فتاوى نور على الدرب [153]


الحلقة مفرغة

السؤال: رجل جاء بالإفراد فطاف طواف القدوم فقط, وبدا له أن يسعى بعد يومين من طواف القدوم, فهل له ذلك أم لا؟

الجواب: الحمد لله رب العالمين, والصلاة والسلام على نبينا محمد وعلى آله وأصحابه أجمعين.

نعم يجوز للمفرد الذي قدم إلى مكة بنية الحج وحده أن يطوف للقدوم, ويؤخر السعي يوماً أو يومين أو أكثر, وله أن يؤخر السعي أيضاً إلى ما بعد طواف الإفاضة في يوم العيد, ولكن الأفضل أن يكون السعي موالياً للطواف؛ لأن النبي صلى الله عليه وسلم وأصحابه طافوا أول ما قدموا وسعوا, فهذا هو الأفضل ولكن تأخيره لا حرج فيه.

السؤال: أنا إن شاء الله قد اشتريت خيمتي وحزمت أمتعتي, وأريد السفر للحج هذا العام لأكمل ما فعلته في الأعوام الماضية, من المسيرة مع الصالحين, لعل الله أن يرحمنا جميعاً, لكنني أريد أن أتزود بزاد في حجي هذا, فما هو الزاد وفقكم الله؟

الجواب: يقول الله عز وجل: وَتَزَوَّدُوا فَإِنَّ خَيْرَ الزَّادِ التَّقْوَى [البقرة:197]، فخير الزاد أن تتقي الله سبحانه وتعالى بفعل أوامره, واجتناب نواهيه, فتحرص على أداء الصلاة في أوقاتها مع الجماعة, وتحرص على الصدق في أقوالك وأفعالك, وتحرص على النصيحة لإخوانك, وعلى الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر, وعلى التواصي بالحق والتواصي بالصبر, وعلى إعانة من يحتاج إلى عون بالمال أو البدن أو الجاه, وكذلك تتجنب ما نهى الله عنه من تأخير الصلاة عن أوقاتها, أو ترك صلاة الجماعة, أو الإخلال بشيء من واجباتها, أو الكذب أو الغيبة أو النميمة أو الإساءة للخلق بالقول أو الفعل, تتجنب جميع ما حرم الله عليك, فالتقوى اسم جامع لفعل جميع ما أمر الله به, وترك جميع ما نهى عنه؛ لأنها مشتقة من الوقاية, وهي أن يتخذ الإنسان وقاية له من عذاب الله, ولا وقاية من عذاب الله إلا بفعل أوامره واجتناب نواهيه.

السؤال: أنا رجل غير مديون, أي: لا يطلبني أحد ألبتة, لكن لي بعض النقود عند الآخرين, فهل يلزمني كتابتها؟ علماً أني لو توفيت فأنا مسامحهم, ولو توفى أحد منهم فأيضاً أنا مسامحه في ذلك.

الجواب: نقول: جزاك الله خيراً على هذه الهمة العالية, وما وجب لك من الحقوق على الناس فإن كتابته أولى وأحسن؛ لأن في ذلك ضبطاً لمالك ولنفسك ولمن يأتي من بعدك, ثم إن فيه ضبطاً لصاحبك الذي أنت تطلبه؛ لأنه قد يأتيك يوماً من الدهر وقد نسي ما عليه فيقول لك: ما هو الذي علي لك حتى أوفيك إياه, فإذا لم يكن مكتوباً قد تنساه أنت وينساه هو، وحينئذٍ يقع في النفوس حرج من هذا الأمر, وإن كان باب الصلح واسعاً ولله الحمد, لكن الذي ينبغي للمرء أن يقيد ماله, كما أنه يجب عليه أن يقيد ما عليه, لاسيما إذا لم يكن فيه بينة قال النبي صلى الله عليه وسلم كما صح في حديث ابن عمر : ( ما حق امرئ مسلم له شيء يوصي فيه يبيت ليلتين إلا وصيته مكتوبة عنده ).

السؤال: حج معي رجل العام الماضي, لكنه حج مفرداً, وبعد الطواف والسعي حلق رأسه أسوة بالآخرين, فماذا عليه, هل يبقى مفرداً أم له أن يحلق أو أن يجعلها عمرة وفقكم الله؟

الجواب: نقول: الأفضل أن يجعلها عمرة, كل من حج مفرداً أو قارناً وليس معه هدي, فإنه ينبغي أن يحول إحرامه إلى عمرة, ليصير متمتعاً, هكذا أمر النبي صلى الله عليه وسلم أصحابه وحتم عليهم في ذلك, ولكن هذا الرجل الذي حلق رأسه لمجرد التأسي بالآخرين, وهو باقي على نية إفراده, يبقى على نية إفراده, يكون مفرداً فقط, ويكون هذا الحلق الذي حصل منه قبل أن يتحلل, يكون هذا الحلق صادراً منه عن جهل, والحلق إذا صدر من المحرم عن جهل, فإنه ليس عليه إثم, وليس عليه فيه كفارة, لعموم قول الله تعالى: رَبَّنَا لا تُؤَاخِذْنَا إِنْ نَسِينَا أَوْ أَخْطَأْنَا [البقرة:286] .

