عذاب أهل الكبائر في البرزخ


الحلقة مفرغة

المنافقون شر الناس جميعاً؛ فهم لخبثهم ومكرهم وكيدهم للإسلام وأهله وطعنهم فيه وفي حملته دخلوا في الدين وتظاهروا به، ومن جملة ما فعلوه في هذا السبيل افتراؤهم على أم المؤمنين الطاهرة المطهرة عائشة رضي الله عنها ورميهم لها بالإفك، كي يطعنوا في نبي الإسلام ودين الإسلام وحملة الإسلام، ولكن الله تعالى لهم بالمرصاد، فقد كشفهم وفضحهم، وبين كذبهم وافتراءهم وإفكهم، وبرأ عائشة رضي الله عنها مما قالوه، وسيجازيهم في الآخرة بالعذاب الأليم، وهم موجودون في كل زمان، وقى الله الإسلام والمسلمين شرهم.

الحمد لله رب العالمين، والصلاة والسلام على سيدنا محمد وعلى آله وصحبه أجمعين.

أما بعد:

فموضوعنا اليوم حول حديث الرقائق من سلسلة هذه الدروس، التي نسأل الله سبحانه وتعالى أن يجعلها حجة لنا، وأن يعلمنا منها ما نستفيد به موعظة في حياتنا، وزاداً لنا في آخرتنا.

روى البخاري -رحمه الله تعالى- عن سمرة بن جندب رضي الله عنه قال: (كان رسول الله صلى الله عليه وسلم مما يكثر أن يقول لأصحابه: هل رأى أحد منكم من رؤيا؟ قال: فيقص عليه من شاء الله ما شاء الله أن يقصه) كثيراً ما كان عليه الصلاة والسلام يسأل: هل رأى أحدٌ رؤيا؟ فمن رأى رؤيا يقصها على النبي صلى الله عليه وسلم (وإنه قال ذات غداة: إني أتاني الليلة آتيان، وإنهما ابتعثاني، وإنهما قالا لي: انطلق، وإني انطلقت معهما، فأتينا على رجلٍ مضطجع، وإذا آخر قائم عليه بصخرة، وإذا هو يهوي بالصخرة فيثلغ بها رأسه) أي: يكسره ويشدخه (فيتدهده) أي: ينحط وينحدر (فيتدهده الحجر هاهنا) أي: من هذه الجهة (فيتبع الحجر فيأخذه فلا يرجع إليه) القائم الذي التقط الحجر لا يرجع إلى الرجل المضطجع (حتى يصح رأسه كما كان ثم يعود عليه، فيفعل به مثلما فعل به المرة الأولى، قال: قلت لهما: سبحان الله! ما هذان؟

قالا لي: انطلق .. انطلق.

قال: فانطلقنا، فأتينا على رجل مستلقٍ لقفاه، وإذا آخر قائم عليه بكلوبٍ من حديد) أي: الحديدة المعوجة الرأس التي ينزع بها اللحمة من القدر مثل الخطاف (وإذا هو يأتي أحد شقي وجهه) وجه هذا الرجل المستلقي (فيشرشر شدقه) أي: يشق طرف الفم ويقطعه (إلى قفاه) من الخلف (ومنخره إلى قفاه، وعينه إلى قفاه ثم يتحول إلى الجانب الآخر فيفعل به مثلما فعل بالجانب الأول، فما يفرغ من ذلك الجانب، حتى يصح ذلك الجانب كما كان، ثم يعود إليه فيفعل به مثلما فعل المرة الأولى.

قال: قلت لهما: سبحان الله! ما هذان؟

قالا لي: انطلق .. انطلق.

فانطلقنا فأتينا على مثل التنور -الفرن- قال: فأحسب أنه كان يقول: فإذا فيه لغط وأصوات فاطلعنا فيه، فإذا فيه رجالٌ ونساء عراة، وإذا هم يأتيهم لهب من أسفل منهم، فإذا أتاهم ذلك اللهب ضوضوا -أي: صاحوا وضجوا- قال: فقلت لهما: ما هؤلاء؟

فقالا لي: انطلق .. انطلق.

