فتاوى نور على الدرب [390]


الحلقة مفرغة

السؤال: هل يؤثر السحر لدرجة أنه يوقف مشروع الزواج؟ وإذا كان هذا التأثير صحيحاً، فهل له علاج من الكتاب والسنة دون الذهاب للدجالين والمشعوذين؟

الجواب: السحر بلا شك يؤثر تأثيراً مباشراً، بدليل القرآن والواقع، أما القرآن فقد قال الله تعالى: فَيَتَعَلَّمُونَ مِنْهُمَا مَا يُفَرِّقُونَ بِهِ بَيْنَ الْمَرْءِ وَزَوْجِهِ [البقرة:102]، وقوله تعالى في قصة موسى عليه الصلاة والسلام: يُخَيَّلُ إِلَيْهِ مِنْ سِحْرِهِمْ أَنَّهَا تَسْعَى [طه:66]، وأما الواقع فشاهدٌ بذلك، فإن السحر يؤثر في المسحور، يؤثر في عقله وفي بدنه وفي فكره وفي اتجاهه، والسحر من كبائر الذنوب، بل شعبةٌ منه تكون من الكفر المخرج من الملة، وعلى هذا فالواجب على المسلمين البعد عن السحر والحذر منه؛ اتقاءً لعقاب الله ورحمةً بعباد الله.

وأما علاجه بالنسبة للمسحور؛ فيكون بقراءة القرآن، يقرأ على المصاب بالآيات، بآيات الحماية، مثل آية الكرسي، قُلْ هُوَ اللَّهُ أَحَدٌ [الإخلاص:1]، قُلْ أَعُوذُ بِرَبِّ الْفَلَقِ [الفلق:1]، قُلْ أَعُوذُ بِرَبِّ النَّاسِ [الناس:1]، وغيرها من الآيات التي فيها الحماية من شر الخلق، أو يؤتى بماء فيدق سبع ورقات من ورق السدر وتوضع في هذا الماء، ويقرأ فيه أو ينفث فيه بمثل قوله تعالى: مَا جِئْتُمْ بِهِ السِّحْرُ إِنَّ اللَّهَ سَيُبْطِلُهُ [يونس:81]، وغيرها من الآيات التي تفيد بطلان السحر، ويسقى المريض المصاب بالسحر.

وكذلك يمكن أن يعالج المريض بالسحر بالأدوية المباحة المتخذة من الأشجار أو غيرها، وكذلك يعالج السحر بحل السحر؛ بأن يوصل إلى المكان الذي فيه السحر، وتؤخذ الوسيلة التي جعل فيها السحر، فتنقض وتحرق، وما أشبه ذلك من أنواع الحلول المباحة.

وأما الذهاب إلى السحرة لحل السحر؛ فإن كان ذلك لضرورة فقد اختلف العلماء في جوازه، فمنهم من أجاز ذلك، وقال: إن الضرورة تبيح المحرم، ولا شك أن المصاب بالسحر إذا نقض سحره يزول ضرره، فما كان وسيلة لأمرٍ نافع بدون أن يتضمن ضرراً في الدين، فإنه لا بأس به؛ لقوله تعالى: وَقَدْ فَصَّلَ لَكُمْ مَا حَرَّمَ عَلَيْكُمْ إِلَّا مَا اضْطُرِرْتُمْ إِلَيْهِ [الأنعام:119]، وقد ذهب إلى هذا بعض التابعين، ومنهم من منع الذهاب إلى السحرة لحل السحر، واستدل بأن النبي صلى الله عليه وسلم سئل عن النشرة؟ فقال: (هي من عمل الشيطان )، ولأنه إذا فتح الباب للناس صار وسيلةً لإغراء السحرة، واتفاقهم على هذا العمل، فأحدهم يسحر والثاني يحل السحر، وما يحصل من المكاسب تكون بينهما، لأنه من المعلوم أن المصاب بالسحر سوف يبذل الشيء الكثير لأجل التخلص منه، وفي هذا مفسدةٌ عظيمة.

والحقيقة أننا إذا نظرنا إلى الضرورة الشخصية المعينة ملنا إلى الإباحة، أي: إباحة حل السحر بالسحر للضرورة، كما ذهب إلى ذلك من ذهب من السلف والخلف، وإذا نظرنا إلى المصلحة العامة ملنا إلى القول بالمنع، لا سيما وأنه مؤيدٌ بالحديث الذي أشرنا إليه، أن النبي صلى الله عليه وسلم سئل عن النشرة؟ فقال: (هي من عمل الشيطان ). والمسألة عندي فيها توقف، والعلم عند الله.

