فتاوى نور على الدرب [540]


الحلقة مفرغة

السؤال: هل الشخص إذا جلس في منى ثلاثة أيام لا يجب عليه الخروج إلى السوق، فإن خرج هل تكون حجته باطلة أم لا؟

الجواب: الحاج يخرج إلى منى في اليوم الثامن ويغادرها في صباح اليوم التاسع، ثم يعود إليها في صباح يوم العيد، فأما وجوده فيها في اليوم الثامن فهو سنة وليس بواجب، وأما وجوده فيها يوم العيد وما بعده فإن الواجب عليه أن يبيت ليلة الحادي عشر وليلة الثاني عشر في منى، وأما ليلة الثالث عشر فإن شاء بات وإن شاء تعجل؛ لقول الله تعالى: وَاذْكُرُوا اللَّهَ فِي أَيَّامٍ مَعْدُودَاتٍ فَمَنْ تَعَجَّلَ فِي يَوْمَيْنِ فَلا إِثْمَ عَلَيْهِ وَمَنْ تَأَخَّرَ فَلا إِثْمَ عَلَيْهِ لِمَنِ اتَّقَى [البقرة:203] والأيام المعدودات هي أيام التشريق، وهي ثلاثة أيام بعد العيد، فالحاج يبقى في منى من يوم العيد إلى اليوم الثاني عشر إن تعجل، أو إلى اليوم الثالث عشر إن تأخر، لكن الفقهاء رحمهم الله يقولون: إن الواجب هو البقاء في الليل، وأما في النهار فليس بواجب، لكن لا شك أنه من السنة أن يبقى الإنسان في منى يوم العيد وأيام التشريق كلها، أو يومين منها -إن تعجل ليلاً- ونهاراً، وإن كان عليه شيء من المشقة؛ لأن الحج نوعٌ من الجهاد لا بد فيه من مشقة، وبناءً على ذلك لو أن أحداً نزل من منى إلى مكة لشراء شيء في هذه الأيام فإنه لا حرج عليه ولا بأس؛ لأنه سوف يشتري ويرجع.

السؤال: نعلم أن دعوة المظلوم مستجابة بإذن الله، فأنا رجلٌ متزوج ولي أولاد ولي أخ، وأخي متزوج من ابنة عمي، فقد اتهمني هو وزوجته باتهامٍ لا أعرفه، فحاولت مرة ومرتين أن أعرف منه ماذا فعلت فلم يخبرني، فأنا أتذكر أنني لم أفعل معه شيئاً أبداً، والمشكلة أنهم يقولون: نريد أن نعذبك مثلما عذبتنا، وسنتركك تتألم من تأنيب الضمير ولن نسامحك أبداً، فزوجته لا تكلم زوجتي، وهو لا يكلمني، ماذا أفعل؟

الجواب: ما دمت لا تذكر شيئاً فعلته بالنسبة إليهما فليس عليك شيء؛ لأننا لو قلنا: إن عليك شيئاً لأمكن كل إنسانٍ يريد أن يعذب شخصاً في ضميره يتهمه باتهامات ولا حقيقة لها، فأنت اطمئن لا تعذب نفسك ما دام هذا الرجل وزوجته لم يذكرا شيئاً يدينانك به فلا تهتم بهذا الأمر وليس عليك شيء.

السؤال: ما حكم الكذب في الحلم للمصلحة العامة، وخاصة على الزوج الذي لا يصلي كتخويفه من النار حتى يرجع عن إهماله للصلاة؟

