فتاوى نور على الدرب [489]


الحلقة مفرغة

السؤال: عندي من الأولاد طفل أطلق عليه والده مناف وأنا أدري أنه كان اسماً لإله في الجاهلية، وترجيت زوجي بتغيير هذا الاسم ولكنه يرفض، الرجاء أن تحدثوه في ذلك ليسمع منكم؟

الجواب: إنني قبل الإجابة على هذا السؤال أود أن أوجه إخواني المستمعين إلى اختيار الأسماء التي يسمون بها أبناءهم وبناتهم بحيث تكون أحب إلى الله ورسوله من غيرها، فمن ذلك في أسماء الرجال: عبد الله وعبد الرحمن، قال النبي صلى الله عليه وآله وسلم: ( أحب الأسماء إلى الله عبد الله وعبد الرحمن )، وقريب من ذلك كل اسم أضيف إلى الله مثل: عبد الوهاب، عبد العزيز، عبد الرحيم، عبد الجبار، عبد القهار وما أشبهه، فكل اسم مضاف إلى الله فهو خير مما لم يضف إلى الله عز وجل، وأشرف ذلك وأفضله ما أضيف إلى الله أو إلى الرحمن للحديث الذي ذكرته آنفاً، ثم ما كان من الأسماء أقرب إلى الصدق والواقع، قال صلى الله عليه وسلم: ( أصدق الأسماء الحارث وهمام ) لأنه ما من إنسان إلا وهو حارث وهمام، فإذا سمي بحارث أو همام صار مطابقاً تماماً للواقع، وكذلك يُختار أسماء الأنبياء عليهم الصلاة والسلام مثل محمد صلى الله عليه وسلم، إبراهيم عليه الصلاة والسلام، موسى، عيسى، نوح، وما أشبهها.

وكذلك في أسماء النساء ينبغي أن يختار من الأسماء أحسنها وأطيبها وألذها على السمع كاسم فاطمة فإن ذلك اسم بنت محمد صلى الله عليه وآله وسلم، عائشة، زينب، أسماء، وما أشبهها من الأسماء الكثيرة.

ويا حبذا لو أن أحداً تتبع الإصابة في أسماء الصحابة وانتقى من أسماء الصحابة أسماءً مناسبة لهذا العصر فإن في هذا خيراً كثيراً وسداً لما يتخبط فيه الناس اليوم من اختيار الأسماء العجيبة، فلو حصل أن أحداً يتتبع ويختار ما كان مناسباً للعصر من أسماء الصحابة والصحابيات ونشره بين الناس ليختاروا من هذه الأسماء التي تذكرنا بسلفنا الصالح لكان في هذا خير كثير وسد لهذا الباب الذي انفتح على الناس فصاروا يتخبطون فيه خبط عشواء.

أما بالنسبة لمناف الذي وقع السؤال عنه فأنا لا أعلم هل هو اسم لإله يعبد في الجاهلية، لأن أحد أجداد الرسول عليه الصلاة والسلام اسمه عبد مناف ، أو أنه جاء مثل عبد المطلب.

فعلى كل حال، إن ثبت أنه اسم لصنم فإنه ينبغي تجنبه، وإن لم يكن اسماً لصنم فهو كغيره من الأسماء لا حرج فيه.

السؤال: امرأة متزوجة من رجل كبير في السن أنجبت منه أولاداً، ولكنه لا يعتني بها ولا يجلس معها كثيراً إنما يذهب إلى زوجته الثانية، وأيضاً هو لا يعطيها المصروف الكافي، فهل يجوز لها أن تهجره، علماً بأنه يصلي ويصوم، نرجو الإجابة؟

الجواب: أولاً: ينبغي لها أن توجه إليه النصيحة وتذكره بالله عز وجل، وتبين له أن الجور خطره عظيم، فإن النبي صلى الله عليه وآله سلم قال: ( من كانت له امرأتان فمال إلى إحداهما جاء يوم القيامة وشقه مائل )، وتبين أنها لم تسمح في حقها الواجب عليه، فلعله يعتذر إذا ذكر بالله وذكر بأن المرأة لا تسمح بإهدار حقها، ومع ذلك فإنني أقول لهذه المرأة: اصبري عليه واحتسبي الأجر على الله عز وجل وقومي بواجبهِ، فإن قيامكِ بواجب الزوج من تقوى الله عز وجل، وقد قال الله تعالى وتبارك: وَمَنْ يَتَّقِ اللَّهَ يَجْعَلْ لَهُ مِنْ أَمْرِهِ يُسْرًا [الطلاق:4]، وقال تعالى: وَمَنْ يَتَّقِ اللَّهَ يَجْعَلْ لَهُ مَخْرَجًا * وَيَرْزُقْهُ مِنْ حَيْثُ لا يَحْتَسِبُ [الطلاق:2-3]، ومقابلة العدوان بالعدوان والتقصير بالتقصير قد لا تزيد الأمر إلا شدة، فأخشى إن قابلت هذه المرأة زوجها بمثل ما يعاملها به من الجور والظلم أن يقع بينهما الانفصام الكامل فيضجر منها ثم يطلقها بعد ذلك، وفي هذه الحال تتفرق العائلة ويتمزق الشمل، وهذا أمر خلاف ما يرمي إليه الشرع من الائتلاف والاتفاق.

