فتاوى نور على الدرب [247]


الحلقة مفرغة

السؤال: أنا والحمد لله مسلم أقوم بواجباتي الدينية على أكمل وجه، أصلي وأصوم وأقرأ القرآن، ولكنني في هذا العام حصل بيني وبين زوجتي سوء تفاهم فنطقت بقولي: إنك طالقة ولم أسم اسمها أو أقل: أنت طالق، فسألت الشيخ عندنا فقال بالحرف الواحد: إن لم تكن قد لفظت باسمها أو قلت: أنتِ طالق فلا يقع الطلاق وليس عليك شيء إن شاء الله، وفي المرة الثانية كنت مريضاً في غاية المرض وعلى الفراش، وحدث خلاف بيني وبينها، فقلت: أنت طالق. طالق. طالق وأنا في حالة عصبية لأنها تدعو عليّ بعدم الشفاء وتراضينا بعدها ولكني لم أقربها، وصح بدني وأصبحت في حيرة من أمري هذا، فذهبت إلى شيخ قريب منا فسألته، فقال لي: لا يوجد لك حل عندي، فذهبت إلى شيخ آخر وقال: لا حرج في ذلك أهي معك حتى آتي وأعقد عقداً جديداً بينك وبينها، فقلت له: هي بعيدة عني ولكن علمني كيفية العقد الجديد فرجعت إلى أهلي وجئت بإمام القرية وشخص آخر فعقد عقداً جديداً بيني وبينها حتى اطمئن قلبي لذلك، فاتصلت بها بعقد جديد، وصرنا على هذه الحالة مدة ثلاثة أشهر، وأحيطك علماً أنني قبل الطلاق كنت أظن بأن الطلاق هو ثلاث مرات، أي: أن يقول الإنسان في المرة الأولى ثلاث طلقات، وفي المرة الثانية ثلاث طلقات، وفي المرة الثالثة أيضاً ثلاث، وأنا الآن في حيرة من أمري علماً أني أصلي وأصوم وأقوم بواجباتي كما أسلفت على أكمل وجه، فما الحكم في قضيتي هذه وماذا عليّ أن أفعل؟

الجواب: الحقيقة أن هذا السؤال كنت حين قراءته لا أريد أن أجيب عليه؛ وذلك لأن هذا السائل سأل واقتنع برأي من سألهم، وقد ذكر أهل العلم: أن الإنسان إذا استفتى شخصاً أهلاً للفتوى مقتنعاً بقوله ملتزماً به فإنه لا يسأل أحداً غيره؛ لأنه حين سأله يعتقد أن ما يقوله هو شرع الله، وشرع الله تعالى إذا التزم به الإنسان لا يمكن أن يستبدل به غيره، ولكن رأيت أن أجيب على هذا السؤال لا إجابة شخصية لهذا السائل بل من أجل الفائدة؛ لأنه عرض واستمع إليه من يستمع هذا البرنامج:

الحادثة الأولى: التي وقعت على هذا الشخص أنه قال: إنك طالق بالكاف، والكاف هنا حرف خطاب ولاشك أنه يريد بحرف الخطاب زوجته، وإذا كان كذلك فإنها تكون طالقاً سواء أتى بالضمير المنفصل وهو: أنتِ طالق أو أتى بالضمير المتصل وهو: إنك طالق، بل إنكِ طالق أبلغ من أنتِ طالق؛ لأن الجملة هنا مؤكدة بـ(إن) بخلاف أنت طالق، والضمير في أنت طالق كالضمير في إنك طالق؛ لأن كليهما ضمير مخاطب، وكذلك إذا سمى زوجته، فقال: زوجتي فلانة طالق وإن لم تكن حاضرة فإنها تطلق، وعلى هذا فتكون فتوى من أفتاك في المسألة الأولى بأن زوجتك لم تطلق فتوى غير صحيحة.

