خطب ومحاضرات
فتاوى نور على الدرب [328]
الحلقة مفرغة
السؤال: ما صحة هذا الحديث سئل رسول الله صلى الله عليه وسلم سؤال من وفد اليمن, قالوا له: نجد في أنفسنا أشياء نتعاظم أن نقولها, فقال لهم: ذلك هو الإيمان, فإذا جاءك خاطر يضايقك التفكير منه وتبعده عن ذهنك فهذا هو الإيمان, وعليك بالاستمرار في الاستعاذة بالله من الشيطان الرجيم, هل هذا الحديث -يا فضيلة الشيخ- صحيح؟ وما معناه؟
الجواب: هذا الحديث بهذا اللفظ لا أعرفه, لكن ورد معناه في أكثر من حديث عن رسول الله صلى الله عليه وسلم ( في الخواطر التي يلقيها الشيطان في قلوب ابن آدم, وأن الإنسان يجد في نفسه ما يحب أن يخر من السماء, أو أن يكون حممة -أي فحمة- ولا يتكلم به, فقال النبي صلى الله عليه وسلم: أوجدتم ذلك؟ قالوا: نعم, قال: ذلك صريح الإيمان )، يعني ذلك خالص الإيمان, وهذا يدل على أن هذه الوساوس لا تؤثر في الإيمان ولا تخدشه ولا تنقصه, ذلك لأنها وساوس يلقيها الشيطان في قلب الإنسان إذا علم منه أنه مؤمن حقاً ليفسد بذلك إيمانه ويوقعه في الشكوك والشبهات, أما إذا كان القلب مريضاً فإن الشيطان لا يتسلط عليه بمثل هذا الأمر, وإنما يتسلط عليه من نواح أخرى كالسلوك والمعاملات السيئة وما أشبه ذلك.
المهم أن الرسول عليه الصلاة والسلام لما شكا إليه الصحابة ما يجدونه في نفوسهم من مثل هذه الوساوس أرشدهم إلى أمرين, قال: ( فليستعذ بالله ولينته ), أي: يستعذ بالله من الشيطان الرجيم, فإن ملجأ الإنسان هو ربه عز وجل الذي بيده ملكوت السماوات والأرض، فإذا أحسست بمثل هذه الوساوس فقل: أعوذ بالله من الشيطان الرجيم, أي: أعتصم بالله عز وجل من الشيطان الرجيم.
والأمر الثاني الذي أرشد إليه الرسول عليه الصلاة والسلام في هذا الحال: أن ينتهي من وقع في قلبه من هذه الوساوس عن التفكير فيها أو الركون إليها، فيدعها ويلتفت إلى شؤونه.. إلى عبادته.. إلى معاملاته مع أهله.. إلى معاملاته إلى من يتعامل معه ويتناسى هذا بالكلية, وبهذا تزول هذه الوساوس والشكوك, ويبقى القلب صافياً لاتؤثر فيه هذه النزغات التي تأتي من عدوه الشيطان قال الله تعالى: وَإِمَّا يَنْزَغَنَّكَ مِنَ الشَّيْطَانِ نَزْغٌ فَاسْتَعِذْ بِاللَّهِ إِنَّهُ هُوَ السَّمِيعُ الْعَلِيمُ [فصلت:36].
السؤال: هل يجوز إمامة الذي يتعتع في قراءة القرآن؟
الجواب: إمامة الذي يتعتع في القرآن جائزة ما دام يقيم الحروف والكلمات والحركات, فإن من الناس من يكون النطق ثقيلاً عليه يتعتع فيه, إلا أن من أهل العلم من قال: إنه تكره إمامة الفأفاء الذي يكرر الفاء, والتمتام الذي يكرر التاء, وكذلك من يكرر غيره من الحروف, قالوا: إنها تكره إمامته.