السؤال: شاب يبلغ من العمر الثانية والعشرين يصوم ويصلي ويحمد الله ويقول: أنا أخاف الله عز وجل، وأريد أن أتزوج من امرأة تصلي إلا أن والدها لا يصلي، فما حكم الشرع في نظركم في ذلك؟

الجواب: لا حرج على هذا الرجل أن يتزوج من هذه المرأة التي أبوها لا يصلي إذا كانت هي صالحة؛ لأن النبي صلى الله عليه وآله وسلم قال: ( تنكح المرأة لأربع: لمالها وحسبها وجمالها ودينها، فاظفر بذات الدين تربت يداك ) ولم يتعرض النبي صلى الله عليه وسلم لصلاح أبيها، وكل امرئ ونفسه. فإذا كانت هذه المرأة صالحة فليتزوجها على بركة الله، ولعل قربه من هذه العائلة يكون سبباً في نصيحة والدها وإرشاده وتوجيهه إلى الحق، فيكون هذا الزوج مباركاً على هذه العائلة كما يحصل ذلك في كثير من الأحيان.

السؤال: عندي مبلغ من المال يقارب ألفي ريال، أعطيت هذا المبلغ لرجل يبيع ويشتري فيه، وفي آخر العام أعطاني عشرين ألفاً، وأنا لا أدري كيف اشتغل بها، هل هذا حرام أم حلال؟ فأرجو إفادتي في ذلك.

الجواب: هذا حلال لا إشكال في جواز أخذه؛ لأن الرجل الذي أعطي هذا المال لم يعط إياه إلا على وجه الأمانة، فلولا أن صاحب المال قد ائتمنه ورأى أنه أهل للائتمان لم يعطه المال، وإذا كان كذلك فالأصل في تصرفات المسلمين أنها على الوجه الشرعي، ولا ينبغي أن نسأل كيف تصرفت فيها؛ لأن الأصل السلامة، اللهم إلا أن يرد شبهة فحينئذ لا بأس أن نسأل، وما دام لم ترد الشبهة فالأصل السلامة، وهذا الربح الذي حصل للسائلة ربح حلال لا غبار عليه.

وبهذه المناسبة أود أن أبين أن هذا النوع من التصرف وهو إعطاء المال لشخص يتجر به ويكون له نصيب من الربح يسمى عند العلماء: المضاربة، وفيه خير وبركة لا سيما مع حسن النية، فإن الله تعالى قال في الحديث القدسي: ( أنا ثالث الشريكين ما لم يخن أحدهما صاحبه، فإذا خان خرجت من بينهما )، وهذا النوع من العقود فيه بركة، ومن بركته: أنه ينمي المال لصاحب المال بلا تعب منه، وأنه يفتح باب العمل والكسب للطرف الآخر الذي ليس عنده مال، فيكون هذا مكتسباً بعمله وصاحب المال مكتسب بماله، ولو أن الناس سلكوا هذا وأعطوا من يثقون به دراهم يتجر بها ويكون الربح بينه وبين صاحب المال على حسب ما يتفقان عليه لحصل في هذا خير كثير لهؤلاء العاطلين الذين لا يريدون أن يعملوا بأبدانهم عند الناس كصناعين أو بنائين أو ما أشبه ذلك وليس عندهم مال يتجرون به، فإذا أحسن إليهم أحد من الناس وقال: خذ هذا المال تصرف به بالبيع والشراء وما أحل الله والربح بيننا؛ كان في هذا خير كثير، ومع النية الصالحة يبارك الله للشريكين في هذا المال.