وأما الحادثة الثانية: فقد ذكر أنه كان مريضاً فأغضبته غضباً شديداً حتى نطق بقوله: أنتِ طالق. طالق. طالق، ثم ذهب إلى شيخ يسأله، وظاهر فتوى الشيخ أنه حكم ببينونتها وأنه لابد من عقد، وعلى كل حال فإننا نقول في جواب هذه الحادثة: إذا كان الغضب شديداً بحيث لا يدري ما يقول فإن طلاقه لا يقع، بل حتى لو كان يعي ما يقول لكن الغضب أرغمه وحمله حتى لا يستطيع أن يمنع غضبه فقال بالطلاق فإنه لا يقع طلاقه على القول الصحيح، وذلك لقول النبي عليه الصلاة والسلام: ( لا طلاق في إغلاق )؛ ولأن هذا إكراه نفسي باطني فيشبه الإكراه الخارجي من أحد غير الزوجة، أما إذا كان الغضب لا يبلغ إلى هذا الحد فإن الطلاق يقع، ولكن الطلاق يقع واحدة إذا قال: أنتِ طالق.. طالق.. طالق، ولم ينو الثلاث فإنه يقع واحدة حتى على المشهور من مذهب الإمام أحمد رحمه الله.

وأما إذا نوى بقوله: أنتِ طالق.. طالق.. طالق.. الثلاث فإنه يقع الطلاق الثلاث على المشهور أيضاً في مذهب الإمام أحمد ، والراجح عندي أنه لا يقع الطلاق الثلاث بتكرار ألفاظه حتى لو نوى ذلك؛ لعموم حديث ابن عباس رضي الله عنهما: ( كان الطلاق في عهد النبي صلى الله عليه وسلم وعهد أبي بكر وسنتين من خلافة عمر طلاق الثلاث واحدة)؛ ولأن الإنسان إذا طلق طلقة عقب طلقة فقد طلق لغير العدة، وقد قال الله تعالى: يا أيها النَّبِيُّ إِذَا طَلَّقْتُمُ النِّسَاءَ فَطَلِّقُوهُنَّ لِعِدَّتِهِنَّ [الطلاق:1] ووجه كونه طلق لغير العدة أن العلماء قالوا: لو طلق الإنسان زوجته طلقة واحدة ثم بعد أن حاضت مرتين طلقها ثانية فإنها لا تستأنف العدة بل تبني على العدة الأولى، وهذا يعني أن الطلاق الثاني لم يكن طلاقاً لعدة، وقد قال الله تعالى: فَطَلِّقُوهُنَّ لِعِدَّتِهِنَّ [الطلاق:1] ولو كان طلاقاً للعدة وجب عليها استئنافها، فالقول الراجح هو أن تكرار الطلاق -أعني: تكرار ألفاظه- لا يتكرر به الطلاق، وهذا القول هو اختيار شيخ الإسلام ابن تيمية رحمه الله وهو الذي يدل عليه ظاهر حديث ابن عباس .

وعلى هذا فتكون هذه الزوجة التي طلقتها بقولك: أنتِ طالق.. طالق.. طالق، إن كانت في العدة فإنها لا تحتاج إلى عقد، وإن كانت بعد انتهاء العدة فإنها تحتاج إلى عقد.

هذا الجواب الذي قلته ليس جواباً شخصياً لهذا الرجل، ولكنه جواب علمي عن مثل هذه الحادثة؛ لأني لا أحب أن أفتي بشيء أفتى به أحد قبلي؛ لأن ذلك يحصل فيه تذبذب للعامة إذا اختلفت الفتوى وتردد وشك.

السؤال: نعلم أن الرسول صلى الله عليه وسلم قد تزوج تسع نساء معاً، فما هي الحكمة في ذلك مع أن شرعه صلى الله عليه وسلم لا يبيح لغيره جمع أكثر من أربع نساء، وكيف أن ابنه إبراهيم من مارية القبطية مع أنها ليست من زوجاته أم أنها أمة كان يملكها صلى الله عليه وسلم؟