ولا ريب أنه كلما كان الإنسان أقرأ -أي أجود قراءة- وأكثر حفظاً للقرآن فهو أولى بالإمامة مع تقواه وصلاحه؛ لقول النبي عليه الصلاة والسلام: ( يؤم القوم أقرؤهم لكتاب الله, فإن كانوا في القراءة سواء فأعلمهم بالسنة, فإن كانوا في السنة سواء فأقدمهم هجرة, فإن كانوا في الهجرة سواء فأقدمهم سلماً أو قال: سناً ).
وهذا الذي يتعتع في قراءته إن كان منصوباً من قبل ولاة الأمر فإنه يُعْلَّمْ أولاً, فإن تمكن من القراءة المستقيمة فذاك وإلا رفع أمره إلى ولاة الأمور ليبدلوه بمن هو أقوم في الإمامة, وأما إذا لم يكن منصوباً من قبل ولاة الأمور فإنه ينبغي لأهل الحي أن يعلموه, فإن لم يستقم أبدلوه بخير منه.
السؤال: ما حكم الشرع في نظركم في المسبحة؟ فكثير منا بعد الفراغ من الصلاة يسبح بها.
الجواب: الأولى والأفضل للإنسان أن يعقد التسبيح بأنامله أي: بأصابعه, وليكن ذلك باليد اليمنى فإنه أفضل من أن يسبح باليمين واليسار, هكذا جاءت السنة عن النبي عليه الصلاة والسلام, ( فقد أمر أن يعقد الذكر والتسبيح بالأنامل, وقال: إنهن مستنطقات )، ( وكان صلى الله عليه وسلم يعقد التسبيح بيمينه ).
أما التسبيح بالمسبحة ففيه أمور مخالفة, وهي:
أولاً: مخالفة النبي صلى الله عليه وسلم فيما أرشد إليه من عقد التسبيح بالأنامل.
ثانياً: أن هذه المسبحة قد تؤدي أحياناً إلى الرياء, ولاسيما فيمن نراهم يجعلونها في أعناقهم كالقلادة, يجعلون فيها ألف حبة ثم يتقلدونها بأعناقهم كأنما يقولون للناس: انظروا إلينا فإننا نسبح ألف مرة, ففيها شيء من الرياء, ولا أقول: إن كل من استعملها يكون مرائياً, لكني أقول: قد تدعو إلى الرياء.
ثالثاً: أن هذه المسبحة إذا استعملها الإنسان في عد التسبيح, فالغالب أنه يفوته حضور القلب, تجده معتمداً على هذه الخرزات المعدودة المعينة, ويفرطها حبة حبة وقلبه غافل؛ ولهذا نرى هؤلاء الذين يسبحون بالمسبحة نرى أعينهم تدور في الناس الذين يمرون من حولهم وتتحرك شفاهم بالتسبيح، والذي يبدو -والله أعلم- أن قلوبهم غافلة متعلقة بما ينظرون إليه, إذ إن القلب غالباً يتبع النظر؛ لهذا أقول: إن الأفضل أن لا يسبح الإنسان بالمسبحة, وأن يعقد بالأنامل كما أرشد إلى ذلك النبي صلى الله عليه وسلم, والله أعلم.
السؤال: هل للتجارة حد في الربح, وما حكم التسعيرة؟
الجواب: الربح ليس له حد فإنه من رزق الله عز وجل, والله تعالى قد يسوق الرزق الكثير للإنسان, فأحياناً يربح الإنسان في العشرة مائة أو أكثر, يكون قد اشترى الشيء بزمن فيه الرخص, ثم ترتفع الأسعار فيربح كثيراً, كما أن الأمر كذلك يكون بالعكس, قد يشتريها في زمن الغلاء وترخص رخصاً كثيراً, فلا حد للربح الذي يجوز للإنسان أن يربحه.
