل عليه أحد وهو يقضي حاجته، ثم إنه استمر أبو موسى في الحراسة من تلقاء نفسه، فجاء أبو بكر فدفع الباب، ولا نتصور أنه دفع الباب من غير استئذان، لأن الروايات تفسر بعضها بعضاً، فقد جاء في رواية أخرى قوله: (فجاء رجل يستأذن) وفي رواية: (فجاء رجل فحرك الباب يستأذن) فالنبي صلى الله عليه وسلم أذن له وبشره بالجنة.

لما رأى ذلك أبو موسى، ثم في عمر رأى ذلك أيضاً، كان أبو موسى الأشعري قد ترك أخاً له يتوضأ ليلحق به، ترك في بيته أخاً له يتوضأ ويلحق به، وقد كان لأبي موسى أخوان: أبو رهم ، وأبو بردة ، وأشهرهم أبو بردة واسمه عامر ، قال: فإذا إنسان يحرك الباب وهذا هو الاستئذان، والله سبحانه وتعالى قد قال: لا تَدْخُلُوا بُيُوتاً غَيْرَ بُيُوتِكُمْ حَتَّى تَسْتَأْنِسُوا [النور:27] فجاء رجل واستفتح؛ فإذاً حركه مستأذناً لا دافعاً له ليدخل بغير إذن، فإن الصديق والفاروق لا يمكن أن يفعلا ذلك.

ثم جاء عثمان ، فقلت: على رسلك، وذهب يستأذن له، فالنبي صلى الله عليه وسلم سكت هنيهة، يعني: قليلاً، ثم بشره بالجنة على بلوى تصيبه، فقال عثمان : الله المستعان! وقال أيضاً: اللهم صبراً.

وهذه البلوى التي أخبر بها صلى الله عليه وسلم هي ما أصاب عثمان في آخر خلافته من الشهادة يوم الدار، وثوران المنافقين عليه، وقد جاء عن ابن عمر في حديث صحيح رواه الإمام أحمد وقال ابن حجر: إسناده صحيح: (ذكر رسول الله صلى الله عليه وسلم فتنة، فمر رجل فقال عليه الصلاة والسلام: يقتل فيها هذا يومئذٍ ظلماً) النبي صلى الله عليه وسلم يتحدث عن فتنة، ومر رجل، فأشار عليه الصلاة والسلام على الرجل المار، وقال: (يقتل فيها- في تلك الفتنة- هذا- الشخص المار- يومئذٍ ظلماً، قال ابن عمر : فنظرت فإذا هو عثمان).

وهذه الفتنة المشهورة التي ألبها وأوقد نارها عبد الله بن سبأ اليهودي ، الذي تنقل في البلدان يؤلب الناس على عثمان ويحرك الطغام، ويحرك الدهماء والسفهاء، ويحرك المنافقين على عثمان رضي الله عنه، ويقول: حرق المصاحف وأبقى مصحفه، ووظف أقاربه واستعملهم، وفعل وفعل، فاجتمع خلق من هؤلاء المنافقين وساروا إلى المدينة وتسلحوا واقتحموا المدينة وعاثوا فيها فساداً وتسوروا دار عثمان يريدون اقتحامه، وكان الصحابة قد حرسوا دار عثمان، ولكن عثمان رضي الله عنه أصدر الأمر للصحابة بأن لا يحرسوه، ولا يقاتلوا دونه وينصرفوا.

أراد عثمان رضي الله عنه أن يفتدي بدمه، حتى لا يحصل قتال بين الصحابة وبين هؤلاء الثوار، فلما أمرهم وهو الخليفة، وكان لزاماً عليهم أن يطيعوه، اقتحم داره هؤلاء، وكان عثمان رضي الله عنه قد نشر مصحفه يقرأ، فضربوه بالسيف فوقع على يد امرأته نائلة فقطع أصابعها، ثم ضربوه بالسيف وهو يقرأ القرآن.

