فتاوى نور على الدرب [192]


الحلقة مفرغة

السؤال: كنا نصلي جماعةً صلاة الظهر، وبعد أن سجدنا السجدة الأولى في الركعة الثالثة قام الإمام للركعة الرابعة ولم يسجد السجدة الثانية، أما المأمومون فقد استمروا في سجودهم لعدم سماعهم تكبير الإمام، ولم ينتبهوا إلا بعد أن وصل الإمام الركوع للركعة الرابعة، فقاموا وتابعوه في بقية الصلاة، وبعد أن سلم الإمام قام بعضهم وأعاد الركعة بكاملها وبعضهم سلم مع الإمام اقتداءً به، فما الحكم في مثل هذه الحالة؟ وهل صلاة الجميع صحيحةٌ أم لا؟

الجواب: هذا السؤال تضمن مشكلتين؛ المشكلة الأولى: مشكلة الإمام الذي قام إلى الركعة الرابعة من سجودٍ واحدٍ في الركعة الثالثة، ومثل هذه الحال إذا وقعت من المصلي، فقام من سجدةٍ واحدة إلى الركعة التي تليها، فإنه يجب عليه أن يرجع ليأتي بالسجود، ثم يستمر في صلاته، ويكمل الصلاة، ويسلم منها، ثم يسجد بعد السلام سجدتين للسهو ويسلم، إلا إذا لم يذكر أنه نسي السجدة، حتى وصل إلى المحل الذي قام منه، فإنه حينئذٍ يلغي الركعة الأخيرة التي أتى بها، وتكون محل الركعة التي نسي منها السجود، مثال ذلك: رجلٌ فعل كما فعل الإمام المذكور، قام من السجدة الأولى في الركعة الثالثة إلى الركعة الرابعة، ولما شرع في القراءة واستمر ذكر أنه لم يسجد السجدة الثانية، ولا جلس أيضاً بين السجدتين، فنقول له: ارجع الآن واجلس بين السجدتين، ثم اسجد السجدة الثانية، وبهذا تتم الركعة الثالثة، ثم تقوم إلى الركعة الرابعة وتكمل الصلاة وتسلم، ثم تسجد سجدتين للسهو وتسلم، وذلك لأن السهو هنا حصل فيه زيادةٌ في الصلاة وهو القيام، وسجود السهو إذا كان سببه الزيادة فإنه يكون بعد السلام، هذا بالنسبة لمشكلة الإمام.

أما بالنسبة لمشكلة المأمومين الذين لم يعلموا أن إمامهم قام لعدم سماعهم التكبير حتى ركع، فإن ظاهر السؤال أن المأمومين أيضاً لم يسجدوا السجدة الثانية، وحينئذٍ يكون قد بقي عليهم ركعة من صلاتهم، لأن إحدى الركعات ما سجدوا فيها إلا سجدةً واحدة، وكذلك بالنسبة للإمام عليه أن يأتي بركعة، لأنه لم يسجد في الركعة الثالثة إلا سجوداً واحداً، فيكون كلٌ منهم قد بقي عليه من الصلاة ركعة، فإن كانوا قد أتوا بها فقد تمت صلاتهم، وإن كانوا لم يأتوا بها حتى الآن فإنه يجب عليهم أن يعيدوا تلك الصلاة من أولها، يعيدوها الآن حين يسمعوا هذا القول الذي نقوله، إلا إذا كانوا قد سألوا غيرنا من قبل فأفتاهم ومشوا على الفتيا، فإنهم على ما أفتوا به إذا كان المفتي أهلاً للفتوى.

مداخلة: لو فرضنا أن هذا الإمام لم يذكر أنه نسي السجدة الثانية إلا قبل انتهائه من الصلاة بقليل، فما العمل في مثل هذه الحالة؟

الشيخ: العمل في مثل هذه الحال إذا كانت السجدة في الركعة الثالثة كما في السؤال، فإننا نقول له: قم الآن وأت بركعة، وذلك لأن الركعة الرابعة صارت بدلاً عن الركعة الثالثة التي ترك منها السجود، من حين ما يصل إلى مكان السهو، فإن الركعة الثانية تقوم مقام الركعة التي قبلها، التي نسي سجودها، وحينئذٍ يكون لم يصلِ إلا ثلاثاً فيأتي بركعة.

