فتاوى نور على الدرب [606]


الحلقة مفرغة

السؤال: أكثر الناس يحبون المال حباً شديداً، فهل يؤثر ذلك على عقيدتهم؟

الجواب: إن حب المال لا يؤثر على العقيدة ولا على الدين إذا لم يشغل عن واجب أو مستحب، فإن شغل عن واجب كان الاشتغال به حراماً، وإن شغل عن مستحب كان الاشتغال بالمستحب أولى من الاشتغال بالمال، ولابد أن يكون تصرف الإنسان بالمال على وفق الشريعة الإسلامية، فلا يعامل معاملة تشتمل على ظلم، أو ربا أو غش، ولا يعامل الناس بدعوى ما ليس له، أو بإنكار ما هو عليه، وحب المرء للمال أمر طبيعي كما قال الله تبارك وتعالى: وَالْعَادِيَاتِ ضَبْحًا * فَالْمُورِيَاتِ قَدْحاً * فَالْمُغِيرَاتِ صُبْحاً * فَأَثَرْنَ بِهِ نَقْعاً * فَوَسَطْنَ بِهِ جَمْعاً * إِنَّ الْإنْسَانَ لِرَبِّهِ لَكَنُودٌ * وَإِنَّهُ عَلَى ذَلِكَ لَشَهِيدٌ * وَإِنَّهُ لِحُبِّ الْخَيْرِ لَشَدِيدٌ [العاديات:1-8]، أي: لحب المال، كما قال تعالى: وَتُحِبُّونَ الْمَالَ حُبًّا جَمًّا [الفجر:20]، وإذا كان محبة الإنسان المال من أجل أن ينميه ليعمل به عملاً صالحاً كان ذلك خيراً، فإنه نِعْمَ المال الصالح عند الرجل الصالح، وكم من أناس أغناهم الله فنفع الله تعالى بأموالهم في الجهاد في سبيل الله، في نشر العلم، في إعانة الملهوف، إلى غير ذلك.

السؤال: جماعة مسافرون وجمعوا المغرب والعشاء جمع تأخير، وفي أثناء الصلاة دخل أحدهم مع الجماعة ناسياً الجمع، ونوى العشاء، وأثناء الصلاة تذكر أن أصحابه يصلون المغرب فقلب النية من العشاء إلى المغرب، ما حكم هذه الصلاة؟

الجواب: هذه الصلاة لا تصح، لا للمغرب ولا للعشاء، أما المغرب فلأنه أبطلها وعدل عنها إلى نية العشاء، وأما العشاء فلأنه لم يبتدئها من أول الصلاة، فإن أول الصلاة كان للمغرب، وعلى هذا فيجب على هذا الأخ أن يصلي صلاة المغرب، وأن يصلي صلاة العشاء، وإذا كان في سفر فإنه يقضيها ركعتين، لأنه وجبت عليه ركعتين فيقضيها ركعتين؛ لقول النبي صلى الله عليه وسلم: ( من نام عن صلاة أو نسيها فليصلها إذا ذكرها )، فقوله: فليصلها. أي: يصلي تلك الصلاة على صفتها، ولهذا قال أهل العلم: إن القضاء يحكي الأداء، فمن قضى صلاة سفر في حضر صلى ركعتين، ومن قضى صلاة حضر في سفر صلى أربعاً، ومن قضى صلاة ليلٍ في النهار جهر بالقراءة، ومن قضى صلاة نهار في الليل لم يجهر بالقراءة لأن العبرة بالقضاء، أي: بالمقضية.

السؤال: ما نصائحكم للطلبة في أيام الامتحانات؟

الجواب: نصيحتي للطلبة في أيام الامتحانات وفي غير أيام الامتحانات وفي الإجازة أن يتقوا الله عز وجل، وأن يخلصوا النية له في طلب العلم، وأن يؤدوا الأمانة في الامتحانات، بحيث لا يحاول أحد منهم الغش لا لنفسه ولا لغيره؛ لأنه مؤتمن، ولأن من نجح بالغش فليس بناجح في الحقيقة، ثم إنه يترتب على غشه أنه سينال بشهادته مرتبة لا تحل إلا بالشهادة الحقيقية المبنية على الصدق، والإنسان إذا لم ينجح إلا بالغش فإنه لم ينجح في الحقيقة، ثم إنه سيكون فاشلاً إذا تولى منصباً إذ إنه ليس عنده علم، فيبقى فاشلاً في أداء مهمته، ولا فرق في ذلك بين مادة وأخرى، فجميع المواد لا يجوز فيها الغش، وما اشتهر عند بعضهم من أنه يجوز الغش في بعض المواد، فإنه لا وجه له، ولا علم عنده.

