فتاوى نور على الدرب [355]


الحلقة مفرغة

السؤال: إنني -يا فضيلة الشيخ- منذ سنوات وبعد وفاة والدي أؤذي أمي بكلامي أو بأسلوبي الغض، ولكنني بعد فترة وجيزة أندم وأتألم على فعلي هذا وأعزم على أن أتوب إلى الله توبةً نصوحا، ولكنني بانفعالي وحالتي العصبية لا تجعلني أغير من معاملتي لأمي، أرشدوني يا فضيلة الشيخ مأجورين؟

الجواب: إنه لا يخفى على أحد عظم حق الوالدين، وأنه يجب على الإنسان أن يبرهما بقوله، وفعله، وجاهه، وماله، وبكل ما أمكن من البر، وقد جعل الله تعالى حق الوالدين بعد حقه وحق رسوله فقال تعالى: وَاعْبُدُوا اللَّهَ وَلا تُشْرِكُوا بِهِ شَيْئًا وَبِالْوَالِدَيْنِ إِحْسَانًا [النساء:36]، وقال تعالى: وَقَضَى رَبُّكَ أَلَّا تَعْبُدُوا إِلَّا إِيَّاهُ وَبِالْوَالِدَيْنِ إِحْسَانًا [الإسراء:23].

وأوصى الله سبحانه وتعالى بالوالدين إحساناً فقال تعالى: وَوَصَّيْنَا الإِنسَانَ بِوَالِدَيْهِ إِحْسَانًا [الأحقاف:15].

وأمر الله سبحانه وتعالى أن ندعو لهما فقال: وَقُلْ رَّبِّ ارْحَمْهُمَا كَمَا رَبَّيَانِي صَغِيرًا [الإسراء:24].

وأمرنا عز وجل أن نخفض لهما جناح الذل من الرحمة، وأمرنا سبحانه وتعالى أن نقول لهما قولاً كريما.

والأحاديث الواردة في بر الوالدين كثيرة، حتى جعلها النبي صلى الله عليه وسلم في المرتبة الثانية بعد الصلاة على وقتها، ففي حديث ابن مسعود رضي الله عنه قال: ( سألت النبي صلى الله عليه وسلم: أي العمل أحب إلى الله؟ قال: الصلاة على وقتها، قلت: ثم أيٌ؟ قال: بر الوالدين، قلت: ثم أيٌ؟ قال: الجهاد في سبيل الله ).

وسأل النبي صلى الله عليه وسلم رجل: ( أي الناس أحق بحسن صحبتي؟ قال: أمك، قلت: ثم أي؟ قال: أمك، قلت: ثم أي؟ قال: أمك، وفي الثالثة أو الرابعة قال: ثم أبوك ).

فالواجب على المرء أن يبر والديه وأن يحسن صحبتهما سواءٌ كانا مسلمين أو كافرين ولهذا قال الله تعالى: وَإِنْ جَاهَدَاكَ عَلى أَنْ تُشْرِكَ بِي مَا لَيْسَ لَكَ بِهِ عِلْمٌ فَلا تُطِعْهُمَا وَصَاحِبْهُمَا فِي الدُّنْيَا مَعْرُوفًا [لقمان:15].

وإنني أنصح هذا الأخ السائل أن يتقي الله عز وجل في أمه وأن يحسن صحبتها، وإذا رأى من نفسه الغضب أن يقول: أعوذ بالله من الشيطان الرجيم، وأن يضطجع إن كان قاعدا، وأن يقعد إن كان قائماً، يضطجع إن كان قاعداً كما أمر بذلك النبي صلى الله عليه وسلم، وإن كان صادقاً في نيته محباً لبرها فإن الله سبحانه وتعالى يعينه على ذلك.

وعليه في تحقيق توبته أن يستحلها فيما صنع معها؛ لأن هذا حق آدمي وحق الآدمي لا تتم التوبة منه إلا بالتحلل منه بإبراء أو أداء، وليعلم أن البر -كما قال الناس- إسلاف، أي أنك إذا أسلفت بر والديك فإن أولادك سوف يبرون بك، وإن كان الأمر بالعكس فانتظر عقوق أولادك!