السؤال: تأخرت ذات يومٍ عن صلاة الظهر فلم أصلها إلى أن جاء وقت العصر لسببٍ من الأسباب، فأتيت المسجد وإذا الجماعة يصلون العصر، فهل يجوز في هذه الحالة أن أصلي العصر معهم، ثم أصلي بعدها صلاة الظهر، أم أصلي معهم بنية الظهر وهم بنية العصر ولا يؤثر اختلاف النية هنا؟

الجواب: إن قولك: أخرت صلاة الظهر إلى صلاة العصر لسببٍ من الأسباب، لم يتبين لنا هذا السبب، فإن كان هذا السبب عذراً شرعياً فإن له حكماً، وإن كان السبب غير شرعيٍ فإن صلاتك الظهر لا تجزؤك إذا أخرتها عن وقتها بدون عذرٍ شرعي، وعليك أن تتوب إلى الله عز وجل مما وقع منك، ولا تنفعك الصلاة حينئذٍ، لأنك تعمدت تأخيرها عن وقتها، فإذا قدرنا أن السبب الذي أخرت من أجله صلاة الظهر إلى صلاة العصر كان شرعياً، وأتيت إلى المسجد وهم يصلون صلاة العصر، فأنت بالخيار، إن شئت فصل معهم بنية العصر، فإذا فرغوا فأت بالظهر، ويسقط الترتيب حينئذٍ، لئلا تفوت الجماعة، وإن شئت فصل معهم الظهر، أي: بنية الظهر، وإن كانوا يصلون العصر، ولا يضر اختلاف النية، لأن النبي صلى الله عليه وسلم قال: ( إنما جعل الإمام ليؤتم به فلا تختلفوا عليه، فإذا كبر فكبروا)، فبين صلى الله عليه وسلم معنى الاختلاف عليه، ولهذا جاءت: لا تختلفوا عليه، ولم يقل: لا تختلفوا عنه، مما يدل أن المراد المخالفة في الأفعال، وقد فسر ذلك في نفس الحديث، فقال: فإذا كبر فكبروا، وإذا ركع فاركعوا إلى آخره.

أما النية فإنها عملٌ باطن لا يظهر فيها الاختلاف على الإمام ولو اختلفت، وعلى هذا فإنك تدخل معهم بنية الظهر وإن كانوا يصلون العصر، ثم إذا انتهوا من الصلاة تأتي أنت بصلاة العصر، وهذا عندي أولى من الوجه الذي قبله.

مداخلة: لو فرضنا أن الجماعة يصلون النافلة وهو فاتته فريضة فانضم معهم، هل يؤثر أيضاً اختلاف النية بين الفرض والنفل؟

الشيخ: هذا أيضاً لا تأثير له، فيجوز أن يصلي الإنسان فرضاً خلف من يصلي نافلةً، ويدل لذلك حديث معاذ بن جبل رضي الله عنه: أنه كان يصلي مع النبي صلى الله عليه وسلم صلاة العشاء، ثم يرجع إلى قومه فيصلي بهم تلك الصلاة، فتكون له نافلةً ولهم فريضةً، وهذا وقع في عهد النبي صلى الله عليه وسلم.

فإن قال قائلٌ: لعل النبي صلى الله عليه وسلم لم يعلم به؟

فالجواب على ذلك من وجهين: الأول: يبعد أن النبي صلى الله عليه وسلم لا يعلم به، لا سيما وأنه قد شكي إليه في الإطالة حين صلى بهم ذات ليلةٍ فأطال، ثم دعاه النبي عليه الصلاة والسلام ووعظه، والقصة معروفة، فيبعد أن النبي صلى الله عليه وسلم لم يعلم بحال معاذ رضي الله عنه.