ضحوا بأشمط عنوان السجود به     يقطع الليل تسبيحاً وقرآنا

فقتل عثمان رضي الله عنه مظلوماً وذهب شهيداً إلى ربه، ولو قال قائل: لماذا لم يتنازل عثمان عن الخلافة ما دام أنهم يريدون خلعه؟ فالجواب: أن النبي صلى الله عليه وسلم كان قد أوصى عثمان بوصية وهي: (إن الله مقمصك قميصاً، فإن أرداك المنافقون على خلعه فلا تخلعه)هذه وصية نبوية لـعثمان رضي الله عنه قبل أن يموت، فـعثمان رضي الله عنه كان يتصرف ويتحرك بناءً على أمر النبي صلى الله عليه وسلم: (لا تخلعه) وهكذا حدث وصارت البلوى الشديدة التي أصابت عثمان رضي الله عنه.

قال سعيد بن المسيب راوي الحديث: [فأولتها قبورهم] هذا يدل على أن التأويل يقع في اليقظة أيضاً، وهو الذي يسمى الفراسة، الفراسة: التأويل الذي في اليقظة، ما هو قصد سعيد بن المسيب رضي الله عنه؟ الآن النبي صلى الله عليه وسلم جلس على دكة البئر على القف، وجلس عمر وأبو بكر عن جانبيه وعثمان رضي الله عنه جلس على الجهة الأخرى؛ لأن المكان قد امتلأ.

سعيد بن المسيب قال: [أولتها قبورهم، أولت جلوسهم في الحديث هذا، مآلهم في القبور الذي صاروا عليه بعد ذلك، فإن القبور الثلاثة للنبي صلى الله عليه وسلم وصاحبيه متجاورة، أما قبر عثمان ، فهو بـالبقيع منفصل، والقبور الثلاثة في حجرة عائشة .]

إذاً: كان جلوسهم على حافة البئر متجاورين وعثمان في الطرف الآخر، قال: فأولتها قبورهم أي: اجتمعوا في الدفن وانفرد عثمان في البقيع ، وفي رواية سعيد : [فأولت ذلك انتباه قبره من قبورهم] وفي رواية: [اجتمعت هاهنا وانفرد عثمان ].

وقد جاء خبر رواه أبو نعيم عن عائشة في صفة قبور الثلاثة أن أبا بكر عن يمينه وعمر عن يساره، لو كان هذا ثبت كان فيه تمام التشبيه، قبورهم متجاورة، قبر أبي بكر عن اليمين، وقبر عمر عن الشمال، ولكن هذا ليس بثابت، والسند ضعيف، وقد عارضه ما هو أصح منه وهو ما أخرجه أبو داود من طريق القاسم بن محمد ، قال: قلت لـعائشة : يا أماه! اكشفي لي عن قبر رسول الله صلى الله عليه وسلم وصاحبيه، فكشفت لي.... الحديث، وفيه: فرأيت رسول الله صلى الله عليه وسلم يعني قبره، فإذا أبو بكر رأسه بين كتفيه، وعمر رأسه عند رجلي النبي صلى الله عليه وسلم.

شدة حياء عثمان رضي الله عنه

وفي هذا الحديث قوله: (أن النبي صلى الله عليه وسلم كان قاعداً في مكان فيه ماء قد كشف عن ركبته، فلما دخل عثمان غطّاها) وورد حديث آخر مشابه عن عائشة رضي الله عنها: (كان رسول الله مضطجعاً في بيته كاشفاً عن فخذيه، أو ساقيه، فاستأذن أبو بكر فأذن له وهو على تلك الحال، وفي الحديث: ثم دخل عثمان ، قالت: ثم دخل عثمان فاستويت وغطيت، قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: ألا استحيي من رجل تستحيي منه الملائكة) وفي رواية لـمسلم : (إن عثمان رجل حيي، وإني خشيت إن أذنت له على تلك الحالة لا يبلغ إلي في حاجته) يعني: يأتي إلي فيراني على هذه الحال فيستحي وينصرف، ولذلك غطيت حتى لا يستحي عثمان وينصرف بدون أن يبلغني حاجته، أي: حتى يتكلم عثمان ويأخذ راحته في الكلام والحديث، ويفضي إلي بما يريد.