السؤال: متى يصبح الذهب محرماً على النساء؟

الجواب: الذهب ليس حراما على النساء، بل هو مما أحله الله لهن، قال الله تعالى في كتابه: أَوَمَنْ يُنَشَّأُ فِي الْحِلْيَةِ وَهُوَ فِي الْخِصَامِ غَيْرُ مُبِينٍ [الزخرف:18] يعني المرأة.

وقال النبي عليه الصلاة والسلام في الذهب والحرير: ( حلٌ لإناث أمتي حرامٌ على ذكورها ).

فلها أن تلبس من الحلي ما شاءت إلا أن يكون محرماً بعينه أو بوصفه، فالمحرم بعينه مثل أن يكون هذا الحلي على صورة حيوان: ثعبان، أو أسد، أو غير ذلك، فإن هذا لا يجوز؛ لأن لبس الصورة أو ما فيه صورة محرم، فقد صح عن النبي صلى الله عليه وسلم أنه قال ( إن الملائكة لا تدخل بيتاً فيه صورة )، وإذا ابتليت المرأة بحليٍ على شكل صورة حيوان فإن بإمكانها أن تذهب به إلى الصاغة ليغيروا هذه الصورة، إما بتصنيعه إلى وجهٍ آخر وإما بحك رأس هذه الصورة حتى تكون بلا رأس، فإن الصورة إذا أزيل رأسها فهي حلال؛ لما روي عن النبي عليه الصلاة والسلام: ( أن جبريل قال له: مر برأس تمثالك ليقطع حتى يكون كهيئة الشجرة ).

أما الحلي المحرم لوصفه فهو أن يكون بالغاً إلى حد الإسراف، فإنه إذا خرج إلى حد الإسراف صار محرماً؛ لأن كل شيء يخرج به الإنسان إلى حد الإسراف يكون محرماً؛ لقوله تعالى في الأكل والشرب: كُلُوا وَاشْرَبُوا وَلا تُسْرِفُوا إِنَّهُ لا يُحِبُّ الْمُسْرِفِينَ [الأعراف:31]، ونفي محبة الله للمسرفين يقتضي كراهة فعلهم وأنه لا يجوز؛ لأنه عرضة إلى انتفاء محبة الله سبحانه وتعالى عن فاعل الإسراف.

هناك شيءٌ محرمٌ لكسبه من الحلي، وهو أن يكون الحلي مسروقاً أو منهوباً أو ما أشبه ذلك، فهو حرام.

فصار الأصل في حلي المرأة أنه يباح لها من الذهب ما شاءت إلا في الأحوال الثلاثة، وهي ما كان محرماً لعينه، أو لوصفه، أو لكسبه، فالمحرم لعينه كما أسلفنا هو ما كان على صورةٍ محرمة مثل أن يكون على صورة حيوان، أو إنسان، أو ما أشبه ذلك، والمحرم لوصفه أن يكون بالغاً حد الإسراف، والمحرم لكسبه أن يكون مكتسباً بطريقٍ محرم كالسرقة والنهب والغصب وما أشبه ذلك.

السؤال: فضيلة الشيخ! كيف يتحلل الإنسان من مظالم الناس سواء كانت أموالا أو غيبة أو نميمة؟ وإذا كانت أموالا ولا يعرف كيف يردها، فماذا يفعل؟

الجواب: يتحلل الإنسان من حقوق الناس بأحد أمرين: إما بالوفاء، وإما بالإبراء.

أما الوفاء فإذا كانت أموالاً يردها إلى أصحابها إن كان يعلمهم، وإن كان قد نسيهم فليتذكر، وإن كان يجهل محلهم فليبحث، فإذا تعذر العثور عليهم فليتصدق بها عنهم يكون لهم أجرها وله هو أجر التوبة، وإن كان أصحابها قد ماتوا وخلفوا ورثة فإنه يبحث عن ورثتهم ويسلم إليهم المال؛ لأن المال انتقل إلى الورثة بعد موت المورث، فإن جهل الورثة ولم يعلم عنهم شيئاً، ولم يتمكن من العثور عليهم فعل ما سبق يتصدق به عنهم؛ لأنه انتقل إليهم.