والوجه الثاني: أنه على فرض أن يكون النبي صلى الله عليه وسلم لم يعلم بصنيع معاذ هذا، فإن الله سبحانه وتعالى قد علم به، ولم ينزل وحيٌ من الله تعالى بإبطال هذا العمل، ولهذا كل ما جرى في عهد النبي عليه الصلاة والسلام فإنه حجة لإقرار الله له، والله سبحانه وتعالى لا يقر أحداً على باطل وإن خفي عن النبي صلى الله عليه وسلم، بدليل قوله تعالى: يَسْتَخْفُونَ مِنَ النَّاسِ وَلا يَسْتَخْفُونَ مِنَ اللَّهِ وَهُوَ مَعَهُمْ إِذْ يُبَيِّتُونَ مَا لا يَرْضَى مِنَ الْقَوْلِ وَكَانَ اللَّهُ بِمَا يَعْمَلُونَ مُحِيطًا [النساء:108]، فلما كان هؤلاء القوم يبيتون ما لا يرضي الله عز وجل، والناس لا يعلمون به، بينه الله عز وجل ولم يقرهم عليه، فدل هذا على أن ما وقع في عهد الرسول عليه الصلاة والسلام فهو حجة، وإن لم نعلم أن النبي صلى الله عليه وسلم علم به، فهو حجة بإقرار الله له.

فالمهم أن فعل معاذ رضي الله عنه هذا حجة على كل تقدير، وهو يصلي نافلة وأصحابه يصلون وراءه فريضةً، فإذا صلى شخصٌ وراء قومٍ يصلون نافلة، وهو يصلي فريضة، فلا حرج في ذلك، ولهذا نص الإمام أحمد على أن الرجل إذا دخل في رمضان وهم يصلون التراويح، فإنه يصلي خلف الإمام بنية صلاة العشاء، فإذا سلم الإمام من الصلاة التي هي التراويح، أتى بما بقي عليه من صلاة العشاء، وهذا فرضٌ خلف نافلة.

السؤال: هل يجوز للمرأة الحائض أو النفساء لمس الكتب أو المجلات التي قد تشتمل على آياتٍ قرآنية وأحاديث نبوية قياساً على تحريم لمس المصحف؟

الجواب: لا يحرم عليها ولا على الجنب ولا على غير المتوضئ أن تمس شيئاً من الكتب أو المجلات التي فيها أحاديث، أو فيها شيء من كلام الله عز وجل، لأن ذلك ليس بمصحف.

السؤال: ما مدى صحة الحديث الذي معناه أن الرسول صلى الله عليه وسلم قال: ( يشرب ناس من أمتي الخمر يسمونها بغير اسمها، تضرب على رءوسهم بالمعازف القينات، يخسف الله بهم الأرض، ويجعل منهم القردة والخنازير)، فإن كان هذا الحديث صحيحاً فما هو لفظه الصحيح كاملاً؟ وهل الوعيد بالخسف والتحويل إلى خنازير وقردة قد يكون هذا في زمن أمة محمدٍ صلى الله عليه وسلم إلى قيام الساعة، مع أن الله قد رفع ذلك عن أمة محمدٍ صلى الله عليه وسلم إكراماً له؟