قال: فانطلقنا فأتينا على نهرٍ حسبت أنه كان يقول: أحمر مثل الدم، وإذا في النهر رجلٌ سابح يسبح، وإذا على شاطئ النهر رجل قد جمع عنده حجارة كثيرة، وإذا ذلك السابح يسبح ما يسبح، ثم يأتي ذلك الذي قد جمع عنده الحجارة، فيفغر -أي: الرجل السابح- له فاه فيلقمه حجراً، فينطلق يسبح ثم يرجع إليه، وكلما رجع إليه فغر له فاه فألقمه حجراً.

قال: قلت لهما: ما هذان؟

قالا لي: انطلق .. انطلق.

قال: فانطلقنا فأتينا على رجلٍ كريه المرآه، كأكره ما أنت راءٍ رجل مرآة، وإذا عنده نارٌ يحشها -يزيدها إشعالاً- ويسعى حولها، قال: قلت لهما: ما هذا؟

قال: قالا لي: انطلق .. انطلق.

فانطلقنا فأتينا على روضةٍ معتمة فيها من كل لون الربيع، وإذا بين ظهري الروضة رجل طويلٌ لا أكاد أرى رأسه طولاً في السماء، وإذا حول الرجل من أكثر ولدان رأيتهم قط.

قال: قلت لهما: ما هؤلاء؟

قال: قالا لي: انطلق.. انطلق.

قال: فانطلقنا فانتهينا إلى روضة عظيمة لم أرَ روضة قط أعظم منها ولا أحسن، قالا لي: ارق فيها، قال: فارتقينا فيها، فانتهينا إلى مدينة مبنية بلبن ذهب ولبن فضة، فأتينا باب المدينة، فاستفتحنا ففتح لنا، فدخلناها فتلقانا فيها رجالٌ شطر من خلقهم كأحسن ما أنت راءٍ، وشطر كأقبح ما أنت راءٍ.

قال: قالا لهم: اذهبوا فقعوا في ذلك النهر، قال: وإذا نهر معترض يجري كأن ماءه المحض -أي: الخالص- في البياض، فذهبوا فوقعوا فيه، ثم رجعوا إلينا وقد ذهب ذلك السوء عنهم، فصاروا في أحسن صورة.

قال: قالا لي: هذه جنة عدن، وهذاك منزلك، قال: فسما بصري صُعُداً، فإذا قصرٌ مثل الربابة البيضاء -أي: السحابة البيضاء المنفردة المجتمع بعضها فوق بعض- قال: قالا لي: هذاك منزلك.

قال: قلت لهما: بارك الله فيكما ذراني فأدخله.

قالا: أمَّا الآن فلا، وأنت داخله.

قال: قلت لهما: فإني قد رأيت منذ الليلة عجباً! فما هذا الذي رأيت؟

قال: قالا لي: أما إنَّا سنخبرك.

أمَّا الرجل الأول الذي أتيت عليه يثلغ رأسه بالحجر، فإنه الرجل يأخذ القرآن فيرفضه وينام عن الصلاة المكتوبة.

وأما الرجل الذي أتيت عليه يُشرشر شدقه إلى قفاه، ومنخره إلى قفاه، وعينه إلى قفاه، فإنه الرجل يغدو من بيته فيكذب الكذبة تبلغ الآفاق. وأما الرجال والنساء العراة الذين في مثل بناء التنور، فإنهم الزناة والزواني.

وأما الرجل الذي أتيت عليه يسبح في النهر ويلقم الحجر، فإنه آكل الربا.

وأما الرجل الكريه المرآة الذي عند النار يحشها ويسعى حولها، فإنه مالك خازن جهنم.

وأما الرجل الطويل الذي في الروضة، فإنه إبراهيم صلى الله عليه وسلم، وأما الولدان الذين حوله، فكل مولود مات على الفطرة.

فقال بعض المسلمين: يا رسول الله! وأولاد المشركين؟

فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم: وأولاد المشركين.

وأما القوم الذين كان شطرٌ منهم حسناً وشطرٌ قبيحاً، فإنهم قومٌ خلطوا عملاً صالحا وآخر سيئاً تجاوز الله عنهم).

