خطب ومحاضرات
لقاء الباب المفتوح [197]
الحلقة مفرغة
الحمد الله رب العالمين، وصلى الله وسلم على نبينا محمد وعلى آله وصحبه أجمعين.
أما بعد:
فهذا هو اللقاء السابع والتسعون بعد المائة من لقاءات الباب المفتوح التي تتم كل يوم خميس، وهذا الخميس هو الثاني من شهر ذي القعدة عام (1419هـ).
وبما أننا قرب وقت الحج فإني أرى أن نجعل اللقاءات الثلاثة هذه في الحج، وما يتعلق به؛ لأن أحكام الحج تخفى على كثيرٍ من الناس، حتى على طلبة العلم، فمنهم من يغلو فيها، ومنهم من يخفف، ومنهم المتوسط.
في هذا اللقاء نتحدث عن مرتبة الحج في الدين الإسلامي، وعن فرضيته، وعن شروط فرضيته.
فأما الأول فنقول: إن مرتبة الحج في الدين الإسلامي أنه أحد أركان الإسلام، أوجبه الله تعالى على عباده في كتابه، وبيَّن النبي صلى الله عليه وعلى آله وسلم منزلته في الدين، فقال الله تعالى: وَلِلَّهِ عَلَى النَّاسِ حِجُّ الْبَيْتِ مَنِ اسْتَطَاعَ إِلَيْهِ سَبِيلاً وَمَنْ كَفَرَ فَإِنَّ اللَّهَ غَنِيٌّ عَنِ الْعَالَمِينَ [آل عمران:97] وقال النبي صلى الله عليه وعلى آله وسلم: (بني الإسلام على خمس: شهادة أن لا إله إلا الله وأن محمداً رسول الله، وإقام الصلاة، وإيتاء الزكاة، وصوم رمضان، وحج البيت الحرام) وفيهم أناس يعبدون الحجر، وأناس يعبدون الشجر، وأناس يعبدون التمر، حتى ذكروا أنهم في الجاهلية يصنعون عجوة -أي: عبيطة- من التمر على شكل تمثال، ثم يعبدونها، وإذا جاعوا أكلوها، سبحان الله! معبود يؤكل، تباً لهذا المعبود.
إذاً.. هذه الآلهة هل هي حق أم باطل؟ باطل؛ لقول الله تعالى: ذَلِكَ بِأَنَّ اللَّهَ هُوَ الْحَقُّ وَأَنَّ مَا يَدْعُونَ مِنْ دُونِهِ هُوَ الْبَاطِلُ [الحج:62] فما معنى: لا إله إلا الله إذاً؟ لا معبود حقٌ إلا الله، و(أن محمداً رسول الله) محمد هو بن عبد الله الهاشمي القرشي خاتم النبيين، (رسول الله) أي: أرسله إلى الناس كافة، بل إلى الإنس والجن.
مقتضى شهادة أن لا إله إلا الله: الإخلاص، أن تخلص العبادة لله، لا ترائي ولا تسمع، ولا تشرك مع الله أحداً فيها، ومقتضى شهادة أن محمداً رسول الله: أن تصدقه فيما أخبر، وتمتثل أمره فيما أمر، وتجتنب نهيه فيما نهى عنه وزجر، وتتعبد إلى الله بشريعته، لا تبتدع فيها ما ليس منها، ولذلك صارت شهادة أن لا إله إلا الله وأن محمداً رسول الله ركناً واحداً؛ لأن كل عبادة لا بد فيها من إخلاصٍ ومتابعة.
(وتقيم الصلاة) أي: تأتي بها قائماً مستقيماً بشروطها وأركانها وواجباتها، وأكملها بمكملاتها، ومن شروط الصلاة: الطهارة من الأحداث والأنجاس شرط من الشروط، واستقبال القبلة شرط من الشروط، وتكبيرة الإحرام ركن من الأركان، والتشهد الأول واجب من واجباتها، وتكرار التسبيح ثلاث مرات سنة.
إذاً.. تقيم الصلاة: تأتي بشروطها وأركانها وواجباتها وتكملها بمكملاتها.
