اللقاء الشهري [64]


الحلقة مفرغة

الحمد لله رب العالمين، وأصلي وأسلم على نبينا محمد خاتم النبيين، وعلى آله وأصحابه ومن تبعهم بإحسانٍ إلى يوم الدين.

أما بعد:

فهذا أول لقاء شهري يتم في هذه السنة، وهذا الشهر هو شهر محرم عام (1420هـ) وهذه الليلة هي ليلة السادس عشر منه.

أسأل الله تبارك وتعالى أن يجعله عام خير وبركة للإسلام والمسلمين، وأن ينصر إخواننا المسلمين في كوسوفا على أعدائهم الصرب المعتدين.

أسأل الله تعالى أن يمنح إخواننا رقاب أولئك الصرب المعتدين الظالمين، وما ذلك على الله بعزيز.

وأحث إخواني المسلمين على أن يكثروا من دعاء الله تعالى لهم في كل وقت، وأن يقنتوا في صلاة الفجر كما جاءنا من ولاة أمورنا أن نقنت لهم في صلاة الفجر، فنتقيد بما ذكروا لنا ولاة الأمور؛ لأن أصل القنوت في المملكة إنما يكون بعد إذن ولي الأمر، إذ أن القنوت إنما يخاطب به ولي الأمر لا كل إنسان بمفرده؛ لأنه نوع من الولاية.

نسأل الله تبارك وتعالى أن يحقق لإخواننا النصر العاجل، وأن يقر أعيننا بهزيمة أولئك الصرب، إنه على كل شيء قدير.

ينبغي للإنسان العاقل أن يعتبر ما سيأتي بما مضى، إنك أيها الأخ المسلم قد أمضيت عاماً كاملاً اثني عشر شهراً، مضت وكأنها دقائق بل لحظات، فاعتبر المستقبل بالماضي، سيمر بك هذا العام -إن بقيت في الدنيا- سريعاً كما مر بك العام المنصرم، فاستعد يا أخي للأعمال الصالحة، انتهز الفرصة، لا تُضع وقتك سدى، الوقت أثمن من المال وأغلى، أرأيت قول الله عز وجل: حَتَّى إِذَا جَاءَ أَحَدَهُمْ الْمَوْتُ قَالَ رَبِّ ارْجِعُونِ * لَعَلِّي أَعْمَلُ صَالِحاً فِيمَا تَرَكْتُ [المؤمنون:99-100] ولم يقل: لعليِّ أتمتع في الدنيا، لعليِّ أبني القصور وأشيدها، لكن قال: لَعَلِّي أَعْمَلُ صَالِحاً فِيمَا تَرَكْتُ [المؤمنون:100].

أكثر من طاعة الله، فلله عليك وظائف يومية وأسبوعية وحولية، فقم بهذه الوظائف من الوظائف اليومية: الصلوات الخمس التي هي أحد أركان الإسلام وأعظم أركان الإسلام بعد الشهادتين، حافظ عليها ومر أبناءك بالصلاة لسبع واضربهم عليها لعشر، وتفقد جيرانك وقم بنصحهم وإرشادهم لعل الله يهديهم على يدك.

أما موضوع هذا اللقاء فهو آخر سورة الفرقان.. انتهينا إلى قول الله تبارك وتعالى: وَالَّذِينَ لا يَدْعُونَ مَعَ اللَّهِ إِلَهاً آخَرَ وَلا يَقْتُلُونَ النَّفْسَ الَّتِي حَرَّمَ اللَّهُ إِلاَّ بِالْحَقِّ وَلا يَزْنُونَ [الفرقان:68] فما معنى قوله: (لا يَدْعُونَ مَعَ اللَّهِ إِلَهاً آخَرَ)؟ أي: لا يشركون مع الله إلهاً آخر.

وما معنى قوله: وَلا يَقْتُلُونَ النَّفْسَ الَّتِي حَرَّمَ اللَّهُ إِلاَّ بِالْحَقِّ [الفرقان:68]؟ أي: لا يقتلون النفس التي حرم الله قتلها إلا بالحق. وما هي النفس التي حرم الله قتلها؟ هي أربع: المسلم، والمعاهد، والذمي، والمستأمن.