أما الإجازة فإني أرى للطلاب أن يستغلوها بما ينفع أنفسهم وينفع غيرهم، بالانكباب على طلب العلم الذي يهوونه ويستريحون إليه، وإذا كان لابد لهم من أن يرفهوا أنفسهم بعد التعب والكلال، فإن من أحسن شيء يرفهون به أنفسهم أن يسافروا إلى مكة والمدينة ليعملوا عمرة، وزيارة للمسجد النبوي.

السؤال: كيف يتقي المسلم عذاب القبر وعذاب النار؟

الجواب: يتقي ذلك بالأعمال الصالحة التي تقرب إلى الله تعالى، والعمل الصالح هو الذي جمع شرطين: أولهما: الإخلاص لله عز وجل، بأن لا يقصد الإنسان بعبادته إلا وجه الله والدار الآخرة، لا يقصد بذلك رياء ولا سمعة ولا مدحة عند الناس، ولا شيئاً من الدنيا، ولا يأتي بشيء مبتدعاً من عنده في الدين، فإن الله لا يقبل من العمل إلا ما كان خالصاً له موافقاً لشريعته، دليل ذلك هو قوله تعالى في الحديث القدسي: ( أنا أغنى الشركاء عن الشرك، من عمل عملاً أشرك فيه معي غيري تركته وشركه )؛ ولقول النبي صلى الله عليه وسلم: ( من عمل عملاً ليس عليه أمرنا فهو رد )، ومن أسباب الوقاية من عذاب القبر: أن يستنزه من البول، ويتطهر منه طهارة كاملة، لأنه ثبت في الصحيحين عن ابن عباس رضي الله عنهما ( أن النبي صلى الله عليه وعلى آله وسلم مر بقبرين فقال: إنهما ليعذبان وما يعذبان في كبير -أي في أمر شاق بل هو أمر سهل- فقال: أما أحدهما فكان لا يستنزه من البول، وأما الآخر فكان يمشي بالنميمة ).

وروي عن النبي صلى الله عليه وسلم أنه قال: ( استنزهوا من البول، فإن عامة عذاب القبر منه ).

ومن أسباب الوقاية من عذاب القبر: أن يكثر الإنسان من الاستعاذة بالله من عذاب القبر؛ ولهذا ( أمرنا النبي صلى الله عليه وعلى آله وسلم إذا تشهدنا في الصلاة أن نستعيذ بالله من أربع نقول: أعوذ بالله من عذاب جهنم، وعذاب القبر، ومن فتنة المحيا والممات، ومن فتنة المسيح الدجال ).

السؤال: أريد أن يكون لي علم شرعي، وأن أتفقه في الدين، وجهوني نحو أفضل الكتب المعينة في هذا المجال؟

الجواب: أحسن الكتب كتاب الله عز وجل، فإن فيه الهدى والنور والشفاء لما في الصدور، ثم ما صح عن النبي صلى الله عليه وسلم، ثم ما كتبه أهل العلم، ويختلف هذا باختلاف الناس، فالطالب الصغير المبتدئ تذكر له الأشياء المختصرة المفيدة، والطالب المتوسط يرتقي شيئاً فشيئاً حتى يصل إلى الغاية والنهاية التي يمكن أن يصل إليها البشر، ثم إني أشير على طالب العلم أن يختار له من العلماء الأمناء في دينهم وعلمهم واتجاههم ومنهجهم من يتتلمذ على يديه، فإن القراءة على المشايخ أقرب إلى الصواب، وأسرع في إدراك العلم؛ لأن الشيخ يقدم لطلابه شيئاً قد نضج، وتم اختياره من قبل هذا الشيخ، وقد توفرت ولله الحمد وسائل الإعلام الآن من مسموعة ومقروءة، فالأشرطة متوفرة، والكتب كذلك متوفرة كثيرة، نسأل الله التوفيق لما فيه الخير والصواب.