وهاتان قصتان، لأن مخرج الحديثين مختلف كما قال الحافظ ابن حجر رحمه الله، فلا مانع أن يتفق للنبي صلى الله عليه وسلم في واقعتين أن يدخل عليه عثمان وقد كشف عن ساقيه فيغطيهما، في هذه الحالة وفي هذه الحالة.

إمساك العصا والاعتماد عليها عند الكلام

وقوله في الحديث: (إنه كان مع النبي صلى الله عليه وسلم في يده عود يضرب به بين الماء والطين) كان معه عود يضرب به بين الماء والطين فجاء رجل يستفتح، قال ابن بطال رحمه الله: من عادة العرب إمساك العصا والاعتماد عليها عند الكلام وغيره، وقد عاب ذلك عليهم بعض من يتعصب للعجم، وفي استعمال النبي صلى الله عليه وسلم لها الحجة البالغة، إذاً لو أن إنساناً متحدثاً أو خطيباً أمسك عصا بيده واتكأ عليها أو ضرب بها، فإنه لا حرج عليه مطلقاً في ذلك، ولا يقال: هذا من العبث، لأن النبي صلى الله عليه وسلم قد فعله، فلا يعد هذا من العبث المذموم، إنما ذلك يقع من العاقل عند التفكر في الشيء، ثم إن هذا استعمال لا يضر، بخلاف من يتفكر وفي يده سكين مثلاً فيستعملها في خشبة غيره.

وفرق بين من يأخذ عصا أو يعتمد على عصا أو يطرق بها، وبين من يكون بيده سكين فيفكر وهو يخرب في خشبة غيره، فهذا من العبث المذموم.

بيان فضل هؤلاء الصحابة

وكذلك فإن في هذا الحديث فضيلة لهؤلاء الثلاثة، وأنهم من أهل الجنة، وكذلك فضيلة لـأبي موسى رضي الله عنه لأنه حرس النبي صلى الله عليه وسلم.

وفي الحديث أيضاً: جواز الثناء على الإنسان في وجهه إذا أمنت عليه فتنة الإعجاب، لأنك لو أثنيت على رجل في وجهه، وكان لا يؤمن عليه يصيبه العجب، فإذا أصابه العجب هلك واغتر وترك العلم، ورأى نفسه شيئاً عظيماً، الأصل المدح في الوجه منهي عنه، فإذا أمنت الفتنة على الشخص، فإنه لا بأس أن يمدح خصوصاً إذا كان هناك مصلحة، كأن يكون مدحه مدعاة لاقتداء الآخرين به.

معجزة النبي صلى الله عليه وسلم بإخباره عن الفتنة

وكذلك في هذا الحديث معجزة ظاهرة للنبي صلى الله عليه وسلم، وهي إخباره عن الغيب قبل وقوعه في البلوى التي أصابت عثمان ، وهذه هي التي رأيناها وحصلت في الواقع أمامنا وأمام الناس وهي البلوى، رأوا فعلاً البلوى الشديدة التي أصابت عثمان رضي الله عنه، وأيضاً من جهة أن الثلاثة الآخرين يستمرون على الهدى إلى الموت، لا ينحرف منهم أحد ولا يزيغ، وقد استمر الثلاثة على الهدى إلى أن ماتوا رضي الله عنهم.

ما يقال عند المصيبة

وفي الحديث أن الإنسان إذا أخبر عن مواجهة شيء شديد يقول: الله المستعان، وهي كلمة تقال عندما يخبر الإنسان أنه يواجه أمراً شديداً، فيقول: الله المستعان، أي: الله الذي أستعين به وأطلب منه العون على مواجهة ما سيصيبني.

وكذلك من الفوائد في هذا الحديث: حياء عثمان رضي الله عنه، فإنه كان من حيائه شدة لا يكشف عورته حتى عند الاغتسال، وكان يغتسل وعليه إزاره رضي الله عنه، ولا يكاد يرى شيء من جلده رضي الله عنه من شدة حيائه.

والحياء خير كله، وهو الذي أخبر عنه النبي صلى الله عليه وسلم عن عالم الغيب أن الملائكة تستحي منه.