السؤال: ما حكم الصور التي تكون بالنحت أو الآلة الفوتوغرافية الكاميرا، أو بالرسم باليد، فأنا طالب في الثانوية يلزمونني بالرسم باليد؟

الجواب: الصور المنحوتة من خشب أو حجارة أو المصنوعة من الطين أو العجين أو ما أشبه ذلك كلها حرام إذا كانت على تمثال حيوان له روح لما فيها من مضاهاة خلق الله عز وجل، وفي الحديث الصحيح: أن رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم لعن المصورين، واللعن: هو الطرد والإبعاد عن رحمة الله. وفي الحديث القدسي أيضاً أن الله تعالى قال: ( ومن أظلم ممن ذهب يخلق كخلقي، فليخلقوا ذرة أو ليخلقوا حبة أو ليخلقوا شعيرة )، وفيه أيضاً في الحديث الصحيح: ( أشد الناس عذاباً يوم القيامة المصورون الذين يضاهئون بخلق الله يقال لهم: أحيوا ما خلقتم )، والأدلة في هذا كثيرة.

ومن التصوير على القول الراجح المتوعد عليه أن يقوم الإنسان بتصوير ذي روح بيده، فإن ذلك داخل في التصوير المتوعد عليه وهو كبيرة من كبائر الذنوب.

أما التصوير بالآلة الفوتوغرافية الفورية فلا يظهر لي أنه من التصوير؛ وذلك لأن المصور لم يكن يخطط أو يحاول أن يضاهي بخلق الله، ولهذا نرى الناس لو عرض عليهم صورة بالآلة الفوتوغرافية على حسب ما حصل من التصوير لم يقولوا ما أجود هذا المصور وما أحذقه، لكن لو عرض عليهم صورة صورها بيده وخططها بيده وظهرت مطابقة لما صوره لقالوا: ما أحسن هذا، ما أحذق هذا، فدل ذلك على الفرق بين من يصنع الصورة بيده ومن يصور بالآلة الفوتوغرافية.

ويدل لهذا أن الإنسان لو كتب كتاباً بيده ثم وضعه في آلة التصوير وخرج من الآلة فإن الناس لا ينسبون هذا المرسوم إلى الذي صور بالآلة وإنما ينسبونه إلى الكاتب الأول، وما زال الناس إلى الآن يحفظون الوثائق بمثل هذا ولا يقولون إن هذا الذي التقطه بالآلة مبدع متقن جيد، بل ربما يكون الذي يتولى هذا رجلاً أعمى أو يتولاه رجل مبصر في ظلمة، لكن لو جاء شخص وعُرِض عليه خط رجل آخر فجاء يقلد هذا الخط حتى ظهر وكأنه خط الرجل الأول لقال الناس: ما أبدعه، ما أحذقه، كيف صور هذا التصوير الذي جاء مطابقاً للأصل! وبهذه الأمثلة يتبين أن التصوير الفوتوغرافي ليس في الحقيقة تصويراً ينسب إلى الفاعل، ولا يقال: إن هذا مضاهٍ بخلق الله؛ لأنه لم يصنع شيئاً، لأن الأشياء المباحة إذا أدت إلى شيء محرم كانت حراماً؛ لأن الوسائل لها أحكام المقاصد، وكذلك لا نرى أنه يجوز أن يصور الإنسان هذا التصوير للذكرى كما يقولون لما في ذلك من اقتناء الصورة التي يخشى أن تكون داخلة في قول النبي صلى الله عليه وآله وسلم: ( إن الملائكة لا تدخل بيتاً فيه صورة ).

السؤال: ما تقولون فيمن يقول لرجل: أبيعك هذه السيارة إلى العام القادم بستين ألف ريال، وإذا لم تسدد يكون المبلغ ثمانين ألف ريال في العام الذي يليه، وهذا الكلام في بداية العقد؟

الجواب: هذا العقد حرام؛ لأنه ربا، وإذا كان البائع شاكاً في وفاء المشتري فليجعلها بالثمن الأعلى من الأول وإلى الأمد المتأخر من الأول، فإن الإنسان إذا باع ما يساوي ألفاً في الحاضر بألفين إلى مدة سنتين لا حرج عليه لدخوله في عموم قول الله تعالى: وَأَحَلَّ اللَّهُ الْبَيْعَ [البقرة:275]، أو باعه بألف وخمسمائة إلى سنة فلا شيء عليه. أما أن يقول: بعتك ما يساوي ألفاً بألف وخمسمائة إلى سنة، فإن لم تسدد فبألفين؛ فإن هذا حرام لا يحل؛ لأنه ربا.