إذاً: الموجود بيننا من الكفار يعتبرون من المعاهدين.

تفسير قوله تعالى: (وَلا يَزْنُونَ)

الصفة الثالثة: قوله: وَلا يَزْنُونَ [الفرقان:68] والزنا: وطء الفرج الحرام والعياذ بالله، فمن جامع امرأة بغير عقد نكاح صحيح أو ملك يمين صحيح فهذا هو الزنا، وهو من كبائر الذنوب وعظائمها، وقد سماه الله تعالى فاحشة فقال: وَلا تَقْرَبُوا الزِّنَى إِنَّهُ كَانَ فَاحِشَةً وَسَاءَ سَبِيلاً [الإسراء:32] وعقوبته الرجم أو الجلد مع التغريب.

الرجم إذا كان الزاني محصناً، والمحصن هو: الذي تزوج بنكاح صحيح وجامع زوجته وهو بالغ عاقل حر. وانظر إلى الشروط: تزوج بنكاح صحيح، وجامع زوجته، وهما -أي: الزوج والزوجة- بالغان، عاقلان، حران، أي: غير مملوكين، فإذا تمت هذه الشروط الخمسة فهو محصن، فإذا زنى بعد ذلك وجب رجمه بالحجارة، بمعنى: أن يقف للناس ويرموه بالحجارة، وتكون الحجارة وسط لا صغيرة ولا كبيرة، ولا يتقصدون المقاتِل؛ لأنهم إذا تقصدوا المقاتِل قضوا عليه بسرعة، والحكم الشرعي يريد أن يتألم جميع بدنه الذي تلذذ بوطء الحرام. هكذا حد الزاني إذا كان محصناً، ثم إذا تم رجمه ومات فإنه يغسل ويكفن ويصلى عليه ويدعى له بالمغفرة ويدفن مع المسلمين؛ لأنه مسلم، وهذا الحد يكون كفارة له، فلا يعذب يوم القيامة على زناه؛ لأنه عذب في الدنيا.

مسألة: قد يقول قائل: لماذا لا نقتله بالسيف؛ لأنه أقرب وأسرع في الإجهاز عليه؟

نقول: لا، نقتله بالرمي بالحجارة، هكذا جاءت السنة، وهذا الرجم ثابت في الشريعة المحمدية وكذلك في شريعة اليهود، لأنه تطهير للناس، وردعٌ لهم عن هذه الفاحشة.

أما إذا كان الزاني غير محصن فإنه يجلد مائة جلدة بحضور طائفة من المؤمنين، ويغرب عن الوطن الذي وقع فيه الزنا لمدة سنة، ولكن لا يغرب إلى بلاد يتمكن فيها من الزنا؛ لأنه إنما يغرب إبعاداً له عن مكان الزنا. وغير المحصن هو من اختل فيه شرط من شروط الإحصان التي سمعتموها. ولا بد أن يكون الزاني عالماً بالتحريم، فإن لم يكن عالماً بالتحريم فإنه لا يحد، لكن لو علم بالتحريم ولم يعلم بالحد فإنه يحد؛ لأنه ليس من شرط الحد، أن يكون المجرم عالماً به، كما أن الإنسان لو جامع زوجته في نهار رمضان في بلده فإنه يجب عليه الكفارة، وهي عتق رقبة، فإن لم يجد فصيام شهرين متتابعين، فإن لم يستطع فإطعام ستين مسكيناً، لكن لو قال هذا الرجل: إنه لم يعلم بأن هذه هي الكفارة ولو علم لما فعل، قلنا: لا يمنع هذا من وجوب الكفارة؛ لأن الرجل الذي جاء إلى النبي صلى الله عليه وسلم يسأله كان لا يدري ما عليه من الكفارة، فألزمه النبي صلى الله عليه وسلم بها.

قال الله عز وجل: وَمَنْ يَفْعَلْ ذَلِكَ يَلْقَ أَثَاماً [الفرقان:68] (ذلك) المشار إليه ما سبق: الشرك، وقتل النفس والزنا.