الجواب: هذا الحديث صحيح، صححه ابن القيم وغيره رحمهم الله، ولفظه: ( ليشربن أناسٌ من أمتي الخمر يسمونها بغير اسمها)، ولفظ: ( تضرب على رءوسهم المعازف )، و( يضرب على رءوسهم بالمعازف )، وهو حديثٌ صحيح، ويشهد له أيضاً ما رواه البخاري في صحيحه فيما ترجم عليه باب من يشرب الخمر ويسميها بغير اسمها، ولقد صدق رسول الله صلى الله عليه وسلم، فإن أناساً يشربون الخمر ويسمونها بغير اسمها، يقال: إنها تسمى بالشراب الروحي، وما أعظم هذا القول وأبطله وأكذبه، فكيف يكون هذا الشراب المزيل للعقل، المميت للقلب، المبعد عن الرب، كيف يكون شراباً روحياً؟! ما هو إلا شرابٌ خبيث يفسد العقل، ويفسد الدين، ويفسد الفكر أيضاً، ولهذا صاحبه المبتلى به والعياذ بالله لا يقر له قرار ولا يهدأ له بال ولا ينشرح له صدر حتى يعود إليه مرةً أخرى، فتجده دائماً في همٍ وقلق حتى يشرب ويدمن نسأل الله العافية والسلامة، وشرابهم هذا شأنه كيف تصح تسميته بالشراب الروحي، ما هو إلا شراب مدمرٌ للجسم والروح جميعاً وللعقل والفكر نسأل الله السلامة، ولهذا حرمه الله على عباده تحريماً مؤكداً في قوله تعالى: فَاجْتَنِبُوهُ لَعَلَّكُمْ تُفْلِحُونَ * إِنَّمَا يُرِيدُ الشَّيْطَانُ أَنْ يُوقِعَ بَيْنَكُمُ الْعَدَاوَةَ وَالْبَغْضَاءَ فِي الْخَمْرِ وَالْمَيْسِرِ وَيَصُدَّكُمْ عَنْ ذِكْرِ اللَّهِ وَعَنِ الصَّلاةِ فَهَلْ أَنْتُمْ مُنتَهُونَ [المائدة:90-91] ، وفي قوله: (فاجتنبوه) يعني: كونوا في جانبٍ وهو في جانب، وهو أبلغ من قوله: (لا تشربوه) لأن الاجتناب معناه التباعد عنه، ثم قال: فَهَلْ أَنْتُمْ مُنتَهُونَ [المائدة:91] ؟ يعني: هل تنتهون عن ذلك بعد أن عرفتم هذه المضار العظيمة فيه؟

ولهذا قال أهل العلم: من أنكر تحريم الخمر وهو ممن عاش بين المسلمين لا يخفى عليه تحريمه فإنه يعتبر مرتداً كافراً بالله عز وجل يستتاب، فإن تاب وأقر بتحريمه فإنه يرفع عنه القتل، وإلا قتل كافراً مرتداً والعياذ بالله، فالمهم أن هذا الحديث وقع مصداقه، فقد شربت الخمر، وسميت بغير اسمها، وضرب بالمعازف والقينات على الرؤوس.

وأما قول القائل: إنه كيف يكون ذلك وقد رفع الله هذا عن هذه الأمة؟

فيقال: إن الذي رفع عن هذه الأمة هو الإهلاك بسنةٍ عامة، بشيءٍ عام يستأصلهم، وأما أن يختص بعضهم بعقوبة فإن هذا لم يرفع، فقد ثبت عن النبي صلى الله عليه وسلم أنه قال: ( أما يخشى الذي يرفع رأسه قبل الإمام)، يعني: في صلاة الجماعة، ( أما يخشى الذي يرفع رأسه قبل الإمام أن يحول الله رأسه رأس حمار، أو يجعل الله صورته صورة حمار)، وكذلك هنا ذكر في الحديث أن الله تعالى يمسخهم قردة وخنازير، وكلام الرسول عليه الصلاة والسلام، وكذلك كلام الله عز وجل في القرآن يجب أن يؤخذ على ظاهره بدون تأويل، إلا بدليلٍ شرعي أو عقلي أو حسيٍ ظاهر، فهنا نقول: إن هؤلاء يمكن أن يمسخوا قردةً وخنازير حقيقيين، وما ذلك على الله بعزيز، لأن الله على كل شيء قدير، إذا أراد شيئاً فإنما يقول له كن فيكون، والذي قلب أهل القرية من بني إسرائيل قردةً قادرٌ على أن يقلب غيرهم من أمة محمدٍ صلى الله عليه وسلم.

وذهب بعض أهل العلم إلى أن القلب هنا قلبٌ معنوي خلقي، بمعنى أن الله يجعل أخلاقهم أخلاق القردة والخنازير، ولكن الأول أليق بظاهر اللفظ، ونحن علينا أن نتبع ظاهر اللفظ، وأن نخشى من هذه العقوبة المشينة والعياذ بالله، أن يخرج الإنسان من أهله إنساناً، ثم يرجع قرداً أو خنزيراً نسأل الله السلامة.