الجواب: الكذب في الحلم حرام بل من كبائر الذنوب؛ لأن الإنسان إذا كذب في الحلم أي: قال: إني رأيت في المنام كذا وهو لم يره فإنه يعذب يوم القيامة، يكلف بأن يعقد بين شعيرتين وليس بعاقد، ولا يقال: إنه إذا كان هناك مصلحة جاز الكذب؛ لأنه لا يمكن أن يدعى إلى الله بمعصية الله أبداً، ولكن يكفينا ما في القرآن والسنة من المواعظ، فإذا وعظ هذا الرجل المفرط في الصلاة أو في غيرها من الواجبات إذا وعظ بما في القرآن والسنة كفى بذلك، إن اتعظ فهذا هو المطلوب وإن لم يتعظ فقد قامت عليه الحجة وحسابه على الله عز وجل، ولهذا قال الله تعالى لنبيه محمدٍ صلى الله عليه وعلى آله وسلم: فَذَكِّرْ إِنَّمَا أَنتَ مُذَكِّرٌ * لَّسْتَ عَلَيْهِم بِمُصَيْطِرٍ * إِلَّا مَن تَوَلَّى وَكَفَرَ * فَيُعَذِّبُهُ اللَّهُ الْعَذَابَ الْأَكْبَرَ * إِنَّ إِلَيْنَا إِيَابَهُمْ * ثُمَّ إِنَّ عَلَيْنَا حِسَابَهُمْ [الغاشية:21-26] فحساب الخلق على الله، من كان عنده علم فإنه لا يكلف إلا بإبلاغ علمه لمن لم يعلمه وليس عليه هدى الناس لَّيْسَ عَلَيْكَ هُدَاهُمْ وَلَكِنَّ اللّهَ يَهْدِي مَن يَشَاء [البقرة:272] .

السؤال: هل يجوز لي أن أؤخر الحمل لفترةٍ مؤقتة، علماً بأنني لا أنجب إلا بقيصرية، وكم في رأيكم تجلس المرأة من سنة في هذه الحالة؟

الجواب: أنا رأيي أن المرأة تلد كل عام ولا حرج في ذلك، ومن استعان بالله أعانه الله، ومن توكل على الله فهو حسبه وكفاه، وكون المرأة تريد ألا يشق عليها شيء في الحمل ولا في الوضع هذا أمر لا يمكن، ولتعلم المرأة أن ما يصيبها من أذىً أو ألم في حال الحمل، أو عند الوضع، أو في الحضانة بعد ذلك فإنما هو رفعةٌ في درجاتها، وكفارةٌ لسيئاتها إذا احتسبت هذا على الله سبحانه وتعالى، وأرى أنه كلما كثر الأولاد فهو خيرٌ وأفضل؛ لأن هذا هو مراد النبي صلى الله عليه وعلى آله وسلم، فقد حث صلى الله عليه وعلى آله وسلم على تزوج الودود الولود، والودود: كثيرة المودة للزوج، والولود كثيرة الولادة، فلا ينبغي أن نعدل عن شيء يحبه رسول الله صلى الله عليه وعلى آله وسلم.

السؤال: ما حكم من استعمل ألفاظاً غير لائقة في القرآن أو عبارات أو جمل، وهذا من باب المزاح، كذكر كلمة من القرآن وربطها بكلمةٍ عامية، فما رأيكم فيما يفعل في ذلك؟

الجواب: الكفر لا فرق فيه بين المازح والجاد، فمتى أتى الإنسان بما يوجب الكفر فهو كافر والعياذ بالله ومن أعظم ذلك أن يأتي بشيء يفيد السخرية بالقرآن أو الاستهزاء بالقرآن، فإن هذا كفر نسأل الله العافية، كما قال الله عز وجل في المنافقين الذين كانوا يقولون: ما رأينا مثل قرائنا هؤلاء أرغب بطوناً ولا أكذب ألسناً، ولا أجبن عند اللقاء، يعنون بذلك رسول الله صلى الله عليه وعلى آله وسلم، فأنزل الله فيهم: يَحْذَرُ الْمُنَافِقُونَ أَن تُنَزَّلَ عَلَيْهِمْ سُورَةٌ تُنَبِّئُهُمْ بِمَا فِي قُلُوبِهِم قُلِ اسْتَهْزِؤُواْ إِنَّ اللّهَ مُخْرِجٌ مَّا تَحْذَرُونَ * وَلَئِن سَأَلْتَهُمْ لَيَقُولُنَّ إِنَّمَا كُنَّا نَخُوضُ وَنَلْعَبُ قُلْ أَبِاللّهِ وَآيَاتِهِ وَرَسُولِهِ كُنتُمْ تَسْتَهْزِؤُونَ * لاَ تَعْتَذِرُواْ قَدْ كَفَرْتُم بَعْدَ إِيمَانِكُمْ [التوبة:64-66] فمن أتى بكلمة الكفر فهو كافر، سواءٌ أتى بها جاداً أم لاعباً مازحاً أم غير مازح، وعلى من فعل ذلك أن يتوب إلى الله عز وجل، وأن يعتبر نفسه داخلاً في دين الإسلام بعد أن خرج منه، ويجب على المؤمن أن يعظم كلام الله عز وجل، وأن يعظم كلام رسول الله صلى الله عليه وعلى آله وسلم، كما عليه أن يعظم الله سبحانه وتعالى، وأن يعظم رسول الله صلى الله عليه وعلى آله وسلم بما يليق به، ولا يكون غلواً فيه، وأما السخرية بالقرآن وربط الكلمات القرآنية وهي كلام رب العالمين بكلامٍ عاميٍ مسخرة فهذا أمرٌ خطيرٌ جداً نسأل الله العافية قد يخرج به الإنسان من الإسلام وهو لا يشعر.