السؤال: سمعت بأن للمرأة حجة واحدة وعمرة واحدة، فهل هذا صحيح؟ وإذا رغبت في تكرار العمرة، فهل لها ذلك؟

الجواب: نعم المرأة كالرجل في الحج والعمرة، ولهذا ( سألت أم المؤمنين عائشة رضي الله عنها رسول الله صلى الله عليه وعلى آله وسلم: هل على النساء جهاد؟ قال: نعم، عليهن جهاد لا قتال فيه: الحج والعمرة )، لكن لا ينبغي للمرأة أن ترهق زوجها أو وليها في تكرار العمرة والحج؛ لأن هناك أبواباً كثيرة للخير قد تكون أفضل من العمرة والحج، فإطعام الجائع، وكسوة العاري، وإزالة المؤذي عن المسلمين أفضل من الحج والعمرة، وأعني بذلك الحج والعمرة إذا كان تطوعاً، أما الفريضة فلا بد منها.

السؤال: ما الفرق بين الجن والشياطين؟ وهل هم من فصيلة واحدة؟

الجواب: الشياطين يكونون من الجن والإنس، كما قال الله تعالى: وَكَذَلِكَ جَعَلْنَا لِكُلِّ نَبِيٍّ عَدُوًّا شَيَاطِينَ الإِنسِ وَالْجِنِّ يُوحِي بَعْضُهُمْ إِلَى بَعْضٍ زُخْرُفَ الْقَوْلِ غُرُورًا [الأنعام:112]، بل يكون الشيطان من غير العقلاء، كما قال النبي صلى الله عليه وسلم: ( الكلب الأسود شيطان )، وأما الجن فإنهم ذرية إبليس، كما قال الله تعالى: أَفَتَتَّخِذُونَهُ وَذُرِّيَّتَهُ أَوْلِيَاءَ مِنْ دُونِي وَهُمْ لَكُمْ عَدُوٌّ بِئْسَ لِلظَّالِمِينَ بَدَلًا [الكهف:50].

السؤال: هناك في بلدي قوانين تتيح للبنت أن ترث من أبيها أو أمها كما يرث الذكر، وهذا الإرث يسمى إرث الأراضي، حيث يشمل كل ما هو خارج المدن من أراضي زراعية، فهل هذا جائز في شرع الله تعالى؟ وإن قلت: يجب أن تأخذي كما أمر الله للذكر مثل حظ الأنثيين، تجد ذريعة بأن القوانين أعطتها هذا الحق، فما رأي سماحتكم في هذا الإرث؟

الجواب: رأينا في هذا أن هذا القانون قانون باطل، لأنه مخالف لشريعة الله، وقد قال النبي صلى الله عليه وسلم: ( كل شرط ليس في كتاب الله فهو باطل، وإن كان مائة شرط )، ولا يجوز للمسلم أن يعمل به، ولا يحل للمرأة أن تطالب به؛ لأن حق المرأة في الميراث إذا كانت من البنات، أو بنات الابن، أو الأخوات الشقيقات، أو الأخوات لأب نصف حق الرجل، قال الله تبارك وتعالى: يُوصِيكُمُ اللَّهُ فِي أَوْلادِكُمْ لِلذَّكَرِ مِثْلُ حَظِّ الأُنثَيَيْنِ [النساء:11].

وقال تعالى: وَإِنْ كَانُوا إِخْوَةً رِجَالًا وَنِسَاءً فَلِلذَّكَرِ مِثْلُ حَظِّ الأُنثَيَيْنِ [النساء:176]، والأخت لا تساوي أخاها إلا إذا كانا أخوين من أم كما قال تعالى: وَإِنْ كَانَ رَجُلٌ يُورَثُ كَلالَةً أَوِ امْرَأَةٌ وَلَهُ أَخٌ أَوْ أُخْتٌ فَلِكُلِّ وَاحِدٍ مِنْهُمَا السُّدُسُ فَإِنْ كَانُوا أَكْثَرَ مِنْ ذَلِكَ فَهُمْ شُرَكَاءُ فِي الثُّلُثِ [النساء:12]، وإني أنصح كل مؤمن بالله واليوم الآخر إذا كانت القوانين تمكنه من حق ليس مستحقاً له شرعاً، أنصحه أن يرفض هذا القانون، وأن لا يعمل به، لأنه باطل، والأخذ بمقتضاه أكل للمال بالباطل فلا يحل.