السؤال: فتاةٌ رضعت من عمتها مع ابنها الصغير، هل يجوز لها أن تتزوج من أخيه الكبير؟

الجواب: نعم. إذا كان هذا الرضاع تام الشروط فإنه لا يحل لها أن تتزوج من أخيه الكبير، لأن الطفل إذا رضع من امرأة صار ولداً لها، وولداً لمن نسب لبنها إليه، من زوجٍ إن كانت زوجة، أو مالكٍ إن كانت سرية، أو واطئٍ بشبهة إن كانت موطوءة بشبهة، سواءٌ كان أولادها سابقين على رضاع هذا الطفل أو لاحقين، وسواءٌ كان أولاد زوجها منها، أو من زوجةٍ أخرى سابقة أو لاحقة، ولكن لا بد أن نعلم أنه يشترط في الرضاع أن يكون خمس رضعات فأكثر، وفي زمن الإرضاع، فإن كان أقل من خمس رضعات فلا أثر له؛ لحديث عائشة رضي الله عنها الثابت في صحيح مسلم: (كان فيما أنزل من القرآن عشر رضعاتٍ يحرمن، ثم نسخن بخمس رضعاتٍ معلومات، فتوفي رسول الله صلى الله عليه وسلم وهي فيما يتلى من القرآن ). وعلى هذا، فما دون الخمس لا أثر له، فإذا رضع طفلٌ من امرأة أربع مرات لم يكن ولداً لها ولا أخاً لأولادها منها، ولا أخاً لأولاد زوجها من غيرها، وأما إذا رضع خمس رضعاتٍ فأكثر فإنه يكون ولداً لها، وأخاً لأولادها من زوجها أو من زوجٍ غيره، ولأولاد زوجها منها أو من غيرها.. من زوجها التي أرضعت الطفل وهي في حباله، أو من زوجٍ آخر سابقٍ أو لاحق، وأخاً لأولاد زوجها التي أرضعت الطفل في حباله، منها أو من غيرها.

إذاً: لا بد في الرضاع المؤثر أن يكون خمس رضعات فأكثر، ولا بد أيضاً أن يكون في زمن الإرضاع، وزمن الإرضاع اختلف العلماء فيه، فمنهم من قيده بالحولين وقال: ما كان قبل الحولين فهو مؤثر، وما بعدهما فلا يؤثر، سواء فطم الطفل أم لم يفطم، ومن العلماء من قال: إن العبرة بالفطام، فإذا فطم الطفل فلا أثر للرضاع بعد فطامه، وإذا لم يفطم فالرضاع مؤثر ولو زاد على الحولين، والفطام معروف، هو أن يتغذى الطفل بغير اللبن، أما ما دام الطفل لا يتغذى إلا باللبن فليس بمفطوم.

السؤال: أنا والحمد لله شابٌ مؤمنٌ أقيم الصلاة في أوقاتها، لكن المنطقة التي أسكن فيها لا توجد فيها مساجد، اللهم إلا المساجد التي تضم الأضرحة، ولا تقام الصلاة فيها جماعة، ولهذا فأنا أؤدي الصلاة إما منفرداً أو مع أحد الأصدقاء إن وجد، فهل علي إثم والحالة هذه؟

الجواب: من المعلوم أن الراجح من أقوال أهل العلم وجوب صلاة الجماعة على الأعيان، وأنه يجب أن يصلي الإنسان جماعة في بيوت الله عز وجل؛ لأن النبي صلى الله عليه وسلم قال: (لقد هممت أن آمر بالصلاة فتقام، ثم آمر رجلاً فيصلي بالناس، ثم أنطلق برجالٍ معهم حزمٌ من حطبٍ إلى قوم لا يشهدون الصلاة فأحرق عليهم بيوتهم بالنار )، وهذا يدل على أن صلاة الجماعة فرض عين على كل مكلف من الرجال، ويدل لذلك أيضاً قوله تعالى: وَإِذَا كُنتَ فِيهِمْ فَأَقَمْتَ لَهُمُ الصَّلاةَ فَلْتَقُمْ طَائِفَةٌ مِنْهُمْ مَعَكَ وَلْيَأْخُذُوا أَسْلِحَتَهُمْ فَإِذَا سَجَدُوا فَلْيَكُونُوا مِنْ وَرَائِكُمْ وَلْتَأْتِ طَائِفَةٌ أُخْرَى لَمْ يُصَلُّوا فَلْيُصَلُّوا مَعَكَ وَلْيَأْخُذُوا حِذْرَهُمْ وَأَسْلِحَتَهُمْ [النساء:102]، فأمر الله تعالى بصلاة الجماعة في حال الخوف، ففي حال الأمن أولى، وأمر الله بصلاة الجماعة كلتا الطائفتين، ولو كانت الجماعة فرض كفاية لاستغني بالطائفة الأولى عن الطائفة الثانية.

