فتاوى نور على الدرب [671]


الحلقة مفرغة

السؤال: يذكر في رسالته بأنه متزوج من ابنة عمه، وأخبرها -يقول- قبل سفره بأن لا تذهب إلى أهلها بل تبقى عند أهلي، خصوصاً بأن أهلها لا يصلون، ويخاف أن يتأثر الأولاد -أولاد هذا السائل- بهم، ومع ذلك لم تسمع الكلام هذه الزوجة وذهبت إلى بيت أهلها للبقاء عندهم، وعند ذلك منع هذا الزوج عنها النفقة، يقول: هل علي إثم في ذلك؟ علماً بأنني قلت لها: في حالة ذهابكِ إلى بيت أهلكِ ليس لكِ مصروف.

الجواب: الحمد لله رب العالمين، وأصلي وأسلم على نبينا محمد وعلى آله وأصحابه ومن تبعهم بإحسان إلى يوم الدين.

قبل الإجابة على هذا السؤال أود أن أبين أنه يجب على كل من الزوجين أن يعاشر صاحبه بالمعروف؛ لقول الله تبارك وتعالى: وَعَاشِرُوهُنَّ بِالْمَعْرُوفِ [النساء:19] . ولا يحل للزوج أن يمنع زوجته من الذهاب إلى أهلها أو إلى أقاربها أو إلى صديقاتها إلا أن يرى شيئاً مكروهاً، فإن رأى شيئاً مكروهاً فلا حرج عليه أن يمنعها حتى من زيارة أبويها، مثل أن يكون الأبوان عندهم من آلات اللهو وفعل المنكر ما لا يحل أن يشاركهم الإنسان فيه، أو كانت إذا ذهبت إلى أهلها أفسدوها عليه فرجعت بقلب غير القلب الذي ذهبت به؛ فله أن يمنعها من ذلك، كما أن على المرأة أن تطيع زوجها إذا نهاها أن تذهب إلى أحد؛ لأن الزوج بمنزلة السيد لزوجته، وقد أخبر النبي صلى الله عليه وآله وسلم أن النساء عوان عندنا -أي: أسيرات-، وأمرنا أن نتقي الله فيهن.

أما الجواب عن السؤال: فإن كان ما قاله السائل حقاً، أي: أن أهل هذه الزوجة ليسوا يصلون، وعندهم شيء من المنكرات، وأنه نهاها أن تذهب إليهم لهذا السبب، فإنه قد منعها بحق، ولا يحل لها أن تذهب إلى أهلها، وأما إذا كان في الأمر مبالغة فإن الواجب عليه أن يتأمل وينظر ويتحقق.

أما بالنسبة للنفقة: فإن المرأة إذا عصت زوجها فيما يجب عليها فهي ناشز ليس لها نفقة، لا سيما وأن زوجها في هذا السؤال قد قال لها: إن ذهبتِ إلى أهلكِ فلا نفقة لكِ.

السؤال: ما شروط الدعاء المستجاب؟ وحدثونا عن آدابه، وما رأي فضيلة الشيخ لمن ينشرح صدره ويبتسم أثناء الدعاء إيماناً بالله ويقيناً بالإجابة واستحضاراً لعظمة الاتصال برب العالمين.

الجواب: من أهم ما يكون من شروط الدعاء: الإخلاص لله عز وجل، بأن يكون الإنسان بدعائه لله عز وجل مستشعراً فقره إلى ربه وغنى ربه عنه، مستشعراً قرب الله تبارك وتعالى عند الدعاء وإجابة الله تعالى للدعاء، قال الله تعالى: وَإِذَا سَأَلَكَ عِبَادِي عَنِّي فَإِنِّي قَرِيبٌ أُجِيبُ دَعْوَةَ الدَّاعِ إِذَا دَعَانِ [البقرة:186] .

ومن آداب الدعاء: أن يرفع يديه عند الدعاء؛ لأن النبي صلى الله عليه وآله وسلم قال: ( إن الله حيي كريم يستحيي من عبده إذا رفع إليه يديه أن يردهما صفراً ). وذكر النبي صلى الله عليه وآله وسلم الرجل ( يطيل السفر أشعث أغبر يمد يديه إلى السماء يقول: يا رب، يا رب… ).