السؤال: ما حكم شد الرحال من بلدٍ إلى بلدٍ آخر للعزاء؟

الجواب: الذي أرى أن العزاء لا يحتاج إلى شد رحل في الوقت الحاضر؛ لأن لدينا ولله الحمد إمكانيات، فالهاتف موجود، والفاكس موجود، ولا حاجة إلى شد الرحل، نعم لو فرض أن الذي مات من أقرب الناس إليك كأخيك مات عند أمك وأبيك، فذهبت إليهما للعزاء، فهذا قد يقال إنه إن شاء الله لا بأس به، أما مجرد أنه صاحب أو قريب بعيد فهذا لا ينبغي أن يشد الرحل إليه لما في الاجتماع على العزاء من البدعة التي لم تكن معروفة في عهد النبي صلى الله عليه وسلم، وعن جرير بن عبد الله البجلي قال: كانوا يعدون الاجتماع إلى أهل الميت وصنع الطعام من النياحة نعم.

السؤال: نحن نعلم أن طاعة الزوج واجبة على كل امرأة متزوجة؛ إتباعاً لقول الرسول صلى الله عليه وسلم: ( أيما امرأةٍ ماتت وزوجها عنها راضٍ دخلت الجنة ) فهل هذا ينطبق على الزوج الذي يحافظ على صلاته والذي يهمل الصلاة، كأن يصلي فرضاً ويترك عشرة فروض أرجو منكم النصح والتوجيه في ذلك؟

الجواب: لا شك أن الزوج القائم بحقوق الله وحقوق الزوجية له حقٌ أعظم من الزوج المتهاون بذلك، وللزوجة أن تقابل زوجها بما يعاملها به، بمعنى: أنه إذا أساء عشرتها فلها أن تسيء عشرتها معه بقدر ما أساء عشرته معها؛ لقول الله تبارك وتعالى: وَجَزَاء سَيِّئَةٍ سَيِّئَةٌ مِّثْلُهَا [الشورى:40] ولقوله تعالى: فَمَنِ اعْتَدَى عَلَيْكُمْ فَاعْتَدُواْ عَلَيْهِ بِمِثْلِ مَا اعْتَدَى عَلَيْكُمْ [البقرة:194] لكن لا شك أن المصلحة في الصبر واحتساب الأجر عند الله عز وجل، وترك المراغمة، فإن هذا قد يؤدي إلى أن تكون الحال أحسن، قال الله تعالى: وَلَا تَسْتَوِي الْحَسَنَةُ وَلَا السَّيِّئَةُ ادْفَعْ بِالَّتِي هِيَ أَحْسَنُ فَإِذَا الَّذِي بَيْنَكَ وَبَيْنَهُ عَدَاوَةٌ كَأَنَّهُ وَلِيٌّ حَمِيمٌ * وَمَا يُلَقَّاهَا إِلَّا الَّذِينَ صَبَرُوا وَمَا يُلَقَّاهَا إِلَّا ذُو حَظٍّ عَظِيمٍ [فصلت:34-35] أما بالنسبة لتفريطه في حق الله عز وجل فهذا أمرٌ له شأنٌ آخر، على المرأة أن تنصح زوجها وأن تخاطبه بما تحصل به المصلحة والفائدة بدون توبيخٍ أو تأنيب أو ما أشبه ذلك؛ لأن الزوج يرى أن له على زوجته درجة، فإذا كلمته على سبيل التأنيب والتوبيخ فقد تأخذه العزة بالإثم فلا يقبل الحق، فعلى المرأة أن تستعمل كل أسلوبٍ تحصل به المصلحة وتزول به المفسدة، أما إذا كان لا يصلي أبداً ثم نصحته ولكنه لم يقبل فحينئذٍ يجب عليها أن تفارقه؛ لأنه يكون مرتداً، ولا يجوز للمرأة المسلمة أن تبقى تحت سلطان المرتد.