المهم أن الواجب على المسلم أن يصلي مع جماعة المسلمين في مساجدهم، فإذا لم يوجد إلا مساجد على ما وصف السائل فيها أضرحة، أي: أنها بنيت على قبور؛ فإن الصلاة فيها لا تصح، والواجب هدمها، لأن النبي صلى الله عليه وسلم لعن المتخذين على القبور مساجد، وهذا يدل على أن بناء المساجد على القبور من كبائر الذنوب، فإذا كان هذا البناء من كبائر الذنوب فإنه لا يصح أن يكون مكاناً لعبادة الله، فالواجب هدمه، وتجنب الصلاة فيه، وصلاتك في بيتك جماعةً إن تيسر لك أو منفرداً إن لم يتيسر هي الواجب، إذا لم يكن إلا مساجد بهذا الوصف الذي ذكرت.

السؤال: عرفنا فضل الجماعة مع المسلمين في الصلاة في بيوت الله، ولكن نود أن نقف عند الحديث: ولقد كان يؤتى بالرجل يهادى بين الرجلين، هل هذا معناه أنه يكون الرجل مريضاً؟

الجواب: نعم. هذا الحديث رواه مسلم عن ابن مسعود رضي الله عنه في وصف حال الصحابة رضي الله عنهم، قال: لقد رأيتنا وما يتخلف عنها إلا منافق أو مريض، ولقد كان الرجل يؤتى به -يعني: من المرضى- يهادى بين الرجلين حتى يقام في الصف. وهذا يدل على حرص الصحابة رضي الله عنهم على صلاة الجماعة، حتى إن الإنسان منهم ليتكلف السعي إليها ليدرك فضلها وإن كان معذوراً، ولكن من حرصهم عليها لا يدعونها حتى في حال المرض الذي يؤتى فيه بالرجل يهادى بين الرجلين.

السؤال: أنا في التاسعة والعشرين لم أتزوج بعد، وأنوي الزواج عن قريب إن شاء الله، ولكن لم أأد فريضة الحج، فهل فريضة الحج أهم من الزواج، لأن المبلغ الذي بحوزتي لا يمكنني من الحج والزواج معاً في الوقت الحاضر، فأيهما أؤخر؟ أرجو الإفادة.

الجواب: إذا كان الإنسان محتاجاً إلى الزواج ويشق عليه تركه فإنه يقدم على الحج؛ لأن الزواج في هذه الحال يكون من الضروريات، وقد قال الله عز وجل: وَلِلَّهِ عَلَى النَّاسِ حِجُّ الْبَيْتِ مَنِ اسْتَطَاعَ إِلَيْهِ سَبِيلًا [آل عمران:97]، والإنسان الذي يكون محتاجاً إلى الزواج يشق عليه تركه، وليس عنده من النفقة إلا ما يكفي للزواج أو الحج ليس مستطيعاً إلى البيت سبيلاً، فيكون الحج غير واجب عليه، فيقدم النكاح - أي: الزواج - على الحج، وهذا من تيسير الله سبحانه وتعالى على عباده أنه لا يكلفهم من العبادات ما يشق عليهم، حتى وإن كان من أركان الإسلام كالحج، ولهذا إذا عجز الإنسان عن الصوم عجزاً مستمراً؛ كالمريض الذي لا يرجى برؤه والكبير فإنه يطعم عن كل يوم مسكيناً، وفي الصلاة يصلي قائماً، فإن لم يستطع فقاعداً، فإن لم يستطع فعلى جنب، فإن تمكن من الحركة أومأ بالركوع والسجود، وإن لم يتمكن صلى بقلبه.

السؤال: توفي أخي وله ثلاثة أطفال، وتزوجت من أمهم رأفةً بهم، ورزقت منهم بثلاثة أطفال أيضاً، وأسكن معهم في منزلهم، أي: منزل الأيتام، وأنا ولي أمرهم وكافلهم الوحيد، وأقوم باستلام معاشهم وأضمه إلى معاشي، وأحاول أن أدخر جزءاً منه ليكون المدخر بيني وبينهم بالتساوي، مع العلم أن معاشهم يزيد عن معاشي بثمانمائة ريال يمني، كما أني حادٌ في طبعي، وأقسو عليهم بقصد التربية التي ترضي الله عز وجل، أسئلتي هي كما يلي:

أولاً: ما حكم سكني معهم؟ هل هو جائز أم لا؟

ثانياً: وما حكم استلامي لمعاشهم؟ وهل يحق لي أن أضمه لمعاشي لأدخر منه مالاً أقتسمه بالتساوي؟

ثالثاً: ما حكم قسوتي عليهم؟ هل أنا على صواب أم على خطأ؟ نرجو الإفادة جزاكم الله خيراً.