وإذا كان الحق عرضاً بأن يكون قد تكلم في عرضه وسبه، فإنه يتحلل منه بأن يطلب منه العفو فيقول: إني أرجو أن تعفو عما قلت فيك، فقد قلت كذا وكذا.

فينبغي من المظلوم الذي طلب منه العفو أن يعفو؛ لأن هذا أخاه جاء يعتذر إليه، فينبغي أن يقبل عذره: فَمَنْ عَفَا وَأَصْلَحَ فَأَجْرُهُ عَلَى اللَّهِ [الشورى:40]، كما قال الله تعالى، وقال: وَإِنْ عَاقَبْتُمْ فَعَاقِبُوا بِمِثْلِ مَا عُوقِبْتُمْ بِهِ وَلَئِنْ صَبَرْتُمْ لَهُوَ خَيْرٌ لِلصَّابِرِينَ [النحل:126]، وقال تعالى: وَأَنْ تَعْفُوا أَقْرَبُ لِلتَّقْوَى [البقرة:237].

وإن كان هذا المظلوم في عرضه لم يصل إليه خبر، أي لم يعلم بأنك قد اغتبته مثلاً، فمن أهل العلم من يقول: اذهب إليه وأخبره واطلب منه العفو، ومنهم من يقول: لا تخبره ما دام لم يعلم، ولكن استغفر له وأثن عليه بالصفات التي هو متصفٌ بها وهي حميدة في الأماكن التي اغتبته فيها، فإن الحسنات يذهبن السيئات.

وإن كان حقوقاً أخرى فعلى هذا الباب تذهب إليه وتستحله، وإذا أحلك فإن هذا من تمام توبتك، فإن قدر أنك قد اغتبت شخصاً قد مات ولا تتمكن من الاستحلال من الغيبة، فإن الله إذا علم من قلبك صدق النية فهو سبحانه وتعالى أكرم الأكرمين ربما يتحمل عنك هذه المظلمة ويأجر صاحبها ويثيبه عليها.

السؤال: فضيلة الشيخ! بدأت أصلي منذ سنوات، ولكن عند صيامي لأول مرة صمت نصف الشهر من رمضان، وأفطرت النصف الآخر دون سبب، ولم أكن أعلم بحديث الرسول الكريم صلى الله عليه وسلم الذي ما معناه إنه من أفطر في شهر رمضان دون عذر لم يقبل منه صوم الدهر، فهل أكون آثما بذلك؟ وماذا أفعل في هذه الحالة؟ علماً بأنني كنت أجهل الكثير من أمور ديني في بداية بلوغي.

الجواب: على هذا السؤال أن نقول: يجب على كل مسلم أن يكون عالماً بأمور دينه، وأن يتعلم كل ما يحتاج إليه، ففي الصلاة مثلاً يتعلم أحكام الصلاة، وفي الزكاة إذا كان عنده مال يتعلم أحكام الزكاة، وفي الصيام إذا وجب عليه الصوم يتعلم أحكام الصوم، وفي الحج إذا أراد أن يحج يتعلم كيف يحج؛ لأن العبادات مبنية على الاتباع، ومن لا يعلم ما يتبع فكيف يصحح عبادته؟! إلا اللهم إلا تقليداً للناس، على كل حال يجب على كل مسلم أن يتعلم أمور دينه.

وفي هذا السؤال: يقول السائل: إنه ترك نصف رمضان ولم يصمه، ولكن نقول: إنك إذا تبت إلى الله توبةً نصوحاً وأصلحت العمل، فليس عليك قضاء الأيام التي تركتها على القول الراجح؛ لأن كل عبادةٍ مؤقتة إذا أخرجها الإنسان عن وقتها بغير عذر فإنها لا تقبل منه ولو فعلها، وعلى هذا فنقول: تب إلى الله وأصلح العمل وأكثر من العمل الصالح ولا يلزمك القضاء فيما تركت من صيام رمضان.