السؤال: لدي مبلغ من المال، وأريد أن أستثمره أو أقوم بتشغيله لدى تاجر أدوية، وهذا التاجر رفض أن أكون شريكه في العمل بالمبلغ الذي ساهمت به، وهذا المبلغ كبير، ولكن سوف يضم مالي مع ماله ويشتغل به، على أن يعطيني نسبة من الأرباح شهرياً، أو كل ثلاثة أشهر، حسب الاتفاق بيننا، فهل تعد هذه النسبة من الربح الحلال، والكسب المشروع، أو تعد مثل الفوائد البنكية؟

الجواب: هذه المعاملة معاملة صحيحة، وهي من المضاربة، والمضاربة أن يعطي الشخص مالاً لشخص آخر ويقول له: اتجر به، ولك من الربح كذا وكذا.. بالنسبة، يعني لك من الربح نصفه، أو ربعه، أو ثلثه، أو أقل أو أكثر، وهي جائزة، ولكن لو قال: أعطني من الربح كل شهر مائة أو ما أشبه ذلك، فهذا لا يحل؛ لأنه لابد أن يكون نصيبه من الربح نصيباً مشاعاً ليشتركا في المغنم والمغرم، ولا فرق بين أن يشتغل العامل الذي أعطي المال يتجر به، لا فرق بين أن يشتغل بالمال منفرداً، أو يضمه إلى مال له ويتجر بهما جميعاً.

السؤال: حضرت إلى المسجد ووجدت المؤذن يقرأ في كتاب الله بصوت عالٍ، أيهما أفضل إلقاء السلام في مثل هذه الحالة، أم أصلي تحية المسجد وأتركه يقرأ في كتاب الله تعالى دون قطع القراءة؟

الجواب: في هذه الحال لا تسلم عليه لئلا تقطعه من قراءته، إلا إذا خفت أن يترتب على ذلك شر، فلا حرج أن تسلم عليه، ولكن هذا السائل ذكر أن المؤذن يجهر بالقراءة، فإن كان يجهر بالقراءة جهراً يشوش على من صلى، فإنه لا يحل له ذلك، لأن النبي صلى الله عليه وعلى آله وسلم قال لأصحابه وهم يصلون ويجهرون، قال: ( كلكم يناجي ربه، فلا يجهرن بعضكم على بعض في القراءة )، وفي حديث آخر: ( فلا يؤذين بعضكم بعضاً في القراءة )، فبين النبي صلى الله عليه وسلم أن هذا إيذاء، ومن المعلوم أنه يحرم على الإنسان أن يؤذي إخوانه المؤمنين، قال الله تعالى: وَالَّذِينَ يُؤْذُونَ الْمُؤْمِنِينَ وَالْمُؤْمِنَاتِ بِغَيْرِ مَا اكْتَسَبُوا فَقَدِ احْتَمَلُوا بُهْتَانًا وَإِثْمًا مُبِينًا [الأحزاب:58]، وكان الرجل يأتي إلى المسجد قد أكل بصلاً أو ثوماً أو كراثاً مما له رائحة كريهة، فيخرج من المسجد لئلا يتأذى الناس برائحته.




استمع المزيد من الشيخ محمد بن صالح العثيمين - عنوان الحلقة اسٌتمع
فتاوى نور على الدرب [707] 3916 استماع
فتاوى نور على الدرب [182] 3697 استماع
فتاوى نور على الدرب [460] 3649 استماع
فتاوى نور على الدرب [380] 3503 استماع
فتاوى نور على الدرب [221] 3498 استماع
فتاوى نور على الدرب [411] 3479 استماع
فتاوى نور على الدرب [21] 3445 استماع
فتاوى نور على الدرب [82] 3440 استماع
فتاوى نور على الدرب [348] 3421 استماع
فتاوى نور على الدرب [708] 3343 استماع