نعم, لو كان هذا الإنسان هو الذي يختص بإيراد هذه السلع وتسويقها, وربح على الناس كثيراً فإنه لا يحل له ذلك؛ لأن هذا يشبه البيع على المضطر؛ لأن الناس إذا تعقلت حاجتهم بهذا الشيء, ولم يكن موجوداً إلا عند شخص معين, فإنهم في حاجة للشراء منه, وسيشترون منه ولو زادت عليهم الأثمان, ومثل هذا يجوز التسعير عليه, وأن تتدخل الحكومة أو ولاة الأمر, فيضربون له ربحاً مناسباً لا يضره نقصه, ويمنعونه من الربح الزائد الذي يضر غيره.
ومن هنا نعرف أن التسعير ينقسم إلى قسمين:
قسم يلجأ إليه ولاة الأمور لظلم الناس واحتكارهم, وهذا لا بأس به؛ لأنه من السياسة الحسنة, فقد ثبت عن النبي صلى الله عليه وسلم أنه قال: ( لا يحتكر إلا خاطئ ), والخاطئ من ارتكب الخطأ العمد, وإذا كان خاطئاً فإنه يجب أن يصحح مساره عن طريق ولاة الأمر, فإذا احتكر الإنسان هذه السلعة ولم تكن عند غيره, والناس في حاجة إليها, فإن على ولاة الأمور أن يتدخلوا في هذا, وأن يضربوا الربح الذي لا يتضرر به البائع, وينتفع به المشتري.
أما إذا كان رفع الأسعار ليس صادرا عن ظلم بل هو من الله عز وجل, إما لقلة الشيء, أو لسبب من الأسباب التي تؤثر في الاقتصاد العام, فإن هذا لا يحل التسعير فيه؛ لأن هذا ليس إزالة ظلم من هذا الشخص الذي رفع السعر, فإن الأمور بيد الله عز وجل, ولهذا ( لما غلا السعر في المدينة في عهد النبي صلى الله عليه وسلم جاءوا إليه فقالوا: يا رسول الله سعر لنا, فقال: إن الله تعالى هو المسعر القابض الباسط الرازق, وإني لأرجو أن ألقى الله عز وجل وما أحد منكم يطلبني بمظلمة في دم ولا مال ).
فامتنع النبي صلى الله عليه وسلم من أن يسعر لهم؛ لأن هذا الغلاء ليس من فعلهم وصنيعهم.
وبهذا نعرف أن التسعير على قسمين:
إن كان سببه إزالة الظلم فلا بأس به.
وإن كان ظلماً هو بنفسه, بحيث يكون الغلاء ليس من ظلم الإنسان، فإن التسعير حينئذ يكون ظلماً ولا يجوز.
السؤال: لقد جاءنا بعض الصوفية بأن لأهل القبور كرامات, واستدلوا بقوله تعالى في سورة الكهف: وَأَمَّا الْجِدَارُ فَكَانَ لِغُلامَيْنِ [الكهف:82]..الآية, وقالوا أيضاً: لولا أن أباهما كان صالحاً ما خرج الكنز, وعدوا هذه من الكرامات له بعد موته!
فضيلة الشيخ! أرجو الشرح والتوضيح لإزالة الغموض, ونرجو الرد على دعوى الصوفية الباطلة التي أضلت العباد.
الجواب: هذا السؤال سؤال عظيم, وجوابه يحتاج إلى بسط بعون الله عز وجل, فنقول: إن أصحاب القبور ينقسمون إلى قسمين:
قسم توفي على الإسلام, ويثني الناس عليه خيراً, فهذا يرجى له الخير, ولكنه مفتقر إلى إخوانه المسلمين يدعون الله له بالمغفرة والرحمة, وهو داخل في عموم قوله تعالى: وَالَّذِينَ جَاءُوا مِنْ بَعْدِهِمْ يَقُولُونَ رَبَّنَا اغْفِرْ لَنَا وَلِإِخْوَانِنَا الَّذِينَ سَبَقُونَا بِالإِيمَانِ وَلا تَجْعَلْ فِي قُلُوبِنَا غِلًّا لِلَّذِينَ آمَنُوا رَبَّنَا إِنَّكَ رَءُوفٌ رَحِيمٌ [الحشر:10], وهو بنفسه لا ينفع أحداً, إذ إنه ميت جثة لا يستطيع أن يدفع عن نفسه الضر ولا عن غيره, ولا أن يجلب لنفسه النفع ولا لغيره, فهو محتاج إلى نفع إخوانه غير نافع لهم.