هذا الحديث العجيب الصحيح قد رواه الإمام أبو عبد الله البخاري رحمه الله في صحيحه ، في مواضع: في كتاب الجنائز، وفي كتاب التعبير .. وغير ذلك، وأخرج قطعة منه الإمام مسلم رحمه الله، وكذلك الإمام أحمد ، فهو حديث صحيح في غاية الصحة.

يقول فيه: (كان رسول الله صلى الله عليه وسلم مما يكثر أن يقول لأصحابه: هل رأى أحدٌ منكم من رؤيا؟) وهذا سؤال منه صلى الله عليه وسلم عن الرؤيا واهتمامه بها، لأن الرؤيا جزء من النبوة، والرؤيا قد يكون فيها إخبار عن غيب مستقبلي، أو تحذير من شيء، وإذا كانت من رجل مؤمن صادق، فإنها تكون من أصدق ما يكون، كما أن الرسول صلى الله عليه وسلم بيّن أن أصدقهم رؤيا أصدقهم حديثاً، فتأتي رؤياه مثل فلق الصبح، وربما تقع كما رآها بالضبط.

وكان صلى الله عليه وسلم يؤول لأصحابه الرؤى ويفسرها لهم، وربما كان من أصحابه من يفسر أيضاً، وقد طلب أبو بكر الصديق مرةً أن يفسر رؤيا، فلما أذن له عليه الصلاة والسلام، قال له بعد تفسيرها: (أصبت بعضاً وأخطأت بعضاً).

تعريف الرؤيا وحكم تعبيرها بدون علم

إذاً: الرؤيا علم، تفسيره من الله تعالى، لا يعلم تأويله إلا الله، ومن يُعلِّمه الله تأويل الرؤيا، وليس كل أحد يعلم تفسير الرؤى، وإنما ذلك علم يهبه الله من يشاء، وقد كان يوسف الصديق عليه السلام من أعلم الناس بتفسير الرؤى، واتجهت أنظار السجينين إليه مما كان عليه من الإحسان، ولذلك قالا: نَبِّئْنَا بِتَأْوِيلِهِ إِنَّا نَرَاكَ مِنَ الْمُحْسِنِينَ [يوسف:36] فكان من المجيدين في تعبير الرؤى وهذا من البيان.

وقد ذكر العلماء رحمهم الله: أن تعبير الرؤى من الفتوى، فلا يجوز أن يُعبِّر الرؤيا من لا يُحسن التعبير، ومن عبَّر رؤيا وهو لا يُجيد التعبير فكأنما أفتى بغير علم، كما نبه على ذلك الشيخ عبد الرحمن بن ناصر السعدي رحمه الله وغيره من أهل العلم، فلا يجوز الدخول في التأويل والتعبير لمن لا يحسنه.

أقسام الرؤى

والرؤيا على ثلاثة أقسام: كما بين ذلك النبي صلى الله عليه وسلم:

أولاً: الرؤيا الحسنة من الله.

ثانياً: الحلم السيئ من الشيطان ليحزن المؤمنين.

ثالثاً: الشيء يهتم به الرجل في يومه فيراه في ليلته، فلا هو حسن ولا هو سيئ، بل بحسب الهم النفسي الذي يكون عليه فيراه في الليل.

آداب من رأى ما يزعجه

وإذا كانت الرؤيا سيئة فالإنسان عليه عدة أمور:

أولاً: إذا استيقظ عليه أن يتعوذ بالله من الشيطان، ويتفل عن يساره، ويتعوذ بالله من شر ما رآه ثلاثاً ثلاثاً ثلاثاً.

ثانياً: أن يغير جنبه الذي كان نائماً عليه، وليس بشرط إذا كان على الجنب الأيمن أن ينقلب على الأيسر، وإنما ينقلب على ظهره مثلاً، وإذا كان على الأيسر يغير إلى الجنب الأيمن.

ثالثاً: ورد في سنن الترمذي -أيضاً- صلاة ركعتين إذا رأى ما يُزعجه، ولا يخبر بها أحداً من الناس، وكثيراً ما يتلاعب الشيطان بالشخص في المنام، كما جاء في صحيح مسلم عن رجلٍ رأى أنه قد قطع رأسه وذبح وأنه يتدحرج، فلامه النبي عليه الصلاة والسلام على إخباره بها، وقال: (علام يخبر أحدكم بتلاعب الشيطان به في المنام؟!) أو كما قال عليه الصلاة والسلام.