السؤال: هل يجوز للإنسان أن يصلي ويتلو القرآن مباشرة من المصحف؟

الجواب: يجوز للإنسان أن يقرأ القرآن من المصحف وهو يصلي إذا كان لا يحفظ القرآن، أما إذا كان يحفظ القرآن فإن الأولى أن يقرأ عن ظهر قلب؛ وذلك لأن حمل المصحف في الصلاة يؤدي إلى:

أولاً عدم وضع اليد اليمنى على اليسرى على الصدر، وهذا تفويتٌ لسنة.

ثانياً: انشغال العين عن رؤية محل السجود، فإن العين ستكون ناظرةً إلى المصحف.

ثالثاً: حركة النظر وانتقاله من سطرٍ إلى سطر ومن جانبٍ إلى جانب وهذا نوع عمل للطرف.

رابعاً: الحركة في حمل المصحف ووضعه وتقليبه، فإذا كان الإنسان في غنىً عن هذه الأشياء فإن تركها بلا شك أولى، أما إذا كان محتاجاً كما لو كان لا يحفظ القرآن فلا حرج أن يحمل المصحف ويقرأ منه.

السؤال: ما صحة حديث رواه الترمذي و الحاكم ومعناه أن علي بن أبي طالب رضي الله عنه كان ينفلت منه القرآن، فجاء إلى النبي صلى الله عليه وسلم وأخبره بذلك، فقال الرسول صلى الله عليه وسلم: ( صل ليلة الجمعة أربع ركعات تقرأ من الأولى الفاتحة وسورة يس، وفي الثانية الفاتحة وسورة الدخان، وفي الثالثة الفاتحة والسجدة، وفي الرابعة الفاتحة وسورة الملك، فإذا فرغت فاحمد الله وصل علي، واذكر هذا الدعاء -وذكر دعاءً مطولاً- قال الرسول صلى الله عليه وسلم افعل ذلك ثلاث أو خمس أو سبع مرات تجاب بإذن الله

الجواب: هذا الحديث لا يصح عن النبي عليه الصلاة والسلام كما ذكر أهل العلم، ولكن الذي يعين على حفظ القرآن وبقائه هو تعاهد القرآن كما أمر بذلك النبي صلى الله عليه وسلم قال: ( تعاهدوا القرآن، فوالذي نفسي بيده لهو أشد تفلتاً من الإبل في عقلها ).

فإذا كنت تريد أن يبقى القرآن معك فأكثر من تلاوته بحسب ما تخشى على نفسك، إذا كنت تخشى أن تنساه إلا أن تقرأه في ثلاثة أيام فاقرأه في ثلاثة أيام، أو في سبعة أو عشرة، المهم أن هذا يرجع إلى الشخص نفسه، وبقاء حفظ القرآن يكون بتعاهد تلاوته.

واعلم أنك إذا تلوت القرآن فلك في كل حرف عشر حسنات ليس حسنةً واحدة بل عشر حسنات، والإنسان يحب الخير ويحب كثرة الثواب، أما هذا الحديث الذي ذكره فإنه لا يصح عن رسول الله صلى الله عليه وسلم.

السؤال: ما معنى قوله تعالى: أعوذ بالله من الشيطان الرجيم: وَأَلَّوِ اسْتَقَامُوا عَلَى الطَّرِيقَةِ لَأَسْقَيْنَاهُمْ مَاءً غَدَقًا [الجن:16]؟ فما هي هذه الطريقة؟