الجواب: أولاً: نشكرك على التزوج بزوجة أخيك بعد وفاته من أجل رعاية أبنائه، لأن هذا بلا شك من صلة الرحم، ومن الخير والمعروف، وإذا قارنت هذا بما لو تزوجت من زوجٍ آخر، لعرفت الفرق العظيم، لأنه ربما يضيع أبناء أخيك لو تزوجت بزوجٍ آخر، وتحصل مشاكل بينهم وبين ما تنجبه المرأة من أولاد الزوج الجديد، فإذا كانوا معك وتحت رعايتك وتربيتك، كان ذلك خيراً وأفضل بلا شك، وعلى هذا فأبشر بالخير والأجر من الله عز وجل.

وأما سؤالك عن السكنى معهم؛ فنقول: إنه لا بأس أن تسكن معهم، ولكن عليك من الأجرة بالقسط، فإذا كانوا ثلاثة وأنت وزوجتك وأبناؤك الثلاثة، صار الجميع ثمانية، فتقسم الأجرة على ثمانية أسهم، وتؤدي أنت ما يقابل خمسة أسهم، يضاف إلى دراهم هؤلاء الأيتام، لأنه ليس لك أن تسكن بيتهم بدون أجرة.

وأما خلطك مالهم مع مالك فلا بأس به أيضاً إذا كان في ذلك مصلحة؛ لقوله تعالى: وَلا تَقْرَبُوا مَالَ الْيَتِيمِ إِلَّا بِالَّتِي هِيَ أَحْسَنُ [الأنعام:152]، لكن عليك أن تجعل من النفقة عليهم بقدر رؤوسهم، فإذا أنفقت مثلاً ثمانين ريالاً، فعليك من الإنفاق منها خمسون، وعليهم ثلاثون وهلم جراً.

وأما القسوة عليهم بتأديبهم، فإن كانت القسوة في هذا التأديب أمراً لا بد منه فلا بأس به، لأنها من مصلحتهم، وإن كان يمكن تلافي هذه القسوة فلا يجوز لك أن تقسو عليهم، لأن الرأفة باليتيم والرحمة من أفضل الأعمال، بل إنه لا تجوز القسوة مع إمكان تلافيها حتى في تربية غير الأيتام، لأن التربية يراد بها الإصلاح لا الانتقام، ونيل شيء في النفس.

وعلى هذا؛ فنوجه إلى جميع إخواننا الذين يتولون التربية، سواءٌ في من تحت أيديهم من الأهل والأولاد، أو في من تحت رعايتهم من أبناء المسلمين، كالمدرسين مثلاً، أن يستعملوا في التربية الأسهل فالأسهل، والأقرب إلى حصول المطلوب فالأقرب، وأن يعلموا أن الله تعالى يعطي بالرفق ما لا يعطي على العنف، وأن العنف قد يكون سبباً للنفور وكراهة الحق الذي يدعو إليه هذا المؤدب، وكلما قورن الرفق بالعنف، فإن اتباع الرفق أولى إذا لم تفت به المصلحة.

السؤال: رجلٌ قام بعمل وسيط بين صاحب مالٍ وشركة، وشركة مقاولات أو غير ذلك، هل يجوز له أن يأخذ مقابل هذه الوساطة؟ وهل هذا يسمى سمسرة؟

الجواب: نعم. يجوز لهذا الذي كان وسيطاً أن يأخذ من المال بقدر أجرته، ولكن إن كان قد شرط ذلك على من كان وسيطاً بينهم فالأمر ظاهر، وإن لم يشترط، فإن كان هذا الرجل قد نصب نفسه لهذه المهنة استحق الأجر، وإن لم يكن نصب نفسه فإن عمله هذا يكون تبرعاً، لأن من كان بينهم وسيطاً لا يفهمون منه إلا التبرع، فإذا كان هذا الرجل معروفاً بأنه دلال يأخذ الأجرة، فله أجر مثله، وأما إذا كان رجلاً عادياً وسعى، فالأصل أنه لا يستحق شيئاً إلا بشرط، فالورع له أن لا يأخذ منهم شيئاً.

وخلاصة الجواب الآن: أن هذا الوسيط إن اتفق مع من كان بينهم وسيطاً على شيء معلوم قبل الوساطة، فهذا لا شك في جوازه، لأنه من باب المؤاجرة، وإن لم يتفق نظرنا، فإن كان قد نصب نفسه لهذا العمل كالدلالين وشبههم، فله أجر مثله، لأنه إنما عمل بناءً على ما كان معروفاً من أنه صاحب مهنة، وإن لم يكن معروفاً بهذا العمل، فإن الورع أن لا يأخذ شيئاً، لكن إن أهدى له من كان بينهم وسيطاً شيئاً فلا حرج عليه في قبوله.