السؤال: هناك شخص يطلب آخر مبلغاً من المال ويخجل أن يطلبه منه لأنه قليل، فهل يجوز له أن يأخذه على وجه الخفية؟

الجواب: لا يحل للإنسان إذا كان له على شخص دين أن يأخذه منه بطريق الخفية، لقول النبي صلى الله عليه وآله وسلم: ( أد الأمانة إلى من ائتمنك ولا تخن من خانك )، ولم يرد أن يأخذ صاحب الحق حقه خفية إلا في باب النفقات، فإن هنداً بنت عتبة جاءت إلى رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم وقالت: ( إن أبا سفيان رجل شحيح لا يعطيني من النفقة ما يكفيني ويكفي بني، فهل علي من جناح إن أخذت من ماله بغير علمه؟ فقال النبي صلى الله عليه وآله وسلم: خذي من ماله ما يكفيكِ ويكفي بنيكِ بالمعروف )، فأذن لها النبي صلى الله عليه وآله وسلم أن تأخذ من ماله بغير علمه ما يكفيها ويكفي بنيها. وهذا يدل على أن من له نفقة على شخص وهذا الشخص يبخل عليه بالنفقة فله أن يأخذ من ماله بغير علمه ما يكفيه بالمعروف.

وألحق العلماء رحمهم الله في ذلك ما كان سببه ظاهراً كالضيف إذا نزل بشخص وامتنع من ضيافته فإن للضيف أن يأخذ من ماله ما يكفيه لضيافته بالمعروف من غير علمه؛ لأن الحق في هذا ظاهر، فإن الضيف إذا نزل بالشخص يجب عليه أن يضيفه يوماً وليلة حقاً واجباً، لا يحل له أن يتخلف عنه. أما الديون فإنه لا يحل للإنسان أن يأخذ من مال المدين بغير علمه.

السؤال: هل يكون صيام يوم ثلاثين من شوال من أيام السبت إذا كان الشهر في التقويم تسعاً وعشرين يوماً؟

الجواب: التقويم مبني على الحساب وليس مبنياً على الرؤية، ولهذا تجده قد وقت الشهور من أول شهر في السنة إلى آخر شهر قبل أن يدرك آخر السنة، وعلى هذا نقول: إذا كان الشهر في التقويم تسعة وعشرين يوماً وكان الشهر الذي قبله قد تم ثلاثين يوماً فإن الأصل بقاء الشهر الثاني، لقول النبي صلى الله عليه وسلم: ( لا تصوموا حتى تروه، ولا تفطروا حتى تروه، فإن غم عليكم فأكملوا العدة ثلاثين ).

وعلى هذا فنقول: شوال يحسب على أنه ثلاثون يوماً وإن كان في التقويم تسعة وعشرين يوماً.

السؤال: ما حكم الشرع في نظركم في صيد الطيور في الأشهر الحرم؟

الجواب: صيد الطيور في الأشهر الحرم جائز؛ لأن الأشهر الحرم إنما يحرم فيها القتال، على أن كثيراً من العلماء أو أكثر العلماء يقولون: إن تحريم القتال في الأشهر الحرم منسوخ، ولكن إذا كانت الطيور داخل حدود الحرم فإنه لا يجوز صيدها؛ لأن النبي صلى الله عليه وسلم قال حين فتح مكة: ( لا ينفر صيدها ) أي: مكة، وإذا نهي عن التنفير فالقتل من باب أولى، وقال الله عز وجل: يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا لا تَقْتُلُوا الصَّيْدَ وَأَنْتُمْ حُرُمٌ [المائدة:95]، وقال عز وجل: أُحِلَّ لَكُمْ صَيْدُ الْبَحْرِ وَطَعَامُهُ مَتَاعًا لَكُمْ وَلِلسَّيَّارَةِ وَحُرِّمَ عَلَيْكُمْ صَيْدُ الْبَرِّ مَا دُمْتُمْ حُرُمًا [المائدة:96]، فإذا كان الإنسان محرماً أو دخل حدود الحرم فإنه لا يحل له الصيد.

السؤال: أرجو الإفادة عن كيفية صلاة الليل؟

الجواب: صلاة الليل كما قال النبي عليه الصلاة والسلام حين سأله رجل فقال: ( يا رسول الله، ما ترى في صلاة الليل؟ قال: مثنى مثنى ) أي: يصلي الإنسان ركعتين ركعتين، يسلم من كل ركعتين ثم يوتر، والإيتار إن أحب أوتر بثلاث بتشهد واحد، وإن شاء أوتر بخمس بتشهد واحد، وإن شاء أوتر بسبع بتشهد واحد، وإن شاء أوتر بتسع بتشهدين يجلس عقب الثامنة ويتشهد ولا يسلم ثم يصلي التاسعة، أما إذا أوتر بإحدى عشرة -وهو أكثر الوتر- فإنه يسلم من كل ركعتين.