السؤال: إذا صدر من المسلم سبٌ للدين ليس عامداً، بل سبق لسان، ومن قبيل ما يسمى باللغو، فهل يؤاخذ على ذلك أم يدخل تحت قوله تعالى: لا يُؤَاخِذُكُمُ اللَّهُ بِاللَّغْوِ فِي أَيْمَانِكُمْ [البقرة:225] ؟ وإن لم يكن داخلاً فما معنى هذه الآية إذاً؟

الجواب: من سب دين الإسلام فهو كافر، سواءٌ كان جاداً أو مازحاً، حتى وإن كان يزعم أنه مؤمن فليس بمؤمن، وكيف يكون مؤمناً بالله عز وجل وبكتابه وبدينه وبرسوله وهو يسب الدين، كيف يكون مؤمناً وهو يسب ديناً قال الله فيه: وَرَضِيتُ لَكُمُ الإِسْلامَ دِينًا [المائدة:3] ، وقال الله تعالى فيه: وَمَنْ يَبْتَغِ غَيْرَ الإِسْلامِ دِينًا فَلَنْ يُقْبَلَ مِنْهُ [آل عمران:85] ، وقال الله فيه: إِنَّ الدِّينَ عِنْدَ اللَّهِ الإِسْلامُ [آل عمران:19] ، كيف يكون مؤمناً من سب هذا الدين ولو كان مازحاً إذا كان قد قصد الكلام؟! فإن من سب دين الإسلام جاداً أو مازحاً فإنه كافرٌ كفراً مخرجاً عن الملة، عليه أن يتوب إلى الله عز وجل.

وسب الدين مازحاً أشد من سبه جاداً وأعظم، ذلك لأن من سب شيئاً جاداً، وكان هذا السب واقعاً على هذا الشيء، فإنه قد لا يكون عند الناس مثل الذي سبه مازحاً مستهزئاً، وإن كان فيه هذا الشيء، والدين الإسلامي والحمد لله دينٌ كامل، كما قال الله عز وجل: الْيَوْمَ أَكْمَلْتُ لَكُمْ دِينَكُمْ [المائدة:3] ، وهو أعظم منةٍ من الله بها على عباده، كما قال: وَأَتْمَمْتُ عَلَيْكُمْ نِعْمَتِي [المائدة:3] ، فإذا سبه أحد ولو مازحاً فإنه يكفر، فعليه أن يتوب إلى الله، ويقلع عما صنع، وأن يعظم دين الله عز وجل في قلبه حتى يدين الله به، وينقاد لله بالعمل بما جاء في هذا الدين.

أما شيء سبق على لسانه، بأن كان يريد أن يمدح الدين فقال كلمة سبٍ بدون قصد، بل سبقاً على اللسان، فهذا لا يكفر، لأنه ما قصد السب، بخلاف الذي يقصده وهو يمزح، فإن هنا قصداً وقع في قلبه فصار له حكم الجاد، أما هذا الذي ما قصد، ولكن سبق على اللسان، فإن هذا لا يضر، ولذلك ثبت في الصحيح في قصة الرجل الذي كان في فلاةٍ فأضاع راحلته وعليها طعامه وشرابه فلم يجدها، ثم نام تحت شجرةٍ ينتظر الموت، فإذا بناقته على رأسه فأخذ بزمامها، وقال: اللهم أنت عبدي وأنا ربك، أخطأ من شدة الفرح، فلم يؤاخذ، لأن هذا القول الذي صدر منه غير مقصودٍ له، بل سبق على لسانه فأخطأ من شدة الفرح، فمثل هذا لا يضر الإنسان، لأنه ما قصده، فيجب أن نعرف الفرق بين القصد وعدمه، يجب أن نعرف الفرق بين قصد الكلام وعدم قصد الكلام، ليس بين القصد للسب وعدم قصده، لأن هنا ثلاث مراحل؛ المرحلة الأولى: أن يقصد الكلام والسب، وهذا فعل الجاد، كما يصنع أعداء الإسلام بسب الإسلام.

المرحلة الثانية: أن يقصد الكلام دون السب، بمعنى يقصد ما يدل على السب لكنه مازحاً غير جاد، فهذا حكمه كالأول، يكون كافراً، لأنه استهزاء وسخرية.