آداب من رأى ما يسره

وإذا كانت الرؤيا حسنة، فإن الإنسان يُخبر بها من يُحب، ولا يقصها على عدو أو حاسد، وإنما يخبر بها العالم والناصح، وكثير من الأحيان يكون ما يراه الإنسان على نفسه مثل الجبل في الثقل، ولكن إذا استعاذ بالله من الشيطان ومن شر ما رأى، فإنه لا يهمه ذلك إن شاء الله.

قال: (فيقص عليه من شاء الله ما شاء الله أن يقص). "من" تعود على الرائي الذي رأى الرؤية، و"ما" تعود على الرؤية نفسها.

إذاً: الرؤيا علم، تفسيره من الله تعالى، لا يعلم تأويله إلا الله، ومن يُعلِّمه الله تأويل الرؤيا، وليس كل أحد يعلم تفسير الرؤى، وإنما ذلك علم يهبه الله من يشاء، وقد كان يوسف الصديق عليه السلام من أعلم الناس بتفسير الرؤى، واتجهت أنظار السجينين إليه مما كان عليه من الإحسان، ولذلك قالا: نَبِّئْنَا بِتَأْوِيلِهِ إِنَّا نَرَاكَ مِنَ الْمُحْسِنِينَ [يوسف:36] فكان من المجيدين في تعبير الرؤى وهذا من البيان.

وقد ذكر العلماء رحمهم الله: أن تعبير الرؤى من الفتوى، فلا يجوز أن يُعبِّر الرؤيا من لا يُحسن التعبير، ومن عبَّر رؤيا وهو لا يُجيد التعبير فكأنما أفتى بغير علم، كما نبه على ذلك الشيخ عبد الرحمن بن ناصر السعدي رحمه الله وغيره من أهل العلم، فلا يجوز الدخول في التأويل والتعبير لمن لا يحسنه.

والرؤيا على ثلاثة أقسام: كما بين ذلك النبي صلى الله عليه وسلم:

أولاً: الرؤيا الحسنة من الله.

ثانياً: الحلم السيئ من الشيطان ليحزن المؤمنين.

ثالثاً: الشيء يهتم به الرجل في يومه فيراه في ليلته، فلا هو حسن ولا هو سيئ، بل بحسب الهم النفسي الذي يكون عليه فيراه في الليل.

وإذا كانت الرؤيا سيئة فالإنسان عليه عدة أمور:

أولاً: إذا استيقظ عليه أن يتعوذ بالله من الشيطان، ويتفل عن يساره، ويتعوذ بالله من شر ما رآه ثلاثاً ثلاثاً ثلاثاً.

ثانياً: أن يغير جنبه الذي كان نائماً عليه، وليس بشرط إذا كان على الجنب الأيمن أن ينقلب على الأيسر، وإنما ينقلب على ظهره مثلاً، وإذا كان على الأيسر يغير إلى الجنب الأيمن.

ثالثاً: ورد في سنن الترمذي -أيضاً- صلاة ركعتين إذا رأى ما يُزعجه، ولا يخبر بها أحداً من الناس، وكثيراً ما يتلاعب الشيطان بالشخص في المنام، كما جاء في صحيح مسلم عن رجلٍ رأى أنه قد قطع رأسه وذبح وأنه يتدحرج، فلامه النبي عليه الصلاة والسلام على إخباره بها، وقال: (علام يخبر أحدكم بتلاعب الشيطان به في المنام؟!) أو كما قال عليه الصلاة والسلام.

وإذا كانت الرؤيا حسنة، فإن الإنسان يُخبر بها من يُحب، ولا يقصها على عدو أو حاسد، وإنما يخبر بها العالم والناصح، وكثير من الأحيان يكون ما يراه الإنسان على نفسه مثل الجبل في الثقل، ولكن إذا استعاذ بالله من الشيطان ومن شر ما رأى، فإنه لا يهمه ذلك إن شاء الله.

قال: (فيقص عليه من شاء الله ما شاء الله أن يقص). "من" تعود على الرائي الذي رأى الرؤية، و"ما" تعود على الرؤية نفسها.