ومن آداب الدعاء: أن يلح الإنسان في الدعاء ويكرر، حتى وإن تخلف في الإجابة في أول مرة أو ثاني مرة فليكرر؛ فإن الله تعالى قد يمنع الإجابة للعبد في أول مرة من أجل أن يزداد في دعاء ربه وافتقاره إليه، وأيضاً: يكون امتحاناً للعبد هل يستمر في دعائه لله أو يستحسر فيمتنع.

فألح -أيها الأخ المسلم- على ربك في الدعاء، فإن الله يحب الملحين في الدعاء، ولا يحل لإنسان أن يدعو بإثم أو قطيعة رحم؛ لأن هذا من الاعتداء في الدعاء، والاعتداء في الدعاء محرم، فلو دعا على شخص بشيء لا يستحقه هذا الشخص فقد اعتدى في دعائه؛ فلا يحل له.

وللدعاء آداب كثيرة معروفة ويرجع في ذلك إلى الكتب المؤلفة في هذا الباب.

السؤال: عندما كان داود عليه السلام يسبح لله وتسبح معه الطير والجبال هل كان يسمع صوت الطير والجبال وهي تسبح؟

الجواب: لا أدري عن هذا، هذا لا نعلمه إلا بخبر الله، وقد أخبر الله تبارك وتعالى أن الله سخر لداود الجبال يسبحن معه والطير، أما كونه يسمع أو لا يسمع فالله أعلم بذلك.

السؤال: ما معنى أن نقول: هذه التلاوة برواية حفص عن عاصم ؟

الجواب: القراءات المعروفة سبع، ولها رواة مخصوصون، وكل قراءة تختص براوي، فإذا قيل: هذه قراءة فلان عن فلان فيعني أن القراءات الأخرى بخلافها.

السؤال: أطلب من الشيخ أن يسلط الضوء على كيفية المزاح، وعن حكمه بين الأصدقاء وبين الإخوة وبين الزوج وزوجته، وهل عندما نقول على سبيل الإضحاك: فيه مرة واحد عمل كذا وكذا. لنضحك الجالسين، مع أننا لا نذكر من هو هذا الشخص، إنما هو واحد على سبيل المثال، هل هذا حرام؟

الجواب: المزاح لا شك أنه يشرح الصدر، ويوجب الأنس، ويدخل السرور، وكان النبي صلى الله عليه وآله وسلم يمزح ولا يقول إلا حقاً، فإذا كان المزاح حقاً فهو مطلوب، لا سيما إذا شعر الإنسان من جليسه بالملل والسآمة وأتى بما يروح عن نفسه، فإن هذا من الأمور المحمودة.

وأما المزاح الكذب الذي يكذب به الإنسان من أجل أن يضحك القوم فقط فقد قال النبي صلى الله عليه وآله وسلم: ( ويل لمن حدث وكذب ليضحك به القوم، ويل له ثم ويل له ). وهذا يدل على تحريمه.

أما لو ذكر قصة وقعت لشخص وهي حقيقة وهي مضحكة ولم يذكر اسمه فلا حرج في هذا؛ لأنه ليس فيه محظور.

السؤال: سمعت حديثاً: ( من قال حين يمسي وحين يصبح: اللهم أنت ربي لا إله إلا أنت، خلقتني، وأنا عبدك، وأنا على عهدك ووعدك ما استطعت، أعوذ بك من شر ما صنعت، أبوء لك بنعمتك علي، وأبوء بذنبي، فاغفر لي؛ فإنه لا يغفر الذنوب إلا أنت، إن مات من ليلته أو نهاره دخل الجنة ). فضيلة الشيخ، أفتونا هل هذا الحديث صحيح؟ وما معناه؟

الجواب: نعم، هذا الحديث صحيح، فإن الإنسان ينبغي له أن يقول هذا كل صباح وكل مساء: ( اللهم أنت ربي لا إله إلا أنت، خلقتني، وأنا عبدك ). هذه الجملة: ( اللهم أنت ربي لا إله إلا أنت ). فيها الإقرار بالربوبية والألوهية، بالربوبية حين قال: اللهم أنت ربي. والألوهية حين قال: لا إله إلا أنت.

( خلقتني وأنا عبدك ) فيه الاعتراف التام بأن الفضل لله عز وجل في إيجاد العبد؛ لأنه هو الذي خلقه وأوجده من العدم، وفيه الذل الكامل لله عز وجل في قوله: ( وأنا عبدك ). والعبد يجب عليه أن يذل لسيده، وأن يقوم بطاعته، وأن لا يخالف أمره.