الجواب: من المعلوم أن الرسول عليه الصلاة والسلام توفي عن تسع نساء، وكان عليه الصلاة والسلام قد تزوج خديجة أم المؤمنين وهي أول امرأة تزوج بها ورزق منها أولاده سوى إبراهيم ، وتزوج أيضاً زينب بنت خزيمة ولكن هاتين المرأتين توفيتا قبله صلى الله عليه وسلم، أما اللاتي توفي عنهن فهن تسع، وهذا من خصائصه صلى الله عليه وسلم في النكاح، والحكمة من إباحة أكثر من أربع للنبي عليه الصلاة والسلام؛ لأنه صلى الله عليه وسلم باتصاله بهن يكون فيه شرف لهن ولقبائلهن؛ ولأنه باتصاله بهن يكثر العلم؛ لأن كل واحدة منهن عندها من العلم ما لا يكون عندها لو لم تكن زوجة له، ولله عز وجل أن يخص من شاء من خلقه بحكم من الأحكام لسبب من الأسباب، وكما خصه الله عز وجل بالزواج زيادة على أربع فقد خصه بجواز التزوج بالهبة، بأن تأتي امرأة وتقول: إني قد وهبت نفسي لك يا رسول الله فتكون زوجة له بذلك، كما قال الله تعالى: يَا أَيُّهَا النَّبِيُّ إِنَّا أَحْلَلْنَا لَكَ أَزْوَاجَكَ اللَّاتِي آتَيْتَ أُجُورَهُنَّ وَمَا مَلَكَتْ يَمِينُكَ مِمَّا أَفَاءَ اللَّهُ عَلَيْكَ وَبَنَاتِ عَمِّكَ وَبَنَاتِ عَمَّاتِكَ وَبَنَاتِ خَالِكَ وَبَنَاتِ خَالاتِكَ اللَّاتِي هَاجَرْنَ مَعَكَ وَامْرَأَةً مُؤْمِنَةً إِنْ وَهَبَتْ نَفْسَهَا لِلنَّبِيِّ إِنْ أَرَادَ النَّبِيُّ أَنْ يَسْتَنكِحَهَا خَالِصَةً لَكَ مِنْ دُونِ الْمُؤْمِنِينَ [الأحزاب:50]، فبين الله عز وجل أن ذلك خاص به دون المؤمنين، والحكمة من ذلك والله أعلم هو ما أشرنا إليه من قبل من أجل أن يتيسر النكاح للنبي صلى الله عليه وسلم حتى يتزوج بدون مهر وبدون عناء إذا شاء، وذلك للمصالح التي أشرنا إلى شيء منها فيما سبق.

وأما كون ولده يأتيه من سريته فإن هذا أمر لا يسأل عنه؛ لأن هذا بقضاء الله وقدره، فكما أنه عليه الصلاة والسلام لم يولد له من زوجته عائشة وقد تزوجها بكراً، ولا من زوجاته الأخر سوى خديجة وقد تزوجهن ثيبات، فإننا لا نقول: لماذا لم يولد له من تلك النساء وولد له من خديجة ومن مارية ، ولله تعالى الحكمة فيما شاء يَخْلُقُ مَا يَشَاءُ يَهَبُ لِمَنْ يَشَاءُ إِنَاثًا وَيَهَبُ لِمَنْ يَشَاءُ الذُّكُورَ * أَوْ يُزَوِّجُهُمْ ذُكْرَانًا وَإِنَاثًا وَيَجْعَلُ مَنْ يَشَاءُ عَقِيمًا [الشورى:49-50] ولعل من الحكمة أن الله عز وجل جعل له أولاداً من صنفين من المحللات له: صنف الزوجات الأحرار وصنف المملوكات الإماء.

السؤال: قوله تعالى: وَامْرَأَةً مُؤْمِنَةً إِنْ وَهَبَتْ نَفْسَهَا لِلنَّبِيِّ [الأحزاب:50] إلى آخر الآية يقول: من هي هذه المرأة وما هي قصتها؟

الجواب: (امرأةً مؤمنةً) هذه نكرة لا تخص امرأة بعينها، ولكن مع ذلك قد حصل ( أن امرأة جاءت إلى النبي عليه الصلاة والسلام، فقالت: يا رسول الله! إني وهبت نفسي لك، فردد فيها النظر عليه الصلاة والسلام، ولكنها لم تعجبه، فقام رجل فقال: يا رسول الله! إن لم يكن لك بها حاجة فزوجنيها ...) إلى آخر الحديث، وهو ثابت في الصحيحين من حديث سهل بن سعد رضي الله عنه، وأما الآية فلا تدل على امرأة معينة.