القسم الثاني من أصحاب القبور: من أفعاله تؤدي إلى فسقه الفسق المخرج من الملة؛ كأولئك الذين يدعون أنهم أولياء, ويعلمون الغيب, ويشفون من المرض, ويجلبون الخير والنفع بأسباب غير معلومة حساً ولا شرعاً, فهؤلاء الذين ماتوا على الكفر لا يجوز الدعاء لهم ولا الترحم عليهم؛ لقول الله تعالى: مَا كَانَ لِلنَّبِيِّ وَالَّذِينَ آمَنُوا أَنْ يَسْتَغْفِرُوا لِلْمُشْرِكِينَ وَلَوْ كَانُوا أُوْلِي قُرْبَى مِنْ بَعْدِ مَا تَبَيَّنَ لَهُمْ أَنَّهُمْ أَصْحَابُ الْجَحِيمِ * وَمَا كَانَ اسْتِغْفَارُ إِبْرَاهِيمَ لِأَبِيهِ إِلَّا عَنْ مَوْعِدَةٍ وَعَدَهَا إِيَّاهُ فَلَمَّا تَبَيَّنَ لَهُ أَنَّهُ عَدُوٌّ لِلَّهِ تَبَرَّأَ مِنْهُ إِنَّ إِبْرَاهِيمَ لَأَوَّاهٌ حَلِيمٌ [التوبة:113-114] .
وهم لا ينفعون أحداً ولا يضرونه, ولا يجوز لأحد أن يتعلق بهم, وإن قدر أن أحداً رأى كرامات لهم مثل أن يتراءى له أن في قبورهم نوراً, أو أنه يخرج منها رائحة طيبة أو ما أشبه ذلك, وهم معروفون بأنهم ماتوا على الكفر, فإن هذا من خداع إبليس وغروره؛ ليفتن هؤلاء العباد بأصحاب هذه القبور.
وإنني أحذر أخواني المسلمين من أن يتعلقوا بأحد سوى الله عز وجل, فإنه سبحانه وتعالى هو الذي بيده ملكوت السماوات والأرض, وإليه يرجع الأمر كله, ولا يجيب دعوة المضطر إلا الله, ولا يكشف السوء إلا الله؛ قال الله: وَمَا بِكُمْ مِنْ نِعْمَةٍ فَمِنِ اللَّهِ ثُمَّ إِذَا مَسَّكُمُ الضُّرُّ فَإِلَيْهِ تَجْأَرُونَ [النحل:53] .
ونصيحتي لهم أيضاً: ألا يقلدوا في دينهم, ولا يتبعوا أحداً إلا رسول الله صلى الله عليه وسلم؛ لقول الله تعالى: لَقَدْ كَانَ لَكُمْ فِي رَسُولِ اللَّهِ أُسْوَةٌ حَسَنَةٌ لِمَنْ كَانَ يَرْجُو اللَّهَ وَالْيَوْمَ الآخِرَ [الأحزاب:21]، ولقوله تعالى: قُلْ إِنْ كُنْتُمْ تُحِبُّونَ اللَّهَ فَاتَّبِعُونِي يُحْبِبْكُمُ اللَّهُ [آل عمران:31] .
ويجب على جميع المسلمين أن يزنوا أعمال من يدعي الولاية بما جاء في الكتاب والسنة, فإن وافق الكتاب والسنة، فإنه يرجى أن يكون من أولياء الله, وإن خالف الكتاب والسنة فليس من أولياء الله.