البشارة بالخير

ثم في هذا الحديث: بشارة الشخص بالخبر السار، فإذا حصل لإنسان خبر سار، فمن السنة أن تبشره بذلك، كما فعل النبي صلى الله عليه وسلم وأمر أبا موسى أن يبشر هؤلاء الثلاثة.

وفي هذا الحديث أيضاً: محبة الإنسان الخير لأخيه، فإن أبا موسى لما رأى التبشير بالجنة، ماذا تمنى في الحال واللحظة؟ تمنى أن أخاه يأتي الآن ليبشر مع هؤلاء،، ولذلك فإن المسلم يحب لأخيه الشقيق أو لأخيه من أبويه أو من أحدهما الخير، ولا يعلم أحد أعظم منة على أخيه من موسى على هارون، فإنه لا زال يدعو ربه، ويقول: وَاجْعَلْ لِي وَزِيراً مِنْ أَهْلِي * هَارُونَ أَخِي * اشْدُدْ بِهِ أَزْرِي * وَأَشْرِكْهُ فِي أَمْرِي * كَيْ نُسَبِّحَكَ كَثِيراً * وَنَذْكُرَكَ كَثِيراً [طه:29-34] واستجاب الله دعاء موسى: وَاجْعَلْ لِي وَزِيراً مِنْ أَهْلِي [طه:29] وهذا من إرادة الخير للأخ، وموسى دعا ربه حتى أعطي ما سأل وصار هارون نبياً معه، فلا يعلم أحد أعظم منة من موسى على هارون من شقيق على شقيقه؛ لأن بعض الناس الآن ربما يكون بينه وبين أخيه حقد وحسد وبغضاء، وعداوة وتنافس، ومشاجرات ومخاصمات، وكثير الإخوان اليوم تقطعت بهم الأحوال، وتقطعت بهم العلاقات وعاب بعضهم على بعض مع أنهم أشقاء من رحم واحد، وأعرف حالة من هذه الحالات، مجموعة إخوان فرق بينهم الحال، تنافسوا فيه وتخاصموا عليه في مؤسسة مالية، فصار يلعن بعضهم بعضاً ويسب بعضهم بعضاً، ويداعي بعضهم في المحاكم وعند القضاة، وسيرتهم تلوكها ألسنة الناس، وكل واحد يدعو على الآخر بالفقر وبالشلل وبالمرض وباللعن، وواحد ذهب في رمضان هذا إلى مكة عمرة ليدعو على أخيه عند باب الكعبة، ورجع وقال: ودعوت عليه عند باب الكعبة، يذهب مشواراً إلى مكة في رمضان لعبادة جليلة وهي العمرة التي تعدل حجة ليدعو عند باب الكعبة على أخيه وشقيقه من أبيه وأمه، وما سبب ذلك إلا الأموال التي فرقت بينهم، وهذا أبو موسى الأشعري يحترق من الداخل ويغلي، ويقول: وقد تركت أخي يتوضأ ويلحقني، وقلت: إن يرد الله بفلان خيراً يأت به، ويريده أن يأتي، ويتمنى أن يأتي ليدرك أخاه بشارة يسعد بها يوم الدين.

لكن هؤلاء يتقاطعون يتدابرون، ويتهاجرون ويتحاسدون ويتباغضون، مع أنهم إخوة وأشقاء، فنسأل الله العافية، والله يا إخوان إن هذه من كبار المصائب، أن يتفكك البيت الواحد ويتشقق ويصبح أهله وأعضاؤه وأفراده أعداءً.

حماية أهل العلم والفضل

وفي هذا الحديث كذلك: حماية أهل العلم والفضل، وحراستهم والمحافظة عليهم، ولذلك فإن أبا موسى الأشعري رضي الله عنه تقرب إلى الله، خرج من بيته ناوياً لعبادة يتقرب بها إلى الله وهي أن يلزم النبي صلى الله عليه وسلم ويكون معه ويحرسه ويخدمه، وهذا من فضله رضي الله عنه، وأبو موسى الأشعري صاحب الصوت الحسن بالقرآن.