السؤال: ما حكم من تسافر من بلدٍ إلى آخر بدون محرم فقط لموعدٍ في المستشفى، فهي لا زوج لها وأولادها صغار، والكبير يجلس عند أخواته للمحافظة عليهن، فلا تستطيع وضع البنات عند أحدٍ من الناس بسبب الدراسة، فترجو منكم الإجابة؟

الجواب: ما الذي ذهب بها أولاً إلى هذا المستشفى؟

الذي ذهب بها أولاً إلى هذا المستشفى يذهب بها ثانياً إليه، لكن قد يقال: إنها نقلت من المستشفى الذي في بلدها إلى هذا المستشفى بدون الرجوع إلى محرم كما في طائرات الإخلاء الطبي، فنقول: إنه لا يجوز لها أن تسافر إلا مع ذي محرم، ولا بد أن يكون للمرأة في الغالب خالٌ، أو عمٌ، أو أخٌ، أو ابن أخٍ، أو ابن أخت أو ما أشبه ذلك مما يمكنها أن تطلب منه أن يسافر معها إذا كانت ترى أنه لا بد من بقاء ابنها الكبير مع أبنائها الصغار وبناتها الصغار.

السؤال: خرجت إلى ساحة المنزل لتغيير الجو، فأخرجت معي قفصاً به طيور، فعندما دخلت إلى داخل المنزل نسيت أن أدخل الطيور معي، فتركتها من المغرب حتى الصباح من اليوم التالي حتى العاشرة فوجدتها قد ماتت، فهل علي شيء في هذا وهل أنا آثمة؟

الجواب: ليس عليك شيء في هذا لأنك ناسية، وقد قال الله تبارك وتعالى: رَبَّنَا لاَ تُؤَاخِذْنَا إِن نَّسِينَا أَوْ أَخْطَأْنَا [البقرة:286] ، ولكني أنصحك وأنصح غيرك ممن يتخذون هذه الطيور أن يتقوا الله تعالى فيها، وأن يقوموا بالواجب أي: بواجب الإطعام والسقي والرعاية من حيث البرد ومن حيث الحر؛ لأن هذه أمانةٌ بين أيدي الإنسان، وقد أخبر النبي عليه الصلاة والسلام أنه وجد في النار امرأةً تعذب في هرةً حبستها لا هي أطعمتها، ولا هي أرسلتها تأكل من خشاش الأرض، لكن ما حصل بسبب النسيان أو الجهل فإنه لا شيء على الإنسان فيه لقوله تعالى: رَبَّنَا لاَ تُؤَاخِذْنَا إِن نَّسِينَا أَوْ أَخْطَأْنَا [البقرة:286] .

السؤال: تقول: ذهبت للحج وعند الجمرات لم أستطع الرمي بسبب الزحام الشديد، فوكلت عني أخي في جميع رمي الجمرات الثلاث، فما رأيكم في ذلك؟

الجواب: رأينا أنه إذا كانت لا تستطيع أن ترمي بنفسها إما لمرضها أو لكونها حاملاً أو لكونها عرجاء لا تستطيع المشي إلى الجمرات ولا أن تستأجر من يحملها إلى ذلك فإن لها أن توكل، أما إذا لم يكن عذرٌ فإنه لا يحل لها أن توكل؛ لأن الجمرات من شعائر الحج وجزءٌ من أجزائه، وقد قال الله تعالى: وَأَتِمُّواْ الْحَجَّ وَالْعُمْرَةَ لِلّهِ [البقرة:196] ومن إتمام الحج إتمام الرمي، ومسألة الزحام يمكن التخلص منها بتأخير الرمي من النهار إلى الليل.