السؤال: هل يجوز شرب الماء أثناء الوضوء؟

الجواب: نقول: نعم يجوز أن يشرب الإنسان الماء أثناء الوضوء, لكن إذا كان مكان الماء بعيداً بحيث تنقطع الموالاة إذا ذهب ليشرب, فإنه ينتظر حتى ينتهي من وضوئه ثم يذهب ويشرب.

السؤال: ما معنى صلاة التسبيح؟ وهل هي واجبة على كل مسلم؟ وكيف نؤديها؟

الجواب: صلاة التسبيح ليست بصحيحة, بل قال عنها شيخ الإسلام : إنه حديث باطل, وقال الإمام أحمد رحمه الله: إنه حديث لا يصح عن النبي صلى الله عليه وسلم. وعلى هذا فليست بمشروعة؛ لأن ثبوت مشروعيتها مبني على صحة حديثها, وإذا كان لم يصح عن النبي صلى الله عليه وسلم, فإنه لا يجوز لنا أن نتعبد لله بها, ثم إنها في صفتها وفعلها وأدائها يبعد أن تكون مشروعة وأنها خرجت من مشكاة النبوة؛ لأنه يقول: إنها تصلى كل يوم, فإن لم يكن فكل أسبوع, فإن لم يكن فكل شهر, فإن لم يكن فكل عام, فإن لم يكن ففي العمر مرة, ومثل هذا لا تأتي به الشريعة, أن تكون العبادة مشروعة على هذا الوجه؛ لأن العبادات إما أن تكون صلاحاً للقلب في كل وقت, فتكون مشروعة في كل وقت, وإما أن تكون صلاحاً للقلب على سبيل العموم, ويكون في إلزام الناس بها مشقة كل عام كما في الحج, فتفرض مرة واحدة, وأما أن تشرع على هذا الوجه فإن هذا لا نظير له في الشريعة, ولذلك فهي باطلة سنداً ونظراً، يعني: أثراً ونظراً, ولا ينبغي للإنسان أن يتعبد لله بها.

مداخلة: طيب ما حكم الدعوة إليها؟

الشيخ: الدعوة إليها والإنسان يعلم أن حديثها لا يصح محرمة؛ لأن الدعوة إلى الباطل شر من فعله, إذ أن فاعله قد يفعله وهو يعتقد أنه باطل, فيتوب إلى الله عز وجل, ولا يتأثر أحد بفعله, لكن الداعي إلى الباطل, يتأثر الناس بدعوته, ولو قدرت له التوبة فإنه من الصعوبة بمكان أن ينزجر الناس عما دعا إليه من قبل.

مداخلة: إن صلاة ولكن بعضهم يقول: إن مما يدل على صحتها أنني أصليها وأنني أجد راحة واطمئناناً وإقبالاً على الله وانشراحاً في صدري, وهذا لا يتأتى إلا من خير.

الشيخ: الحقيقة أن العبادات لا تقاس براحة النفس, فإن الإنسان قد يرتاح لأمور بدعية شركية قد تخرجه من الإسلام وهو يرتاح لها؛ لأن الله تعالى يقول: أَفَمَنْ زُيِّنَ لَهُ سُوءُ عَمَلِهِ فَرَآهُ حَسَنًا فَإِنَّ اللَّهَ يُضِلُّ مَنْ يَشَاءُ وَيَهْدِي مَنْ يَشَاءُ [فاطر:8]. والعبادات ليست تقاس بأذواق الناس, ولو قيست بأذواق الناس لم يكن الشرع واحداً, ولو كان الشرع متعدداً؛ لأن كل واحد من الناس له ذوق معين, وهذا لا يمكن أبداً, فالشريعة واحدة, والذوق السليم هو الذي يوافق ما جاءت به الشريعة. وقبل أن أفارق هذا المكان أقول: ينبغي للإنسان إذا تذوق عملاً من الأعمال وارتاح له نفسياً أن يعرض هذا العمل على كتاب الله وسنة رسوله صلى الله عليه وسلم, فإن كان موافقاً لها, فليحمد الله على ذلك, حيث وفق للراحة فيما كان مشروعاً, وإن كان غير موافق لكتاب الله وسنة رسوله فإن عليه أن يعالج قلبه؛ لأن في قلبه مرضاً, حيث يرتاح لما ليس بمشروع, وإن كان الإنسان بجهله قد يكون معذوراً, لكن يداوي هذا المرض مرض الجهل, أو مرض سوء الإرادة.