(وتؤتي الزكاة) أي: تعطي الزكاة الواجبة بالمال لمستحقيها -لمن يستحقها من الناس- وهذا لا نتكلم عليه؛ لأنه يحتاج إلى وقت طويل، ويأتي إن شاء الله في وقته.
(وتصوم رمضان) أي: تمسك عن المفطرات من طلوع الفجر إلى غروب الشمس تعبداً لله تبارك وتعالى.
(وتحج البيت) هذا هو الشاهد.
إذاً مرتبة الحج من دين الإسلام أنه ركنٌ من أركان الإسلام.
فرضية الحج
ففي الكتاب: قال الله عز وجل: وَلِلَّهِ عَلَى النَّاسِ حِجُّ الْبَيْتِ مَنِ اسْتَطَاعَ إِلَيْهِ سَبِيلاً [آل عمران:97] والمراد بالكتاب: القرآن.
وفي السنة: قال النبي صلى الله عليه وسلم: (إن الله كتب عليكم الحج، فقام رجل وقال: يا رسول الله! أفي كل عام؟ قال: لو قلت: نعم. لوجبت ولما استطعتم، الحج مرة فما زاد فهو تطوع).
أما الإجماع: فإن المسلمين أجمعوا كلهم على فرضية الحج.
شروط وجوب الحج
الإسلام: ضده الكفر، فالكافر لا يجب عليه الحج، نقول: أولاً تشهد وأسلم، ثم نقول: يجب عليك الحج.
العقل: ضده الجنون، فلو فرض أن إنساناً -نسأل الله العافية- منذ صغره وهو مجنون، ومات فليس عليه حج؛ لأن جميع العبادات تسقط عن المجنون إلا واحدة فقط وهي الزكاة فإنها تجب في مال المجنون؛ لأن الزكاة محلها المال وليس الذمة، وهذه قاعدة مفيدة لطالب العلم.
الثالث: البلوغ، فالصغير لا يجب عليه الحج حتى لو أحرم، فمثلاً: إنسان معه غلامٌ له عشر سنوات، أحرم ثم تضايق من الإحرام وخلعه يجوز أم لا يجوز؟ يجوز؛ لأنه غير مكلف، فالصغير لا يجب عليه الحج، لا ابتداءً ولا استمراراً، فبماذا يحصل البلوغ؟
البلوغ يحصل بواحد من أمورٍ ثلاثة بالنسبة للذكور، وواحد من أمورٍ أربعة بالنسبة للنساء:
الأول: تمام خمسة عشر سنة، وعلى هذا قد يكون الرجل بالغاً في آخر النهار، غير بالغ في أول النهار؟ فمثلاً: إذا قدرنا أن ولادته في الساعة الثانية عشرة في اليوم الثاني من ذي القعدة في هذا اليوم يتم له خمسة عشر سنة، أول النهار قبل الساعة الثانية عشرة بالغ أم غير بالغ؟ غير بالغ، وآخر النهار بالغ، هذه واحدة.
ثانياً: نبات العانة، أي: الشعر الخشن الذي حول القبل، من ذكر أو أنثى.
ثالثاً: إنزال المني بشهوة، يقظةً كان أو مناماً.
هذه ثلاث علامات للبلوغ بالنسبة للذكور والإناث، بقي أمر رابع للمرأة فقط وهو الحيض، فمتى حاضت المرأة ولو كان لها عشر سنوات فهي بالغ.
الشرط الرابع: الحرية، وضدها العبودية، العبد لا يجب عليه أن يحج؛ لأنه لا يستطيع، فإن العبد ماله لسيده حتى لو كان عنده مليون ريال، فماله لسيده، لقول النبي صلى الله عليه وعلى آله وسلم: (من باع عبداً وله مال فماله للذي باعه إلا أن يشترطه المبتاع) قال: (للذي باعه) ولم يقل: ماله له، إنما للذي باعه وهو سيده.
الخامس: الاستطاعة. وهي: أن يتمكن من الحج بدنياً ومالياً، الفقير ليس عليه حج، ما دام يحتاج إلى مال فليس عليه حج، أما إذا كان لا يحتاج إلى مال كما لو قدرنا أنه من أهل مكة وهو فقير لكن يستطيع أن يمشي إلى عرفة، فهنا لا نشترط أن يكون عنده مال، لماذا؟ لأنه قادر، لا يحتاج إلى مال.