وقد ذكر الله تعالى في كتابه ميزاناً قسطاً عدلاً في معرفة أولياء الله, حيث قال: أَلا إِنَّ أَوْلِيَاءَ اللَّهِ لا خَوْفٌ عَلَيْهِمْ وَلا هُمْ يَحْزَنُونَ * الَّذِينَ آمَنُوا وَكَانُوا يَتَّقُونَ [يونس:62-63]، فمن كان مؤمناً تقياً كان لله ولياً, ومن لم يكن كذلك فليس بولي لله, وإن كان معه بعض الإيمان والتقوى كان فيه شيء من الولاية, ومع ذلك فإننا لا نجزم لشخص بعينه بشيء, ولكننا نقول على سبيل العموم: كل من كان مؤمناً تقياً كان لله ولياً؛ لقول الله تعالى: أَلا إِنَّ أَوْلِيَاءَ اللَّهِ لا خَوْفٌ عَلَيْهِمْ وَلا هُمْ يَحْزَنُونَ * الَّذِينَ آمَنُوا وَكَانُوا يَتَّقُونَ [يونس:62-63] .
وليعلم أن الله عز وجل قد يفتن الإنسان بشيء من مثل هذه الأمور, قد يتعلق الإنسان بالقبر فيدعو صاحبه أو يأخذ من ترابه يتبرك به فيحصل مطلوبه, ويكون ذلك فتنة من الله عز وجل لهذا الرجل؛ لأننا نعلم بأن هذا القبر لا يجيب الدعاء, وأن هذا التراب لا يكون سبباً لزوال ضرر أو جلب نفع, نعلم ذلك لقول الله تعالى: وَمَنْ أَضَلُّ مِمَّنْ يَدْعُو مِنْ دُونِ اللَّهِ مَنْ لا يَسْتَجِيبُ لَهُ إِلَى يَوْمِ الْقِيَامَةِ وَهُمْ عَنْ دُعَائِهِمْ غَافِلُونَ * وَإِذَا حُشِرَ النَّاسُ كَانُوا لَهُمْ أَعْدَاءً وَكَانُوا بِعِبَادَتِهِمْ كَافِرِينَ [الأحقاف:5-6]، وقال تعالى: وَالَّذِينَ يَدْعُونَ مِنْ دُونِ اللَّهِ لا يَخْلُقُونَ شَيْئًا وَهُمْ يُخْلَقُونَ * أَمْوَاتٌ غَيْرُ أَحْيَاءٍ وَمَا يَشْعُرُونَ أَيَّانَ يُبْعَثُونَ [النحل:20-21] .
والآيات في هذا المعنى كثيرة تدل على أن كل من دعي من دون الله فلن يستجيب الدعاء ولن ينفع الداعي, ولكن قد يحصل المطلوب المدعو به عند دعاء غير الله فتنة وامتحاناً, ونقول: إنه حصل هذا الشيء عند الدعاء, أي عند دعاء هذا الذي دعي من دون الله لا بدعائه, وفرق بين حصول الشيء بالشيء, وبين حصول الشيء عند الشيء, فإننا نعلم علم اليقين أن دعاء غير الله ليس سبباً في جلب النفع أو دفع الضرر في الآيات الكثيرة التي ذكرها الله عز وجل في كتابه, ولكن قد يحصل هذا الشيء عند هذا الدعاء فتنة وامتحاناً.