الجواب: قوله تعالى: وَأَلَّوِ اسْتَقَامُوا عَلَى الطَّرِيقَةِ لَأَسْقَيْنَاهُمْ مَاءً غَدَقًا [الجن:16]، يعني: وأنهم لو استقاموا على الطريقة، وهي صراط الله المستقيم الذي بعث به رسله وأنزل به كتبه، لو أن الخلق استقاموا عليها لأسقاهم الله ماءً غدقاً، أي ماءً كثيراً تنبت به الزروع، ثم تدر بهذه الزروع الضروع وتحصل الخيرات والبركات، كما قال الله تعالى وَلَوْ أَنَّ أَهْلَ الْقُرَى آمَنُوا وَاتَّقَوْا لَفَتَحْنَا عَلَيْهِمْ بَرَكَاتٍ مِنَ السَّمَاءِ وَالأَرْضِ وَلَكِنْ كَذَّبُوا فَأَخَذْنَاهُمْ بِمَا كَانُوا يَكْسِبُونَ * أَفَأَمِنَ أَهْلُ الْقُرَى أَنْ يَأْتِيَهُمْ بَأْسُنَا بَيَاتًا وَهُمْ نَائِمُونَ * أَوَأَمِنَ أَهْلُ الْقُرَى أَنْ يَأْتِيَهُمْ بَأْسُنَا ضُحًى وَهُمْ يَلْعَبُونَ * أَفَأَمِنُوا مَكْرَ اللَّهِ فَلا يَأْمَنُ مَكْرَ اللَّهِ إِلَّا الْقَوْمُ الْخَاسِرُونَ [الأعراف:96-99].

فلو استقام الناس على الطريقة التي شرعها الله لهم على ألسنة رسله عليهم الصلاة والسلام، لحصلت لهم الخيرات والبركات من السماء والأرض.

السؤال: إذا استبدل الإمام واحدا آخر لنقض وضوئه ودخل في الصلاة، فهل صلاة المأمومين باطلة؟ وكيف تكون الطريقة في هذه الحالة مع الدليل؟

الجواب: إذا حصل على الإمام حدث أثناء الصلاة فإنه يجب عليه أن ينصرف ويوعز إلى بعض المأمومين أن يتم الصلاة بهم، ويبني هذا المأموم الذي أتم الصلاة على صلاة الأول، فمثلاً: لو كان هذا الإمام الذي انصرف قد قرأ الفاتحة وأمر من يتقدم ليكمل بهم الصلاة، فإنه لا يقرأ الفاتحة هذا النائب إلا إذا كان لم يقرأها هو بنفسه فليقرأها، ثم يتم الصلاة، فإذا كان الإمام قد انصرف بعد أن صلى ركعتين في الرباعية أتم بهم هذا النائب الركعتين الباقيتين، وهكذا يكمل ما بقي من صلاة الأول.

وكذلك لو دخل بهم الإمام في الصلاة ثم نسي ثم ذكر في أثناء الصلاة أنه ليس على وضوء، فإنه ينصرف ويطلب من أحد المأمومين أن يكمل بهم الصلاة، فإن لم يطلب من أحد المأمومين أن يكمل بهم الصلاة فإنهم يجعلون أحدهم يكمل بهم الصلاة، فيدفعون رجلاً منهم إلى الأمام ليكمل بهم الصلاة، فإن لم يفعلوا وأتموا فرادى فلا حرج ولا بأس بذلك.

ودليل هذا أن عمر بن الخطاب رضي الله عنه لما طعن أمر عبد الرحمن بن عوف أن يصلي بالناس؛ ولأن المأمومين دخلوا في الصلاة على أنها صحيحة وعلى أن إمامهم ليس بمحدث، وإذا دخلوا في صلاةٍ صحيحة بمقتضى الدليل الشرعي، فإنه لا يمكن أن نبطل هذه الصلاة إلا بدليلٍ شرعي، وليس هناك دليلٌ على بطلان صلاة الإمام اللهم إلا فيما ناب الإمام فيه مناب المأمومين.

لو أن الإمام انقطعت سترته فإن سترة الإمام سترة لمن خلفه، فيكون بطلان صلاة الإمام بمرور من يقطع الصلاة بين يديه مبطلاً لصلاة المأمومين أيضاً، أما ما يكون بطلانا لصلاة الإمام بخاصة نفسه فإنه لا يكون مبطلاً لصلاة المأمومين.