( وأنا على عهدك ووعدك ما استطعت ). يعني: أنا على عهدك في القيام بطاعتك، وعلى وعدك في التصديق به، فإن الله تعالى وعد من قام بعهد الله أن يفي له جل وعلا بعهده.

وقوله: ( ما استطعت ). أي: بقدر استطاعتي، ففيه اعتراف ببذل الوسع والطاقة في طاعة الله عز وجل.

( أعوذ بك من شر ما صنعت ). يعني: أعوذ بك من شر ما صنعت يعني نفسه، فإن الإنسان يصنع السوء فتكون له عاقبة وخيمة، فيقول: ( أعوذ بك من شر ما صنعت ).

( أبوء لك بنعمتك علي ) يعني: أعترف بنعمتك علي، وإفضالك علي في أمور الدين وأمور الدنيا.

( وأبوء بذنبي ) أعترف به، والاعتراف بالذنب لله تعالى من أسباب المغفرة.

( وأبوء بذنبي فاغفر لي ) مغفرة من عندك، وارحمني إنك أنت الغفور الرحيم.

السؤال: ما حكم الشرع في نظركم في معاملة المجنون؟ وهل يجوز ضربه والاستهزاء به؟ وكيف تكون التوبة من تلك الأفعال وهو لا يعرف؟

الجواب: المجنون ليس له عقل، وضربه لا يفيد شيئاً، هذا هو الغالب أن ضربه لا يفيد، وربما يفيد، فإذا كان ضربه للتأديب مفيداً فلا بأس بضربه كضرب الصغير، وإذا كان غير مفيد فلا يجوز؛ لأنه إيلام بلا فائدة.

وأما السخرية به والاستهزاء به فأخشى أن يعاقب الساخر به والمستهزئ به أن يعاقب بمثل ما حصل لهذا المجنون، أخشى أن يسلب عقله، أخشى أن يسلب عقل أبنائه أو بناته، فليتق الله امرؤ في نفسه، وليحمد الله الذي عافاه مما ابتلا هذا المجنون، ومعلوم أن الإنسان لا يحب أن يكون مجنوناً، وليس الجنون باختياره، لكنه ابتلاء من الله وامتحان، فكيف تسخر بأمر لا قبل للمتصف به فيه وليس باختياره؟!

إن المستهزئ بالمجنون كالمستهزئ بمن وجهه ليس بجميل، أو قامته ليست مستقيمة، أو ما أشبه ذلك، فعلى المرء أن يحمد الله سبحانه وتعالى أن عافاه مما ابتلى به هؤلاء المبتلون، وليسأل الله لهم العافية.

السؤال: ما صيغة النذر؟ وهل النذر هو اليمين؟ وهل إذا قلت مثلاً: نذر علي أن لا أفعل كذا. وبعد ذلك رجعت وفعلت هذا، هل علي كفارة؟ وهل كفارة اليمين هي كفارة النذر؟ وأخيراً إذا قلت: والله العظيم ثم قلت: أستغفر الله، فهل الاستغفار يلغي الحلف بالله؟

الجواب: النذر ليس له صيغة معينة، بل كل كلمة يفهم منها أن العبد ألزم نفسه لله تعالى بشيء فهو نذر، وقد سمى الله النذر معاهدة، فقال تعالى: وَمِنْهُمْ مَنْ عَاهَدَ اللَّهَ لَئِنْ آتَانَا مِنْ فَضْلِهِ لَنَصَّدَّقَنَّ وَلَنَكُونَنَّ مِنَ الصَّالِحِينَ [التوبة:75]، فإذا قال القائل: لله علي عهد أن أفعل كذا فهو نذر، لله علي نذر أن أفعل كذا فهو نذر.

أما القسم فليس إلزاماً للنفس، ولكنه تأكيد للخبر؛ ولذلك فرقوا بينه وبين النذر من عدة وجوه.

وأما إذا نذر الإنسان أن لا يفعل شيئاً ففعله فهذا النذر حكمه حكم اليمين كما قاله العلماء رحمهم الله، فإذا حنث فيه فعليه كفارة يمين، وكفارة اليمين: إطعام عشرة مساكين، أو كسوتهم، أو تحرير رقبة، فمن لم يجد فصيام ثلاثة أيام متتابعة.