يُضَاعَفْ لَهُ الْعَذَابُ يَوْمَ الْقِيَامَةِ وَيَخْلُدْ فِيهِ مُهَاناً [الفرقان:69] نسأل الله العافية!

ولا شك أنه من يشرك بالله شركاً أكبر فإنه مخلدٌ في نار جهنم والجنة حرام عليه، وكذلك قتل النفس إن استحل قتلها وهو يعلم أنها محرمة، أي: نفس محرمة محترمة، فهو كافر فيخلد في النار؛ لأنه استحل ما حرمه الله عز وجل وهو يعلم أنه حرام، أما إن لم يستحل القتل فهو ذنب من الذنوب العظيمة، والزنا إذا استحله صار كافراً مخلداً في النار، وإن فعله لغلبة الشهوة عليه فإنه من كبائر الذنوب ولكن لا يخلد في النار.

الصفة الثالثة: قوله: وَلا يَزْنُونَ [الفرقان:68] والزنا: وطء الفرج الحرام والعياذ بالله، فمن جامع امرأة بغير عقد نكاح صحيح أو ملك يمين صحيح فهذا هو الزنا، وهو من كبائر الذنوب وعظائمها، وقد سماه الله تعالى فاحشة فقال: وَلا تَقْرَبُوا الزِّنَى إِنَّهُ كَانَ فَاحِشَةً وَسَاءَ سَبِيلاً [الإسراء:32] وعقوبته الرجم أو الجلد مع التغريب.

الرجم إذا كان الزاني محصناً، والمحصن هو: الذي تزوج بنكاح صحيح وجامع زوجته وهو بالغ عاقل حر. وانظر إلى الشروط: تزوج بنكاح صحيح، وجامع زوجته، وهما -أي: الزوج والزوجة- بالغان، عاقلان، حران، أي: غير مملوكين، فإذا تمت هذه الشروط الخمسة فهو محصن، فإذا زنى بعد ذلك وجب رجمه بالحجارة، بمعنى: أن يقف للناس ويرموه بالحجارة، وتكون الحجارة وسط لا صغيرة ولا كبيرة، ولا يتقصدون المقاتِل؛ لأنهم إذا تقصدوا المقاتِل قضوا عليه بسرعة، والحكم الشرعي يريد أن يتألم جميع بدنه الذي تلذذ بوطء الحرام. هكذا حد الزاني إذا كان محصناً، ثم إذا تم رجمه ومات فإنه يغسل ويكفن ويصلى عليه ويدعى له بالمغفرة ويدفن مع المسلمين؛ لأنه مسلم، وهذا الحد يكون كفارة له، فلا يعذب يوم القيامة على زناه؛ لأنه عذب في الدنيا.

مسألة: قد يقول قائل: لماذا لا نقتله بالسيف؛ لأنه أقرب وأسرع في الإجهاز عليه؟

نقول: لا، نقتله بالرمي بالحجارة، هكذا جاءت السنة، وهذا الرجم ثابت في الشريعة المحمدية وكذلك في شريعة اليهود، لأنه تطهير للناس، وردعٌ لهم عن هذه الفاحشة.

أما إذا كان الزاني غير محصن فإنه يجلد مائة جلدة بحضور طائفة من المؤمنين، ويغرب عن الوطن الذي وقع فيه الزنا لمدة سنة، ولكن لا يغرب إلى بلاد يتمكن فيها من الزنا؛ لأنه إنما يغرب إبعاداً له عن مكان الزنا. وغير المحصن هو من اختل فيه شرط من شروط الإحصان التي سمعتموها. ولا بد أن يكون الزاني عالماً بالتحريم، فإن لم يكن عالماً بالتحريم فإنه لا يحد، لكن لو علم بالتحريم ولم يعلم بالحد فإنه يحد؛ لأنه ليس من شرط الحد، أن يكون المجرم عالماً به، كما أن الإنسان لو جامع زوجته في نهار رمضان في بلده فإنه يجب عليه الكفارة، وهي عتق رقبة، فإن لم يجد فصيام شهرين متتابعين، فإن لم يستطع فإطعام ستين مسكيناً، لكن لو قال هذا الرجل: إنه لم يعلم بأن هذه هي الكفارة ولو علم لما فعل، قلنا: لا يمنع هذا من وجوب الكفارة؛ لأن الرجل الذي جاء إلى النبي صلى الله عليه وسلم يسأله كان لا يدري ما عليه من الكفارة، فألزمه النبي صلى الله عليه وسلم بها.