السؤال: سمعت من إحدى الإذاعات تتكلم عن آداب السلام, تقول: يجب على كل مسلم أن يراعي السلام, فإذا دخل على جماعة وهم مسلمون, فيقول: السلام عليكم ورحمة الله وبركاته, أما إذا لم تكن تلك الجماعة من المسلمين فيقول فقط: السلام عليكم, وقد سمعت من برنامجكم هذا أنه لا يجب السلام على الكافر, فما هو الرأي والجواب الصحيح؟

الجواب: الجواب الصحيح أن السلام سنة مؤكدة, إذا مر الإنسان على مسلم أو أتى إليه فإنه يسلم، والسنة أن يسلم القليل على الكثير, والصغير على الكبير, والماشي على القاعد, والراكب على السائر على قدميه, ولكن إذا لم يتأتَ ذلك, ولم يسلم القليل على الكثير فليسلم الكثير, ولا تترك السنة لكون البعض لم يأتِ بها, وأما السلام على غير المسلمين فإنه لا يجوز ابتداؤه بالسلام؛ لأن النبي صلى الله عليه وسلم يقول: ( لا تبدءوا اليهود ولا النصارى بالسلام ). فإذا كان هذا في اليهود والنصارى فغيرهم من باب أولى, فلا يجوز أن نبتدئ غير المسلم بالسلام, ولكن إذا سلم عليه غير المسلم, فإنه يرد عليه ويقول: وعليكم.

السؤال: ما المقصود بصلاة الوتر؟ وهل هي واجبة, وكيف يؤديها المسلم؟

الجواب: صلاة الوتر المقصود بها ختم صلاة الليل بركعة, أو بثلاث, أو بخمس, أو سبع, أو تسع, أو إحدى عشر, فالوتر سنة مؤكدة, حتى إن بعض العلماء يقول بوجوبه، والإمام أحمد رحمه الله قال: من ترك الوتر فهو رجل سوء لا ينبغي أن تقبل له شهادة, فلا ينبغي للمسلم أن يدع صلاة الوتر, وإذا انتهى مما كتب له من صلاة الليل فليصل ركعة, أو ثلاثاً, أو خمساً, كما يكون نشاطه, إلا أن صفته تختلف, فإذا أوتر بثلاث فإن شاء سلم في الركعتين الأوليين وأفرد الثالثة, وإن شاء جمعها, أي: جمع الثلاث جميعاً بتسليم واحد وتشهد واحد, فإن أوتر بخمس, جمع الجميع بتسليم واحد وتشهد واحد, وكذلك إذا أوتر بالسبع, وإن أوتر بالتسع فإنه يصلي ثمانياً ويجلس في الثامنة ويتشهد ولا يسلم ثم يقوم فيصلي التاسعة ويسلم, يتشهد ويسلم, وإن أوتر بإحدى عشرة, صلى ركعتين ركعتين وأوتر بواحدة. ووقت الوتر من بعد صلاة العشاء, إذا صلى العشاء وسنتها الراتبة ولو مجموعة إلى المغرب جمع تقديم, فإنه يدخل وقت الوتر إلى طلوع الفجر, وإذا طلع الفجر والإنسان لم يوتر فإنه لا يوتر في النهار, ولكن يقضي وتره شفعاً, فإن النبي صلى الله عليه وسلم كان إذا غالبه نوم أو وجع, ولم يصلِ من الليل, صلى من النهار ثنتي عشرة ركعة, هذا هو خلاصة الوتر.

السؤال: أنا كل سنة أسافر للحج بصالون كبير ويمتلئ هذا الصالون من أفراد العائلة ومن الأقارب, فتذهب علينا الأيام في مشاعر الحج ونحن نقضيها بالمزاح واللعب والضحك, وأحياناً قد يأتي كلمات نابية, في هذه السنة أود أن أسافر إلى الحج بالأجر, أي: أن أركب مع وسائل النقل الأخرى, لكي لا أسافر مع من أسافر معهم كل سنة, حتى أحج حجاً تطمئن إليه نفسي, وأرتاح فيه, وأقبل على الله سبحانه وتعالى, فأيهما الأحسن لي والأفضل وفقكم الله؟

الجواب: إذا كان يمكنك أن تسافر مع أهلك وتوجههم إلى ما فيه الخير وإلى ترك اللغو من الكلام والرفث, فهذا خير وأفضل لما فيه من صلة الرحم, والتقارب بين الأقارب وإصلاح الأحوال, وإذا لا كان لا يمكنك إصلاح أحوالهم, فإن الأفضل أن تختار لك جماعة من أهل العلم والدين وتسافر معهم إلى الحج, ليكون حجكم أقرب إلى الصواب من غيره.