والله تعالى قد يبتلي إنسانا بأسباب المعصية ليعلم سبحانه وتعالى من كان عبداً لله ومن كان عبداً لهواه, ألا ترى إلى أصحاب السبت من اليهود حيث حرم الله عليهم أن يصطادوا الحيتان في يوم السبت, فابتلاهم الله عز وجل فكانت الحيتان تأتي يوم السبت بكثرة عظيمة, وفي غير يوم السبت تختفي, فطال عليهم الأمد وقالوا: كيف نحرم أنفسنا هذه الحيتان؟ ثم فكروا وقدروا ونظروا, فقالوا: نجعل شبكة نضعها في يوم الجمعة, ونأخذ الحيتان منها يوم الأحد, فأقدموا على هذا الفعل الذي هو حيلة على محارم الله, فقلبهم الله تعالى قردة خاسئين؛ قال الله تعالى: وَاسْأَلْهُمْ عَنِ الْقَرْيَةِ الَّتِي كَانَتْ حَاضِرَةَ الْبَحْرِ إِذْ يَعْدُونَ فِي السَّبْتِ إِذْ تَأْتِيهِمْ حِيتَانُهُمْ يَوْمَ سَبْتِهِمْ شُرَّعًا وَيَوْمَ لا يَسْبِتُونَ لا تَأْتِيهِمْ كَذَلِكَ نَبْلُوهُمْ [الأعراف:163] أي: نختبرهم بِمَا كَانُوا يَفْسُقُونَ [الأعراف:163].
وقال عز وجل: وَلَقَدْ عَلِمْتُمُ الَّذِينَ اعْتَدَوْا مِنْكُمْ فِي السَّبْتِ فَقُلْنَا لَهُمْ كُونُوا قِرَدَةً خَاسِئِينَ * فَجَعَلْنَاهَا نَكَالًا لِمَا بَيْنَ يَدَيْهَا وَمَا خَلْفَهَا وَمَوْعِظَةً لِلْمُتَّقِينَ [البقرة:65-66].
فانظر كيف يسر الله لهم هذه الحيتان في اليوم الذي منعوا من صيدها, ولكنهم والعياذ بالله لم يصبروا, فقاموا بهذه الحيلة على محارم الله.
ثم انظر لما حصل لأصحاب النبي صلى الله عليه وسلم، حيث ابتلاهم الله تعالى -وهم محرمون- بالصيود المحرمة على المحرم, فكانت في متناول أيديهم، ولكنهم رضي الله عنهم لم يجرءوا على شيء منها؛ فقال الله تعالى: يَاأَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا لَيَبْلُوَنَّكُمُ اللَّهُ بِشَيْءٍ مِنَ الصَّيْدِ تَنَالُهُ أَيْدِيكُمْ وَرِمَاحُكُمْ لِيَعْلَمَ اللَّهُ مَنْ يَخَافُهُ بِالْغَيْبِ فَمَنِ اعْتَدَى بَعْدَ ذَلِكَ فَلَهُ عَذَابٌ أَلِيمٌ [المائدة:94].
كانت الصيود العادية الطائرة في متناول أيديهم, يمسكون الصيد العادي باليد, وينالون الصيد الطائر بالرماح فيسهل عليهم جداً, ولكنهم رضي الله عنهم خافوا الله عز وجل فلم يقدموا على أخذ شيء من الصيود, وهكذا يجب على المرء إذا هيأ الله له أسباب الفعل المحرم أن يتقي الله عز وجل, وألا يقدم على هذا الفعل المحرم, وأن يعلم أن تيسير الله له أسبابه من باب الابتلاء والامتحان فليحجم وليصبر, فإن العاقبة للمتقين.
استمع المزيد من الشيخ محمد بن صالح العثيمين - عنوان الحلقة | اسٌتمع |
---|---|
فتاوى نور على الدرب [707] | 3913 استماع |
فتاوى نور على الدرب [182] | 3693 استماع |
فتاوى نور على الدرب [460] | 3647 استماع |
فتاوى نور على الدرب [380] | 3501 استماع |
فتاوى نور على الدرب [221] | 3496 استماع |
فتاوى نور على الدرب [411] | 3478 استماع |
فتاوى نور على الدرب [21] | 3440 استماع |
فتاوى نور على الدرب [82] | 3438 استماع |
فتاوى نور على الدرب [348] | 3419 استماع |
فتاوى نور على الدرب [708] | 3341 استماع |