قال الله عز وجل: وَمَنْ يَفْعَلْ ذَلِكَ يَلْقَ أَثَاماً [الفرقان:68] (ذلك) المشار إليه ما سبق: الشرك، وقتل النفس والزنا.

يُضَاعَفْ لَهُ الْعَذَابُ يَوْمَ الْقِيَامَةِ وَيَخْلُدْ فِيهِ مُهَاناً [الفرقان:69] نسأل الله العافية!

ولا شك أنه من يشرك بالله شركاً أكبر فإنه مخلدٌ في نار جهنم والجنة حرام عليه، وكذلك قتل النفس إن استحل قتلها وهو يعلم أنها محرمة، أي: نفس محرمة محترمة، فهو كافر فيخلد في النار؛ لأنه استحل ما حرمه الله عز وجل وهو يعلم أنه حرام، أما إن لم يستحل القتل فهو ذنب من الذنوب العظيمة، والزنا إذا استحله صار كافراً مخلداً في النار، وإن فعله لغلبة الشهوة عليه فإنه من كبائر الذنوب ولكن لا يخلد في النار.

قال الله عز وجل: إِلاَّ مَنْ تَابَ [الفرقان:70] أي: تاب عن هذه الثلاثة، فإذا تاب من الشرك غفر الله له، وإذا تاب من قتل النفس غفر الله له، وإذا تاب من الزنا إذا غفر الله له، ودليل ذلك: قول الله عز وجل: قُلْ لِلَّذِينَ كَفَرُوا إِنْ يَنتَهُوا يُغْفَرْ لَهُمْ مَا قَدْ سَلَفَ [الأنفال:38] أي: ينتهوا عن كفرهم، يغفر لهم كل ما سلف من الذنوب، فلو أن أحداً كان يسجد للصنم ويستغيث به ثم هداه الله فأخلص وتبرأ من الشرك، فإن ذلك الشرك السابق لا يضره؛ لأنه تاب.

لو أن إنساناً قتل نفساً بغير حق، ثم ندم وتاب إلى الله عز وجل فإن ذلك لا يضره؛ لأنه تاب، ولكن لا بد أن يسلم نفسه لأولياء المقتول ليقتلوه، أو يأخذوا الدية، أو يعفوا عنه، وإلا لم تصح توبته.

ولو أنه زنا -والعياذ بالله- ثم ندم وتاب فلا يؤاخذ على زناه، لكن بالنسبة للمزني بها هل لها حق عليه بحيث نقول له: تحلل منها؟ في هذا تفصيل: إن كانت طائعة فلا حق لها، وإن كانت مكرهة فلها الحق، فعليه أن يستحلها، أي: يطلب منها أن تحلله؛ لأنه اعتدى عليها، وربما تكون بكراً فأفسدها، فالأمر عظيم.

نرجع إلى قوله تعالى: إِلاَّ مَنْ تَابَ [الفرقان:70].

فما هي التوبة؟ وما شروطها؟

التوبة هي: الرجوع إلى الله عز وجل من معصيته إلى طاعته. وشروطها خمسة:

الأول: الإخلاص لله.

الثاني: الندم على ما فعل.

الثالث: الإقلاع عنه.

الرابع: العزم على ألا يعود.

الخامس: أن تكون التوبة في وقت تقبل فيه التوبة.

إخلاص التوبة لله عز وجل

فمن تاب مراعاةً للخلق فتوبته غير مقبولة؛ لأنه لم يتب إلى الله وإنما تاب إلى الخلق، وقد ثبت عن النبي صلى الله عليه وسلم أنه قال: (قال الله تعالى: أنا أغنى الشركاء عن الشرك، من عمل عملاً أشرك فيه معي غيري تركته وشركه) انتبه يا أخي! أخلص النية لله، لو تصدقت بمائة ريال ليقول الناس: إنك كريم فهل تقبل؟ لا تقبل، لأنك أشركت مع الله، تصدق ليقول الله عز وجل: هذا عبدي تصدق تقرباً إلي.