المرتبة الثالثة: أن لا يقصد الكلام ولا السب، وإنما يسبق لسانه فيتكلم بما يدل على السب دون قصدٍ إطلاقاً، لا قصد الكلام ولا قصد السب، فهذا هو الذي لا يؤاخذ به، وعليه يتنزل قوله تعالى: لا يُؤَاخِذُكُمُ اللَّهُ بِاللَّغْوِ فِي أَيْمَانِكُمْ [البقرة:225] ، فإنه هو قول الرجل في عرض حديثه: لا والله وبلى والله. يعني ما قصد، فهذا لا يعتبر له حكم اليمين المنعقدة، فكل شيء يجري على لسان الإنسان بدون قصد، فإنه لا يعتبر له حكم، وقد يقال: إن الإنسان إذا قال في عرض حديثه: لا والله وبلى والله، إنه قصد اللفظ، لكن ما قصد عقد اليمين، فإذا كان هذا فإنه يفرق بين حكم اليمين وبين الكفر، فالكفر ولو كان غير قاصدٍ للسب يكفر، ما دام قصد الكلام واللفظ.

السؤال: أنا أعمل سائقاً بسيارة، وذات يومٍ اصطدمت بثلاثة أشخاص غير مسلمين، ولكني أخفيت نفسي إلى أن تقدم شخص عني وأنهى القضية بالسماح دون دفع غرامةٍ أو دية، فهل علي شيء في هذا؟ وهل تلزمني كفارة صيامٍ أم لا؟ وإذا كانت تلزم فهل أصوم عن كل واحدٍ منهم ستين يوماً متتابعة أم أصوم عن الجميع كفارةً واحدةً وتكفي؟

الجواب: إذا كان هؤلاء القوم الذين من غير المسلمين بينك وبينهم ميثاق وعهد، فإن الله سبحانه وتعالى يقول في القرآن: وَإِنْ كَانَ مِنْ قَوْمٍ بَيْنَكُمْ وَبَيْنَهُمْ مِيثَاقٌ فَدِيَةٌ مُسَلَّمَةٌ إِلَى أَهْلِهِ وَتَحْرِيرُ رَقَبَةٍ مُؤْمِنَةٍ [النساء:92] ، فهؤلاء يجب عليك في قتلهم كفارة على ما قاله أهل العلم، والكفارة عتق رقبة فإن لم تجد فصيام شهرين متتابعين، ويلزمك عن كل واحدٍ كفارة، وعلى هذا فتصوم ستة أشهر، كل شهرين منها متتابعان، ولا يلزم أن تتابع الستة كلها، فيجوز أن تصوم شهرين متتابعين، ثم تستريح إذا احتجت إلى الراحة، ثم تستأنف لشهرين آخرين، ثم تستريح، ثم تستأنف لشهرين آخرين، أما إذا كانوا حربيين غير معصومين، فإنه ليس عليك في قتلهم كفارة.

مداخلة: هؤلاء الأجانب الذين يقيمون هل يعتبرون من أهل الميثاق ومن أهل العهد؟

الشيخ: الظاهر أنهم يعتبرون من أهل الميثاق والعهد، لأن هناك عهوداً عامة بين الدول وعهوداً خاصة، والذي أظن أن إقامة السفارة في بلد معناه العهد والميثاق، فإذا كان هناك سفارات في بلادنا فهو دليل على أن بيننا وبينهم عهداً.


استمع المزيد من الشيخ محمد بن صالح العثيمين - عنوان الحلقة اسٌتمع
فتاوى نور على الدرب [707] 3913 استماع
فتاوى نور على الدرب [182] 3693 استماع
فتاوى نور على الدرب [460] 3647 استماع
فتاوى نور على الدرب [380] 3501 استماع
فتاوى نور على الدرب [221] 3496 استماع
فتاوى نور على الدرب [411] 3478 استماع
فتاوى نور على الدرب [21] 3440 استماع
فتاوى نور على الدرب [82] 3438 استماع
فتاوى نور على الدرب [348] 3419 استماع
فتاوى نور على الدرب [708] 3342 استماع