السؤال: لي قريبة تسكن بجوارنا مع أهلها، وكنت أزورهم بحكم قرابتي لهم وكانوا يلاحظون أن هناك رغبة عندي لخطبة هذه الفتاة بعد نهاية دراستي الجامعية وهي كانت تعرف ذلك، ولكن بعد نهاية دراستي دخلت الجيش لأداء الخدمة العسكرية، فكانت فترات انقطاعي عن زيارتهم تطول، وفي إحدى المرات التي كنت غائباً فيها تقدم أحد أقربائي لخطبة هذه الفتاة ونظراً لغيابي فقد وافقت على الخطوبة، وما أن علمت بما حدث حتى أرسلت لها أحد الأقارب سراً لكي يوضح لها موقفي وأن غيابي كان لعذر خارج إرادتي، فما كانت منها إلا أن رفضت هذا الشخص الذي تقدم لخطبتها وكان الرفض قبل عمل أي شيء، وفي هذا الوقت لم أكن أؤدي الصلاة، وكذلك كانت قراءتي الدينية محدودة ومعرفتي بالأحكام الفقهية ضحلة، المهم بعد أن فسخت خطوبتها ذهب قريبي هذا وخطب فتاة أخرى وكتب كتابه عليها، أما أنا فقد هداني الله إلى الصراط المستقيم وبدأت أصلي وأقرأ باهتمام في كتب الفقه والحديث إلى أن قرأت حديثاً لرسول الله صلى الله عليه وسلم ينهى فيه عن خطبة الأخ على أخيه، وهنا بدأت أحس بالندم على ما فعلت عن جهل، وبسبب وسوسة الشيطان أيضاً وأنا أجتهد في العبادة وأدعو الله بقبول توبتي وأن يغفر لي ما فعلت، فسؤالي: هو أنني سافرت إلى المملكة بعد هذا الموضوع مباشرة والفتاة مازالت تنتظرني حتى أرجع وأخطبها لكني ما أدري ما هو الصواب من ناحية الشرع حتى لا أخطئ مرة أخرى، فهل أخطبها أم لا وهل هناك ذنب علي فيما فعلت؟

الجواب: ما دمت قد تبت إلى الله عز وجل وأنت حين أخبرتها بأنك تريدها بعد أن خطبها الأول حتى رفضت الزواج به، فإنه لا شيء عليك نظراً لكونك جاهلاً بهذا الحكم، وحق الرجل الخاطب الآن انتفى برده وهو أيضاً قد من الله عليه فتزوج، فاستمر الآن على هذه المرأة واعقد النكاح عليها ولا حرج في ذلك، ونسأل الله أن يتوب علينا وعليك.

السؤال: عندي مبلغ من المال أعطيته أحد الإخوان ليشتغل به في التجارة، واتفقنا على أن الفائدة تكون بيننا، فما الحكم في ذلك هل حلال أم حرام، وأمرت أيضاً هذا الأخ الذي أعطيته المبلغ بأن يخرج لي زكاة هذا المبلغ كل ما يحول عليه الحول فالتزم لي بذلك ولكن مضت عليه سنتان لم أعرف عنه شيئاً هل أخرجها أم لا فما الحكم بالنسبة لي أنا إذا كان لم يخرجها هل يجب علي إخراجها أم لا؟

الجواب: هذا السؤال تضمن مسألتين:

المسألة الأولى: هل هذه المعاملة صحيحة وهي: أن تعطي شخصاً مالاً يتجر به وما حصل من الربح فهو بينكما؟ والجواب على ذلك: أن هذه معاملة صحيحة وهي جائزة بالإجماع، وتسمى المضاربة، وذلك لما فيها من المصلحة للطرفين، فالعامل حصل له مصلحة بنصيبه من الربح، وصاحب المال حصل له مصلحة بنصيبه من الربح، وصاحب المال منه المال وذاك منه العمل، فصاحب المال حصل له بماله هذا الربح مع راحته وعدم تعبه، وذاك العامل حصل له نصيبه من الربح مع تعبه لكن بدون مال يشغله بهذه المعاملة، والمهم أن هذه المعاملة جائزة ولا حرج فيها.

وأما المسألة الثانية التي تضمنها هذا السؤال فهي: أنك وكلته بإخراج زكاتك كل عام، وهذه الوكالة أيضاً صحيحة، فإن التوكيل في إخراج الزكاة جائز، وكذلك التوكيل في ذبح الهدي جائز، وفي ذبح الأضحية كذلك جائز، وإذا كنت قد شككت هل أدى الزكاة في السنتين الأخيرتين فاسأله إن كان قد أخرج الزكاة فقد أخرجها بوكالتك إياه، ويكون إخراجه مجزئاً وإن كان لم يخرجها فأخرجها أنت.