الندم

الثاني الندم:

فلا بد أن يكون في قلبك حسرة على ما جرى من الذنب، لا يكن فعلك للمعصية وعدمه سواءً، بل لا بد أن يكون في قلبك حسرة، تتحسر وتقول: ليتني ما فعلت! أغواني الشيطان! وما أشبه ذلك.

الإقلاع عن الذنب

الثالث: الإقلاع عن الذنب:

وما أثقل هذا الشرط على كثير من الناس! فلننظر إلى إنسان يترك الصلاة، كيف يكون الإقلاع عن ترك الصلاة؟ أن يصلي.

إنسان يأكل الربا فكيف الإقلاع؟ أن يترك الربا.

إنسان تعدى على شخص فضربه، فكيف الإقلاع؟ الإقلاع أن يستحله ويقول: يا فلان حللني.

إنسان اغتاب شخصاً تكلم في عرضه وهو غائب، فكيف الإقلاع منه؟ أن يمسك عن غيبته وأن يستحله، يقول: يا فلان حللني، وإذا جاءك أخوك المسلم يطلب منك الحل فلا ترده، حللَّه حتى يكون أجرك على الله عز وجل، قال الله تعالى: فَمَنْ عَفَا وَأَصْلَحَ فَأَجْرُهُ عَلَى اللَّهِ [الشورى:40] بعض الناس -والعياذ بالله- تأخذه العزة بالإثم، فإذا جاءه أخوه يستحله يقول: كيف أحللك وأنت هتكت عرضي وتكلمت عليَّ في المجالس وما أشبه ذلك؟ نقول: ما دام الرجل جاء يستحلك فاحتسب الأجر على الله عز وجل، ولعلك إذا حللته أن تنقلب غيبته إياك ثناءً عليك، وهذا هو الواقع.

وذا كان الذنب أخذ مال من شخص؛ سرقة أو غصباً أو ما أشبه ذلك، فكيف الإقلاع عنه؟ أن ترد المال إليه، فإذا قال: لا أستطيع، لو ذهبت وأعطيته -مثلاً- مائة ريال لقال: أخذت مني ألفاً، ثم جعلها مشكلة، نقول: إذا خفت من هذا فهناك طرق: كأن تعطي المال شخصاً ثقة وتقول: يا فلان! هذا المال أخذته سرقة من ذلك الرجل وعينه، جزاك الله خيراً أده إليه وقل له: إن هذا مال قد أخذ منك في سالف الزمان، وتبرأ الذمة بهذا. وإذا لم تجد ثقة فاجعله في ظرف وأرسله في البريد ولا تكتب عنواناً لك، وقل: هذا من أخ لك تاب إلى الله وقد أخذه منك فحلله. إذا كنت لا تعرفه، مثل أن يكون صاحب دكان أخذت منه شيئاً وسافر الرجل ولم تدر من هو ولا تعرف محله، فماذا تصنع؟ تصدق به تخلصاً منه لا تقرباً به إلى الله، لأنك لو تصدقت به تقرباً إلى الله ما قبل الله منك، لكن تصدق به لصاحبه تخلصاً منه. فإن كان صاحبه كافراً، وهذا يقع من بعض الناس يكون عنده عامل غير مسلم فيظلمه ولا يوفيه ويسافر العامل ولا يعرف عنه لا مكانه ولا حمولته ولا شيئاً مما يمكن أن يتوصل إليه، فإنه يتخلص من هذه الدراهم ويعطيها إما بيت المال، وإما شخصاً فقيراً، أو ما أشبه ذلك، وهذا الرجل إن أسلم نفعته الصدقة، وإن لم يسلم لم تنفعه الصدقة؛ لأن الكافر لا ينفعه أي عمل صالح.