السؤال: ما حكم الشرع في نظركم -فضيلة الشيخ- في أناسٍ يذبحون في رمضان، ويخصون ذبائحهم لأحد الأقارب بعد موته؟

الجواب: الذي نرى أن التقرب إلى الله تعالى بالذبح في رمضان بدعة يجب النهي عنه؛ لأن التقرب إلى الله بالذبح له أيام مخصوصة وهي أيام الأضحى، فلا يجوز للإنسان أن يتعبد إلى الله بالذبح في رمضان، أو في غيره للأموات أو الأحياء، لما أشرنا إليه من أن الذبح له أوقاتٌ معينة، وهي أيام الأضحى يوم العيد وثلاثة أيامٍ بعده، إلا أن العقيقة عن المولود سنة تذبح في يوم سابعه، وسنتكلم عنها إن شاء الله تعالى قريباً.

المهم أن هؤلاء الذين يذبحون البهائم في رمضان ينوون بها أقاربهم الأموات نقول لهم: إن عملكم هذا بدعة، لا تتقربوا إلى الله بالذبح في رمضان!

نعم، لو أرادوا أنهم يذبحون لا للتقرب لله بالذبح، ولكن من أجل اللحم بدلاً من أن يشتروا من السوق لحماً قالوا: نذبحه هنا في البيت، ولم يقصدوا التقرب إلى الله بالذبح، فهذا لا بأس به، فلا بأس أن يذبح الإنسان الذبيحة من أجل لحمها، لا تقرباً إلى الله بها، إلا حيث شرع التقرب إلى الله بها كالأضاحي والعقائق.

والصدقة عن الأموات جائزة كما جاءت به السنة من حديث سعد بن عبادة رضي الله عنه وحديث الرجل الذي قال: ( يا رسول الله، إن أمي افتلتت نفسها ولم توصي وأظنها لو تكلمت لتصدقت، أفأتصدق عنها؟ فقال النبي صلى الله عليه وسلم: نعم ).

ولكن الدعاء للأموات أفضل من إهداء القرب إليهم، يعني لو دعوت للميت كان أفضل من أن تقرأ القرآن له أو أن تكبر أو أن تسبح أو تحمد له أو أن تتصدق له؛ لأن الدعاء للميت أرشد إليه النبي صلى الله عليه وسلم في قوله: ( إذا مات الإنسان انقطع عمله إلا من ثلاثة: إلا من صدقةٍ جارية، أو علمٍ ينتفع به، أو ولدٌ صالح يدعو له )، ولم تأتِ السنة بالحث على فعل القرب للأموات، وإنما جاءت السنة بإباحته وإجازته فقط، وهناك فرق بين ما تحث السنة عليه، وبين ما تجيزه في قضايا معينة.

وأما العقيقة التي أشرنا إليها في أول الكلام، فهي الذبيحة التي تذبح للمولود: للذكر اثنتان إن تيسرتا وإلا أجزأته واحدة، وللأنثى واحدة تذبح في اليوم السابع، قال العلماء: فإن لم يمكن ففي اليوم الرابع عشر، فإن لم يمكن ففي اليوم الحادي والعشرين، فإن لم يمكن ففي أي يوم كان بعد الحادي والعشرين، ولكن لا شك أن الأفضل أن تكون في اليوم السابع، وأنه ينبغي للإنسان أن يحرص على أن تكون في اليوم السابع من الولادة، فإذا ولد مثلاً في يوم الأربعاء كانت العقيقة في يوم الثلاثاء، وإن ولد في يوم الثلاثاء كانت في يوم الإثنين، وإن ولد في يوم الإثنين كانت في يوم الأحد، وإن ولد في يوم الأحد كانت في يوم السبت، وإن ولد في يوم السبت كانت في يوم الجمعة، وإن ولد في يوم الجمعة كانت في يوم الخميس، وإن ولد في يوم الخميس كانت في يوم الأربعاء، وإن ولد في الأربعاء كانت في يوم الثلاثاء، يعني أنها تكون في الأسبوع الثاني قبل اليوم الذي ولد فيه بيوم.