وكذلك في هذا الحديث: كيف كان أبو بكر وعمر مع النبي صلى الله عليه وسلم في حياته وبعد الموت، كانوا قرناء، يقول الصحابي: كثيراً ما أسمع: جاء أبو بكر وعمر ، ذهب أبو بكر وعمر مع النبي صلى الله عليه وسلم، جاء رسول الله وأبو بكر وعمر ، ذهب رسول الله وأبو بكر وعمر ، الرسول صلى الله عليه وسلم وأبو بكر وعمر يذهبون، أخرجهم الجوع معاً، وكانوا في المعارك معاً، أبو بكر وعمر والنبي صلى الله عليه وسلم الذين أخرجهم الجوع دفنوا معاً متجاورين، قبورهم متجاورة، وكلهم أعمارهم ثلاثة وستون سنة، النبي صلى الله عليه وسلم ثلاثة وستين سنة، وأبو بكر الصديق ثلاثة وستين سنة، وعمر ثلاثة وستين سنة، وقبورهم متجاورة، وهما وزيراه في حياته، وجاوراه بعد مماته، وأفضل الناس بعده، ورفقاؤه في الجنة، فهؤلاء الأفاضل رضي الله عنهم.

وكذلك في هذا الحديث البلوى التي أصابت عثمان رضي الله عنه فرفع الله بها منزلته، فإن عثمان ولي من أولياء الله، فكانت البلوى هذه رفعاً لدرجاته، وكانت شهادة له عند ربه، وهكذا بقي على العهد الذي عهد به إليه صلى الله عليه وسلم وهذه البلوى التي تصيبه، وكانت تلك الشهادة التي ختم له بها رضي الله عنه وأرضاه.

وفي هذا الحديث حمد الله على النعمة، فإنه في الحديث لما بُشِّر أبو بكر الصديق وعمر حمد الله حتى جلس، يحمد الله ليس مرة، بل كرر الحمد حتى جلس بجانب النبي صلى الله عليه وسلم.

اجتماع الأخيار

وفيه اجتماع الأخيار معاً، وأن الله إذا بعث نبياً جعل له بطانة خير تأمره بالخير وتعينه على الخير، وهؤلاء بطانة النبي صلى الله عليه وسلم أبو بكر وعمر وعثمان الذين لعنهم أهل البدع وسبوهم، ولا زالوا يقولون: تبت يدا أبي بكر وتب، تبت يدا عمر وتب، تبت يدا عثمان وتب، سبعين آية يسبون فيها سبعين من صحابة النبي صلى الله عليه وسلم، ويقولون بعد الصلاة ذكر خاص: دعاء لعن صنمي قريش، يقصدون أبا بكر وعمر ، ففي هذا الحديث تذكير لنا بفضل هؤلاء ونجاسة الذين يسبونهم، وبغضنا وكراهيتنا لمن يسب الشيخين وعثمان رضي الله عن الجميع.

فراسة سعيد بن المسيب

وفي الحديث أيضاً: فراسة سعيد بن المسيب الذي ربط بين الحديث وبين القبور، وهذا ربما لا يخطر ببال أي شخص، لكن الذي رزقه الله بصيرة يربط بين الأحاديث وبين الواقع، فانظر كيف ربط سعيد بن المسيب بين الحديث وبين الواقع، خطر بباله الحديث وأول هذه القصة بالقبور الموجودة، الحديث هذا يدل على أن السلف يستحضرون الأحاديث، وعندما يتفكرون في الواقع تقفز إلى أذهانهم الأحاديث الموجودة في أذهانهم، الحديث من الأحاديث، والدليل من الأدلة، والنص من النصوص المحفوظة، فيربط بين الواقع والحديث، وهذا الربط بين الواقع والحديث لا يؤتاه إلا من أعطاه الله بصيرة. هذا سعيد بن المسيب ربط بين الواقع والحديث ربطاً واضحاً، ولذلك ابن حجر رحمه الله ذكر فراسته وتأويله للواقع في اليقظة.

نسأل الله سبحانه وتعالى أن يجمعنا بهم في جنات النعيم، وأن يرزقنا شفاعة النبي الأمين محمد عليه الصلاة والسلام، والله تعالى أعلم.