العزم على عدم العودة إلى الذنب

الرابع: العزم على ألا يعود.. فلا بد أن تعزم على ألا تعود، فإن تبت مخلصاً لله، نادماً على ما فعلت، مقلعاً عنه، لكن في قلبك أنه لو تيسرت لك المعصية الثانية لفعلت، فإن التوبة لا تصلح؛ لأن توبتك الآن توبة مؤقتة إلى أن تسنح الفرصة لك فتفعل المعصية، هذا لا ينفع. لكن هل يشترط ألا يعود أم ليس بشرط؟ الجواب: ليس بشرط، فليس من شرط التوبة ألا تعود، فربما يكون الإنسان عازماً على ألا يعود ثم تغلبه نفسه الأمارة بالسوء فيعود، فإذا عاد فالتوبة السابقة لا تبطل، ولكن عليه أن يجدد توبةً للذنب الذي فعله.

أن تكون التوبة في وقت تقبل فيه التوبة

الشرط الخامس: أن تكون التوبة في وقت تقبل فيه التوبة..

فخرج بذلك ما إذا حضر الموت الإنسان وتاب فإنه لا تقبل التوبة منه؛ لقول الله تبارك وتعالى: وَلَيْسَتْ التَّوْبَةُ لِلَّذِينَ يَعْمَلُونَ السَّيِّئَاتِ حَتَّى إِذَا حَضَرَ أَحَدَهُمْ الْمَوْتُ قَالَ إِنِّي تُبْتُ الآنَ [النساء:18] هذا ما ينفعه، ولذلك لما أدرك فرعون الغرق قال الله عنه: قَالَ آمَنْتُ أَنَّهُ لا إِلَهَ إِلاَّ الَّذِي آمَنَتْ بِهِ بَنُو إِسْرَائِيلَ وَأَنَا مِنْ الْمُسْلِمِينَ [يونس:90] فقيل له: أَالآنَ [يونس:91] تؤمن وتكون من المسلمين وَقَدْ عَصَيْتَ قَبْلُ وَكُنْتَ مِنْ الْمُفْسِدِينَ [يونس:91] فلا تقبل منه، وهذا الشرط -أيها الإخوة- يستلزم أن نبادر إلى التوبة وألا نتأخر؛ لأننا لا ندري متى يأتينا الموت، كم من إنسان مات على فراشه! وكم من إنسان مات على سيارته! كم من إنسان يمشي وسقط ومات! فإذا كان هكذا فبادر بالتوبة لئلا يفجأك الموت.

أما الثاني: فهو طلوع الشمس من مغربها، فإنه إذا طلعت الشمس من مغربها: لا يَنْفَعُ نَفْساً إِيمَانُهَا لَمْ تَكُنْ آمَنَتْ مِنْ قَبْلُ أَوْ كَسَبَتْ فِي إِيمَانِهَا خَيْرا [الأنعام:158] لا يوجد توبة، قال النبي صلى الله عليه وسلم: (لا تنقطع الهجرة حتى تنقطع التوبة، ولا تنقطع التوبة حتى تخرج الشمس من مغربها) وذلك أن هذه الشمس العظيمة التي أمرت أن تسير بانتظام تشرق من المشرق وتغرب من المغرب، إذا جاء وقت خروجها من المغرب استأذنت الله عز وجل أن تخرج من المشرق فيقول: اخرجي من المغرب فتخرج، فإذا رآها الناس آمنوا كلهم، لكن الذين لم يؤمنوا من قبل لا ينفعهم الإيمان.

أسأل الله تعالى أن يتوب علينا وعليكم توبةً نصوحاً، وأن يوفقنا لما فيه خيرنا وصلاحنا في ديننا ودنيانا، وأن يكتب ذلك لجميع المسلمين إنه على كل شيء قدير.

وإلى الأسئلة فيما بقي من الوقت.




استمع المزيد من الشيخ محمد بن صالح العثيمين - عنوان الحلقة اسٌتمع
اللقاء الشهري [24] 3289 استماع
اللقاء الشهري [34] 3025 استماع
اللقاء الشهري [41]رقم2 2981 استماع
اللقاء الشهري [25] 2940 استماع
اللقاء الشهري [29] 2935 استماع
اللقاء الشهري [58] 2834 استماع
اللقاء الشهري [33] 2801 استماع
اللقاء الشهري [60] 2784 استماع
اللقاء الشهري [7]1،2 2669 استماع
اللقاء الشهري [50] 2643 استماع