المقدم: إن أخرجها واتضح له بعد ذلك أن صاحبه هذا الموكل قد دفعها فما الحكم؟

الشيخ: إذا أخرجها وتبين أن صاحبه قد أخرجها فإن ما أخرجه أخيراً يكون تطوعاً؛ لأن ذمته برئت بإخراج وكيله، ويكون هذا المال صدقة، وينبغي أن نعرف قاعدة ذكرها أهل العلم وهي: أن كل فرض أداه الإنسان يحسب أنه عليه فتبين أنه لم يكن فإنه ينقلب نفلاً، ومن هذا: لو أن الإنسان صلى قبل دخول الوقت ظاناً أن الوقت قد دخل، فإنه إذا دخل الوقت يجب عليه أن يصلي في الوقت وتكون صلاته الأولى نفلاً، وكذلك لو صلى ظاناً أنه أخل في صلاته بشيء يوجب عليه الإعادة ثم تبين له أنه لم يخل فإن صلاته الثانية تكون نفلاً.

السؤال: عندنا بعض الإخوان يحلفون بالطلاق بالكذب أكثر من ثلاثين مرة في اليوم فما حكم أولئك وهل يقع عليهم الطلاق وإذا كان الجواب: بأنه يقع عليهم فماذا يفعلون فيما مضى؟

الجواب: الصحيح من أقوال أهل العلم أن الحلف بالطلاق لا يجعله طلاقاً، وأن حكمه حكم اليمين، واليمين على أمر ماض كاذباً محرمة؛ لأن الكذب من أصله محرم، وقد بين النبي عليه الصلاة والسلام أن الكذب من علامات المنافقين، فعلى هؤلاء أن يتوبوا إلى الله سبحانه وتعالى مما جرى منهم وألا يعودوا لمثل لذلك، وأما الطلاق فإنه لا يقع عليهم طلاق.

السؤال: نعرف أن الصراط حق لا ريب، وأنه لابد من العبور عليه، ولكننا سمعنا حديثاً عن صفته يقول: بأن طوله مسيرة مائة عام في الاستواء ومائة عام في الطلوع، ومائة عام في الهبوط، وأنه على متن جهنم، فهل هذا الحديث صحيح، وإن لم يكن كذلك فما هي حقيقته ومتى يؤذن لمن تجاوزه بدخول الجنة وما حكم من أنكر وجوده؟

الجواب: الصراط -كما ذكر السائل- حق واعتقاد وجوده واجب، وهو مما يعتقده أهل السنة والجماعة، والصراط: عبارة عن جسر ممدود على متن جهنم أدق من الشعر وأحد من السيف، وأما كون طوله كما ذكر السائل فإني لا أعلم في ذلك حديثاً صحيحاً عن النبي صلى الله عليه وسلم، وهذا الصراط يعبر الناس عليه على قدر أعمالهم، منهم السريع ومنهم البطيء على حسب سيرهم على صراط الله المستقيم في هذه الدنيا، فمن كان مستقيماً على الصراط في هذه الدنيا مسابقاً إلى الخيرات كان مستقيماً على صراط الآخرة سابقاً فيه، ومن كان دون ذلك كان دون ذلك، وربما يمر بعض الناس به فيلقى في جهنم ويعذب فيها بقدر عمله ثم ينجو، وأما الكافرون فإنهم لا يعبرون على هذا الصراط، وإنما يحشرون إلى جهنم ((وِرْدًا)) كما قال الله عز وجل بدون أن يعبروا على ذلك الصراط؛ لأنهم لم يكونوا عابرين على الصراط في هذه الدنيا فيكون جزاؤهم أن يحشروا إلى النار بدون أن يعبروا على هذا الصراط، وأول من يجوز بأمته هو محمد صلى الله عليه وسلم ثم بعد هذا الصراط يوقفون على قنطرة بين الجنة والنار ويقتص لبعضهم من بعض ثم يدخلون الجنة بعد أن يشفع النبي عليه الصلاة والسلام إلى ربه في فتح أبواب الجنة، فيشفع إلى الله عز وجل أن تفتح أبواب الجنة فتفتح، ويكون أول من يدخلها هو محمد صلى الله عليه وسلم.

مداخلة: ما حكم من أنكر وجوده؟

الشيخ: حكم من أنكر وجوده إن كان جاهلاً فإنه يُعلم حتى يتبين له، فإذا بلغ بالأحاديث الواردة في ذلك فإنه يجب عليه أن يعتقده، فإن أنكره مع علمه أن النبي صلى الله عليه وسلم أخبر به كان مرتداً كافراً لتكذيبه رسول الله صلى الله عليه وسلم.