البدنية: أن يكون قادراً ببدنه على أداء النسك، فإن كان عاجزاً، فقال العلماء رحمهم الله: إن كان عجزه مستمراً وعنده مال وَكَّلَ من يحج عنه، كالشيخ الكبير، وكالمريض بمرضٍ لا يرجى برؤه، فهذا لا يجب عليه الحج بنفسه، لكن إذا كان عنده مال أن يوكل من يحج عنه، وإن كان عاجزاً عجزاً طارئاً يرجى أن يزول، كإنسان مريض بكسر والكسر يجبر، مثلاً: أصيب بكسرٍ في أول شهر ذي الحجة ولا يستطيع، فهل الكسر يرجى أن يبرأ أم لا؟ يرجى أن يبرأ، نقول: هذه السنة لا تخرج، حج من العام القادم إذا كان لديك مال، ولا يوكل أحداً؛ لأن التوكيل إنما يكون عند العجز المستمر، أما العجز الطارئ الذي يمكن أن يزول فهنا ينتظر حتى يزول عجزه.
إذا كان الإنسان عنده مال وعليه دَّين، مثلاً: عنده عشرة آلاف وعليه دين عشرة آلاف، هل يلزمه الحج؟
الجواب: لا يلزمه؛ لأن وفاء الدَّين واجب، فيجب عليه أن يوفي الدَّين أولاً، ثم يحج بعد وفاء الدَّين إن بقي عنده مال، فإذا قال: إن عليه ديناً يحل بعد سنة، وعنده مال يمكن أن يحج به هذه السنة، فهل يلزمه؟
نقول: إذا كان يرجو أنه يجد وفاءً عند تمام السنة فليحج، وإن كان لا يرجو فلا يحج، الذي يرجو مثلاً: إنسان موظف في الوقت الحاضر ليس عنده ما يوفيه، لكن إذا مرت السنة أمكنه أن يوفي، نقول: حج، ومن ذلك الذين عندهم أقساط لبنك التنمية العقاري، عنده الآن مال يوفي القسط، لكن القسط لم يحل بعد، وفي أمله أنه إذا حل القسط يوفي، فهل يحج أم لا؟ يحج، لا مانع الآن، هذه شروط وجوب الحج.
ومن نعمة الله عز وجل أن جعل للعبادات شروطاً لينضبط الناس، ويعرف من تجب عليه العبادة ومن لا تجب، ولو لم تكن هذه الشروط لكانت المسألة فوضى، كلٌ يقول: الحج واجب عليَّ، وكلٌ يقول: الحج ليس بواجب، فهذه الشروط التي وضعها الله ورسوله في العبادة لا شك أنها مقتضى الحكمة؛ لأنها تضبط الناس ويتبين من تجب عليه العبادة ومن لا تجب، ويكون الناس على بصيرة في دينهم، وإذا أراد الحج فليختر الصحبة التي لديها علم ودين، أما العلم؛ فلئلا يقع في مخالفة وهو لا يعلم، وأما الدين؛ فلئلا يحصل التهاون في بعض مناسك الحج فاختر أن يكون صاحبك في سفر الحج من ذوي العلم والدين، ولأن الإنسان إذا اختار صحبة ذات علمٍ ودين فإنه يكتسب منهم علماً وديناً، وكم من إنسان اكتسب بصحبة شخصٍ في سفر خيراً كثيراً أو شراً كثيراً، وليكن مع أصحابه حسن الخلق، يكون بشوشاً سهلاً ليناً خدوماً نشيطاً في العمل يخدم أصحابه في سقي الماء وطبخ الطعام وغير ذلك؛ لأن هذا من محاسن الأخلاق، ويقال: إنما سمي السفر سفراً؛ لأنه يسفر عن أخلاق الرجال، يسفر أي: يبين ويظهر أخلاق الرجال.
واحرص على أن يكون معك مالٌ زائد عن الحاجة؛ لأنه ربما تطرأ أمور ليست على بالك، فإذا كان معك مال أمكنك أن تسدد هذه الحاجة من الدراهم التي معك، وكفاك أن تقول: يا فلان أقرضني، يا فلان تصدق عليَّ، أكثر من النفقة ما استطعت ما دمت واجداً، وربما تكون الحاجة لغيرك من الصحبة، يحتاج إلى شيء فتعينه أو تقرضه، فحمل زيادة النفقة من الأمور المطلوبة.