وبالمناسبة: أود أن أنبه إخواني بأن النذر مكروه أو محرم؛ لأن النبي صلى الله عليه وآله وسلم نهى عنه وقال: ( إنه لا يأتي بخير، ولا يرد قضاءً ). وكثير من الناس اليوم إذا تعسر عليه الأمر يقول: إن حصل كذا فلله علي نذر أن أفعل كذا. وهذا غلط؛ لأن هذا النذر لا يأتي بخير، إن كان الله أراد أن يأتي بالخير لك أتاك بدون نذر، وإن كان الله لم يرد ذلك فإنه لا يأتيك ولو نذرت، كثير من الناس يكون عنده المريض ويشفق عليه ويقول: إن شفى الله مريضي لأصومن كل يوم إثنين أو خميس، فيشفى المريض ثم لا يفي هذا الناذر بما عاهد الله عليه، يثقل عليه أن يصوم كل يوم إثنين وخميس فلا يفعل، وهذا على خطر عظيم؛ لأن الله تعالى قال في كتابه: وَمِنْهُمْ مَنْ عَاهَدَ اللَّهَ لَئِنْ آتَانَا مِنْ فَضْلِهِ لَنَصَّدَّقَنَّ وَلَنَكُونَنَّ مِنَ الصَّالِحِينَ * فَلَمَّا آتَاهُمْ مِنْ فَضْلِهِ بَخِلُوا بِهِ وَتَوَلَّوا وَهُمْ مُعْرِضُونَ * فَأَعْقَبَهُمْ نِفَاقًا فِي قُلُوبِهِمْ إِلَى يَوْمِ يَلْقَوْنَهُ [التوبة:75-77] نعوذ بالله! يعني: جعل في قلوبهم نفاقاً إلى الموت، وهذا خطير جداً.

وإننا نسأل هذا الرجل إذا قلت: لله علي نذر إن شفى الله مريضي أن أصوم الإثنين والخميس، فهل هذا يوجب أن يشفى المريض؟ لا؛ لأن النبي صلى الله عليه وآله وسلم قال: ( إنه لا يرد قضاءً ). هل إذا لم ينذر يوجب أن يموت الإنسان من مرضه ويعين المنذور على شفائه؟ لا، لا يوجب هذا، إن كان الله أراد لمريضك الشفاء شفاه بدون نذرك، وإن كان الله لا يريد له الشفاء لم ينفعه نذرك.

وما أكثر الذين يذهبون إلى العلماء ويقرعون باب كل عالم، ينذرون الشيء على شيء من الأشياء، ثم يحصل فيندمون ويطلبون الخلاص مما نذروا! وهذا يؤيد نهي النبي صلى الله عليه وآله وسلم عن النذر.

فعلى الإنسان أن يتقي الله في نفسه، وأن يحمد الله على العافية، وأن لا يلزم نفسه شيئاً لم يلزمه الله تعالى به.

أما إذا نذر ووقع النذر: فإن كان نذر طاعة وجب عليه الوفاء به؛ لقول النبي صلى الله عليه وآله وسلم: ( من نذر أن يطيع الله فليطعه ).

وإن كان نذر معصية حرم الوفاء به؛ لقول النبي صلى الله عليه وآله وسلم: ( ومن نذر أن يعصي الله فلا يعصه ). لكن عليه كفارة يمين.

وإن كان نذر مباح خير بين فعله وتركه، فإن فعله فقد وفى بنذره، وإن لم يفعله وجب عليه كفارة يمين.

السؤال: يوجد لدي أخت توفي لها ابنة، وكان لدى هذه الابنة مجموعة من الذهب تساوي ما يقادر قيمته مبلغاً من المال، فماذا عليها أن تفعل بهذا الذهب؟ هل تقوم ببيعه أم ماذا تفعل؟

الجواب: هذا الذهب يكون ميراثاً، فإذا كانت البنت لها وارث قسم بين الورثة على ما جاء في كتاب الله، فإذا كانت البنت هذه لها أم ولها أب ولها إخوان اثنان فأكثر: فللأم السدس، والباقي للأب، ولا شيء للإخوان، وإن كان لها أب وليس لها إخوان: فللأم الثلث، والباقي للأب، المهم أن هذا الذهب الذي تركته البنت المتوفاة يكون ميراثاً حسب ما جاء في القرآن والسنة.