واحرص على أداء الصلاة مع الجماعة، لا تقل: إني مسافر، فالمسافر تجب عليه الصلاة مع الجماعة كما تجب على المقيم، ألم ترو أن الله تعالى أنزل على عبده قوله: وَإِذَا كُنْتَ فِيهِمْ فَأَقَمْتَ لَهُمُ الصَّلاةَ فَلْتَقُمْ طَائِفَةٌ مِنْهُمْ مَعَكَ وَلْيَأْخُذُوا أَسْلِحَتَهُمْ فَإِذَا سَجَدُوا فَلْيَكُونُوا مِنْ وَرَائِكُمْ وَلْتَأْتِ طَائِفَةٌ أُخْرَى لَمْ يُصَلُّوا فَلْيُصَلُّوا مَعَكَ وَلْيَأْخُذُوا حِذْرَهُمْ وَأَسْلِحَتَهُمْ [النساء:102] فأوجب الله صلاة الجماعة حتى في الخوف؛ لأن الجماعة فرض واجب حتى إن شيخ الإسلام ابن تيمية رحمه الله قال: إن الجماعة شرط لصحة الصلاة، فمن صلى منفرداً مع قدرته على الجماعة فلا صلاة له، ولكن الصحيح: أنه له صلاة إلا أنها ناقصة جداً.
واحرص على أن تؤدي النسك على الوجه المطلوب كما سيأتي إن شاء الله بيانه في اللقاءات القادمة. أسأل الله أن يمن علينا وعليكم بالعلم النافع والعمل الصالح.
ومن الاستطاعة: أن يكون للمرأة محرم، فلا تحج المرأة بدون محرم، حتى لو بقيت سنوات، وإذا لقيت ربها وهي لم تحج لعدم وجود المحرم فلن يؤاخذها الله عز وجل ولن يعذبها؛ لأن الحج لم يجب عليها حيث إنها لا تستطيع أن تحج لعدم وجود المحرم، ولذلك بلغوا النساء اللاتي ليس لهن محارم وتضيق صدورهن إذا لم يحججن، بلغوهن بل بشروهن بأنه لا حرج عليهن، وأن الحج لا يجب عليهن كما لا تجب الزكاة على الفقير، وبشروهن بالخير، وقولوا لهن: ما دمتن لا تجدن المحرم فلا حج عليكن، وإذا وجدتن المحرم وتمت الشروط فأدين الحج.
وإلى هنا انتهى هذا الكلام، نسأل الله أن ينفع به.
أما فرضية الحج فقد جاءت في الكتاب والسنة وإجماع المسلمين إجماعاً قطعياً ضرورياً.
ففي الكتاب: قال الله عز وجل: وَلِلَّهِ عَلَى النَّاسِ حِجُّ الْبَيْتِ مَنِ اسْتَطَاعَ إِلَيْهِ سَبِيلاً [آل عمران:97] والمراد بالكتاب: القرآن.
وفي السنة: قال النبي صلى الله عليه وسلم: (إن الله كتب عليكم الحج، فقام رجل وقال: يا رسول الله! أفي كل عام؟ قال: لو قلت: نعم. لوجبت ولما استطعتم، الحج مرة فما زاد فهو تطوع).
أما الإجماع: فإن المسلمين أجمعوا كلهم على فرضية الحج.
استمع المزيد من الشيخ محمد بن صالح العثيمين - عنوان الحلقة | اسٌتمع |
---|---|
لقاء الباب المفتوح [63] | 3395 استماع |
لقاء الباب المفتوح [146] | 3350 استماع |
لقاء الباب المفتوح [85] | 3315 استماع |
لقاء الباب المفتوح [132] | 3293 استماع |
لقاء الباب المفتوح [8] | 3275 استماع |
لقاء الباب المفتوح [13] | 3259 استماع |
لقاء الباب المفتوح [127] | 3116 استماع |
لقاء الباب المفتوح [172] | 3090 استماع |
لقاء الباب المفتوح [150] | 3037 استماع |
لقاء الباب المفتوح [47] | 3033 استماع |